الباطن
هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...
العربية
المؤلف | عبدالله بن حسن القعود |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - كتاب الجهاد |
اطلبوا الشهادة بصدقٍ وإخلاص فإنها لأَشرفُ الغايات وأَعظم الأُمنيات، ومن طلبها بصدق كتبت له، أو كتب له أَجرها. يقول -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه مسلم عن سهل بن حنيف: "من سأل الله الشهادة بصدق؛ بلَّغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه"، فاطلبوا الشهادة بجهادكم بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله، ولإعلاء كلمة الله لا في سبيل النعرات الإقليمية أو القَبَلية...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين الرَّحمن الرحيم، مالكِ يوم الدين، أحمدك اللَّهم حمداً ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء، وأشكرك وأستغفرك، وأشهد أنك أنت الله وحدك لا شريك لك، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بك، بك نحول، وبك نصول، وبك نقاتل، وأشهد أنَّ سيدنا ونبيّنا محمداً عبدك ورسولك, الذي جاهد في الله حقّ جهاده، جاهد بسيفه ولسانه وسنانه، صلواتُ الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه.
أمَّا بعد:
أيُّها المسلمون: فقد روى الإمام أحمد وغيره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لأصحابه: "لمّا أُصيب إخوانكم بأُحُد جعل الله أرواحهم في أجواف طيرٍ خُضرٍ, تَرِدُ أنهار الجنَّة وتأكل من ثمارها، وتأَوي إلى قناديل من ذهب معلَّقة في ظلِّ العرش، فلما وجدوا طِيب مطعمهم ومشربهم ومَقِيلهم، قالوا: من يبلّغ إخواننا عنّا: أنّا أحياء في الجنة نُرزق لئلاّ يَزْهدوا في الجهاد، وينكلوا عن الحرب، فقال تعالى: أنا أُبلغهم عنكم، فأنزل الله: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [آل عمران:169].
وروى البخاري ومسلم -رحمهما الله- عن أَنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما أحد يدخل الجنَّة يحبّ أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيءِ إلا الشهيد يتمنَّى أن يرجع إلى الدنيا فيُقتل عشرات مرَّات لِمَا يرى من الكرامة". وفي رواية أُخرى: "لما يرى من فضل الشهادة" وقال: "إن في الجنّة لمائة درجة ما بين الدرجة والدرجة كما بين السماء والأرض أعدها الله للمجاهدين في سبيله" [متفق عليه]. وقال: "من اغبرت قدماه في سبيل الله حرّمه الله على النّار" [رواه البخاري]. وقد نصّ العلماء على أنه أفضل الأعمال بعد أركان الإسلام ولم يرد في شيء فضل مثل ما ورد فيه.
أيُّها المسلمون: هذه النصوص وأمثالها من كتاب الله وسنَّةِ رسوله تبيِّن حُسن جزاء الشُّهداء وعظم مَثوبتهم عند الله، ومعلومٌ أنَّه كلَّما عظُم الثمن الذي يقدِّمه المشتري عظم المثمَّن الذي يتقاضاه، فالشَّهيد قدَّمَ أعظم شيءٍ لديه وهو نفسه فباعها لوجه الله تعالى، وفقد بتقديمها وبيعِها لله حياة الدنيا المليئة بالكبد والأحزان والآلام فعوَّضه الله بذلك حياة طيِّبة، حياة نعيم وأُنس وسلام, فلا حزن ولا أسى إذن على الشهيد.
وقد أخبر الله عن الشهداءِ أنَّهم (أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [آل عمران:169-170]. روى البخاري أن أم حارثة بن سرَّاقة أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، ألا تحدّثني عن حارثة؟ وكان قُتل يوم بَدْر، فإن كان في الجنَّة صبرتُ وإن كان غير ذلك اجتهدتُ في البكاءِ، فقال: "يا أُم حارثة إنَّها جنان في الجنَّة، وإن ابنك أَصاب الفردوس الأعلى فلا حزن ولا أَسى على شهيد". ولا سيما الدعاة ومبلّغي الأفكار الإسلامية والمعتقد السلفي؛ فإنَّهم باستشهادهم يؤثرون على دعوتهم أكثر من لو عاشوا لها وبقوا عليها مئات السنين، وإنَّما الحزن والأَسى من فعلة الأعداء الشنعاء التي عومل بها شهداءُ الإسلام, ويعامَل بها دعاته قديماً وحديثاً، وما يُقصد من وراءِ هذه المعاملة من محاربة الإسلام ومحاولة القضاءِ عليه، والله متم نوره ولو كره الكافرون: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [التوبة:32].
أيُّها المسلمون: إنَّ لأَجَل الإنسان نهاية محتومة لا يتجاوزها أبداً (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [الأعراف:34] وإن الميتة واحدة، وإِن تنوَّعت أسبابها:
ومن لم يمتْ بالسيْف مات بغيره | تعددت الأسباب والموت واحد |
وإن أفضل نهاية ينتهي بها المؤمن من هذه الدُّنيا -والمفارَقة لا مَحالةَ- هي نهاية الشهداءِ، وأَفضل الشهادة شهادة الأَنبياء فأَتباع الأَنبياء ممن ينادون بما نادت به الأَنبياءُ من إفراد الله -سبحانه- بالعبادة وحده، وإفراده بالحاكمية بحيث تُحكم الأَرض بما أَنزله تعالى على رسوله محمد بن عبد الله، لا بقومية أبي جهل وجاهليته الجهلاء، ولا بشيوعيَّة ماركس اليهودي الموتور الحمراءَ، ولا ببعثيّة عفلق الضالة الدموية السوداء، وإنما بالقرآن وسنَّةِ خير الأَنام، بشريعة الله التي أُنزلت لصالح البشر، وأُوجِد البشر للعمل بها، (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذريات:56] (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) [يوسف:40].
فاتَّقوا الله -يا قوم- بطاعة الله واطلبوا الشهادة بصدقٍ وإخلاص فإنها لأَشرفُ الغايات وأَعظم الأُمنيات، ومن طلبها بصدق كتبت له، أو كتب له أَجرها. يقول -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه مسلم عن سهل بن حنيف: "من سأل الله الشهادة بصدق؛ بلَّغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه"، فاطلبوا الشهادة بجهادكم بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله، ولإعلاء كلمة الله لا في سبيل النعرات الإقليمية أو القَبَلية, ولا في سبيل المبادئ المنافية للإسلام, التي مصيرُ قتلاها جهنَّم يصلونها وبئس القرار، وإنَّما لله وفي سبيله ولإعلاء كلمة الله.
سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتلُ رياءً، فقال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله".
أقول قولي هذا وأسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى أن يحْشرنا مع الذين أنعم الله عليهم من النبيّين والصدِّقين والشُّهداء والصَّالحين وحسُن أولئك رفيقاً؛ ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليماً.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضاه، أحمده تعالى وأشكره، وأَشْهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له، شهادةً أَرجو بها النجاة يوم نلقاه، يوم يبعثَر ما في القبور ويحصّل ما في الصدور، وأَشهدُ أنَّ سيّدنا ونبيَّنا محمداً عبده ورسوله, صلّى الله وبارك عليه وعلى آله وأَصْحابه وأتباعه, وسلَّم تسليماً كثيراً.
أَما بعد:
فيا أيُّها النَّاس: اتّقوا الله حقَّ تُقاته، ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرَّقوا، واعلموا أن أصدق الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هدي رسول الله، وشر الأمور مُحْدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة.
وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذّ عنهم شذ في النَّار، وصلّوا على أَكرم نبي وأعْظم هادٍ فقد أمركم الله بذلك في قوله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنَفاء؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وعن سائر أصحاب رسولك وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين وأذِل الشرك والمشركين, ودمِّر أعداء الدين, وانصرُ عبادك الموحِّدين.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات, وأَلِّف بين قلوبهم, وأَصلح ذات بينهم, وانصرهم على عدوّك وعدوهم, واهدهم سبل السلام.
اللهم أصلح ولاة أُمور المسلمين؛ اللهم أَرِهم الحق حقا وارزقهم اتّباعه، والبَاطِلَ باطلاً وارزقهم اجتنابه. اللهمَّ ارزقهم البطانة الصالحة التي تذكِّرهم إذا نسوا وتعينهم على نوائب الحق؛ يا ربّ العالمين.
اللهمّ أَقم علَم الجِهاد، واقمع أَهلَ الشِّرك والزيغ والفساد، وانشر رحمتك على العباد.
اللهم إِنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطَن، اللهم آمِنّا في أوطاننا, واستعمل علينا وعلى سائر المسلمين في كل زمان مكان من يخافك ويتّقيك يا ذا الجلال والإِكرام.
اللهم إنّا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحوُّل عافيتك وفجأةِ نقمتك وجميع سخطك.
ربنا اغفرْ لنا ولإِخواننا الذين سبقونا بالإِيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للذين آمنوا، ربنا إنَّك رءوف رحيم. ربنا لا تُزِغْ قلوبنا بعد إذْ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمةً إنَّك أنت الوهاب.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذابَ النَّار.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلَّكم تذكَّرون. فاذكروا الله عظيم الجليل يذكُرْكم، واشكروه على نعمه يزدْكم ولَذِكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.