البحث

عبارات مقترحة:

الكبير

كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...

القاهر

كلمة (القاهر) في اللغة اسم فاعل من القهر، ومعناه الإجبار،...

العفو

كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...

مواصلة العمل الصالح بعد رمضان

العربية

المؤلف عبدالله بن حسن القعود
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - الصيام
عناصر الخطبة
  1. قبح السيئة بعد الحسنة    .
  2. حال الكثيرين بعد رمضان    .
  3. ما كان عليه الناس في رمضان وبعده .
  4. التحذير من المعصية بعد الاستقامة   .
  5. من أقوال السلف الصالح   .
  6. صيام ستة أيام من شوال .

اقتباس

تلكم لمأساة كبرى وخسارة عظمى أن يبني الإنسان ثم يهدم، وأن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير. فأين تلكم القلوب الخاشعة في رمضان, والعيون الدامعة, والألسن التالية, والأيدي المنفقة؟!, أين تلكم الأرواح المقبلة على الله؟!, أين ذلكم الشعور الفياض في رمضان؟!. أفليس -يا عباد الله- رب رمضان هو رب شوال وشعبان؟...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي لا يزول ولا يتغير –سبحانه-, جعل في تعاقب الليل والنهار عبرة لمن يتذكر, أحمده وأشكره وأستغفره, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, القائل في كتابه المبين: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر:99] وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله دعا إلى المداومة على الطاعة بفعله وقوله: "أحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قل" [رواه مسلم]. صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه, وكل من تمسك بهديه حتى يلقى الله وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فيا عباد الله: اتقوا الله وأكثروا من اتباع الحسنة بالحسنة، فوالله ما أجمل من الطاعة إذا أُتبعت بطاعة، ولا أجمل من الحسنة تتلوها الحسنة بعدها, فتلكم من الباقيات الصالحات التي ندبكم الله إلى فعلها في محكم الآيات.

يا عباد الله: إذا كان فعل السيئة قبيحاً في نظر الإسلام؛ فما أشنعه وأقبحه بعد فعل الحسنة، فلئن كانت الحسنات يذهبن السيئات فإن السيئات قد يبطلن صالح الأعمال. فإذا كنا مؤمنين بهذا فما لي أرى بعد أن مضى رمضان المبارك كأنه طيف خيال؛ أخذ الكثير ينصرفون عن صالح الأعمال، فبالأمس المساجد مكتظة بالمصلين والأصوات مدوية بتلاوة الكتاب المبين, بالأمس أنفقت آلاف المئين على ذوي القربى والمساكين, بالأمس وجل التفكير مقصور على ما ينفع أمام رب العالمين, بالأمس النفوس محلقة مع عالم السماء الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون.

واليوم -رحماك يا رب- بعد أن كنا مرغمين الشيطان بكثرة النوافل؛ أخذ يهتز طرباً من تركنا لها، ويتصارع مع النفوس في ترك الواجبات (إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [فاطر:6] وإن تلكم لمأساة كبرى وخسارة عظمى أن يبني الإنسان ثم يهدم، وأن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير. فأين تلكم القلوب الخاشعة في رمضان, والعيون الدامعة, والألسن التالية, والأيدي المنفقة؟!, أين تلكم الأرواح المقبلة على الله؟!, أين ذلكم الشعور الفياض في رمضان؟!.

أفليس -يا عباد الله- رب رمضان هو رب شوال وشعبان؟ أفليس هو الذي أخبر عن نفسه -سبحانه- بأنه مع المتقين والمحسنين, بأنه مع المتقين والمحسنين في كل زمان؟ أفليس هو الذي أخبر عنه رسوله -صلى الله عليه وسلم- بأنه ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، وذلكم نزول حقيقي يليق بجلاله وعظمته, فيقول -سبحانه-: "هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه سؤله؟" [رواه مسلم].

فما هذا الانصراف -يا عباد الله-؟!, ما هذه الرغبة عن الله الذي يحب من عباده المداومة على تقواه؟!, فحذار! يا من سمت نفوسهم في رمضان إلى درجات الصالحين, ونعمت بلذة المناجاة, وانخرطت في سلك الطائعين؛ أن تهدموا ما بنيتم وتبددوا ما جمعتم. حذار! يا من كان في رمضان تقياً نقياً رحيماً؛ أن تحول نفسك شيطاناً رجيماً. حذار! فما أقبح النكوص على الأعقاب والالتفات عن الله, بعد أن أقبلت عليه تائباً من ذلك راغباً في رحمته خائفاً من نقمته. حذار! بعد أن كنت في عداد الطائعين وحزب الرحمن وأسبل عليك لباس العفو والغفران؛ أن تخلعه بالمعصية فتكون من حزب الشيطان. حذار! أن توقع نفسك في المعاصي, فإنها شهوة قصيرة عاجلة, تعقبها حسرة دائمة ونار حامية.

فاتقوا الله -عباد الله- وواصلوا السير إلى الله، فمن زرع وتعاهد زرعه بالسقي حصد.

ومن زرع الحبوب وما سقاها

تأوه نادماً يوم الحصاد

عباد الله: إن الحياة كلها مجال للسباق, وميدان فسيح لفعل الخيرات، لا فرق بين رمضان وغيره. قيل لبشر الحافي -رحمه الله-: "إن قوماً يتعبدون في رمضان، فإذا انسلخ تركوا". قال: "بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان"، وقال الحسن البصري -رحمه الله-: "لا يكون لعمل المؤمن أجل دون الموت"، ثم قرأ (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر:99].

فاتقوا الله -أيها المسلمون- وألزموا أنفسكم المسلك القويم الذي سلكتموه في رمضان؛ من اجتناب المعاصي والإكثار من أعمال البر, ومتابعة الإحسان بالإحسان, وإن من متابعة الإحسان صيام ستة أيام من شوال, ندبكم إليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر كله" [رواه مسلم]. ولعل من حكمة مشروعية صيامها إظهار شكر الله, وترويض النفوس على متابعة الإحسان بالإحسان، وبيان أن فعل القرب ليس مقصوراً على رمضان، وإنما يتجدد في كل زمان.

 ووجه كون صيام الست بعد رمضان كصيام الدهر هو أن الله يجزي على الحسنة بعشر أمثالها، كما في قوله: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) [الأنعام:160] فصيام رمضان مضاعفاً بعشرة شهور, وصيام الست بستين يوماً؛ فحصل من ذلكم أجر صيام سنة كاملة.

اللهم ارزقنا الاستقامة ومواصلة الجهود الحسنة إلى أن نلقاك.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضاه، أحمده تعالى وأشكره، وأَشْهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له، شهادةً أَرجو بها النجاة يوم نلقاه، يوم يبعثَر ما في القبور ويحصّل ما في الصدور، وأَشهدُ أنَّ سيّدنا ونبيَّنا محمداً عبده ورسوله, صلّى الله وبارك عليه وعلى آله وأَصْحابه وأتباعه, وسلَّم تسليماً كثيراً.

أَما بعد:

فيا أيُّها النَّاس: اتّقوا الله حقَّ تُقاته، ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرَّقوا، واعلموا أن أصدق الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هدي رسول الله، وشر الأمور مُحْدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة.

وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذّ عنهم شذ في النَّار، وصلّوا على أَكرم نبي وأعْظم هادٍ فقد أمركم الله بذلك في قوله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنَفاء؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وعن سائر أصحاب رسولك وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.

اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين وأذِل الشرك والمشركين, ودمِّر أعداء الدين, وانصرُ عبادك الموحِّدين.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات, وأَلِّف بين قلوبهم, وأَصلح ذات بينهم, وانصرهم على عدوّك وعدوهم, واهدهم سبل السلام.

اللهم أصلح ولاة أُمور المسلمين؛ اللهم أَرِهم الحق حقا وارزقهم اتّباعه، والبَاطِلَ باطلاً وارزقهم اجتنابه. اللهمَّ ارزقهم البطانة الصالحة التي تذكِّرهم إذا نسوا وتعينهم على نوائب الحق؛ يا ربّ العالمين.

اللهمّ أَقم علَم الجِهاد، واقمع أَهلَ الشِّرك والزيغ والفساد، وانشر رحمتك على العباد.

اللهم إِنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطَن، اللهم آمِنّا في أوطاننا, واستعمل علينا وعلى سائر المسلمين في كل زمان مكان من يخافك ويتّقيك يا ذا الجلال والإِكرام.

اللهم إنّا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحوُّل عافيتك وفجأةِ نقمتك وجميع سخطك.

ربنا اغفرْ لنا ولإِخواننا الذين سبقونا بالإِيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للذين آمنوا، ربنا إنَّك رءوف رحيم. ربنا لا تُزِغْ قلوبنا بعد إذْ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمةً إنَّك أنت الوهاب.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذابَ النَّار.

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلَّكم تذكَّرون. فاذكروا الله عظيم الجليل يذكُرْكم، واشكروه على نعمه يزدْكم ولَذِكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.