البحث

عبارات مقترحة:

المنان

المنّان في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من المَنّ وهو على...

الغفار

كلمة (غفّار) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (غَفَرَ يغْفِرُ)،...

المهيمن

كلمة (المهيمن) في اللغة اسم فاعل، واختلف في الفعل الذي اشتقَّ...

دخول العشر وختام الشهر

العربية

المؤلف خالد القرعاوي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - الصيام
عناصر الخطبة
  1. الحث على اغتنام ما بقي من رمضان .
  2. اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر .
  3. خير ما يختم به الشهر: الدعاء والاستغفار .
  4. أحكام زكاة الفطر وآدابها .
  5. سنن العيد وآدابه. .

اقتباس

وَكَانَ مِنْ شِدَّةِ اجْتِهَادِهِ أيضَاً: أنَّهُ كَانَ يُوْقِظُ أَهْلَ بَيْتِهِ لِلتَّعَبُّدِ فِي هَذِهِ الْعَشْرِ. وَمِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ أَنَّ كْثِيرَاً مِن النِّسَاءِ وَالشَّبَابِ يَسْهَرُونَ طِوالَ اللَّيْلِ وَلا يُفَكِّرُ أَحَدُهُمْ فِي اغْتِنَامِ وَقْتِ النُّزُولِ الِإلَهِيِّ آخِرَ اللَّيْلِ بِرَكْعَةٍ أَوْ دَمْعَةٍ أَوْ دُعَاءٍ أَوْ قِرَاءَةِ قُرْآنٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ –صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ، أَوْ ثُلُثَاهُ، يَنْزِلُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ" (رَوَاهُ مُسْلِم)...

الخطبة الأولى:

الْحَمْدُ للهِ خَصَّ رَمَضَانَ بِمَزِيدِ الْفَضْلِ وَالإِكْرَام، نَحْمَدُهُ وَنَشْكُرُهُ عَلَى إِحْسَانِهِ الخَاصِّ والْعَام، وَنَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تَفَرَّدَ بِالْكَمَالِ وَالتَّمَام، وَنَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ أَفْضَلُ مَنْ صَلَّى وَصَام، وَأَتْقَى مَنْ تَهَجَّدَ وَقَام، صَلَّى اللهُ وبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ يا صَّائِمُونَ وَوَاصِلُوا اجْتِهَادَكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ الأَعْمَالَ بِالْخَوَاتِيم، وَإِيَّاكُمْ أَنْ يَطُولَ عَلَيْكُمُ الأَمَدُ فَتَقَعُونَ فِي الذَّمِّ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، كَمَا وَصَفَ: (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد: 16]، وقَد قَالَ رَسُولُ اللهِ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: "يَا عَبْدَ اللهِ! لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ، كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ، فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيلِ" (مُتَّفَقٌ عَلَيْه).

 نَحنُ يا صَّائِمُونَ في عَشْرٍ كَانَ رَسُولُنَا يَخُصُّها بِمَزِيدِ عِنَايَةٍ وَاجْتِهَادٍ وَيُمَيِّزُهَا بِأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ لَمْ يَكُنْ يَفْعَلُهَا فِي غَيْرِهَا، فَحَرِيٌّ بِنَا الاقْتِدَاءُ بِه! فَهنيئاً لنا تِلكَ العَشْرُ المُبَارَكاتُ ويا قُرَّةَ أعيُنَنا بها! ومن نعمتِ الله أنْ جعلَ عشرَنا فُرصَةٌ لِمَن فرَّط أوَّلَ الشَّهر أو تَاجاً وخِاتَمَاً لمن أصْلَحَ وأطاعَ رَبَّهُ واتَّبعَ الأمْرَ!

 اللهُ أكبرُ: عشرُنا سُوقٌ عظيمٌ يَتَنافسُ فيه المُتَنَافِسونَ، استجابَ أناسٌ للنِّداءِ فخالطَ الإيمانُ قلوبَهم، فَسَلَكُوا سَبِيلَ المُؤمنينَ. (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام: 122].

وطائفةٌ أخرى عياذاً باللهِ سَمِعتِ النِّداءَ وكأنَّهُ لا يَعنِيها، تَرى المُؤمنينَ يُصَلُّون ويَتَهَجَّدُونَ وكأنَّهم عن رَحمَةِ اللهِ مُستغنونَ! وَصدَقَ اللهُ: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الكهف: 103- 104].

عبادَ الله: تقولُ أمُّنا عائشةُ -رضي الله عنها- قالت: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ". قال ابنُ رجبٍ -رحمه اللهُ-: ولم يكنِ النبيُّ إذا بقيَ من رمضانَ عشرةُ أيامٍ يدعُ أحداً من أهله يُطيقُ القيامَ إلا أَقَامَهُ. بل كان -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- يعتكفُ في هذه العشرِ لينقطعَ عن الدُّنيا ومشاغِلِها مُتَحَرِّياً ليلةَ القدر. وَمن بَعدِهِ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- سارت قوافلُ الصالحينَ، تقفُ عند العشرِ وقفةَ جدٍ وإخلاصٍ ويقينٍ بعفوِ أكرم الأكرمينَ.

فمن شِدَّةِ تعظيم السَّلفِ لها أنَّهمْ كانوا يغتسلونَ ويتطيَّبُون ويتزيَّنونَ لها بأحسنِ ملابسهم كُلَّ ليلةٍ. فالله الله لا تَفُوتَنَّكُم تلكَ الفرصةُ العظيمةُ فالإقبالُ على طاعةِ اللهِ مطلوبٌ كلَّ وقتٍ وحينٍ، وفي العشرِ الأواخِرِ أعظمُ فضلاً، وأكثرُ أجرًا، حيث يَقتَرِنُ فيها فضلُ العبادةِ وفضلُ الزَّمانِ. ولنا في رسولناَ خيرُ أسوةٍ وإمامٍ.

أيُّها الصَّائمون: اطردوا عنكم الكسل، وانصبوا أقدامَكم وارفعوا أكُفَّكم، واسجدوا لربِّكم، وكونوا مِمَّن أثنى الله عليهم: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا . أملا بالفوز بليلةِ القدر، ونيلِ بركاتِها، فقد قال –صلى الله عليه وسلم-: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه"، وقد ندب رسولُنا –صلى الله عليه وسلم- إلى التماسها في ليالِ الوتر من العشر الأواخر، بل في السَّبعِ البواقي فعن عبدِ الله بنِ عمرَ -رضي الله عنهما- قال: قال رسولُ الله –صلى الله عليه وسلم-: "التمسوها في العشر الأواخر، فإن ضَعُفَ أحدكم أو عَجَزَ فلا يُغلبَنَّ على السَّبعِ البواقي".

  وقد سَأَلَت أمُّ المؤمنين عائشةُ -رضي الله عنها- رسولَ الله –صلى الله عليه وسلم-أيِّ شيءٍ أدعوا ليلة القدرِ؟ فأرشدها أن تقول: "اللهم إنَّك عفوٌّ، تحبُّ العفو، فاعف عني".

وَكَانَ مِنْ شِدَّةِ اجْتِهَادِهِ أيضَاً: أنَّهُ كَانَ يُوْقِظُ أَهْلَ بَيْتِهِ لِلتَّعَبُّدِ فِي هَذِهِ الْعَشْرِ. وَمِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ أَنَّ كْثِيرَاً مِن النِّسَاءِ وَالشَّبَابِ يَسْهَرُونَ طِوالَ اللَّيْلِ وَلا يُفَكِّرُ أَحَدُهُمْ فِي اغْتِنَامِ وَقْتِ النُّزُولِ الِإلَهِيِّ آخِرَ اللَّيْلِ بِرَكْعَةٍ أَوْ دَمْعَةٍ أَوْ دُعَاءٍ أَوْ قِرَاءَةِ قُرْآنٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ –صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ، أَوْ ثُلُثَاهُ، يَنْزِلُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ" (رَوَاهُ مُسْلِم).

فاللهم اغفر لنا وتب علينا واعتق رقابنا ووالدينا من النار. بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيم، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُم فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ الْمَبْعُوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أمَّا بعدُ: فاتَّقوا اللهَ يا صائِمونَ واغتَنِموا ما بقي من الليالِي المَعدُوداتِ، فإنَّ من دلائلِ توفيقِ اللهِ للعبدِ أنْ يَغتَنِمَ المُسلِمُ هذه الليالي المباركةِ، بأنواع العبادة والتَّذلُّلِ والدُّعاءِ، فاجتهدوا -يا رعاكم اللهُ- بالدُّعاء، وسَلُوا اللهَ ولا تَعْجَزُوا ولا تستبطئوا الإجابةَ، أملا بالفوز بليلةِ القدر، ونيل بركاتِها، فالدُّعاءُ أنسُ قلوبِنا، وراحةُ نُفُوسِنا، وَجَالِبُ الخيراتِ وَدَفِعُ الكُرُباتِ: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186].

وَثَقُوا يا مُؤمِنُونَ أنَّهُ لن يخسَرَ مع الدُّعاءِ أحد، فكم من بليَّةٍ رَفَعَهَا الله بالدُّعاء! وكم من معصيةٍ غفرَها الله بالدُّعاء! وكم من نعمةٍ ظاهرة وباطِنَةٍ كانت بسبَبِ الدُّعاء؟ ! قال رسولُ الله –صلى الله عليه وسلم-: "لا يُغني حذَر من قدَر، والدُّعاءُ ينفَعُ مِمَّا نزلَ ومِمَّا لم ينزِل، وإنَّ البلاءَ لَيَنزِلُ فَيلقَاهُ الدُّعاءُ، فَيَعْتَلِجَانِ إلى يومِ القيامةِ". يعني يتصارعانِ! فحريٌّ أنْ تُعمَرَ العَشْرُ بالدُّعاءِ وقد قال رسولُ اللهِ –صلى الله عليه وسلم-: "ليس شيءٌ أكرمَ على الله من الدِّعاءِ".

 واعلموا رحمكمُ اللهُ: أنَّ الجَمْعَ بين الصيامِ والصَّدقَةِ أبلغُ في تكفيرِ الخطايا والفوزِ بالجنَّةِ! صَحَّ عن النبيِّ –صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: "من أصبح منكم اليوم صائمًا؟" قال أبو بكر: أنا، قال: "من تَبِعَ منكم اليوم جنازةً؟" قال أبو بكر: أنا، قال: "من تصدَّق بصدقةٍ؟" قال أبو بكر: أنا، قال: "فمن عاد منكم مريضًا؟" قال أبو بكر: أنا، قال: "ما اجتمعت في امرئ إلا دَخَلَ الجنةَ".

 فهيَّا عباد اللهِ: أكثروا من الصَّدقات فهي سببٌ لِزَكَاءِ نُفُوسِكم، وطهارةِ قُلُوبِكم، ونماءِ أموالِكُم، فَنحنُ في شهر رحمةٍ ومواساةٍ وقد حَلَّ بإخوانٍ لنا في العقيدة والدِّينِ، فجائعُ كبرى، وفقرٌ مُهلكٌ، فأعينوا مُحتَاجَهُم، وانصروا مَغلُوبَهم، وجاهِدوا معهم بِأموالِكم، فاللهُ تعالى يقول: (وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [المزمل: 20].

 عبادَ اللهِ: بَعضُ الصَّائِمينَ لا يَستَوعِبُ قُربَ انتِهاءِ رَمضَانَ إلا إذا تَحَدَّثَ الخطِيبُ عن أحكامِ زَكاةِ الفطْرِ وصلاةِ العيدِ ووقتِها وأَمَاكِنِهَا، وما علِمَ الغافِلُ أنَّه واللهُ أعلمُ أنَّ هذه فُرصَةُ الخطيبِ الأخيرَةُ لِلحديثِ عنها! فإلى متى التَّسويفُ والتَّغافُلُ؟

من فاته الزَّرعُ في وقت البَذَارِ  

فما تراه يحصـدُ إلا الْهَمَّ والنَّدَمَا    

أيُّها الصَّائِمُ: أَعظَمُ ما تُودِّعُ به صيامَكَ، الإكثارُ من كلمةِ التَّوحيدِ ومن الاستغفارِ، فقد جمعَ الله بينهما فقال: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) [محمد: 19].

وبعد إتمام الصِّيامِ يقول الملكُ العلاَّمُ (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 185]. فَشرَعَ لنا ربُّنا زكاةَ الفِطرِ على الصغير والكبير والذكر والأنثى والحر والعبد صاعا من تمرٍ أو صاعاً من شعيرٍ وأفضلُ وقتٍ لإخراجها صباحُ العيد وتجوزُ قبله بيومٍ أو يومينِ وجزى اللهُ القائمينَ على المستودعاتِ الخيريةِ والهيئاتِ الإغاثيةِ فهم يستقبلونَ زكاةَ الفِطر ويقومون بإيصالها لمستحقها فطيبوا بها نفسا فهي طُهرةٌ للصائم من اللغو والرَّفث وإخراجها شكرٌ للهِ على ما أنعمَ وأتمَّ من الصيامِ، وهي إحسانٌ للفقراء والمساكين.

 ويا صائمونَ: اسعدوا بالعيد السَّعيدِ فعيدنا شكرٌ لله وفرحٌ بفضلهِ فيسنُّ لك أنْ تفرَحَ به وتوسِّعَ على أهلكَ وأولادِكَ وأن تَتَجَمَّل وتلبسَ أحسنَ لِباسَكَ بل سُنَّ لكَ الاغتسالُ والتَّطيُّبُ وأكلُ تمرات وترا قبل خروجِك للصلاة شكراً لله وامتثالاً لأمره، واحذروا من أذيةِ العبادِ والبلادِ في أحيائِهم وطرقِاتِهم سواءٌ بالسياراتِ أو الْمُفرقَعَاتِ.

 ويا معاشر الشباب أعطوا الطَّريقَ حقَّهُ وكفُّوا الأذى، وأُحضروا صلاةَ العيدِ رجالا ونساءً حتى النِّساءَ الحُيَّض أَمَرَهُنَّ صلى الله عليه وسلم بالخروج للصلاة ليشهدنَ الخيرَ ودعوةَ المسلمين ويعتزلنَ المصلى! وأكثروا من التَّكبيرِ ليلةَ العيد وصباحَهُ تعظيمًا لله وشكرًا له على هدايتِه وتوفيقه، قال ابنُ عباسٍ -رضي الله عنهما-: "حقٌّ على المسلمين إذا رأوا هلالَ شوالٍ أن يُكبِّروا".

واجهروا به في مساجِدكم وأسواقِكُم ومنازلِكُم وطرقاتِكم، ولتكبِّرَ النِّسَاءُ سِرًّا، وليقصُرْ أهلُ الغفلةِ عن آلاتِ الطَّربِ والأغاني الماجنة، ولا يُكدِّروا الأوقاتَ الشَّريفَةَ بِمَزامِر الشَّياطِينِ وكلامِ الفاسقينَ.

 عباد الله: لقد تقرَّر إقامةُ صلاة العيد هنا مع عددٍ من المصليات والجوامع كما هو معلن وستكون الصلاةُ في تمام الساعةِ الخامِسَةِ وأربَعينَ دقيقةٍ. فيا من قُمتم وصمتم بُشراكم رَحمةٌ ورِضوانٌ وعتقٌ وغُفران؛فربُّكم رحيمُ جوادٌ رحمانٌ، لا يضيعُ أجرَ من أحسنَ عملاً، فأحسِنوا بالله الظنَّ، واحمدوه على بلوغِ الختامِ، وسلوه قبولَ الصيامِ والقيامِ، واستقيموا على عبادتِه.

ويا من قطَعه غافلاً، وَطَواهُ عَاصِيًا، يا مَن أغوَته نفسه وألهاه شَيطَانُهُ وضيَّعه قُرَنَاؤُهُ، استدرِك ما بقي منه قبل تمامِه، وتيقَّظ بالإنابةِ قبل خِتامه، وبادِر بالتوبة قبلَ انصرامه، فكم مُتأهِّبٍ لعيدِه صار مرتَهنًا في قبرِه، (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر: 53].

فَاللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، اللَّهُمَّ اشْرَحْ صُدُورَنَا لِطَاعَتِكَ وَأَعِنَّا عَلَى أَنْفُسِنَا الأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ، اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا فِي هَذِهِ الْعَشْرِ وَأَسْعِدْنَا بِالْفَوْزِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَاجْعَلْنَا مِنْ عُتَقَاءِكَ فِي هَذَا الشَّهْرِ، اللهم تقبَّل الله منَّا صالح القول والعمل.

 اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّينِ، اللَّهُمَّ كُنْ لِإِخْوَانِنَا الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي غَزَّةَ وَفِلَسْطِين، اللَّهُمَّ احْفَظْ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَعْرَاضَهُمْ، اللَّهُمَّ رُدَّ كَيْدِ الْيَهُودِ الْغَاصِبِينَ فِي نُحُورِهِمْ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ، اللَّهُمَّ انْصُرْ إِخْوَانَنَا أَهْلَ السُّنَّةِ فِي الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، اللهم وانصر جُنُودَنا في اليَمَنِ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ مِنَ الرَّافِضَةِ الحَوثِيِّنَ.

 اللَّهُمَّ احفظ حُدُودَنا وجُنُودَنا، ووَفِّقْ وُلَاةَ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ لِلْحُكْمِ بِكِتَابِكَ وَالْعَمَلِ بِسُنَّةِ نَبِيِّكَ، وَوَفِّقْ وُلَاةَ أَمْرِنَا خَاصَّةً لِكُلِّ خَيْرٍ، اللَّهُمَّ خُذْ بِأَيْدِيهِمْ لِمَا فِيهِ صَلَاحُ الْبِلَادِ وَالْعِبَادِ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا أَوْ أَرَادَ بِلادَنَا ومُقَدَّسَاتِنَا وشَبَابَنَا وَنِسَاءَنَا بِسُوءٍ اللَّهُمَّ فَأَشْغِلْهُ بِنَفْسِهِ وَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَى نَحْرِهِ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ صِيَامَنَا وَقِيَامَنَا وَدُعَاءَنَا وَصَالِحَ أَعْمَالِنَا.

 اللهم اختم لنا شهرنا بغفرانِكَ والعتقِ من نيرانِكَ. (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوهاب)، (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].