البحث

عبارات مقترحة:

العلي

كلمة العليّ في اللغة هي صفة مشبهة من العلوّ، والصفة المشبهة تدل...

الباطن

هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...

عيدنا بحمد الله عيدان

العربية

المؤلف خالد القرعاوي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - صلاة العيدين
عناصر الخطبة
  1. مكانة العيد في الإسلام .
  2. إظهار الفرح والسرور .
  3. التواصل مع الأهل والأقارب .
  4. الحذر من سموم وتوجهات غربية .
  5. دروس تربوية مستفادة من رمضان .
  6. الطاعات لا تنتهي بانتهاء شهر رمضان. .

اقتباس

أيُّها المُسلِمونَ: مَن كانَ يَعبدُ رَمضانَ فإنَّ رَمَضَان قد فَاتَ، ومَن كانَ يَعبُدُ ربَّ رَمضَانَ، فإنَّ اللهَ حيٌّ لا يموتُ. فيا مَنْ عَهدناكَ في رمضانَ مُنيباً إلى رَبكَ تَائِباً من ذَنْبك، مُحافِظاً على صَلواتِكَ، مُهذَّباً نَقِيَّاً، مُتَواضِعاً تَقِيَّاً باذِلاً سَخِيَّاً! أتُراكَ بعدما ذُقْتَ حلاوةَ الإيمانِ تعودُ إلى مَرارةِ العِصيانِ! فاستعذْ باللهِ مِن الحَورِ بعدَ الكَوْرِ، ومن الضلالةِ بعدَ الهدايةِ، ردِّدْ: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوهَّابُ) [آل عمران: 8]..

الخطبة الأولى:

اللهُ أكبرُ! اللهُ أكبرُ! اللهُ أكبرُ! اللهُ أكبرُ! اللهُ أكبرُ! اللهُ أكبرُ! اللهُ أكبرُ! اللهُ أكبرُ! الله أكبرُ. اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وللهِ الحَمْدُ؛ جَلَّ عن شريكٍ وولدٍ، وتقدَّسَ عن نظيرٍ وانفرد، أفاضَ علينا وأجادَ، وخصَّنا بالأفراحِ والأعيادِ، نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له شَهَادَةَ مَنْ آمنَ به وأَسْلَمَ، وفوَّضَ أَمرَهُ لَهُ واستَسلَمْ، ونشهدُ أنَّ نَبِيَّنا محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه حَرِصَ علينا فَعَلَّمَنا، ونَصَحَ فَجَعَلَ شَفَاعَتَهُ لنا: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة: 128]، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آلهِ وأصحابِهِ؛ والتابعينَ لهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يوم الدِّينِ.

 أَمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُم وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ في الإِسرَارِ وَالإِعلانِ، طَرِيقُ التَقوَى مَن سَلَكَهُ رَشَدَ، وَمَن جَانَبَهُ ضَلَّ وابتعد.

اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ، اللهَ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.

 أيُّها المُسلِمُونَ: العيدُ جُزءٌ من شَرِيعَةِ الإسلامِ، أَصِيلٌ في نَفْسِهِ مُتَمَيِّزٌ في يَومهِ، أعيادُنا رَبَّانِيَّةٌ ليست كأعيادِ البَشرِ، لَيسَت لِمَولِدِ عَظِيمٍ، وَلا لِتَوَلِّي مَلِكٍ، وَلا هِيَ تَحَلُّلٌ مِن قُيُودِ الشَّرعِ، أعيادُنا فَرَحٌ بِإِكمَالِ العِبَادَاتِ، ودُعَاءٌ بقَبُولِها: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58]، وللصائمِ فَرحَتَانِ: إذا أَفطرَ فَرِحَ بِفِطرِه، وإذا لَقِيَ ربَّه فَرِحَ بصومِهِ.

 الحمدُ اللهِ على التَّمَامِ والصِّيامِ، واكتمالِ نِعمَةِ رَبِّنا علينا؛ فقد أمَّدَ في أعمارِنا وَوَسَّعَ فِي أرزَاقِنا، وأمَّنَنا في أوطَانِنِا، وعافانا في أبدَانِنا؛ فلهُ الحمدُ وَحدَهُ، لا نُحصي ثناءً عليه.

اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ، اللهَ أَكبرُ وَللهِ الحمد.

 الفَرَحُ بالعيدِ مِن سُنَنِ المُرسَلِينَ، فَلَقَدْ أَظهَرَ نَبِيُّنا مُحمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم- الفَرَحَ والسُّرُورَ بِالأعيَادِ في شَرعِهِ وفِعْلِهِ، فَلَبِسَ أحسنَ ثِيابهِ، وأَذِنَ لِلمُسلِمِينَ بَأَنْ يَفرَحُوا، وأقرَّ الفَرَحَينَ على فَرَحِهم، وخيرُ الهَديُ هديُ مُحمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-.

أمَّا مَا فِينا من مُشكِلاتٍ وأحزانٍ، وتَقصِيرٍ وخَطَايَا، فَلا يَنْبَغِي أنْ يَمْنَعَنا من الفَرَحِ المَشرُوعِ، فالابتِلاءَاتُ والهُمُومُ مِن سُنَنِ اللهِ فِي خَلِيقَتِهِ! وفِي جَمِيعِ الأَعْصَارِ والأَمصَارِ.

في مُؤمِنِها وكَافِرِهَا، وَصَالِحِها وَفَاسِدِهَا، والأَيَامُ أيامُ اللهِ يُدَاوِلُها بينَ النَّاسِ.والحُكمُ حُكمُ اللهِ،  والأمرُ أمْرُهُ: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) [القصص: 68].

فَيا مؤمنونَ: عَيدُكُم مُبَارَكٌ بِإذنِ اللهِ تعالى، وَأَبشِروا فَدِينُ اللهِ مَنصورٌ، ولن يُطفِئَ نُورَهُ الأَعدَاءُ، واللهِ لَيُتِمَّنَ اللهُ الأمرَ بعزِّ عزيزٍ أو بِذُلِّ ذَلِيلٍ،  واللهُ يُبَشِّرُكم فَيَقُولُ: (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 139].

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وللهِ الحَمْدُ.

عبادَ اللهِ: عِيدُنا يَربِطُنا بِدينِنا وأخلاقِنا ويُذَكِّرُنا بِنِعمَةِ اللهِ عَلينا أنْ خَلَقَنَا في أحسَنِ تَقويمٍ وَهَدَانا صِرَاطَهُ المُستقيمَ، وإنْ كانَ لنا مِن عَجبٍ! فَعَجيبٌ أمْرُ أعظَمِ دَولَةٍ في هذا الزَّمَنِ بَلَغتْ مِن القُوَّةِ والتَّقنِيَةِ والسيطَرَةِ العَسكَرِيَّةِ والهيمَنَةِ الدَّولِيَّةِ مَبلَغَها! ولكنْ في الأخلاقِ والفِطَرِ بَلَغتْ أرذَلَها وأحَطَّها وأسفَلَها! أيُعقَلُ أنْ تُقٍرَّ تِلكَ الدَّولَةُ التي يُبتَعثُ لَها أَبْنَاءُ المُسلمينَ وبَناتِهم! الشُّذُوذَ بِأبشَعِ صُورهِ ويَعُدُّونَ السِّفَاحَ والسِّحَاقَ والِّلواطَ أكرِمِكُمُ اللهُ حُرِّيَّةَ وَمَطلَبا لِشُعُوبِهم؟!

 أينَ الأفْهَامُ والعُقُولُ؟! أينَ المُرَبُّونَ والسَّاسَةُ؟ أينَ الخُبَراءُ والعُقَلاءُ لَقَد صَدَقَ المَولى حينَ قَالَ: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) [الحجر: 3]، نَحنُ لا نَستغرِبُ صَنِيعهُم! ولَكِنَّ خَشيَتَنا على أَبْنَائِنَا وبَناتِنا وأخلاقِنا أنْ تَتأثَّرَ بِهم. حمانا اللهُ وإيَّاكُم والمُسلمينَ.

 اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وللهِ الحَمْدُ.

 نَقُولُ هذا الكلامَ حُبَّاً وَغَيرَةً وَخَشيَةَ على أبنَائِنا وَمُجتَمَعِنا! تَقُولُ عَائِشَةُ -رضي الله عنها- دَخَلَ عليَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ أَنْ قَدْ حَفَزَهُ شَيْءٌ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ خَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا فَدَنَوْتُ مِنْ الْحُجُرَاتِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يَقُولُ: مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَدْعُونِي فَلَا أُجِيبَكُمْ وَتَسْأَلُونِي فَلَا أُعْطِيَكُمْ وَتَسْتَنْصِرُونِي فَلَا أَنْصُرَكُمْ".

 نعم عبادَ اللهِ: لقد كتبَ اللهُ لنا الخيريةَ بأمرِنا بالمعروف ونَهيِنا عن المُنكَرِ! وإنَّ التَّلاومَ لِوجودِ مُنكراتٍ لن يُجديَ شَيئًا، وإنَّ السُّكوتَ سَيَزِيدُ الأمرَ سُوءاً، فالأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المُنكرِ مَسؤولِيَّةُ الجَمِيعِ وواجبٌ على الجميعِ، كما أنَّ نفعَه وخيرَه لِصَالِحِ الجَمِيعِ، ألم يقل مولانا: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال: 25].

 أيُّها المسلمونَ: حُقَّ لنا أنْ نَفرحَ ونَهنأ بعيدِنا، فَنَحنُ في يوم الجَوائِزِ، فيا من أدَّيتم فرضَكم وأطعتم ربَّكم، وصُمتُم شَهركم، أحسنُوا الظَّنِّ بِرَبِّكم، وثِقوا بحسنِ جَزَائِهِ وَثوَابِهِ، فانشروا المَحبَّةَ بينَكُم، وتزاورُوا وتَبَادَلُوا التَّهاني والدَّعواتِ.

اليومَ فرحٌ وسرورٌ، لا نريد أحداً مِنَّا حزينًا! نريدُكَ أنْ تعيشَ مُبتهجًا مُتفائلاً، بتلك الإنجازاتِ التي حقَّقتها في رَمضانَ! لقد كشفَ لنا رمضانُ، أنَّ في نُفُوسِنَا خَيراً كَثِيراً، وأنَّنا قادِرُون -بإذنِ الله- على فعل الكثيرَ لأنفسِنا ولأمَّتنا، فلقد عشنا مع القرآنِ الكريمِ تلاوةً وتدبُّرا، فأدركنا أنَّ القرآنَ الكريمَ هو النَّجاةُ والنُّورُ، وصَدَقَ اللهُ: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [المائدة: 16]، فلا يسوغُ لنا أنْ نتخذَه وراءَنا ظِهريَّا.

 لقد علَّمنا رَمَضَانُ مَعنى الجُودِ والبِرِّ والإحسان، فلا تَغفُلُوا عن تلك الصِّفاتِ العاليةِ والأخلاقِ الحميدَةِ طِيلةَ العَامِ؟فمن للمحتاجينَ والمعوِزينَ بعد الله إلا أنتم؟ واللهُ يَعِدِكُم ويقولُ: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ: 39].

لقد كشف لنا رمضانُ عن قوةِ صَبْرِنا وعَزِيمَتِنا على شَهَواتِنا! فَأدركنَا أنَّا قادرون على التَّغلُّبِ على أنفسنا وعلى الشَّيطانِ الرَّجيم فَهَجَرنا القَنَواتِ والمُسَلسَلاتِ والشَّبكاتِ وانْقَطَعْنا عن استِرَاحَاتِ الَّلهو التي تضرُّ ولا تنفع! لقد ابتعدنا بحمدِ اللهِ عن الدُّخانِ وعن الشِّيشَةِ بِأنواعِها! فأدركنا أنَّ عندنا عَزِيمَةً قويَّةً وإرادَةً نافِذةً نستَطيعُ معها بعدَ عونِ اللهِ وتَوفيقِهِ أنْ نَترُكَهُ كُلِّيِّاً! حقَّاً ما أكرمكَ يا رمضانُ وما أعظمكَ وصدقَ اللهُ: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) [النساء: 76].

أيُّها المؤمنون: يَومُنا عَظِيمٌ وَعِيدُنا كَريمٌ، فَاقدُرُوهُ حَقَّ قَدرِهِ، أُعفُوا وَاصفَحُوا (أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغفِرَ اللهُ لَكُم) [النور: 22].

استقبلوا عيدَكم بِصَفَاءِ القُلُوبِ ونَقَائِها من الشَّحناءِ والبَغضَاءِ والتَّقَاطُعِ.فيا أحبابَنا: قبل حُسْنِ مَلْبَسِنا دَعوةٌ أنْ نُنَظِّفَ قُلوبَنا، اتركوا ما مضى أنتم قلتم ونحن قلنا، وأنتم فعلتم ونحن فعلنا! ردِّدوا: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر: 10].

فَكَمْ سَمِعتُم وَسَمِعْنا! عَن أناسٍ امتلأت قَلوبُهُم حِقدًا عَلَى أَقَارِبِهِم، قَاطعُوهُم وخَاصموهُم في المحاكم، كُلُّ ذَلِكَ لأجلِ أَمرٍ تَافِهٍ، قَليلٍ مِن حُطَامٍ أَو وِشَايَةِ لِئَامٍ، أَو زَلَّةِ لِسَانٍ، فَتَمُرُّ الأَشهُرُ وَالقُلُوبُ تَغلِي، وَتِلكَ لَعَمرُ اللهِ مِن دَلائِلِ الخسرانِ وضعفِ الإيمانِ،  وَإِلاَّ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد: 22- 23]. وقالَ –صلى الله عليه وسلم-: "لا يَدخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعٌ".

فلا أظنُّ أحدًا بعد هذا الوعدِ والوَعِيدِ يُعذرُ بالهَجْرِ والقَطِيعَةِ، فرَحِمَ اللهُ عبدًا يصِلُ رَحِمَهُ وإنْ قَطَعُوه، وَيَتَعهَّدُهم بالزِّيارةِ والهديةِ وإن جَفَوه، وهَنِيئًا ثمَّ هَنِيئًا لِمَن أَعَانَ على الصِّلةِ بِقَبُولِ العُذرِ وَالصَّفحِ عَنِ الزَّلاَّتِ وَالتَّغَاضِي عَنِ الهَفَوَاتِ، لا يَعرِفُ السِّبَابَ وَلا يُكثِرُ العِتَابَ، يُشَارِكُ أَقَارِبَهُ آلامَهُم وَآمالَهُم، يَنصَحُ وَلا يَفضَحُ، وَيَستُرُ وَلا يُعِيِّرُ، وذَلِكَ فَضلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ . وأعظمُ العقوق ما كان من الولد لوالديه فأيُّ كفرانٍ لحقِّهما! وَصَدَقَ اللهُ: (وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ) [سبأ: 17].

فيا من تَعُقُّ والدَيك، احذر غضبَ الرَّبِّ عليكَ! فلن يُرفع لك عند الله عملٌ ! ولن توفَّقَ لخيرٍ! وأنت لهما عاقٌّ! قَالَ –صلى الله عليه وسلم- : "ثلاثةٌ لا يقبلُ اللهُ منهم صَرْفًا ولا عَدْلاً: العاقُّ لوالديه، والمنَّانُ، والمُكَذِّبُ بالقَدَرِ".

فأيُّها الأبنـاءُ: أخاطبكم بكلِّ قَلْبي وَكَيَانِي، اتَّقوا اللهَ فِي الوالدين، واقدُروا لهذه النِّعمَةِ قَدْرَها، واغتنموا خيرَهما وبِرَّهما فدونَكم أبوابُ الجِنانِ فأين السالكون ؟! رَدِّدوا: (رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء: 22].

 اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وللهِ الحَمْدُ.

 معاشر الأبناءِ والبناتِ: صلاتُكم عزِّكُم ونورُكم، وصِلَتُكم بربِّكم وهي سَبَبٌ لانشِرَاحِ صُدورِكُم، وَتَيسيرِ أُمورِكم وبالمقابل: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه: 124]، فالله الله لا يَغلِبَنَّكُم عن الصَّلاةِ شُغلٌ ولا هوى، ولا شَيطَانٌ.

 معاشر الشبابِ: لا تَرضَوا بالبطالةِ والقُعودِ، فلكم أسوةٌ بمن يضربونَ في الأرضِ يبتغونَ من فضلِ اللهِ، قَامُوا بِمِهَنٍ يَدَوِيَّةٍ، وَدَخَلُوا وُرَشاً عَمَلِيَّةً، فلا سواءَ بين حياةِ الكرامةِ، والبقاءِ على الأهلِ نقمَةً وعالةً، ألم يقل رَسُولُنا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : "مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ".

 اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وللهِ الحَمْدُ.

مَعَاشِرَ الأَبنَاءِ: لقد دخلت علينا أمورٌ تَقَنِيَّةٌ كثيرَةٌ ظاهِرُها فيها الرَّحمةُ، وإنْ لم نُحسنْ كان من قِبَلِها العَذَابُ! فَجوالاتٌ بأدقِّ المُوَاصَفَاتِ وَشَبَكَاتٌ أَسرَعُ من الخيالِ! فمتى ما خَرجنَا فيها عن المَشروعِ، قلَّ الحياءُ وذهبتِ الغيرةُ وضاعَ الدينُ، و: (لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) [هود: 43].

 ألا يوجدُ من الذِّئابِ البَشَرِيَّةِ من يُغري فَتَياتِنا، ويستدرِجُها بكلمةٍ تلوَ الأخرى، وهو في كلٍّ يَستَعِيذُ بالله أنْ يسُئَ إليها، ويُقسمُ على نزاهِته معها كمنطقِ إبليسَ: (وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ)، فيا أَمَةَ الرَّحمانِ تَيقَّظِي لِدينِكِ ومُستقبلِ حياتَكِ وعرضِكِ، فهذه خُطواتٌ خطيرةٌ تحدثُ في مواقع الدَّردَشة، والغرفِ الالكترونيةِ والرَّسائِلِ الطَّائِشَةِ، والألعاب المُباشِرَةِ! حماكِ اللهُ من كلِّ سوءٍ ومكروهٍ. اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وللهِ الحَمْدُ

 أيُّها المُسلِمُونَ: بِحمدِ اللهِ اجتمع لنا اليومَ عِيدانِ فيُشرعُ لِمَن صَلَّى العيدَ أنْ يُصلِّيَ الجُمعَةَ وهذا هو الأَفضَلُ، وَلَهُ أنْ يُصليَ ظهرًا فِي بَيتِه؛ فَقد ثَبَتَ أنَّ النَّبِيَّ رخَّص في الجُمُعَةِ لِمَن حَضَرَ العِيدَ، وقال: "قَدِ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ، فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنَ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ".

 وَلَكِن لا يَدَعُ صَلاةَ الظُّهرِ ولا يَقصِرُها ولا يَجمَعُها مِن غير سَبَبٍ شَرْعِيٍّ! بَلْ يُصَلِّيَها أَربَعَاً بَعدَ دُخولِ وَقتِ الظُّهرِ، وإنَّا إنْ شَاءَ اللهُ مُصَلُّونَ الجُمُعَةَ فِي وَقتِها.

معاشر المُؤمِناتِ: أجبنَ الله حيثُ قال: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) [الأحزاب: 33]. آيةٌ عظيمةٌ لو عَمِلتِ بها لَحُزْتِ خَيري الدُّنيا والآخرة، فالأصلُ قَرَارُكِ في بيتِكِ؛ فاصبري على تَعَبِ المَنزِلِ، وكَلَفَةِ التَّربيةِ والزَّوجِ، واحذري الخضوعَ في القولِ ومخالطةَ الرِّجالِ وإبداءَ الزِّينةِ لهم، ابتعدي عن ذلك في الأماكن العامَّةِ كالأسواقِ والحدائقِ، وأماكنَ الْمُتَنَزَّهاتِ الْمُختَلَطةِ فقد قال -صلى الله عليه وسلم-  "عَلَيكُنَّ بِحَافَاتِ الطَّرِيقِ". تَجَمَّلنَ بِالحَيَاءِ وَتزَيَّنَّ بِالسِّترِ، وَاحذَرْنَ المَلابِسَ الفَاتِنَةَ، والعَبَاءَاتِ المُزَركَشَةَ وَالمُخَصَّرةَ، وَالثِّيابَ القَصِيرةَ، والأَنقِبَةَ الخَدَّاعَةَ ، فَإِنَّ اللهَ عليمٌ خبيرٌ.

 عِبَادَ اللهِ: ولا تَنسَوا صِيَامَ سِتٍّ من شَوَّالٍ، فقد قالَ -صلى الله عليه وسلم- : "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ" (رواه مُسلِمٌ).

ثُمَّ استَقِيموا على العَمَلِ الصَّالحِ وَاثْبُتُوا على الطَّاعَةِ، وكان من هدي النبيِّ  -صلى الله عليه وسلم-  مُخَالَفةُ الطَّريقِ في العيدِ، وانطلقوا في عيدِكم مُبتهجينَ مُستَبشِرِينَ، وَقَابِلوا أَهلِيكُم وأصحابِكم وجيرانِكم والعمَالَةِ الوافِدَةِ بالبِشْرِ والتِّرحابِ، ولا يعكِّرْ عليكَ الشَّيطانُ عيدَك!

أيُّها المُسلِمونَ: مَن كانَ يَعبدُ رَمضانَ فإنَّ رَمَضَان قد فَاتَ، ومَن كانَ يَعبُدُ ربَّ رَمضَانَ، فإنَّ اللهَ حيٌّ لا يموتُ. فيا مَنْ عَهدناكَ في رمضانَ مُنيباً إلى رَبكَ تَائِباً من ذَنْبك، مُحافِظاً على صَلواتِكَ، مُهذَّباً نَقِيَّاً، مُتَواضِعاً تَقِيَّاً باذِلاً سَخِيَّاً! أتُراكَ بعدما ذُقْتَ حلاوةَ الإيمانِ تعودُ إلى مَرارةِ العِصيانِ! فاستعذْ باللهِ مِن الحَورِ بعدَ الكَوْرِ، ومن الضلالةِ بعدَ الهدايةِ، ردِّدْ: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوهَّابُ) [آل عمران: 8].

 فاللهم إنَّا نسألكَ بركاتِ هذا العيدِ وجوائزه. واجعل عيدَنا فوزاً برضاكَ والجنَّةَ. اللهم اجعلنا ممن قبلت صيامَه وقيامَه وأعمالَه فأعتقت رقابَهم من النَّار.

اللهم أدم علينا نعمة الأمن والإيمان، اللهم اغفر لنا ولِولِدِينا وجمع المسلمينَ، الأحياءَ منهم والميتينَ، ووفِّق ولاة أمورِنا لِما تُحبُّ وترضى. وأصلح أحوال المسلمين، وهيئ لهم قادَةً صالِحينَ مُصلِحينَ، اللهم احفظ حُدُودَنا وجُنودَنا وتقبَّل موتاهم في الصَّالحينَ.

اللهم وانصر إخواننا المُستضعفينَ في كُلِّ مكانٍ يا ربَّ العالَمينَ، اللهمَّ وعليكَ بالطُّغاةِ الظَّالمينَ، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمينَ والمسلماتِ الأحياء منهم والأمواتِ. اللهم واجعل مستقبلنا خيرا من ماضينا وتوفَّنا وأنت راضٍ عنا يا كريمُ.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار)، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ. وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ . وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).