الحكم
كلمة (الحَكَم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعَل) كـ (بَطَل) وهي من...
العربية
المؤلف | حسان أحمد العماري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - صلاة العيدين |
يأتي هذا العيد والعالم يعيش الكثير من الأحداث والصراعات والفتن، وأصبح الإنسان يبحث عن الراحة والسعادة والأمن والأمان بشتى الطرق، وغدت الحياة الآمنة مطلبًا وغاية صعبة المنال، والمسلم جزء من هذا العالم ويتأثر بما فيه ويعاني مما يحدث ويقع فيه، وقد يكون هذا جزءًا من الابتلاء والتمحيص، وقد يكون جزءًا من العقوبة بسبب البعد عن الدين وقيمه وأخلاقه، وأصبحنا جميعاً في خضم ذلك نبحث ونفتش عن إنسانية الإنسان التي فقدها الكثير فتحولت الحياة إلى غابة وحلبة من الصراع تفتك بكل شيء دون رحمة أو وازع من دين أو خلق أو إنسانية..
الخطبة الأولى:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر... الله أكبر،الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد..
الحمد لله المتفرِّدِ بالعظمة والبقاء والدوام، يكوِّر الليل على النهار، ويكوِّر النهار على الليل، ويصرّف الشهور والأعوام، لا إله إلا هو، الخلقُ خلقه، الأمر أمرُه، فتبارك ذو الجلال والإكرام، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه أستغفره، والى علينا نعَمَه، وتابع علينا آلاءه، وبالشكر يزيد الإنعام.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قدّر الأمور بإحكام، وأجراها على أحسن نظام، وأشهد أن سيّدنا ونبيَّنا محمّدًا عبد الله ورسوله، أفضل الرسل وسيّد الأنام، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله الأطهار وأصحابه الكرام، والتابعين ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليمـــا كثـيرا على الدوام.
أما بعــد:
أيها المسلمون/ عبـــاد الله: هذا يوم عيدكم، عيد الفطر المبارك جعله الله لكم ولسائر المسلمين في أصقاع الأرض يوم فرح وسرور... فهنيئاً لكم أيها الصائمون والقائمون.. هنيئاً لكم أيها المنفقون.. هنيئاً لكم أيها الذاكرون لله كثيراً القارئون لكتابه هذا يوم عيدكم وفرحكم اختصكم به ربكم دون سائر الأمم.. وأي فرح أعظم من فرح عبدٍ مؤمن أطاع ربه بما شرع قال تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس/58].
ولِمَ لا تفرحون وقد منَّ الله عليكم بالهداية وبلغكم رمضان، ووفقكم للصيام، وأتم الله عليكم نعمته فمنحكم الرحمة، وتفضل عليكم بالمغفرة، ووعدكم بالعتق من النار؟! لم لا يفرح الصائم وقد أكرمه الله بأن حباه لساناً ناطقاً يلهج بذكره، وأمره بالتكبير شكراً وحمداً على هديه وجعله دليلاً على شكره: (وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 185]..
فاشكروا الله على فضله واستقيموا على شرعه وحافظوا على الصلوات جماعة في المساجد، واقرءوا كتاب ربكم وطبقوا أحكامه، والتزموا توجيهاته في حياتكم وبروا آبائكم وأمهاتكم وصلوا الأرحام وأدوا واجباتكم وقوموا بمسئولياتكم تفلحوا في دنياكم وأخراكم، وأكثروا من الدعاء بأن يتقبل الله منكم صيام شهر رمضان وقيامه وسائر العبادات والطاعات فيه فقد وصف الله حال عباده المؤمنين بعد القيام بالعبادات والطاعات بأنهم: (يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) [المؤمنون: 60] أي: يخافون أن تُرَدّ أعمالهم.
قال سيدنا علي -رضي الله عنه-: "كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل، ألم تسمعوا إلى قول الحق عز وجل: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة 27؟]، وكان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان: "يا ليت شعري من هذا المقبول منَّا فنهنيه! ومن هذا المحروم فنعزيه! ثم ينادي: أيها المقبول هنيئاً لك، أيها المردود جبر الله مصيبتك"..
أيها المسلمون/ عباد الله: يأتي هذا العيد والعالم يعيش الكثير من الأحداث والصراعات والفتن، وأصبح الإنسان يبحث عن الراحة والسعادة والأمن والأمان بشتى الطرق، وغدت الحياة الآمنة مطلبًا وغاية صعبة المنال، والمسلم جزء من هذا العالم ويتأثر بما فيه ويعاني مما يحدث ويقع فيه، وقد يكون هذا جزءًا من الابتلاء والتمحيص، وقد يكون جزءًا من العقوبة بسبب البعد عن الدين وقيمه وأخلاقه، وأصبحنا جميعاً في خضم ذلك نبحث ونفتش عن إنسانية الإنسان التي فقدها الكثير فتحولت الحياة إلى غابة وحلبة من الصراع تفتك بكل شيء دون رحمة أو وازع من دين أو خلق أو إنسانية..
لقد كان من أهداف الإسلام في تحقيق رسالته السامية: بناء الروابط ومد الجسور، وتقوية العلاقات الإنسانية بين البشر والدعوة إلى التعارف والتعاون بينهم على اختلافهم في الدين والعقائد والبلدان والجنس؛ لأنه دين عالمي للناس كافة وختم الله به الرسالات فقال تعالى مخاطباً جميع الخلق: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات: 13]..
كل ذلك من أجل إقامة حياة يسودها العدل، وينعم فيها الناس بالأمن والأمان ويتواصلوا فيما بينهم للاستفادة من الخبرات وتبادل العلوم والدعوة إلى الدين وتعريف العالم من حولنا بالإسلام عن طريق القول والسلوك والمعاملة الحسنة، وإذا كان مطلوب من المسلم أن يبني علاقات مع غير المسلمين تقوم على تبادل العلوم والمعارف والمصالح ويتخذ من ذلك وسيلة للدعوة والبلاغ والمعاملة الحسنة والدعوة والحوار والجدال بالتي هي أحسن؛ فإن المسلم مطالب أشد وأقوى من ذلك بحسن تعامله مع إخوانه المسلمين ويكون أكثر تسامحاً معهم وألين جانباً وأحسن كلاماً وألطف معاملة وأصدق مشاعر معهم.. قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون) [الحجرات10]..
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى هاهنا، ويشير إلى صدره ثلاث مرات، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه "(مسلم: 2564)..
فأين نحن من هذه التوجيهات الربانية.. لقد نسينا وتساهلنا في تطبيق قيم ديننا وشغلنا بالدنيا؛ فكثرت الصراع والمشاكل والحروب بين المسلمين وسُفكت الدماء وحلت العداوة والبغضاء وضاقت علينا الحياة وتجرأ المسلم على أخيه المسلم طمعاً في مغنم أو تحقيقاً لهوى في النفس أو إرضاءً لرغبات وتنفيذا لطلبات أعداء هذا الدين الذين يتربصون به ويزرعون بين أبنائه الفتن والخلافات ويفتعلون المشاكل السياسية والاقتصادية ويؤججون الصراعات القومية والمذهبية والطائفية؛ حسداً من عند أنفسهم وفي حالة ضعف وتساهل وتقصير من أنفسنا، وصراع وتنافس على الدنيا.
وصاحب ذلك إعلام هابط وموجَّه يعمل على زعزعة القيم والمبادئ في نفوس الكثير من المسلمين حتى أصبحنا في كثير من الأحيان نهدم الدين باسم الدين ونمزق الوطن باسم الوطنية ونزرع التفرقة ونوجد الخلافات باسم المصلحة ويقتل المسلم أخاه المسلم ويدمر الحياة باسم الواجب والمسئولية..
فامتلأت النفوس بالحقد والحسد والضغائن وحب الانتقام، فأين نحن من قوله -عليه الصلاة والسلام-: "والذي نفسي بيده، لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا" (مسلم: 54).
عباد الله: لقد كان -صلى الله عليه وسلم- يحث أصحابه من الرعيل الأول وهم في بداية الإسلام على أن يكون تنافسهم على ما عند الله من خير وأجر وثواب؛ فهو يدرك أن فتنة هذه الأمة ستكون الدنيا، وأن التنافس بين أبنائها عليها والصراع من أجلها ستكون العقبة الكئود والمشكلة الكبرى في حياتهم التي تفرّق جمعهم وتشتت شملهم، وتوقف دورهم الإنساني والحضاري في تعمير الدنيا وتطوير الحضارات وتقديم الخير والنفع للبشرية جمعاً، وقد ينسون بسبب ذلك دينهم ورسالتهم وأخلاقهم..
وهذا ما يحدث اليوم في بلاد العرب والمسلمين فالعالم من حولهم ينعم بالرفاهية والأمن والعمل والإنتاج والصناعات والاختراعات وهم في حروب وصراعات أكلت الأخضر واليابس حتى ضاقت عليهم أوطانهم فتشردوا في المخيمات لاجئين أو ماتوا تحت الأنقاض ودُفنوا أحياء ولم يعد الإنسان يطيق أخاه ولم تعد الأوطان المترامية الأطراف ببحارها وأنهارها ووديانها وثرواتها ومدنها وقراها تتسع لأبنائها بسبب ضيق القلوب وصدق الشاعر إذ يقول:
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها | ولكن قلوب الرجال تضيق |
إنها فتن ومصائب تدع الحليم حيران.. ولكن ثقوا جيداً أن هذه الأمة ستخرج منها وستعود إلى دينها وعقيدتها وستتآلف القلوب فما هي إلا مرحلة تمحيص وتمييز وتربية لأبنائها، وقد حدث ذلك في تاريخها مراراً وتعرضت لنكبات وفتن أشد مما تمر به اليوم وعادت الأمة إلى خيريتها وقوتها ورسالتها العظيمة وأخلاقها.. فثقوا بالله وأملوا خيراً.. اللهم إنا نسألك إيماناً يباشروا قلوبنا وتقوى تصلح بها أحوالنا.. قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه...
الخطبة الثانية:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.. الله أكبر،الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
اللهم لك الحمد عدد خلقك ورضا نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.
أما بعد: أيها المسلمون /عباد الله: إن الواجب علينا للخروج من هذه الفتن أن نحكّم كتاب ربنا وسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم- في سائر حياتنا، وأن نسعى لرصّ الصفوف وتوحيد الكلمة وبناء الأخوة الإيمانية، وبذل المعروف وكف الأذى وحفظ الدماء وصيانة الأعراض، وتغليب مصالح الدين والوطن على مصالحنا الشخصية والحزبية.
وعلينا أن نحل مشاكلنا بالحوار ونبذ العنف، ونسعى جميعاً لعمارة الأرض وبناء الأوطان في جميع جوانب الحياة، وتعلم العلوم ونشر المعرفة وتربية الأجيال وتمثل الإسلام عقيدة وسلوكاً وأخلاقاً ومعاملة، ونبذ العصبيات الجاهلية وتوجيه طاقات الأمة وقدراتها لتعريف العالم برسالة الإسلام، وتحرير المقدسات الإسلامية في القدس الشريف، وأرض فلسطين، والسعي لوقف الحروب والدماء التي تسيل في بلاد المسلمين بأيدي المسلمين والصلح بينهم، والأخذ على يد الظالم حتى يرتدع عن ظلمه والانتصار للضعفاء والمظلومين والمضطهدين من المسلمين في الأرض في بورما وغيرها وإشباع الجوعى والمحرومين من أبناء المسلمين في أصقاع الأرض وما ذلك على الله بعزيز إذا صدقت النوايا وتغيرت النفوس وتسلح المسلمون بالإرادة والعزيمة.
وتذكروا أن هناك آخرة وجنة ونارًا، وحسابًا وعقابًا، ووقوفًا أمام جبار السماوات والأرض، فلنستعد لذلك اليوم بعقيدة صحيحة وعبادة خالصة وعمل صالح وخلق حسن قال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام/153].. هذا هو الطريق وهذا هو العلاج والحل لأمراضنا ومشاكلنا، وهو طريق النجاة والفوز والفلاح في الدنيا والآخرة.. وما رمضان إلا محطة من محطات التنوير والتربية وشحذ الهمم وتذكير المرء بواجباته الدينية والوطنية والإنسانية..
فاشكروا الله على فضله واثبتوا على دينه واستقيموا على طاعته وتسامحوا في ما بينكم وبروا آبائكم وصلوا أرحامكم وأدخلوا الفرح والسرور على الأهل والجيران وأصحاب الحاجة والفقراء والمرضى والنازحين، كل بما يستطيع، ففي ذلك أجر من الله وفضل عظيم..
نسأل الله أن يتقبل منا صياما وصلاتنا وسائر عباداتنا، وأن يجعلنا جميعاً من المقبولين.. اللهم ألّف بين قلوبنا وأصلح ما فسد من أحوالنا وردنا إلى دينك رداً جميلاً، واحفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين.. هذا وصلّ اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.