العربية
المؤلف | صالح بن فوزان الفوزان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
أيّها الناس: اتقوا الله، وانظروا في مشاكل شبابكم، والتمسوا لها العلاج النافع، لتسلموا من شرّها، وتأمنوا من خطرها. فمن مشاكل الشباب: عزوفهم عن الزواج، وهي مشكلة عظيمة، ويترتب عليها مضار كبيرة لا يعلمها إلا الله، وهم يتعللون لذلك بـ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله القائل في كتابه المبين: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21].
وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له: (سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الطور: 43].
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيّها الناس: اتقوا الله، وانظروا في مشاكل شبابكم، والتمسوا لها العلاج النافع، لتسلموا من شرّها، وتأمنوا من خطرها.
فمن مشاكل الشباب: عزوفهم عن الزواج، وهي مشكلة عظيمة، ويترتب عليها مضار كبيرة لا يعلمها إلا الله، وهم يتعللون لذلك بتعليلات منه:
أولاً: قولهم إن الزواج المبكر يشغل عن الدراسة، والاستعداد للمستقبل.
ثانياً: قولهم إن الزواج المبكر يحمّل الشباب مسؤولية الإنفاق على زوجته وأولاده.
ثالثاً: وهذه من أخطر الأسباب لنفور الشباب عن الزواج: العراقيل التي وضعت في طريق الزواج من تكاليف باهظة وإسراف قد لا يستطيعه الشباب.
وعلاج هذه المشكلة بسيط وميسور، إذا ما صدقنا النيّة، بحيث يبيّن للشباب ما في الزواج من مزايا، وحسنات وخيرات، ترجح على ما ذكروه من معوقات أو من مشاق، وليس في هذه الدنيا شيء إلا ويقابله شيء.
أنا لا أقول: إن الزواج ميسور من كله وجه، أو ليس فيه مشقة، أو ليس فيه مشاكل، بل فيه مشاكل، وفيه بعض المشاق، ولكن فيه مصالح ترجح على هذه المشاكل، وعلى هذه المشاق، وبالتالي تُنسيها، فمن مصالحه:
أولاً: فيه إعفاف الفرج، وغضّ البصر، يرشد إلى هذا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباءة فليتزوّج، فإنه أغضّ للبصر، وأحصن للفرج، ومَن لم يستطع فعليه بالصوم".
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- أرشد الشباب، وخصّ الشباب بذلك؛ لأن عندهم الاستعداد للزواج وعندهم الطاقة التي إذا ما بودرت بوضعها في موضعها السليم أفادت.
فالشباب ينبغي له أن يتزوج من سن مبكر مهما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
والاستطاعة -والحمد لله- وخصوصاً في زماننا هذا موجودة في الغالب، فلا عذر للشباب أو للكثير من الشباب في تركهم الزواج.
ويبيّن صلى الله عليه وسلم ما للزواج المبكر من مزايا؛ فإنه أحصن للفرج؛ لأن الفرج خطير جداً، قال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) [المعارج: 29 - 30].
"فإنه أحصن للفرج" أي أن الزواج يؤمّنك من خطر عظيم هو خطر الفرج.
"وأغضّ للبصر" إذا تزوج، فإنه بذلك تقرّ عينه، ولا ينظر إلى هنا وهناك، أو يتطلع إلى ما حرّم الله عليه؛ لأن الله أغناه بحلاله عن حرامه، وكفاه بفضله عمّن سواه.
ثانياً: الزواج يحصل به السكن النفسي والراحة، يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) [الروم: 21].
فإذا تزوج الشاب سكنت نفسه عن الاضطراب والقلق، وارتاح ضميره؛ لأن الشاب بدل ما يكون مزعزع الفكر، فإن تزوجه من أسباب سكون نفسه وطمأنينته وارتياحه، وبالتالي يكون سبباً في خيرات كثيرة تترتب عليه.
ومن فوائد الزواج المبكر: حصول الأولاد الذين تقرّ بهم أعين والديهم، يقول سبحانه وتعالى: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ) [الفرقان: 74].
فهذا مما يشجع الشاب ويقنعه بأن يقبل على الزواج، كما أن الأولاد، أيضاً هم شطر زينة الحياة الدنيا: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [الكهف: 46].
فالأولاد بهم زينة للحياة الدنيا، والإنسان يطلب الزينة، وكما أنه يطلب المال كذلك يطلب الأولاد؛ لأنهم يعادلون المال في كونهم زينة الحياة الدنيا.
هذا في الدنيا، ثم في الآخرة يجري نفعهم على آبائهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علمٍ ينتفع به، أو صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له".
فالأولاد إذن فيهم مصالح عظيمة في الحياة وبعد الموت.
كذلك في الزواج المبكر وحصول الأولاد: تكثير الأمة الإسلامية، وتكثير المجتمع الإسلامي.
والإنسان مطلوب منه أن يشارك في بناء المجتمع الإسلامي، يقول صلى الله عليه وسلم: "تزوجوا، فإني مُكاثر بكم يوم القيامة" أو كما يقول صلى الله عليه وسلم، فالزواج تترتب عليه مصالح عظيمة، منها ما ذكرنا، فإذا ما شرحت للشباب هذه المزايا وهذه المصالح، فإنها تضمحل أمامه المشكلات التي تخيلها عائقة له عن الزواج.
أما أن يقال: الزواج المبكر يشغل عن التحصيل التعليمي وعن الدراسة، فليس هذا بمسلّم، بل الصحيح العكس؛ لأنه ما دام أن الزواج تحصل به المزايا التي ذكرناها، ومنها السكون والطمأنينة وراحة الضمير، وقرّة العين، فهذا مما يساعد الطالب على التحصيل؛ لأنه إذا ارتاح ضميره، وصفا فكره من القلق، فهذا يساعده على التحصيل.
أما عدم الزواج، فإنه في الحقيقة هو الذي يحول بينه وبين ما يريد من التحصيل العلمي؛ لأنه مشوش الفكر، مضطرب الضمير، لا يتمكن من التحصيل العلمي، لكن إذا تزوج وهدأ باله، وارتاحت نفسه، وحصل على بيت يأوي إليه وزوجة تؤنسه وتساعده، فإن ذلك مما يساعده على التحصيل.
فالزواج المبكر إذا يسّره الله، وصار مناسباً، فإن هذا مما يسهّل على الطالب السير في التحصيل العلمي، لا كما تصور أنه يعوقه.
كذلك قولهم: إن الزواج المبكر يحمّل الشاب مؤنة النفقة على الأولاد وعلى الزوجة إلى آخره.
هذا أيضاً ليس بمسلّم؛ لأن الزواج تأتي معه البركة والخير؛ لأنه طاعة لله ورسوله، والطاعة كلها خير، فإذا تزوج الشاب ممتثلاً أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومتحرّياً لما بيد الله -عزّ وجلّ-: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) [هود: 6].
فالذي يسّر لك الزواج سييسّر الرزق لك ولأولادك: (نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) [الأنعام: 151].
فالزواج لا يحمل الشاب كما يتصور أنه يحمّله فوق طاقته؛ لأنه يأتي معه الخير، وتأتي معه البركة.
والزواج سنّة الله -سبحانه وتعالى- في البشر لا بدّ منه، فهو ليس شبحاً مخيفاً، وإنما هو باب من أبواب الخير لمن صلحت نيته.
أما ما يتعللون به من العراقيل التي وضعت في طريق الزواج، فهذه من تصرفات الناس السيئة.
أما الزواج في حدّ ذاته، فلا يطلب فيه هذه الأشياء، فضخامة المهر مثلاً، والحفلات الزائدة عن المطلوب، وغير ذلك من التكاليف، هذه ما أنزل الله بها من سلطان، بل المطلوب في الزواج التيسير، فيجب أن يبيّن للناس أن هذه الأمور التي وضعوها في طريق الزواج أمور يترتب عليها مفاسد لأولادهم، وليست في صالحهم، فيجب أن تعالج وأن يهتم بمعالجتها حتى تزول عن طريق الزواج، وحتى يعود الزواج إلى يُسْره وإلى سهولته ليؤدي دوره في الحياة.
ونسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يمنّ علينا جميعاً بالتوفيق والهداية، وأن يصلح أحوال المسلمين، وأن يصلح شباب المسلمين، وأن يردّ للمسلمين مكانتهم وعزّتهم.
كما أن الله -سبحانه وتعالى- جعل العزّة لهم في أول الأمر نسأله سبحانه أن يعيدها، وأن يصلح شأنهم: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [المنافقون: 8].
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يبصرهم في دينهم، وأن يكفيهم شرّ أعدائهم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [النور: 32].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ...