البحث

عبارات مقترحة:

البارئ

(البارئ): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (البَرْءِ)، وهو...

الحليم

كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...

المقتدر

كلمة (المقتدر) في اللغة اسم فاعل من الفعل اقْتَدَر ومضارعه...

إنكار البدع المحدثة في شهر رجب

العربية

المؤلف صالح بن فوزان الفوزان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب
عناصر الخطبة
  1. كمال الإسلام وتمامه والنهي عن تغييره وتبديله .
  2. خطر البدع وبعض مفاسدها .
  3. حكم الاحتفال ليلة الإسراء والمعراج وبعض المنكرات والمخالفات الشرعية الواقعة فيها .
  4. حكم تخصيص شهر رجب ببعض العبادات .
  5. بعض العبادات المشروعة في رجب وغيره .

اقتباس

البدع تجعل المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، وتحمل أصحابها على الاستكبار عن الحق عندما يدعون إليه، والبدع تشتّت شمل المسلمين؛ لأن كل فريق من المبتدعة يبتكر لنفسه طريقة في البدعة، يرى أنها أحسن من بدعة الفريق الآخر، فيصبح كل...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي أمرنا بالابتداع، ونهانا عن الابتداع، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وهو المنفرد بالخلق والابتداع، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق، وأمر أن يُتبع ويُطاع، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وجميع الأتباع، وسلّم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

أيّها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واعلموا أن الله قد أكمل لنا الدين، وأمرنا باتباعه، والعمل به، ونهانا عن التغيير والابتداع، قال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) [الأنعام: 153].

إن هناك أُناساً يحاولون التغيير والتبديل، ولا يرضيهم الاقتصار على المشروع، وهؤلاء قد حذرنا منهم رسولنا -صلى الله عليه وسلم- حينما قال: "مَن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي، وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة".

وكان صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحذّرون من البدع غاية التحذير، لعلمهم بضررها وعملاً بوصية نبيّهم -صلى الله عليه وسلم-.

إن البدع تقضي على السنن، وتغير الدين، ولهذا  جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما ابتدع قوم بدعة إلا نزع الله عنهم من السنّة مثلها" [رواه الإمام أحمد].

وقد شدد النبي -صلى الله عليه وسلم- النكير على مَن أحدث البدع؛ لأن البدع توجب لمن ارتكبها فساداً في دينه وقلبه؛ لأن القلب لا يتّسع للسنّة والبدعة، ولا يجمع بين العوض والمعوّض، ولهذا تجدون الذين يعملون بالبدع، ويحيونها من أبعد الناس عن الشريعة، فالبدع تناقض السنن، وتورث في القلب نفاقاً، وبغضاً للسنن، وبغضاً لمن يعمل بها.

وفي البدع مفاسد عظيمة، ولها عواقب وخيمة، وصاحب البدع يفتتن بها، ويحرص عليها أكثر مما يحرص على السنن؛ لأن الشيطان يزينها له، والمبتدعة يستسهلون الصعب، وينفقون الأموال الطائلة في سبيل إحياء البدع، ويكسلون عن إقامة السنن، فيهجرونها أو يؤدونها بفتور.

والبدع تجعل المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، وتحمل أصحابها على الاستكبار عن الحق عندما يدعون إليه، والبدع تشتّت شمل المسلمين؛ لأن كل فريق من المبتدعة يبتكر لنفسه طريقة في البدعة، يرى أنها أحسن من بدعة الفريق الآخر، فيصبح كل فريق منهم بما لديهم فرحون.

أيها المسلمون: إن من البدع المحدثة: ما يعمل في بعض الأقطار في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب من إحياء ذكرى الإسراء والمعراج بالاحتفالات، وأنواع العبادات، فتخصيص هذه الليلة بالذكر والعبادة والأدعية، بدعة لا أصل له.

والإسراء والمعراج حقّ، لكنه لم يقم دليل على تحديد ليلته، ولا على شهره، ولو كان في تحديد ذلك الشهر أو تلك الليلة مصلحة لنا، لبيّنه الله ورسوله لنا، ولو كان التعبد في تلك الليلة مشروعاً لفعله نبي الله وخلفاؤه، وصحابته، فهم أحرص على الخير، وأسبق إليه منّا.

وقال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي".

فكل عبادة لم يفعلها الرسول وخلفاؤه، فهي بدعة وضلالة.

أضف إلى ذلك ما يشتمل عليه غالب تلك الاحتفالات البدعية من منكرات، من أشدّها: الشرك بالله -عزّ وجلّ- من دعاء الرسول، والاستغاثة به، والغلو في مدحه.

ومما يزيد الأمر خطورة في هذا الزمان: أن تلك البدع لا يقتصر شرها على الموضع الذي تُقام فيه، أو يقتصر إثمها على مَن يقيمها أو يحضرها، بل صارت وقائعها تصدر إلى المشارق والمغارب، بواسطة وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، فيظنها الجهّال حقاً، ويحسبونها من الدين، ويعتبرونها مَن لم يفعلها مقصراً في حق الرسول -صلى الله عليه وسلم-، بل أصبحت كأنها شعيرة من شعائر الإسلام.

ولا شك أن في هذا من التغرير بالعوّام، ولبس الحق بالباطل، ما لا يخفى على ذوي البصائر.

لا سيما إذا شارك في إقامة هذه الاحتفالات، وتجديد هذه الذكريات مَن هم محسوبون من العلماء، وهم في الحقيقة من الأئمة المضلّين الذين يحصلون من وراء هذه البدع على مطامع دنيوية، ويختلون الدنيا باسم الدين.

فيا مَن تحتفلون بذكرى الإسراء والمعراج أو غيرها من الذكريات البدعية: هل لكم دليل على ما تفعلون من كتاب الله وسنة رسوله؟ (قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [البقرة 111].

هل فُعِلَ شيء من ذلك في القرون المفضلة؟

(قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ) [يونس: 59].

إن قلتم: إن لكم دليلاً على ما فعلتم من الكتاب والسنّة، فقد كذبتم، وإن اعترفتم بأنه لا دليل لكم، فقد ابتدعتم، فاتقوا الله في أمة محمد، لا تفسدوا عليها دينها بالبدع.

إن الإسراء والمعراج نعمة عظيمة على أهل الإسلام، ولكن إحياء هذه الذكرى وغيرها من الذكريات وتخصيصها بعبادة لا دليل عليها يعتبر بدعة في الدين، وكل بدعة ضلالة، والعمل الصالح لا يختصّ بليلة واحدة في السنّة، وإنما هو مستمر في حياة المؤمن.

إن الدين لا يؤخذ من العوائد، وإنما يؤخذ من الكتاب والسنّة، وإن عملاً لم يعمله الرسول ولا صحابته ولا أتباعهم بإحسان عمل محدث مبتدع يجب رفضه، قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)[آل عمران: 31 - 32].

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" [رواه البخاري ومسلم].

وفي رواية لمسلم: "مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد".

والاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج أمر محدث في الدين، ليس عليه أمر الرسول، فهو مردود ومرفوض.

فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أن الشيطان يحاول صدّكم عن هذا الدين، وإخراجكم منه، إما بالنقص منه، والتساهل في تنفيذ أحكامه، وإشغالكم بالشهوات، وترك الواجبات، وفضل المحرمات.

وإما بالزيادة فيه، بالغلو والبدع.

فاحذروا من الشيطان ومكره بكم، فقد حذّركم الله منه بقوله: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [فاطر: 6].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ...

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، أكمل لنا الدين، وأتمّ علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام ديناً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أمر بإحياء السنن، واجتناب البدع؛ لأن السنن شرع الله، والبدع شرع الشيطان، ولأن السنن هدىً، والبدع ضلالة، وكل ضلالة في النار، اللهمَّ صلِّ وسلم على نبيّنا محمد وعلى آله وأصحابه ومَن تمسكّك بسنّته إلى يوم الدين.

أما بعد:

عباد الله: اتقوا الله -تعالى-، واعلموا أن الذي يحرم ويعتبر بدعة في شهر رجب هو تخصيصه بشيء من العبادات.

أما العبادة المشروعة فيه وفي غيره، مثل صلاة التهجّد في الليل والوتر، وصيام يوم الاثنين والخميس، وثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى والنوافل المطلقة والمقيدة التي صحّت بها السنّة، فهذه العبادات تفعل في شهر رجب وفي غيره، فمن كان له عمل من هذه الأعمال، فليستمر عليه في شهر رجب كغيره من الشهور.

فأكثروا -رحمكم الله- من الطاعات، ولازموا الجُمع والجماعات، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى.

واعلموا أن خير الحديث كتاب الله

إلخ