الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
العربية
المؤلف | سليمان بن حمد العودة |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
في كلِّ حينٍ تُمتَحنُ الهمَمُ، فهذا عالٍ في همّتِهِ، طَموحٌ في أهدافهِ الخيّرةِ، وآخَرُ دونِيُّ الهمّةِ، متكاسلٌ في عملِ الخيرِ لنفسِهِ، ومن بابِ أوْلَى فهو أضعفُ منْ أنْ يُقدِّمَ الخيرَ لمجتمعِه وأمتِه؛ ولكنَّ أوقاتَ الفراغِ تكشفُ أكثرَ تفاوتَ الهممِ، والقدرةَ على استثمارِ الأوقاتِ بما ينفعُ ..
إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومنْ سيئاتِ أعمالِنا، منْ يهدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ، ومنْ يضْلِلْ فلا هاديَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ عليْهِ وعلى سائرِ الأنبياءِ والمرسَلينَ، وأرْضَ اللهُمَّ عنِ الصحابةِ أجمعينَ والتابعينَ وتابعيهمْ بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ، وسلَّمْ تسليماً كثيراً.
أيُّها المسلمونَ: في كلِّ حينٍ تُمتَحنُ الهمَمُ، فهذا عالٍ في همّتِهِ، طَموحٌ في أهدافهِ الخيّرةِ، وآخَرُ دونِيُّ الهمّةِ، متكاسلٌ في عملِ الخيرِ لنفسِهِ، ومن بابِ أوْلَى فهو أضعفُ منْ أنْ يُقدِّمَ الخيرَ لمجتمعِه وأمتِه؛ ولكنَّ أوقاتَ الفراغِ تكشفُ أكثرَ تفاوتَ الهممِ، والقدرةَ على استثمارِ الأوقاتِ بما ينفعُ.
يُقال ذلكَ ونحو مُقبلونَ على الإجازةِ الصيفيةِ، ففيها يفرُغُ الطلابُ والطالباتُ مع تكاليفِ الدراسةِ، ويتمتعُ عددٌ كبيرٌ منَ الموظفينَ بالإجازةَ لمدةٍ تطولُ أو تقصُرُ؛ وهنا تُمتحَنُ الهممُ أكثرَ، ويحتاجُ المسلمُ إلى إعادةِ النظرِ في قيمةِ وقتِه واستثمارِ فراغِه، سواء حلَّ أمِ ارتحلَ.
إنَّ منَ الناسِ مَنْ لا يُقدِّرُ قيمةَ الزمنِ، ولا يسألُ نفسَه عما حقَّقَ وأنجزَ، يَكفيهِ أنْ يُمضيَ سحابةَ نهارِه وشطراً مِنْ ليلِه في أُنسٍ وفُكاهةٍ ومطعمٍ ومشربٍ، لا يكترثُ بمَ يُقضَى الوقتُ، ولا فرقَ عندَه بنوعيةِ ما يسمعُ أو يُشاهدُ، ولو كانَ في دائرةِ الفسوقِ والفجورِ.
ولهؤلاءِ وأمثالهم يُقال: إن في دينِنا -دينِ الإسلام- فُسحةً للترويحِ عنِ النفسِ، والأُنسِ بالأصحابِ، والمحادثةِ مع الخِلاّنِ، والاستمتاعِ بالنظرِ، وتشويقِ الأذنِ للسمع؛ ولكنْ في سياج الشرعِ المطهَّرِ، وفي حدودِ الفضيلةِ، وفي إطارِ المكارمِ والمحامدِ؛ وهذه الفضائلُ والمكارمُ والحدودُ الآمنةُ فيها غُنيةٌ للنفسِ وإراحةُ للضميرِ، وطمأنينةٌ للقلبِ.
أجَلْ، إنَّ الدراساتِ والتقاريرَ الميدانيةَ تكشفُ أنَّ أكثرَ الناسِ إصابةً بالأمراضِ النفسيةِ همُ المنفتحونَ على كلِّ شيءٍ، والمشاهدونَ لكلِّ شيءٍ، والمستمعونَ لكلِّ لَغْوٍ، والمتخفِّفونَ من تكاليفِ الشرعِ، فلم تَزِدْهم هذه الغفلةُ والمؤانسةُ المنحرفةُ إلا همّاً وكمَداً.
وأصبحَ الواحدُ منهُم بلسانِ حالِهِ يقولُ: لقدْ مارستُ كلَّ شيءٍ؛ ولكنَّ هذه وتلكَ عادتْ عليَّ بالضيقِ والضجَرِ والكآبةِ والحسرةِ.
وعادَ هؤلاءِ يبحثونَ عن السعادةِ التي فَقَدوها، وأدرَكوا بعدَ حينٍ أنَّ الإعراضَ عنِ اللهِ وذكرِهِ وعبادتِه السببُ الأولُ والأخيرُ لهذه الأمراضِ النفسيةِ والانحرافاتِ السلوكيةِ، وكأنَّهُم لأولِ مرةٍ يقرؤونَ قولَه تعالَى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) [طه:124]، وكأنَّهُم لأولِ مرَّةٍ يسمعونَ النداءَ: (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد:28].
يا عبدَ اللهِ: إن أيّ مشروعٍ تُفكرُ فيه في هذه الإجازةِ لا بدَّ أنْ تُحدِّدَ -ابتداءً- الهدفَ منْهُ، ولا بدَّ -ثانياً- أنْ تُفكِّرَ في الوسيلةِ المناسبةِ لتنفيذِهِ، ولا بدَّ -ثالثاً- منْ تقييمِ المشروعِ بعد انتهاءِ العملِ منْهُ.
وكلَّما كانَ الهدفُ خيِّراً، والوسيلةُ صالحةً، والتقييمُ دقيقاً؛ كلَّما تحققَتِ النتائجُ بشكلٍ أفضلَ، وأورثَتْ صاحبَ المشروعِ أُنْساً وسعادةً، يحسُّ بها في الدنيا، ويجدُ جزاءَها يوم يلقى ربَّه، حينَ لا ينفعُ مالٌ ولا بنونَ إلا مَنْ أتى اللهَ بقلبٍ سليمٍ، وإذا كان المالُ والبنون زينةَ الحياة الدنيا،؛فالباقياتُ الصالحاتُ خيرٌ عند ربِّك ثوابًا وخيرٌ أملاً.
يا أخا الإسلام: وفي زمنٍ يتصلُ العالَمُ بعضُهُ ببعضٍ، وتكثرُ المغُرياتُ، وتهيجُ أعاصيرُ الفتنِ هُنا وهُناك، يتآمرُ أبناءُ المللِ على تشويهِ صورةِ الإسلامِ، ويصبحُ المسلمونَ هدفاً للإبادةِ، وتنشطُ الإرسالياتُ التبشيريّةُ في مشاريعها المُفسِدِة، وتفوحُ روائحُ العداءِ والتشفِّي منَ المسلمينَ على أصْداءِ القمعِ الوحشي لليهود الصهاينةِ، ويكشفُ الهندوسُ والبوذيونَ، والشيوعيونَ، والباطنيونَ والمنافقونَ، والشهوانيونَ، وأهلُ الأهواءِ، عنْ وجوهِهِم الكالحةِ، ويتقدمون بمشاريعِهِم المنحرفةِ.
هنا -وفي كلِّ هذه الظروفِ الصعبةِ- أفَيليقُ بمسلمٍ ومسلمةٍ يقدرُ مسؤوليتَهُ أمامَ اللهِ، ومسؤوليتَهُ تجاهَ قضايا أمتِهِ، وواجبَهُ تجاهَ دينِهِ أنْ يُضيعَ وَقتَه سُدًى؟ أو يكتفي بالحوقلةِ وعدم الرِّضَى؟ فضلاً أنْ يشاركَ الآخرينَ في الفسادِ بأيِّ شكلٍ مِنَ الأشكالِ!.
إخوةَ الإسلامِ: والأشياءُ التي يُقضَى بها الوقتُ بما يضرُّ ولا ينفعُ كثيرةٌ، ولا مجالَ لحَصْرِها الآنَ؛ ولكنْ دَعونا نركِّزُ على أمورٍ ثلاثةٍ فقطْ تستحوذُ على اهتمامِ طائفةٍ منَ الناسِ، ولا بدَّ أنْ يدركوا مخاطرَها.
أولاها: العكوفُ على القنواتِ الفضائيةِ وشبكاتِ (الانترنت) الفاسدةِ، وهذه كما تسرقُ الأوقاتَ، تسرقُ القيمَ وتُفسدُ السلوكياتِ، بلْ تُلوِّثُ الأفكارَ، وتُشوِّهُ الثقافةَ النزيهةَ، وتُسيءُ إلى الإسلامِ وتستعمرُ المسلمينَ.
إنها تحملُ الإرهابَ الفكريَّ، وتنقلُ الإيدزَ الأخلاقيَّ، وتحلُّ محلَّ الاستعمارِ العسكريِّ وتدعو للعقائدِ المنحرفةِ، وتُشوِّهُ العقيدةَ الصحيحةَ، وتُبرزُ الرذيلةَ، وتدعو لممارسةِ الفاحشةِ، تُموَّلُ منْ تُجارِ اليهودِ والنصارَى وتُخْتارُ بَرامجُها بعنايةٍ، ويُخطَّطُ لأهدافِها بدقةٍ. فهلْ نَعِي الحقيقةَ ونُدركُ الخطرَ، أم نظلُّ سُكارَى حتى نُرْتَهنَ؟!.
وثانيها: السَّفرياتُ الخارجيةُ المسرفةُ، تلكَ التي يندسُّ أصحابُها في أماكنَ مشبوهةٍ، ويقصِدونَ الرحلةَ إلى بيئاتٍ غير نزيهةٍ، وأولئكَ كذلكَ تُسرَقُ أخلاقُهم وقيمُهم قبلَ أنْ تُسرَقَ جيوبُهم، وتُمتَهنُ كرامتُهم، ويحَ هؤلاءِ لو سألوا أنفسَهُمْ عنِ المالِ كيف أنفَقوه! وعنِ الوقتِ كيف أضاعُوه! وعن الفضيلةِ كيف أزهقوها! وعنْ شخصياتِهم كيفَ أهانوها! وعنْ إسلامِهم كيفَ دنَّسوه! وعنْ بلادِهم كيفَ شوَّهوها!.
هلْ يُدركُ هؤلاءِ أنهُمْ ربَّما أنفقوا درهَماً ذَبحوا فيهِ أنفسَهم وكانوا سبباً في ذبحِ إخوانِهِمُ المسلمينَ؟ بلى! إنَّ تعزيزَ اقتصادياتِ أعدائنا يرجعُ سِلاحاً تُطحنُ به صدورُ إخواننا! وهكذا تكونُ الجريمةُ مضاعفةً، والبليةُ شاملةً! نسألُ اللهَ العفوَ والعافيةَ لنا ولإخواننا المسلمين.
ثالثاً: الاهتمامُ بالرياضةِ إلى حدِّ الهوَسِ، والمتابعةُ للمبارياتِ بشكلٍ ملفتٍ، وهذه ربَّما ظنَّ البعضُ أنَّها أهونُ المسالكِ وأخفُّ الأضرارِ، وليسَ الأمرُ كذلك، وقد طالعْتُ بالأمسِ -في إحدى الصحُفِ المحليةِ- مقالاً جميلاً بعنوان (الكُرةُ أفيونُ الشعوبِ).
وابتدأَ صاحبُ المقال مقالَهُ قائلاً: غداً سيبدأً كأسُ العالمِ، ويبدأ معه موسمُ الجُنونِ والغفلةِ، (الجنونُ) لأنَّها الحالةُ الوحيدةُ التي تَسْتولي على كافةِ العقولِ، و(الغفلةِ) لأنها الفترةُ الوحيدةُ التي تَنسَى فيها الشعوبُ مصائبَها، وتُغمضُ الطَّرْفَ عن مصائبِ الآخرينَ.
ثمَّ يقولُ الكاتبُ: وكرةُ القدمِ تستحقُّ لقبَ (أفيونِ الشعوبِ) لأنَّها فترةُ خَدَرٍ لذيذةٍ طالما استغلَّها السياسيون لصالحِهم.
ثمَّ ذكرَ الكاتبُ نماذجَ عالميةً لاستغلالِ الساسةِ لمبارياتِ كرةِ القدمِ في تحقيقِ أهدافِهم، ثمَّ ختمَ الكاتبُ مقالَهُ قائلاً: وشخصياً ما زلتُ أذكرُ كيفَ استغلَّتْ إسرائيلُ انشِغالَنا ببطولةِ 1982م فغزتْ لبنانَ، ودمّرَتْ بيروتَ، وارتكبَتْ مجازرَ صَبرا وشاتيلاَّ.
وأتوقَّعُ أنَّها ستُبادرُ (خلالَ البطولةِ الحاليةِ) إلى اقتحامِ غزةَ، وتدميرِ السلطةِ في مخطَّطٍ أجّلَتْه لكأسِ العالمِ، وبالطبعِ كلُّ ما تحتاجُه عمليةَ استشهادٍ صغيرةٍ أهـ. فهلْ يا تُرى يُدركُ العقلاءُ ما لهذِهِ الرياضةِ مِنْ مخاطرَ وأهدافٍ؟!.
أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ الرجيم: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) [المؤمنون:115-116].
اللهمَّ انفَعْنا بالقرآنِ.
الخطبةُ الثانيةُ:
الحمدُ للهِ جلَّ ثناؤه وتقدسَتْ أسماؤه، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، اللهمَّ صلِّ وسلِّم عليه وعلى سائرِ الأنبياءِ والمرسَلينَ.
وبعدُ: فمِنَ الإنصافِ أنْ نقولَ: إنَّ عدداً كبيراً مِنَ الناس باتوا يدرِكونَ هذه المخاطرَ وغيرَها، وأقلعَ عنْها أناسٌ طالَما فُتِنوا بها، وثَمةَ فئةٌ ربّما مارسَتْها وهي لها كارهةٌ، وعسَى اللهُ أن يُعجِّلَ بتوبةِ المخطِئينَ، ويغفِرُ للمستغفِرينَ، وليسَ بينَ العبدِ وربِّه من حُجُبٍ، وربُّكَ الغفورُ الرحيمُ.
أيُّها المؤمنونَ: وحين نلتفتُ إلى الفئةِ الأخرَى الحريصةِ على وقتِها والراغبةِ في دعوةِ الآخرينَ، نجدُ خيراً كثيراً، ونجدُ أصداءً ونتائجَ لهذه الدعوةِ، ولكنْ؛ ولمزيدِ التفعيلِ أكثرَ، وفي سبيلِ نقدِ الذاتِ لتقديمِ عطاءٍ أفضلَ، نقولُ: إنَّ ثمةَ معوقاتٍ للدعوةِ مِنْ داخلِ الدعاةِ وبإمكانِهم أنْ يعالجوها، ويُجدَّدوا في الدعوةِ ويخطِّطوا لها.
ومنْ أدوائِنا في الدعوةِ: الفرديةُ في العملِ، والأحاديةُ في الرأيِ، فروحُ الفريقِ المتفاهِم أنجحُ، والمشورةُ لا تأتي إلا بخيرٍ، فلو أنَّ مجموعةً مِنَ الناس فكَّروا جميعاً في مشروعٍ دَعَويٍّ أو تعليميٍّ، ثمَّ صاروا بعدَ التفكيرِ إلى التنفيذِ، لكانَ ذلكَ أسهلَ في العملِ، وأثمرَ في الإنتاجِ.
إنَّ عدداً مِنَ الناسِ لديهِمُ القدرةُ على الاجتماعِ لرحلةٍ أو لقاءٍ أسبوعيٍّ أو شهريٍّ؛ ولكنَّ هذا اللقاءَ ينتهي عندَ حدودِ الأحاديثِ الودّيةِ، وتناقلِ الأخبارِ المحليةِ والعالميةِ، وتناولِ وجبةِ الطعامِ ليسَ إلاّ! أفَلا يستطيعُ هؤلاءِ أنْ يفكِّروا بمشروعٍ للدعوةِ في سبيلِ اللهِ؟ وهنا تتحوّلُ هذه اللقاءاتُ إلى الإيجابِ بدلَ السلبِ، وإلى حفظِ الأوقاتِ بدلَ إضاعتِها، ولو كانَ ذلكَ مرةً في الفصلِ، فلا تحقرنَّ منَ المعروفِ شيئاً!.
ومنْ أخطائنا: ضَعفُ التخطيطِ، فنحنُ نهتمُّ بالفكرةِ ويضعُفُ تفكيرُنا بحسنِ التخطيطِ لها، وإدارةِ الوقتِ لها، والتخطيطُ والإدارةُ فنٌّ، بلْ عِلمٌ مهمٌّ، لا يسوغُ أنْ يضعفَ الأخيارُ فيه ويتفوّقَ غيرُهم، والتخطيطُ السليمُ لا يُفيدُ فقطْ في حسنِ الإنتاجِ ومضاعفةِ الثمارِ، بلْ يُسهمُ في دفعِ العاملينَ للعملِ، وفي سهولةِ التنفيذِ، وفي تلافي كثيرٍ من السلبياتِ والمعوّقاتِ، فهلْ يا تُرى نُعنَى بالتخطيطِ؟ وهل نقرأُ في الإدارةِ؟ وهل نُفكر في دورات من هذا القبيل؟.
ونضعفُ كذلكَ في إشراكِ الآخرينَ في التمويلِ والتنفيذِ. إنَّ بعضَ المخلِصينَ يظنُّ أنَّ مشروعَ الخيرِ الذي يُفكرُ فيه ينبغي أنْ يبدأَ وينتهي منْ عندِه، ولذلكَ فلربَّما وأَد المشروعَ في مهدِهِ نظراً لعدمِ قدرتِه على تنفيذِ جميعِ مراحلِه؛ ولكنَّ إشراكَ الآخرينَ يدفعُ المشروعَ إلى الإمامِ.
فهناكَ في المجتمعِ موسِرونَ أو أصحابُ وجاهةٍ لديهِمُ الرغبةُ في دعمِ الخيرِ بأموالِهم وآرائهم إنْ لم يستطيعوا بأنفسِهم؛ لكنَّهم يحتاجونَ إلى منْ يطمئنُهم ويدلُّهم على مشروعٍ ناجحٍ تنقصُهُ النفقةُ فقطْ، أو يحتاجُ للرأيِ الناجحِ، ومنْ حقِّهم أن يطمئنوا، ومن واجباتِ الأخيارِ أن يشركوهُم في الدعوةِ إلى دينِ اللهِ منْ خلالِ أموالِهم أو آرائهمْ أو كليهِما؛ هذا شيءٌ.
وشيءٌ آخرُ لا بدّ منْ التفطُّنِ له وهوَ إشراكُ أكبرِ شريحةٍ ممكنةٍ في التنفيذِ، ولوْ كانَ هؤلاءِ المشتركونَ في التنفيذِ أقلَّ من غيرِهم فيما يبدو لَنا- فهذه فرصةٌ لتدريبهِم، وتلكَ وسيلةٌ منْ وسائلِ إشراكِهم في عملِ الخيرِ، وكسبِهم للدعوةِ.
إنَّ منْ أخطائنا -أحياناً- أن نفترضَ أنَّ صاحبَ المشروعِ هو المفكّرُ والمخطّطُ والمموِّلُ والمنفّذُ؛ وهذا مع ما فيه من إجهادِ النفسِ وتعويقِ العملِ، ففيه كذلكَ خسارةٌ لشريحةٍ كبرى منَ المجتمعِ يمكنُ أن تُستثمَرَ وقد تنتجُ وتنجحُ أكثرَ منْ غيرِها؛ فهلْ تُفكيرُ في هذا وتمارسُه عملياً؟.
يا صاحبَ الخيرِ، ويا ذا الهمَّةِ والرغبةِ في الدعوةِ لدينِ اللهِ وقد تسألُ عنْ مشروعٍ أو أكثرَ للدعوةِ -في مثلِ هذه الإجازةِ أو غيرِها- وتُجابُ بأنَّ المشاريعَ كثيرةٌ والفرصَ متاحةٌ، وقدْ يرى شخصٌ أو أشخاصٌ مجالاً مهمّاً، ويرى آخرونَ غيرَه، والمجالُ متسعٌ للجميعِ.
ولكنْ -ومنْ بابِ الذكرَى- أذكرُ لكَ -وعلى نسقِ ما مَضَى- ثلاثةً منَ المشاريعِ الدعويةِ تشمَلُ الداخلَ والخارجَ، ويمكنُ أنْ ينتفِعَ بها الذكرُ والأنثَى بإذنِ اللهِ.
أولها مشروعُ الدعوةِ والتعليمِ في القرى والهُجُرِ النائيةِ، وكمْ يحتاجُ سكانُ هذه وتلكَ إلى العلمِ النافعِ والدعوةِ إلى الخيرِ، في زمنٍ باتَتْ القنواتُ مصدرَ التوجيهِ لهؤلاءِ، وربّما فتكَتْ المخدراتُ ببعضِهم، فكيفَ إذا انضافَ إلى ذلكَ حاجةٌ ومسغَبةٌ وكادَ الفقرُ أنْ يكونَ كفراً! فدعوةُ هؤلاءِ وإعانتُهم مشروعٌ نبيلٌ.
وثانيها مشروعٌ للدعوةِ والتعليمِ والإغاثةِ لأقليةٍ منَ الأقلياتِ المسلمةِ في مشرقِ الأرضِ أو مَغرِبِها؛ وكمْ يحتاجُ هؤلاءِ إلى عَوْنِ إخوانِهم! وكمْ يتطلعونَ إلى المسلمينَ كافةً وإلى أهلِ بلاد الحرمين خاصةً لتعليمهم ودعوتِهم وإغاثتِهم! فهل نُساهمُ بأنفسِنا أو بالتنسيق مع الهيئاتِ والمؤسساتِ الإسلاميةِ لدعوةِ وتعليمِ وإغاثة هؤلاء؟ ذلك مشروعٌ نبيلٌ كذلك.
والثالث مشروعٌ تعليميٌّ ودَعَويٌّ للمرأةِ المسلمةِ وللشبابِ وللطفلِ المسلمِ، لا سيّما والغزوُ موجَّهٌ لهُمْ أكثرَ منْ غيرِهم، وإذا صلَحَ هؤلاءِ كانوا دِعامةً أساسية لصلاحِ المجتمعِ كلِّه، فهلْ نسابقُ الزمنَ؟ وهلْ ننافسُ المفسِدينَ لهؤلاءِ على الإصلاحِ والدعوةِ؟.