الرب
كلمة (الرب) في اللغة تعود إلى معنى التربية وهي الإنشاء...
العربية
المؤلف | محمد بن مبارك الشرافي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - صلاة العيدين |
إِنَّ الْعِيدَ فُرْصَةٌ سَانِحَةٌ لِلسَّعْيِ بِالصُّلْحِ بَيْنَ الأَقَارِبِ وَالأَصْدِقَاءِ, وَتَقْرِيبِ مَا بَعُدَ بَيْنَهُمْ وَبِنَاءِ مَا انْهَدَمَ مِنْ عِلَاقَاتِهِمْ، وَهَذَا عَمَلٌ جَلِيلٌ وَقُرْبَةٌ إِلَى اللهِ، قَالَ اللهَ تَعَالَى: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)، وَلْيُبْشِرْ مَنْ سَعَى فِي الإِصْلَاحِ بَيْنَ الْمُتَهَاجِرِينَ، فَلْيُبْشِرْ بِرِضْوَانِ اللهِ وَالثَّوَابِ الْجَزِيلِ مِنْهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ عَظِيمٌ يُحُبُّهُ اللهُ وَيَرْضَاهُ، وَيُقَارِبُ بَيْنَ..
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ للهِ الذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرَاً فَجَعَلَهُ نَسَبَاً وَصِهْرَاً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرَا، وَالْحَمْدُ للهِ الذِي جَعَلَ بَيْنَ الْعِبَادِ وَشَائِجَ وَوَصَائِلَ وَوَصَّى بِهَا خَيْرَاً، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لا ضِدَّ لِرَبِّنَا وَلا نِدَّ وَكَانَ اللهُ سَمِيعاً بَصِيرَا، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، بَعَثَهُ اللهُ بَشِيراً وَنَذِيراً، وَدَاعِيَاً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجَاً مُنْيرَا، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّد، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ صَلَاةً وَسَلَاماً كَثِيرا.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَقُومُوا بِطَاعَتِهِ وَامْتَثِلُوا أَمْرَهُ وَاجْتَنِبُوا نَهْيَهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ فَلاحَكُمْ وَنَجَاحَكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ بِذَلِكَ قَالَ اللهُ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70- 71].
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ مِنْ بَرَكَاتِ هَذَا الدِّينِ وَشُمُولِيِّتِهِ أَنِ اعْتَنَى بِعَلَاقَةِ الْعَبْدِ بِرَبِّهِ وَاعْتَنَى بِمُعَامَلَةِ الإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ، وَاعْتَنَى بِعَلاقَتَهِ مَعَ مَنْ حَوْلَهُ سَوَاءً كَانَ الْوَالَدَيْنِ أَوِ الْجِيرَانَ أَوِ الأَقَارَبَ أَوْ زُمَلَاءَ الْعَمَلِ، بَلْ سَائِرَ النَّاسِ.
قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) [النساء: 36]، وَعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُحِبَّ لِجَارِهِ أَوْ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَالْمُرَادُ بِالأَخِ هُنَا هُوَ أَخُوكَ فِي الإِسْلَامِ، وَلا شَكَّ أَنَّ هَذَا رُقُيٌّ فِي التَّعَامُلِ وَتَرْبِيَةٌ عَظِيمَةٌ لِأَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ هَذِهِ الْعَلَاقَةُ الْحَمِيمَةُ، بَلْ إِنَّ دِينَنَا جَاءَ بِمَا هُوَ أَرْفَعُ مِنْ ذَلِكَ، فَحَثَّ عَلَى نَشْرِ السَّلَامِ لِجَلْبِ الْمَحَبَّةِ، بَلِ رَاعَى حَتَّى تَقَاسِيمَ الْوَجْهِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ" (رَوَاهُ مُسْلِم).
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- "وَتَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الَأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
وعَنْهَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَيْضاً قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- "لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ" (رَوَاهُ مُسْلِم).
هَكَذَا رَبَّانَا دِينُنَا وَأَدَّبَتْنَا شَرِيعَتُنَا لِكَيْ يَعِيشَ الْمُجْتَمُعَ فِي تَحَابٍّ وَتَوَادٍّ وَاحْتِرَامٍ مُتَبَادَل، بَعِيدَا عَنِ الاحْتِقَارِ وَعَنِ التَّعَالِي عَلَى مَنْ دُونَكَ فِي الْمَعِيشَةِ أَوِ الْمَنْزِلَةِ، وَبِهَذَا يَكُونُ مُجْتَمَعُنَا قَوِيَّاً مُتَرَابِطَاً، يَصْدُقُ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذا اشْتَكَى عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى" (رواه مسلم عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَإِذَا كَانَ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عَلاقَتُنَا مَعَ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهَا تَكُونُ مُتَأَكِّدَةً جِدَّاً مَعَ الأَقَارِبِ مِنَ الْوَالِدَيْنِ وَالأَرْحَامِ، فَيَنْبَغِي لِكُلِّ عَاقَلٍ أَنْ يُرَاعِيَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ جِدَّاً وَيُوصِيَ بِهَا مَنْ تَحْتَ يَدَهُ مِنَ الزَّوْجَةِ وَالأَوْلَادِ، فَيَبْقَى التَّوَاصُلُ وَالْمَوَدَّةُ وَحُسْنِ التَّعَامُلِ مَعَ الأَقْرَبِينَ حَتَّى لَوْ حَصَلَ مِنْهُمْ تَقْصِيرٌ.
إِنَّ الأَدِلَّةَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَدْ تَكَاثَرَتْ فِي حَقِّ الأَقَارِبِ وَالأَرْحَامِ، وَالتَّأْكِيدِ عَلَيْهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي مَدْحِ الْمُؤْمِنِينَ: (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ) [الرعد: 21].
وَقَالَ فِي الْجِهَةِ الْمُقَابَلِةِ وَهِيَ الْقَطِيعَةُ (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)[محمد: 22- 23].
إِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مِنْ أَسْبَابِ طُولِ الْعُمُرِ وَسَعَةِ الرِّزْقِ وَالْبَرَكَةِ فِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ عَلَيْهِ فِي رِزْقِهِ، وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" (أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ).
وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وَصَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ" (رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ).
إِنَّ الأَقَارِبَ -أَيُّهَا الإِخْوَةُ- لُحْمَةٌ مِنْكَ لا تَنْفَكُّ أَبَدَاً، وَإِنَّ الْمُوَفَّقَ مَنْ رَاعَاهُمْ وَتَعَاهَدَهُمْ وَزَارَهُمْ وَزَارُوهُ، وَكَذَلِكَ يُوصِي أَوْلادَهُ بِتَعَاهُدِ أَرْحَامِهِ.
وَإِنَّ أَيَّامَ الْعِيدِ فُرْصَةٌ لِلتَّزَاوُرِ وَالسَّلامِ وَتَبَادُلِ الأَحَادِيثَ التِي تُزِيلُ مَا قَدْ عَلِقَ باِلنُّفُوسِ بِسَبَبِ التَّقْصِيرِ أَوْ الْجَفْوَةِ، وَإِنَّ الْوَجْهَ الطَّلْقَ مَعَ الْكَلَامِ الطَّيِّبِ وَالاعْتِذَارِ عَنِ التَّقْصِيرِ كَفِيلٌ بِإِذْنِ اللهِ بِإِزَالَةِ الشَّحْنَاءِ وَالْبَغْضَاءِ.
نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُعِينَنَا عَلَى صِلَةِ أَرْحَامِنَا وَعَلَى الْبِرِّ بَوَالِدِينَا، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ على خَاتَمِ النَّبِيِينَ, وَإِمَامِ الْمُرْسَلِينَ, نَبيِنَا محمدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، واعلموا أنَّ قَطِيعَةَ الرَّحِمِ وَالتَّهَاجُرَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ذَنْبٌ عَظِيمٌ، وَمِنْ أَسْبَابِ عَدَمِ رَفْعِ الأَعْمَالِ، قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "هَجْرُ الْمُسْلِمِ أَخَاهُ كَسَفَكِ دَمِهِ" (صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ فِي صَحِيحِ الْجَامِعِ).
وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ، فَيُعْرِضُ هَذَا، وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ الْعِيدَ فُرْصَةٌ سَانِحَةٌ لِلسَّعْيِ بِالصُّلْحِ بَيْنَ الأَقَارِبِ وَالأَصْدِقَاءِ, وَتَقْرِيبِ مَا بَعُدَ بَيْنَهُمْ وَبِنَاءِ مَا انْهَدَمَ مِنْ عِلَاقَاتِهِمْ، وَهَذَا عَمَلٌ جَلِيلٌ وَقُرْبَةٌ إِلَى اللهِ، قَالَ اللهَ تَعَالَى: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 114].
وَلْيُبْشِرْ مَنْ سَعَى فِي الإِصْلَاحِ بَيْنَ الْمُتَهَاجِرِينَ، فَلْيُبْشِرْ بِرِضْوَانِ اللهِ وَالثَّوَابِ الْجَزِيلِ مِنْهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ عَظِيمٌ يُحُبُّهُ اللهُ وَيَرْضَاهُ، وَيُقَارِبُ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمِينَ وَيُحُسِّنُ عَلَاقَةَ الْمُتَقَاطِعِينَ، حَتَّى إِنَّهُ يَجُوزُ الْكَذِبِ فِي هَذِهِ الْحَالِ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عن حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّ أُمَّهُ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ، اللَّاتِي بَايَعْنَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، أَخْبَرَتْهُ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَهُوَ يَقُولُ: "لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَقُولُ خَيْرًا وَيَنْمِي خَيْرًا".
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: "وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: الْحَرْبُ، وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا".
فَأَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنَا مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَأَنْ نَكُونَ صَالِحِينَ مُصْلِحِينَ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا التِي فِيهَا مَعَاشُنَا وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا التِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا!
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلامِ وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ للْهُدَى وَالرَّشَادِ، وَجَنِّبْهُمْ الْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَما بَطَنْ, اللَّهُمَّ أَعِدْ عَلَيْنَا رَمَضَانَ أَعْوَاماً عَدِيْدَةً وَأَعْمَاراً مَدِيدَةً وَنَحْنُ والمسْلِمُونَ بِخَيْرٍ فِي دِينِنَا وَدُنْيَانَا، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ وُلَاةَ أُمُورِنَا!
اللَّهُمَّ جَنِّبْ بِلادَنَا الْفِتَنَ وَسَائِرَ بِلادِ الْمُسْلمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ ! اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن الغَلَا وَالوَبَا وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَلازِلَ وَالفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن! وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين.