الخالق
كلمة (خالق) في اللغة هي اسمُ فاعلٍ من (الخَلْقِ)، وهو يَرجِع إلى...
العربية
المؤلف | علي عبد الرحمن الحذيفي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - صلاة العيدين |
العيدُ له معانٍ عظيمة، وحِكَمٌ بالِغة، ومقاصِد عالية، وآدابٌ سامِية، ونافعةٌ كثيرةٌ دينيَّةٌ واجتماعيَّةٌ، ودنيويَّةٌ وأُخرويَّةٌ، وأعظمُ منافعِه الدينية: تحقيقُ التوحيد لربِّ العالمين؛ فالصلاة تتضمَّنُ توحيدَ الربِّ بأفعالِه، وتوحيدَ الربِّ بأسمائِه وصفاتِه، وتوحيدَ الربِّ - عز وجل- بأفعال العباد التي لا تُصرَف إلا لله -تعالى-، وصلاةُ العيد كغيرها تتضمَّنُ هذه المعاني العظيمة السامِية، وخُطبةُ العيد إظهارٌ وبيانٌ لشرائِع الإسلام في الجمع، ليعلَمها كل مسلم ومسلمة، فلا يدخلُ عليه التحريفُ والابتِداع، وينتفِي معها الجهلُ.
الخطبة الأولى:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كلما أفاضَ الربُّ على الخلق من الخيرات، الله أكبر كلما تجاوزَ عن السيئات، الله أكبر كلما رفعَ السائِلون أيديهم إلى الله بأنواع الحاجات، الله أكبر عدد ما أعدَّ الله للصائمين من قُرَّة أعينٍ في الجنات، الله أكبر رِضا نفسه، وزِنةَ عرشه، ومِدادَ كلماته، وعددَ خلقه.
الحمد لله الواحد الأحد، الإله الصمد، الذي لم يلِد ولم يُولَد، ولم يكُن له كُفوًا أحد، كل المخلوقات تحت تدبيره وأمره، وأمورُهم كلُّها إليه، فلم يكِلهم إلى أحد، يُنعِمُ على من يشاءُ بما شاءَ فضلاً، ويمنعُ من يشاءُ عما يشاءُ حكمةً وعدلاً، إليه الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ وإليه المردُّ، أحمدُ ربي وأشكرُه، وأتوبُ إليه وأستغفِرُه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له المُلك وله الحمدُ، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبده ورسوله أفضلُ من صلَّى وصام، ووفَّى كلَّ مقامٍ لربِّه من التعبُّد، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه الذين فازُوا بالسَّبق إلى الطاعات والتفرُّد.
عباد الله:
أُوصِيكم ونفسي بتقوى الله في كل وقتٍ؛ فما نالَ الحياةَ الطيبةَ في الدنيا والعاقبةَ في الأخرى إلا المُتقون.
أيها المسلمون:
إن يومَكم هذا يومُ عيد الفطر يُسمَّى "يوم الجوائز"، يُوفَّى فيه المُحسِنون أُجورَهم مُضاعفَة الثواب، ويتجاوزُ فيه الربُّ عن الذنوب، فيُجيرُ من العقاب. رُفِعَت أقلامُ رمضان، وجفَّت صُحُفُه بما كان من الأعمال؛ إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشرٌّ.
وربُّنا الرحيم يُبشِّرُ الطائعين، ولا يُقنِّطُ العاصِين، فهو أكرمُ الأكرمين، وأرحمُ الراحمين، يمُنُّ بالتوبة والفضلِ والخيرات في رمضان وغيره.
فيا باغِيَ الخير أقبِل واستقِم، ويا باغِيَ الشرِّ أقلِع والتزِم، ولا تغترَّ بالحياة الدنيا؛ فإنما هي متاع، يفنَى شبابُها، ويزولُ نعيمُها، وتتقلَّبُ أحوالُها، ولا يدومُ سُرورُها، ولا يأمَنُ المرءُ من شُرورها، والآخرةُ هي المقرُّ، فإما نعيمٌ مُقيم، وإما عذابٌ أليم.
وهذا يومٌ بُشِّرتم فيه بالخيرات؛ عن سعد بن أوسٍ الأنصاري، عن أبيه - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان يومُ عيد الفِطر وقفَت الملائكةُ على أبوابِ الطُّرق، فنادَوا: اغدُوا يا معشر المُسلمين إلى ربٍ كريمٍ، يمُنُّ بالخير ثم يُثيبُ عليه الجَزيل، لقد أُمِرتم بقيام الليل فقُمتُم، وأُمِرتم بصيام النهار فصُمتُم، وأطعتُم ربَّكم فاقبِضُوا جوائِزَكم. فإذا صلَّوا نادَى مُنادٍ: ألا إن ربَّكم قد غفرَ لكم، فارجِعوا راشِدين إل رِحالِكم، فهو يومُ الجائِزة، ويُسمَّى ذلك اليومُ في السماء: "يوم الجائِزة" (رواه الطبراني في المعجم الكبير).
ويُروى له شاهدٌ من حديث أبي هريرة في "الترغيب والترهيب" للأصبهانيِّ.
ويُروى عن ابن عباسٍ - رضي الله عنهما -، أنه سمِع رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا كانت ليلةُ الفِطر سُمِّيت تلك الليلة: ليلة الجائزة، فإذا كانت غداة الفِطر بعثَ الله الملائكةَ في كل البلاد، فيهبِطون إلى الأرض، فيقومون على أفواه السِّكَك، فيُنادُون بصوتٍ يسمعُه من خلقَ الله تعالى إلا الإنسَ والجنَّ، فيقولون: يا أمةَ محمدٍ! اخرُجوا إلى ربٍّ كريمٍ يُعطِي الجزيلَ، ويعفُو عن العظيم، فإذا برَزُوا إلى مُصلاَّهم يقول الله تعالى للملائكة: ما جزاءُ الأجير إذا عمِلَ عملَه؟".
قال: "فتقولُ الملائكة: إلهَنا وسيِّدنا! جزاؤُه أن تُوفِّيَه أجرَه"، قال: "فيقول: فإني أُشهِدُكم يا ملائكتي أني قد جعلتُ ثوابَهم من صيامهم شهرَ رمضان وقيامهم رضايَ ومغفرتي"، ويقول: "يا عباديّ سَلُوني، فوعزَّتي وجلالي لا تسألوني اليوم شيئًا في جمعِكم هذا لآخرتكم إلا أعطيتُكم، ولا لدُنياكم إلا نظرتُكم، فوعزَّتي لأستُرنَّ عليكم عثَرَاتُكم ما راقَبتُموني، وعزَّتي وجلالي لا أُخزِيكم ولا أُفضَحُكم بين أصحابِ الحُدود، وانصرِفوا مغفورًا لكم، قد أرضَيتُموني ورضيتُ عنكم".
"فتفرحُ الملائكةُ، وتستبشِرُ بما يُعطِي الله - عز وجل - هذا الأمة إذا أفطَروا من شهر رمضان" (رواه أبو الشيخ في كتاب "الثواب"، والبيهقي في "شعب الإيمان"، قال المُنذريُّ - رحمه الله -: "وليس في إسناده من أُجمع على ضعفِه".
وصلاةُ العيد شُكرٌ على تمام الطاعات؛ فعيدُ الأضحَى بعد رُكن الحجِّ الأعظَم، وعيدُ الفِطر بعد تمام الصيام، يفتتِحُ المُسلمُ التمتُّع بالطيِّبات، والمُباحات في هذا اليوم بالصلاة.
يُعطِي التشريعُ البدنَ ما يحتاجُ إليه وما يُصلِحُه، ليقوَى على الطاعات، ويقوم بمُهمَّات الحياة، ويسُنُّ للروح ويُشرِّعُ لها ما يُزكِّيها ويُطهِّرُها، ويُقوِّيها بأنواع الواجِبات والمُستحبَّات.
ولما قال سلمانُ - رضي الله عنه - لأبي الدرداء - رضي الله عنه -: "إن لبدَنِك عليك حقًّا، وإن لزوجِك عليك حقًّا، فأعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه"، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "صدقَ سلمان".
بالأمس يحرُم الطعامُ والشرابُ والمُفطِّراتُ على المُسلم في النهار، واليوم يجبُ عليه أن يُفطِر؛ عن أبي سعيدٍ - رضي الله عنه -، "أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نهَى عن صيام يومين: يوم الفِطر ويوم النَّحر" (رواه البخاري ومسلم).
فالعبدُ مأمورٌ منهيٌّ من ربِّه، يأمُرُه بما فيه صلاحُه، وينهَاهُ عما فيه فسادُه وضررُه وهلاكُه؛ قال الله تعالى: (أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى) [القيامة: 36، 37]؛ بمعنى: لا يُؤمَرُ ولا يُنهَى.
وعزُّ العبد هو في طاعة المولَى - سبحانه وتعالى -، وفلاحُه وصلاحُه وسعادتُه في عبادة الله، بمحبَّته والتذلُّل للربِّ، وخُسرانُ العبد وخِزيُه وهوانُه وصَغارُه في اتِّباع الهوَى، والانسِياقِ وراء الحريَّة البهيميَّة.
وتذكَّروا أولَ معصيةٍ في الكون؛ فأبو البشر آدم - صلى الله عليه وسلم - عصَى فتابَ وتابَ الله عليه، واجتباهُ وهداهُ، ورفعَه وعظَّم الأمرَ والنهيَ، فأعادَه الله إلى الجنة التي أُخرِج منها.
وإبليسُ - لعنه الله - استكبَر عن أمر الله وعانَد، وحادَّ الله بارتِكاب الجرائِم، فعاقبَه الله - عز وجل - أعظمَ عقوبة، وكتبَ عليه الذلَّة والصَّغار الأكبر، وأعدَّ له شرَّ منزِل.
فالتائِبون على سُنَّة أبينا آدم والأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -، والمُعرِضون المُحادُّون لله ورسولِه اتبَعوا الشيطان، فهم معه في جهنَّم؛ قال الله تعالى: (قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) [ص: 84، 85].
وإنها لأعظَمُ قصص وعِبرة، فاعتبِروا يا أُولِي الأبصار.
العيدُ له معانٍ عظيمة، وحِكَمٌ بالِغة، ومقاصِد عالية، وآدابٌ سامِية، ونافعةٌ كثيرةٌ دينيَّةٌ واجتماعيَّةٌ، ودنيويَّةٌ وأُخرويَّةٌ، وأعظمُ منافعِه الدينية: تحقيقُ التوحيد لربِّ العالمين؛ فالصلاة تتضمَّنُ توحيدَ الربِّ بأفعالِه، وتوحيدَ الربِّ بأسمائِه وصفاتِه، وتوحيدَ الربِّ - عز وجل- بأفعال العباد التي لا تُصرَف إلا لله -تعالى-.
وصلاةُ العيد كغيرها تتضمَّنُ هذه المعاني العظيمة السامِية، وخُطبةُ العيد إظهارٌ وبيانٌ لشرائِع الإسلام في الجمع، ليعلَمها كل مسلم ومسلمة، فلا يدخلُ عليه التحريفُ والابتِداع، وينتفِي معها الجهلُ.
وأما المنافعُ الاجتماعيَّة؛ فالتكافُلُ والتعاوُنُ والتراحُم والتزاوُر والتعاطُف بين المُسلمين في هذا اليوم، وما يتقدَّمه من أعمال البرِّ التي تسُدُّ حاجات المُحتاجين، وتنشُرُ المُساواة بين أفراد المُجتمع المُسلم؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مثَلُ المُؤمنين في توادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم كمثَل الجسَد الواحد، إذا اشتكَى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجسَد بالحُمَّى والسَّهَر" (رواه البخاري ومسلم من حديث النُّعمان بن بشير).
ومن خيرات هذا العيد: محوُ الغلِّ والأحقاد والشَّحناء من قلوبِ المُسلمين، ومغفرة الذنب بالتِقائِهم على أُخوَّة الإسلام؛ عن البراء - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من مُسلِمَين يلتقِيان فيتصافحَان إلا غُفِر لهما قبل أن يتفرَّقا" (رواه أبو داود والترمذي).
ويحقُّ لكل مسلمٍ ومسلمةٍ الفرحُ والبهجةُ والسُّرور بالعيد؛ لما جمع الله فيه من المسرَّات بكمال الصيام، وما منَّ به الله من المُباحات واجتماع القلوب؛ قال الله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58].
والمُسلم يتجمَّلُ في مظهره فيه؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله إذا أنعمَ على عبدٍ أحبَّ أن يرَى أثرَ نعمتِه عليه".
والعيدُ يُفيضُ فيه الربُّ البركات على الجمع، وينشُرُ فيه الرحمة، وينالُ كلُّ الجمع خيرات الدعوات؛ عن أم عطيَّة - رضي الله عنها - قالت: "أمرَنا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن نُخرِجهنَّ في الفِطر والأضحَى: العواتِق والحُيَّض وذوات الخُدور، فأما الحُيَّض فيعتزِلن الصلاةَ ويشهَدنَ الخيرَ ودعوةَ المُسلمين" (رواه البخاري ومسلم).
ومن حِكمة الله - عز وجل -: أن ينقُل المُسلم من حالة العبادة إلى حالة إباحةٍ للطيبات، وتمتُّع بالمُباحات؛ ليقوَى ويُقبِل على عباداتٍ وطاعاتٍ أخرى، يُقدِم على ثوابها في الأُخرى. فحياةُ المسلم مُتجدِّدة مُباركة لا مللَ فيها.
ففي رمضان صيامٌ وقيامٌ، حتى إذا كادَت تهُبُّ رياحُ الملَل أوجبَ الله الفِطرَ في العيد، تجديدًا لنشاط الأبدان، وترويحًا للنفوس؛ قال النبي - عليه الصلاة والسلام -: "يا حنظلة! ساعة وساعة".
وعن عليٍّ - رضي الله عنه -، أنه قال: "أرِيحوا هذه القلوب، فإنها إذا كلَّت عمِيَت".
ومما أُثِر عمن كان قبلَنا: "على العاقلِ أن يكون له ساعةٌ يُناجِي فيه ربَّه، وساعةٌ يقضِي فيها حوائِجَه ويتمتَّع بما أحلَّ الله له، وساعةٌ يُدبِّرُ فيه معاشَه ويُصلِحُ فيها دُنياه وأمورَه".
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
عباد الله:
الصلاةَ الصلاةَ؛ فإنها عمود الإسلام، ولا حظَّ في الإسلام لمن تركَها، وهي زكاةُ البدَن، وحافِظةُ الجوارِح من الآثام، وبابُ دار السلام؛ عن ابن عمر - رضي الله عنهما -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في الصلاة: "من حافظَ عليها كانت له نورًا وبُرهانًا ونجاةً يوم القيامة، ومن لم يُحافِظ عليها لم يكُن له نورٌ ولا بُرهانٌ ولا نجاةٌ، وكان يوم القيامة مع فرعون وهامان وأُبيِّ بن خلف" (رواه أحمد والطبراني).
وتُؤدَّى جماعةً في المسجِد، وتركُ الصلاة كُفرٌ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أولُ ما يُحاسَبُ عليه العبدُ الصلاة، فإن قُبِلَت قُبِلَت وسائرُ العمل، وإن رُدَّت رُدَّت وسائرُ العمل".
وأدُّوا زكاةَ أموالكم؛ فقد فرضَ الله عليكم اليسير طُهرةً لكم، وأعطاكم الكثير، ووعدَكم بالخلَف، وهي حقُّ الله للفقراء؛ فطُوبَى لمن أدَّاها طيبةً بها نفسُه، وويلٌ لمن بخِل بها فصارَت له عذابًا في حياته وبعد مماته. ففي حياته: تُعرِّضُ المالَ للهلاك والجوائِح ونزع البرَكة؛ عن عمر - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما تلِف مالٌ في برٍّ أو بحرٍ إلا بحبسِ الزكاة" (رواه الطبراني).
وأما بعد مماته: فيُمثَّلُ له مالُه شُجاعًا ثُعبانًا ينهشُ شِدقَيه، كما في "الصحيحين".
وإذا له إبلٌ أو بقرٌ أو غنمٌ فلم يُؤدِّ زكاتَها إذا كانت نِصابًا، بُطِح لها يوم القيامة، فتطؤُه في موقف الحشر، كما في "صحيح مسلم".
والنَّفقاتُ الواجِبةُ والمُستحبَّةُ يُعظِمُ الله بها الأجر، ويقِي بها من النار، ويدفعُ بها مصارِعَ السوء وميتةَ السُّوء.
وعليكم ببرِّ الوالدَين وحُسن صُحبتهما، فهما بابان من أبواب الجنة؛ ففي الحديث: "رِضا الله من رِضا الوالدَين، وسخَطُ الله في سخَط الوالدَين" (رواه الترمذي من حديث عمرو بن العاص).
وأحسِنوا إلى الفقراء والأيتام والضُّعفاء، فدينُنا دينُ الرحمة؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ابغُوني في الضُّعفاء؛ فإنما تُنصَرون وتُرزَقون بضُعفائِكم".
واحفَظوا حقوقَ الجيران، وابذلُوا لهم الخير، وكفُّوا عنهم الشرَّ؛ ففي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "والله لا يُؤمن من لا يأمَنُ جارُه بوائِقَه" - يعني: شرَّه – (رواه البخاري ومسلم).
والإحسانُ إليهم من الأعمال التي تُدخِل الجنة، والإساءةُ إلى الجيران من أسباب دخول النار، كما روى أحمدُ من حديث أبي هريرة.
وصِلُوا الأرحام، واحذَروا القطيعَة؛ ففي الحديث القُدسيِّ: "قال الله للرَّحِم: من وصَلَكِ وصلتُه، ومن قطعَكِ قطعتُه" (رواه البخاري ومسلم).
وفي الحديث: "لا يدخلُ الجنةَ قاطِعُ رحِم" (رواه الشيخان).
وأحسِنوا إلى من ولاَّكم اللهُ أمرَه من الأزواج والأولاد والأُجراء، فمن أحسنَ أحسنَ الله إليه ودخل الجنة، وحُسن الملَكة بركةٌ، وعواقبُها خيرٌ ونماء، ومن أساءَ فلنفسِه، وسُوءُ الملَكة شُؤمٌ وشرٌّ ونار.
ومُروا بالمعروف وانهَوا عن المُنكَر، فهما حارِسان للإسلام، وحامِيان للمُجتمع من الشُّرور والآثام، وناشِران لكل فضيلةٍ وخير، ويدفعُ الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر العقوبات النازِلة، ويحفظُ بهما النِّعَم الواصِلة، ويُعينان الطائِعين على الطاعات، ويمنعَان المُجرمين عن المُحرَّمات.
وفي الحديث: "والذي نفسي بيدِه؛ لتأمرُنَّ بالمعروف ولتنهوُنَّ عن المُنكَر، أو ليُوشِكنَّ الله يبعثُ عليكم عقابًا منه، ثم تدعونَه فلا يستجيبُ لكم" (رواه الترمذي من حديث حُذيفة).
وعليكم بالصدق في البيوع والمُعاملات والمُقاولات، وأوفُوا الشروط التي بين المُتعامِلين؛ وفي الحديث: "التاجِرُ الصدوقُ الأمينُ مع النبيين والصدِّيقين والشهداء"؛ (رواه الترمذي، وقال: "حديثٌ حسن"، من حديث أبي سعيد).
وقال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [المائدة: 1].
وانتِقاصُ الشروط أكلٌ للأموال بالباطل؛ قال الله تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) [البقرة: 188].
وليُؤدِّ المُسلم ما وجبَ عليه من الدَّين؛ ففي الحديث: "من ماتَ وهو بريءٌ من ثلاثٍ دخل الجنة: الغُلولُ، والدَّين، والكِبر" (رواه ابن ماجه من حديث ثوبان).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "نفسُ المُؤمن مُعلَّقةٌ بدَينه حتى يُقضَى عنه" (رواه أحمد والترمذي، وقال: "حديثٌ حسن"، وكذلك ابن ماجه).
عباد الله:
احذَروا الشركَ بالله في الدعاء والاستغاثة وطلب الخير وطلب دفع الشرِّ؛ فالشركُ في العبادات لا يغفِرُه الله إلا بالتوبة، وصاحبُ الشرك خالدٌ في النار، ولا يقبلُ الله شفاعةَ أحدٍ فيه ولو كان الشافعُ نبيًّا؛ فإبراهيمُ - عليه الصلاة والسلام - لم تُقبل شفاعتُه في أبيه، قال الله تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) [المائدة: 72].
وإياكم والزِّنا؛ فإنه عارٌ ونارٌ ودمارٌ وذِلَّةٌ وافتِقارٌ؛ قال الله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) [الإسراء: 32].
عن سمُرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "رأيتُ الليلةَ رجُلَين جاءاني، فانطلقنا، فإذا مثلُ التنُّور فإذا فيه لغطٌ وأصواتٌ، فاطَّلعنا فيه فإذا فيه رجالٌ ونساءٌ عُراة، وإذا هم يأتيهم لهبٌ من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهبُ ضَوضَوا"؛ أي: صاحُوا. قال: "قلتُ: ما هؤلاء؟ قال: فإنهم الزُّناة والزانِي" (رواه البخاري من حديثٍ طويلٍ).
ورُؤيا الأنبياء حقٌّ، وهذا عذابُ البرزَخ، فكيف بما بعدَه؟!
وعملُ قوم لُوطٍ أعظمُ من الزِّنا وشرٌّ منه، وأقبحُ وأشدُّ دمارًا للإنسان، وقد لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - من عمِلَ عملَ قوم لُوط ثلاثًا. (رواه ابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي، والنسائي).
وعُوقِبَ قوم لُوطٍ بعقوبةٍ لم تُعاقَب بها أمةٌ، لتكون نَكالاً لما بعدها.
وأكبرُ ذنبٍ بعد الشركِ بالله: قتلُ النفس التي حرَّم الله؛ ففي الحديث: "لو أن أهلَ السماء وأهلَ الأرض اشترَكوا في دمِ مؤمنٍ لأكبَّهم الله في النار" (رواه الترمذي من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -).
واجتنِبوا الرِّبا، فإنه محقُ البركة، وخُبثٌ يختلِطُ بالمال، والاغتِذاءُ به يُفسِدُ القلب، ويقودُ إلى المُحرَّمات والمُوبِقات، ويصُدُّ عن الطاعات، ويُفسِدُ الاقتِصاد، وفي الحديث: "درهم رِبا يأكلُه الرجلُ وهو يعلَمُ أشدُّ من ستةٍ وثلاثين زنية" (رواه أحمد والطبراني، قال المُنذريُّ: "رِجالُ أحمد رِجالُ الصحيح"، والحديث عن عبد الله بن حنظلَة).
وفي حديث أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الرِّبا سبعون حُوبًا - أي: إثمًا -، أيسرُها مثلُ أن ينكِحَ الرجُلُ أمَّه" (رواه ابن ماجه والبيهقيُّ).
وتوعَّد الله عليه بالخُلود في النار.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
عباد الله:
وليحذَر العبدُ من المُسكِرات والمُخدِّرات، فإنها تُفسِد العقلَ والتدبيرَ، وتُوقِعُ في الفواحِش والمخازِي، والذلَّة وهوان النفس مع عذاب الآخرة؛ وفي الحديث: "من ماتَ مُدمِنَ الخمر سقاه الله تعالى من نهر الغُوطة"، قيل: وما نهرُ الغُوطة؟ قال: "نهرٌ يجرِي من فُروج المُومِسات يُؤذِي أهلَ النار ريحُ فُروجهم" (رواه أحمد وابن حبان والحاكم وصحَّحه من حديث أبي موسى).
والدُّخانُ بابُ الخمر والمُخدِّرات، فاحذَروا على الشباب من جُلساء السُّوء، فما وقعَ أحدٌ في الدُّخان والمُخدِّرات والمُسكِرات إلا برفقةِ جُلساء السوء.
وإياكم وأموال المُسلمين وحقوقَهم، فقد عظَّم الله مالَ المُسلم وحرَّمه، ومن اقتطَع شِبرًا من الأرض طوَّقه الله إياه من سبعِ أرضِين، ولاسيَّما أموال اليتامَى والضُّعفاء وأوقاف المُسلمين.
فطُوبَى لمن لقِيَ الله مُوحِّدًا مُعافًى وسالمًا من الدماء والأموال وأعراض المُسلمين.
وإياكم والغِيبة؛ فإنها تذهبُ بكثيرٍ من الحسنات.
واحذَروا الكِبر والخُيلاء، والإسرافَ والإسبالَ؛ ففي الحديث: "لا يدخلُ الجنةَ من كان في قلبِه مِثقالُ ذرَّةٍ من كِبر" (رواه مسلم من حديث ابن مسعودٍ).
والتواضُع لله وللمُسلمين صلاحُ القلوب.
ومن أعظم المُهلِكات: شهادةُ الزُّور والرِّشوة؛ لأنها تُضيِّع الحقوق، وتتباغَضُ بسببها القلوبُ.
واليمينُ الغَموسُ هلَكَة، وهي الكاذِبة التي يُؤخَذُ بها حقُّ الغير.
عباد الله:
كنتُم في حِصن رمضان آمِنين من الشيطان، إذ كان مأسورًا، ويُريدُ هو وجُندُه أن يأخذ بثأره، بجعل الصالِحات هباءً منثُورًا، فادحَروه بالاستقامةِ لله تعالى؛ فقد وعدَ الله بأن يكون حِزبُه دائمًا منصورًا.
أحيُوا القلوبَ بالقرآن، والتذكُّر والاعتِبار، فالغفلةُ تُميتُ القلوب.
وليكُن الموتُ أمامَكم بتذكُّره، أما ترونَ أنكم تُشيِّعون أمواتًا على الآخرة قادِمين، وللدنيا مُودِّعين. فأين من كانوا معنا في هذا المكان في سابقِ الزمان، من الأقرباء والأصحاب والإخوان؟! طوَتهم آجالُهم، واستقبَلتهم قبورُهم وأعمالُهم، ونحن على آثارِهم.
ولا تغترُّوا بالدنيا وزهرتها، فقد صحِبَت القرون الخالِية، فأذاقَتهم من حلاوتها، ثم أذاقَتهم من مرارتها وحسرتها، فازَ فيها المُتَّقون، وخابَ فيها المُبطِلون العاصُون.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
قال الله تعالى: (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ) [الزمر: 54- 59].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعَنا بهدي سيِّد المُرسلين وقولِه القَويم، أقولُ قولي هذا وأستغفِرُ الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كلما ذكرَ اللهَ الذاكِرون، الله أكبر كلما تقرَّب إلى الربِّ بالطاعات العابِدون، الله أكبر عددَ ما كتبَ الكرامُ الكاتِبون.
الحمد لله العليِّ الأعلى، الذي خلقَ فسوَّى، والذي قدَّر فهدَى، خلقَ السماوات والأرضَ وما بينهما وعلى عرشِه استوَى، له المُلك وله الحمدُ يعلمُ الجهرَ وما يخفَى، أحمدُ ربي وأشكرُه، وأتوبُ إليه وأستغفِرُه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، له الأسماءُ الحُسنَى، وأشهدُ أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبده ورسوله المُجتبَى، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه البررة الأتقِياء.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى حقَّ التقوى، واستمسِكُوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى.
عباد الله:
حافِظوا على حسناتكم، وتُوبوا من سيئاتكم؛ فهذا فلاحُكم ونجاتُكم.
يا معشر النساء:
اتَّقين الله وأدِّين ما أوجبَه الله عليكنَّ من حُسن تربية الأولاد، ورعاية الأُسرة، وحقِّ الزوج، والجيران، والأقرباء؛ ففي الحديث: "إذا صلَّت المرأةُ خمسَها، وصامَت شهرَها، وحفِظَت فرجَها، وأطاعَت زوجَها، قيل لها: ادخُلي الجنةَ من أي أبوابِ الجنة شِئتِ" (رواه أحمد من حديث عبد الرحمن بن عوف).
والتزِمن السِّترَ والعفافَ، ولا تُكلِّفنَ الأزواجَ ما لا يُطيقُون، وقُدوتُكنَّ زوجاتُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وبناتُه - رضي الله عنهن -؛ ففاطمةُ سيِّدة النساء كان يهُمُّها السِّتر بعد موتها، حتى سألَت: ما خيرٌ للمرأة حتى لا تُرى في الكفَن مخافةَ أن يصِفَ جسمَها؟ فقيل لها: أن يُتَّخذ لها أعوادٌ مُنحنِية، فيُوضَعُ عليها لِباسٌ فلا تُرى في كفنِها.
هذا بيتُ الهُدى والنور، وأصحابُ سُورة النور؛ فعن ابن عباسٍ - رضي الله عنهما - قال: شهِدتُّ الصلاةَ مع رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفِطر، فوقفَ على النساء فقال وقرأ الآية: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الممتحنة: 12]، فلما فرغَ من الآية قال: "أنتُنَّ على ذلك؟"، قالت امرأةٌ: نعم يا رسول الله. (رواه البخاري).
أيها المسلمون:
فرضَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - صاعًا من بُرٍّ، أو صاعًا من شعيرٍ، أو صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من أقِط، أو صاعًا من زبيبٍ؛ طُهرةً للصائِم، ومُواساةً للفقراء، وتُؤدَّى قبل العيدِ بيومٍ أو يومين، أو تُؤدَّى قبل الصلاة، ومن أخَّرها بعد الصلاة فتكونُ صدقةً، وهي عن الصغير والكبير.
عباد الله:
ومع الفرح بالصيام وتمامِه، والعيد وبهجَته، فإنه يُحزِنُ المُسلم ما حلَّ بالمُسلمين من الفتن والتفرُّق والاختلاف، وما نزلَ بهم من المآسِي والكُربات، والعجَبُ أن دينَنا يأمرُنا بالاتفاق والتآلُف والتعاوُن والرحمة، ويُحذِّرُنا من البِدع، والتي فرَّقَت الصفَّ، وأضعفَت الأمة، وما ضرَّ المُسلمين إلا المُخالفة لتعاليم هذا الدين.
وليس القُصور في تعاليمه، وإنما التقصيرُ في العمل به، ولقد غُذِي المُسلمون في عقيدتهم وشبابهم من شياطين الإنس والجنِّ، فحلَّت الأفكارُ الهدَّامة مكان العقيدة الصافِية الرحيمة البنَّاءة، التي على منهج السلَف، البنَّاءة لكل خيرٍ وفضيلةٍ، وحلَّ العُنفُ والعُدوانُ مكان الرحمة والوسطيَّة والعدل والإحسان.
فاستباحَ هؤلاء المُغرَّر بهم، استباحُوا الدماء المعصُومة والأموال، وكفَّروا المُسلمين، وسارُوا وراءَ سرابٍ من الأماني لا حقيقةَ لها، ولا نفعَ فيها، ولا خيرَ من ورائِها. وأيُّ خيرٍ في قتل النفس، وسفكِ الدم، والتخريب، والتفجير، ومُفارقة جماعة المُسلمين؟!
ولا تغترُّوا بالأسماء، وإن كانت أسماءً برَّاقة يُلصِقونها بالإسلام، لا تغترُّوا بالأسماء التي يخدَعون بها الشبابَ؛ فقد تسمَّى المُنافِقون بالمُصلِحين، فقال الله ردًّا عليهم: (أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ) [البقرة: 12].
وليست العِبرةُ بالأسماء، وإنما هي بحقيقة الأعمال، وقد تسمَّى كثيرٌ من الكذَّابين بأنه رسولُ الله، فأخزَى الله كل كذَّابٍ وصغَّره وأهانَه، وحقَّ عليه العذاب؛ قال تعالى: (وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) [الحج: 18].
والإسلامُ بريءٌ من الإجرام والظُّلم والعُدوان، ومن اعتدَى على أمن المُسلمين واستِقرارِهم، فقد ارتكبَ الجُرم العظيم، وأحلَّ بنفسِه عقوبةَ الدنيا والآخرة، وأصابَته دعواتُ المُسلمين بشقائِه.
عباد الله:
اشكروا الله تعالى في هذه البلاد على اجتماع الكلمة، وعلى الأمن والإيمان، وعلى تيسُّر الأرزاق، وتبادُل المنافع، وصِيانة الحُرُمات والأموال، وأعظمُ من هذا: عبادةُ الله في طُمأنينةٍ وسلامٍ، واستَديمُوا النِّعمَ بالطاعات، وهجرِ المُحرَّمات؛ قال الله تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم: 7]، وقال تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) [البقرة: 152].
عباد الله:
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا"، فصلُّوا وسلِّموا على سيِّد الأولين والآخرين وإمام المرسلين.
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ، اللهم بارِك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ، اللهم وسلِّم على الأنبياء أجمعين.
اللهم ارضَ عن الصحابةِ أجمعين، وعن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، اللهم وارضَ عن زوجات نبيِّك الطاهرات المُطهَّرات المُبرَّآت، اللهم وارضَ عن فاطمةَ البَتُول، وعن الحسن والحسين، وعن بقيَّة العشرة المُبشَّرين بالجنة، وعن جميع الصحابةِ أجمعين يا رب العالمين، وعن الآلِ والصحبِ الطاهرين، اللهم ارضَ عنهم برحمتِك يا أرحم الراحمين، وارضَ عنَّا معهم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اغفِر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا، وما أسرَرنا وما أعلنَّا، وما أنت أعلمُ به منَّا، أنت المُقدِّم وأنت المُؤخِّرُ، لا إله إلا أنت.
اللهم أحسِن عاقِبتَنا في الأمور كلِّها، اللهم إنا نسألُك الجنةَ وما قرَّب إليها من قولٍ وعملٍ، اللهم إنا نسألُك الفِردوسَ وما قرَّب إليها من قولٍ وعملٍ، ونعوذُ بك من النار وما قرَّب إليها من قولٍ وعملٍ.
اللهم اغفِر لأمواتنا وأموات المُسلمين، برحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم اجعل هذه البلاد آمنةً مُطمئنَّة، وسائرَ بلاد المُسلمين.
اللهم أرِنا الحقَّ حقًّا وارزُقنا اتِّباعَه، وأرِنا الباطلَ باطلاً وارزُقنا اجتِنابَه يا رب العالمين، ولا تجعله مُلتبِسًا علينا فنضِلُّ.
اللهم اخذُل وأذلَّ المُبتدعِين الذين يُريدون أن يُغيِّروا دينَك الذي أرسلتَ به نبيَّك، اللهم انصُر كتابَك، وسُنَّة نبيِّك، اللهم انصُر هديَ نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، اللهم اجعَلنا من المُتمسِّكين بهديِ النبي - عليه الصلاة والسلام -، حتى نموتَ على ذلك وأنت راضٍ عنَّا يا رب العالمين.
اللهم أعِذنا وأعِذ ذُرِّيَّاتنا من إبليس وشياطينه وجُنودِه ومن شَرَكه يا رب العالمين، ومن شرِّ كل ذي شرٍّ، اللهم أعِذنا من شُرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا برحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِد إلينا من بركَات هذا العيد.
اللهم وفِّق عبدكَ خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبد العزيز، اللهم وفِّقه لرِضاك، واجعل عَمَلَه في رضاك، واجعَله هاديًا مهديًّا يا رب العالمين، اللهم أعِنه على كل خيرٍ، اللهم وفِّق بِطانتَه لما تحبُّ وترضَى، اللهم وفِّق نائبَيْه لما تحب وترضى ولما فيه الخيرُ للإسلام والمسلمين، وأعِنهما على كل خير.
اللهم ألِّف بين قلوبِنا، وأصلِح ذاتَ بيننا برحمتِك يا أرحم الراحمين.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أعادَ الله عليَّ وعليكم البركة في هذا العيد، وجعلَنا الله يوم الفزع الأكبر من الآمنين، ومنَّ علينا بوُرود حوضِ سيِّد المُرسَلين، نشربُ منه شربةً لا نظمأُ بعدَها أبدًا يا رب العالمين، اللهم لا تجعَلنا ممن غيَّر وبدَّل في دينِك يا ذا الجلال والإكرام.
يا مُقلِّب القلوب والأبصار ثبِّت قلوبَنا على دينِك.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
(وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الأعراف: 204].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه أجمعين.