العربية
المؤلف | عبدالمحسن بن محمد القاسم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب |
إذا ابتعدَ أهلُ العلم عن الشباب تلقَّفَهم الأعداءُ وأهلُ الشُّرور، وأمرُوهم ونهَوهم بما يشتَهون، وخدعُوهم كيف يقتُلون ويُدمِرون. يجبُ على أهل العلم أن يقوموا برسالتهم التي ائتمنَهم الله عليها، فيشرَحوا صُدورَهم للشباب ويُكثِرون الجلوسَ معهم، ويتبسَّطوا في الحديث معهم، ويُوجِّهوهم ويُتحاوَروا معهم بكل أناةٍ وحلمٍ، ويكشِفوا شُبَههم ويُزيلُوا اللبسَ عنهم. وعلى الأبِ أن يتفقَّد صُحبةَ بنِيه، ويُبعِد رُفقةَ السوء عنهم، ويغتنِمُ في كل لحظاته ما منحَه الله له من دعوةٍ مُستجابةٍ لأبنائِه...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فاتَّقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى؛ فالتقوَى في اتِّباع الهُدى، والعمَى في اتِّباع الهوَى.
أيها المسلمون: خلقَ الله آدم بيدَيه، وأمرَ الملائكةَ بالسجود له؛ فسجَدوا إلا إبليس أبَى واستكبرَ وكان من الكافرين، فاستحقَّ الإبعادَ من رحمةِ الله.
وسُنةُ الله في خلقه أن من أطاعَ ربَّه واتبعَ رسلَه فازَ بالسعادة في الدارَين، ومن عصَى واستكبرَ ولم يتَّبع المُرسلين كان من الأشقياء الهالِكين؛ قال -سبحانه-: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ) [الحشر: 20].
وقد أعلى الله مكانةَ المؤمنين المُوحِّدين، فالملائكةُ تدعُو لهم بالمغفرة ودخول جنات النعيم؛ قال - عز وجل -: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [غافر: 7، 8].
ودعا الأنبياءُ للمُؤمنين والمُؤمنات بالمغفرة؛ فقال نوحٌ - عليه السلام -: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) [نوح: 28]، وقال الله لنبيِّنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) [محمد: 19].
وأحبَّ الله المُؤمنين وقرَّبهم إليه ونصرَهم، وهو - سبحانه - معهم بالتأييد والتثبيت؛ (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) [الأنفال: 12].
وأنزلَ جُنودًا من السماء لنُصرتهم؛ (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ) [الأنفال: 9].
وقلَبَ نعمًا في الأرض نِقَمًا على أعداء المُسلمين؛ فجعل نسيمَ الرياح ريحًا صرصرًا على من عداهم، والله يرمِي سهمَهم ويُسدِّد نبلَهم، (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى) [الأنفال: 17].
وهو الذي يكشِفُ كُربَهم، ويهديهم في الشدائد، وهو الذي ينتصِرُ لهم على عدوِّهم؛ قال - عليه الصلاة والسلام –: "قال الله - عز وجل -: من عادَى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحرب" (رواه البخاري).
وجعلَ لهم المودَّة والمحبَّة والقبولَ في قلوب العباد؛ قال - سبحانه -: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) [مريم: 96].
والله يتولَّى حفظَ ذريَّة المُسلم ونسلِه ولو بعد قُرونٍ ببركةِ عملِه الصالِح؛ (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) [الكهف: 82].
والمُؤمنُ موعودٌ بالحياة الطيبة، وجعلَ - سبحانه - أعمالَه مُبارَكةً في حياتِه وبعد مماته؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: "لا يغرِسُ المُسلم غرسًا، ولا يزرعُ زرعًا فيأكلُ منه إنسانٌ ولا دابةٌ ولا شيءٌ إلا كانت له صدقةً إلى يوم القيامة" (رواه مسلم).
والقُربُ من المُؤمن خيرٌ، وزيارتُه من أجلِّ العبادات؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا زارَ المُسلم أخاه في الله أو عادَه قال الله - عز وجل -: طِبتَ وتبوَّأتَ من الجنة منزلاً" (رواه أحمد).
وبياضُ لحيته ورأسه ضياء؛ فنهَى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن نتف الشّيب وقال: "إنه نورُ المُسلم" (رواه الترمذي).
وجميعُ أحواله وتقلُّباته من الأحزان والأفراح خيرٌ له؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: "عجبًا لأمر المُؤمن إن أمرَه كلَّه خيرٌ، وليس ذلك إلا للمُؤمن؛ إن أصابَته سرَّاء شكرَ فكان خيرًا له، وإن أصابَته ضرَّاء صبرَ فكان خيرًا" (رواه مسلم).
وأعمالُه الصالحةُ مُضاعفَة، ومصائبُه لسيئاته مُكفِّرة؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: "ما من مُصيبةٍ تُصيبُ المُسلمَ إلا كفَّر الله بها عنه، حتى الشوكة يُشاكُها" (متفق عليه).
ومرضُه ذُخرٌ له عند ربِّه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: "مرضُ المُسلم يُذهبُ الله به خطاياه كما تُذهِبُ النارُ خبَثَ الذهب والفضَّة" (رواه أبو داود).
وعيناهُ إن فقدَهما عوَّضه عنهما الجنة، ولا يُغسَّلُ أحدٌ من ذريَّة آدم بعد وفاته سوى المُسلم، ومن تبِع جنازتَه وكان معها حتى يُصلَّى عليها ويُفرَغ من دفنها رجعَ من الأجر بقيراطين، وكسر عظمِه بعد موته ككسرِه وهو حيٌّ، ودِيَتُه على الضِّعف من دِيَة غيره.
ولفضل الله عليه جعلَ أعمالَه الصالحة تجري أجورُها له وهو في قبره، فـ "إذا ماتَ الإنسانُ انقطعَ عملُه إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ يُنتفعُ به، أو ولدٍ صالحٍ يدعُو له" (رواه مسلم).
وجناتُ النعيم أُعدَّت له، والملائكةُ على أبواب الجِنان تُسلِّم عليه: (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد: 24].
وجِماعُ الشرِّ في احتقار المُسلم وازدِرائِه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: "بحسب امرئٍ من الشرِّ أن يحقِر أخاه المُسلم" (رواه مسلم).
ولحُرمته عند الله أمرَ أن تكون نفسُ المُسلم مُطمئنةً في الحياة، فلا تُراعُ ولا تُؤذَى؛ بل كل أمرٍ يُخشَى أن ينالَه أذًى منه نهَى الله عنه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: "من مرَّ في شيءٍ من مساجِدنا أو أسواقِنا ومعه نبلٌ فليُمسِكه أو ليقبِض على نِصالها بكفِّه أن يُصيبَ أحدًا من المُسلمين منها بشيء" (متفق عليه).
والملائكةُ تلعنُ من أشارَ على مُسلمٍ بحديدة. قال النووي - رحمه الله -: "ترويعُ المُسلم حرامٌ بكل حال".
ونهَى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كل فعلٍ يُحزِنُه، فقال: "إذا كنتُم ثلاثةً فلا يتناجَى اثنان دون الآخر حتى تختلِطُوا بالناس من أجل أن ذلك يُحزِنُه" (متفق عليه).
وإن وقعَت منه هنَّةٌ أو هفوةٌ فالسترُ عليه سترٌ يوم القيامة، وإذا تكالَبَت عليه النوائِبُ فأُزيلَت عنه كُربةٌ انفرَجَت على من أعانَه كُربةٌ يوم القيامة.
وأذيَّتُه باللسان مُحرَّمة؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: "قتالُ المُسلم كفرٌ، وسِبابُه فسوقٌ" (متفق عليه).
ولعنُه كقتلِه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: "لعنُ المُؤمن كقتلِه" (متفق عليه).
ومن قذفَه بغير بيِّنةٍ جُلِد ثمانين جلدةً.
وتوعَّد الله من آذاه بالنَّكال والعذاب، فقال - سبحانه -: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا) أي: عذَّبُوا (الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) [البروج: 10].
ومالُ المُسلم مُصانٌ، لا يُسلَبُ ولا يُنهَبُ ولا يُغتصَب؛ "كلُّ المُسلم على المُسلم حرامٌ: دمُه ومالُه وعِرضُه" (رواه مسلم).
ومن حلَفَ يمينًا بغير حقٍّ ليأخُذ مالَ أخيه المُسلم أكبَّه الله في النار، ومالُه مُحترمٌ بعد مماته، فلا يحلُّ مالُه لأحدٍ إلا لورثَته ممن كان على الإسلام؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: "لا يرِثُ المُسلمُ الكافرَ، ولا الكافرُ المُسلمَ" (متفق عليه).
وأما دماءُ المُسلمين فشأنُها عند الله عظيم، فهي أولُ ما يُفصلُ فيها من الخُصومات، لعظيم أمرها، وكبير خطرها؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: "أولُ ما يُقضَى بين الناس يوم القيامة في الدماء" (متفق عليه).
ودمُ المُسلم أعزُّ الدماء عند الله؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: "لزوالُ الدنيا أهونُ على الله من قتلِ رجُلٍ مُسلم" (رواه الترمذي).
قال الطِّيبيُّ - رحمه الله -: "من حاولَ قتلَ من خُلِقَت الدنيا لأجله فقد حاولَ زوال الدنيا".
ومن تعدَّى على نفسٍ مُسلِمةٍ فكأنما تعدَّى على الخلق كلِّهم؛ قال - عز وجل -: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) [المائدة: 32].
وسفكُ دم المُسلم مُوجِبٌ لغضب الله ولعنته؛ قال - جل وعلا -: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93]. قال القُرطبيُّ - رحمه الله -: "ليس بعد الكُفر أعظمُ من قتل النفس بغير حقٍّ".
وبعدُ، أيها المسلمون:
فالله كرَّم بني آدم وشرَّفه، وأعلى شأنَ المُسلم وحرَّم دمَه ومالَه وعِرضَه، ومن أضمرَ شرًّا على المُسلمين بالقتل وغيره فليرجِع إلى الله، وليعمَل بوصيَّة النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا ترجِعوا بعدي كفارًا يضرِبُ بعضُكم رِقابَ بعضٍ" (متفق عليه).
والله - سبحانه - يُمهِلُ ولا يُهمِل، وأخذُه أليمٌ شديدٌ.
أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) [البروج: 12].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقولُ ما تسمَعون، وأستغفرُ الله لي ولكم ولجميع المُسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانِه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنِه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أيها المسلمون: جعلَ الله بلادَ الحرمين مأرِزًا للأمن والإيمان؛ قال - سبحانه -: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) [العنكبوت: 67].
وفُجِع العالمُ من استِطالة المُفسِدين فيها بسفك الدماء المعصُومة وترويع الآمنين، واستِهدافُ المُصلِّين في بيوت الله مُنكرٌ عظيم، وظلمٌ غاشِم، وصفَ الله فاعلَه بأنه لا أظلَم منه؛ قال - سبحانه -: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا) [البقرة: 114].
والغدرُ بحُماة الأمن في بيوت الله وهم يُؤدُّون شعائِر الله انسِلاخٌ عن صفات الإنسانيَّة وتجرُّدٌ من الخوف من الله، واستِخفافٌ بمحارِمِه وحُرماته وشعائِره.
ومن زعمَ أن ذلك سيُوهِنُ أمنَ هذه البلاد فقد رامَ مُحالاً، وطلبَ سرابًا، وعاشَ خيالاً، ولن يزيدَها ذلك - بإذن الله - إلا قوةً وتلاحُمًا وثباتًا، وستبقَى بقوة الله حاميةً للحرمين، حاملةً لواءَ التوحيد، مُستعينةً بالله مُتوكِّلةً عليه، عاملةً بكتاب الله وسُنَّة رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف: 21].
أيها المسلمون:
ما الذي دهَى شبابَنا؟! من الذي أفسدَ عقولَهم؟! من الذي حرَّف فِطرتَهم؟! من الذي سمَّ أفكارَهم؟! ومن الذي بدَّل عقيدتَهم؟! من الذي قلبَ برَّهم لبلدهم وآبائِهم وإخوانهم إلى عقوقٍ ونُكرانٍ وقتلٍ وإفساد؟!
إن المسؤولية الكُبرى هي على عاتِق العلماء الراسِخين، وأهل العلم الربَّانيين عليهم أن ينبُذوا الفُرقة والنزاع عنهم، فسِهامُ أبنائِهم وجَّهها الأعداءُ لهم، وأن ينهَضوا بجدٍّ وعزيمةٍ وصدقٍ وإخلاصٍ لصدِّ العابِثين بعقول ودين الشباب.
يجبُ على أهل العلم أن يقوموا برسالتهم التي ائتمنَهم الله عليها، فيشرَحوا صُدورَهم للشباب ويُكثِرون الجلوسَ معهم، ويتبسَّطوا في الحديث معهم، ويُوجِّهوهم ويُتحاوَروا معهم بكل أناةٍ وحلمٍ، ويكشِفوا شُبَههم ويُزيلُوا اللبسَ عنهم.
وهذا هو هديُ النبي - صلى الله عليه وسلم - مع صحابتِه؛ فقد كان يُطيلُ المُكثَ مع أصحابِه في المسجد الساعات الطِّوال، ويدعُوهم إلى بيته، ويزورُ صحابتَه في بيوتهم، ويتفقَّدُ أحوالَهم، ويقضِي حوائِجهم، ويُداعِبُ الصِّغارَ منهم. فتعلَّقوا به وأحبُّوه وفتحُوا قلوبَهم له، وأرخَوا أسماعَهم إليه، فأطاعُوه ونالُوا السعادة.
وإذا ابتعدَ أهلُ العلم عن الشباب تلقَّفَهم الأعداءُ وأهلُ الشُّرور، وأمرُوهم ونهَوهم بما يشتَهون، وخدعُوهم كيف يقتُلون ويُدمِرون.
وعلى الأبِ أن يتفقَّد صُحبةَ بنِيه، ويُبعِد رُفقةَ السوء عنهم، ويغتنِمُ في كل لحظاته ما منحَه الله له من دعوةٍ مُستجابةٍ لأبنائِه.
أيها الشاب:
لقد وُلِدت في بلد الحرمين، ونشأتَ على الفِطرة والتوحيد والصلاة ورغَد العيش، فكُن حذرًا فأنت المُستهدَف، والأعداءُ يحسُدونَك بما حباك الله به وأنت في شبابِك من دينٍ وعيشٍ رخاءٍ؛ قال - سبحانه -: (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) [البقرة: 105].
يأمرونَك بتدمير بلادِك، وأما بلدُهم فلا .. ويأمرُونك بقتل أقارِبك، وأما أقارِبُهم فلا.
إن الفتنَ تتخطَّفُ من حولِك، ولن تُعصَم منها إلا بالإكثار من تلاوة القرآن العظيم وحفظِه، والتمسُّك بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال - عليه الصلاة والسلام -: "تركتُ فيكم ما إن تمسَّكتُم به لن تضلُّوا: كتابَ الله وسُنَّتي" (رواه الحاكم).
وإذا رغِبتَ فأفضلُ الجهاد وأعلاه منزلةً وأكثرُه أجرًا هو طلبُ العلم، بحفظِ القرآن العظيم وما تستطيعُه من حديثٍ ومن متون أهل علم.
واحذَر أن تكون آلةً لمن هم خلفَ كواليسِ الشبكات العنكبوتية، من مجاهيل وجُهالٍ من ذوي النفاق والحِقد الدَّفين على الإسلام وأهلِه.
واحذَر أن تكون مركبًا للأعداء لتحقيق مآربِهم بتدمير بلادِك، وقتل المُسلمين الآمِنين فيها.
والزَم في حياتِك العلماء الربَّانيين، والصُّحبةَ الصالحةَ الحافظةَ لدينها، وسلْ عما شئتَ مما أشكلَ عليك من الشُّبُهات، وصاحِبِ الدعاءَ في كل أحوالِك أن يهدِيَك ربُّك للصواب، وألا يُزيغَ قلبَك، وأن يصرِف عنك الفتنَ ما ظهر منها وما بطَن.
ثم اعلَموا أن الله أمرَكم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه، فقال في مُحكَم التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا محمد، وارضَ اللهم عن خُلفائِه الراشِدين، الذين قضَوا بالحقِّ وبه كانُوا يعدِلُون: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائرِ الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمُسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشرِكين، ودمِّر أعداءَ الدين، واجعَل اللهم هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا رخاءً، وسائرَ بلادِ المُسلمين.
اللهم من أرادَ ديارَنا بسُوءٍ فأشغِله في نفسِه، واجعَل كيدَه في نحره، وألقِ الرُّعبَ في قلبِه، واجعَل تدبيرَه تدميرًا عليه يا سميعَ الدعاء.
اللهم احفَظ جنودَنا، وانصُرهم على عدوِّك وعدوِّهم، اللهم عجِّل لهم بالنصر المُؤزَّر القريب العجل يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أيِّدهم بروحٍ من عندك وبملائكةٍ من السماء يا قوي يا عزيز.
اللهم وفِّق إمامَنا لهُداك، واجعَل عملَه في رِضاك، ووفِّق جميع ولاةِ أمور المسلمين للعمل بكتابِك وتحكيم شرعِك.
اللهم أصلِح أحوالَ المُسلمين في كل مكان، اللهم رُدَّهم إليك ردًّا جميلاً، اللهم اجعَل ديارَهم ديارَ أمنٍ ورخاءٍ يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اهدِ شبابَنا يا رب العالمين، اللهم اصرِف عنهم الفتنَ ما ظهر منها وما بطَن، اللهم واصرِف عنهم رُفقةَ السوء، وارزُقهم البِطانةَ الصالحةَ والصُّحبةَ الصالحةَ يا ذا الجلال والإكرام.
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90]، فاذكروا الله العظيمَ الجليلَ يذكركم، واشكرُوه على نعمِه يزِدكم، ولذِكرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.