الواسع
كلمة (الواسع) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَسِعَ يَسَع) والمصدر...
العربية
المؤلف | عبد الله بن علي الطريف |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - التاريخ وتقويم البلدان |
الغادر ملعون ممقوت من اللَّهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، ويحمل لواء غدره يوم القيامة خزيا وعارا بين الخلائق.. ويكفي الغادر سخطا وغضبا أن يكون اللّهُ خصمه يوم القيامة.. والغادر يحذره النّاس فلا يطمئنّون إلى مخالطته ولا لجيرته ولا لمعاملته.. وسيعامله اللّه بعكس مقصوده فلا يتمّ له أمرا. والغدر دليل على خسّة النّفس وحقارتها، ولا يتصف به إلّا فاقد الإيمان..
الخطبة الأولى:
أما بعد أيها الإخوة: إن خيرَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكل مُحدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة.
ثم اعلموا بأن وصية الله -تعالى- للأولين والآخرين هي الوصية بتقوى الله -تعالى- حيث قال (.. وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ...) [النساء:131].
وأتبعوا التقوى بإصلاح العمل تأمنوا في الدنيا من الملمات وتأمنوا في الآخرة من التبعات قال الله -تعالى-: (فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الأعراف:35]، وإذا انتفى الخوف والحزن حصل الأمن التام، والسعادة، والفلاح الأبدي.
أيها الإخوة: لما بزغَ نورُ الإسلام، ووردَت هداياتُه على نفوس أتباعه، أُشرِبَت قلوبُهم محبَّتَه، وتعلَّقَت أفئِدتُهم بخدمته. فتعلَّموه وعلَّموه، وامتثَلُوه ونصرُوه، وبذلُوا لأجلِه مُهجَهم وأرواحَهم، وهجَروا في سبيلِه الأوطانَ، فساحُوا به وله في أرضِ الله.
وعندما بدأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ببعث الجيوش كان يوصيهم بوصايا عظيمة من ذلك: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا بَعَثَ جُيُوشَهُ قَالَ: "اخْرُجُوا بِسْمِ اللهِ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، لَا تَغْدِرُوا، وَلا تَغُلُّوا، وَلا تُمَثِّلُوا، وَلا تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ، وَلا أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ" (رواه أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بسند حسن قاله شاكر).
أيها الإخوة: هذه وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للمجاهدين في سبيل الله وقد سار عليها أصحابه من بعده.. ثم نبتت نابتة فيهم جنحت واشتطت، وكفَّرت المؤمنين وتجرأت فقتلت عثمان -رضي الله عنه- وهو ناشر مصحفه يقرأ فيه، وسال دمه الطاهر على مصحفه، ثم ناصبوا خليفته أمير المؤمنين عليّاً -رضي الله عنه- العداء، وجيشوا الجيوش لقتاله.. ثم تجرأ أشقاهم فقتله وهو خارج لصلاة الفجر -رضي الله عنه وأرضاه-.
ولم تزل هذه الفئة المارقة تظهر في بلاد المسلمين بأسماء متعددة لكن الفكر واحد، تظهر فترة وتقوى وتضعف أخرى.. وصدق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- لما قال عند تفقده لقتلى النهروان من الخوارج جعل الناس يقولون: الحمد لله يا أمير المؤمنين الذي قطع دابرهم. فقال علي: "كلا والله إنهم لفي أصلاب الرجال وأرحام النساء، فإذا خرجوا من بين الشرايين فقل ما يلقون أحدا إلا ألبوا أن يظهروا عليه".
وهاهم اليوم يجوسون خلال ديار الإسلام إفساداً، وبالأمة قتلاً ونكلاً، ووصل بهم الأمر أن أطلقوا على عصاباتهم المارقة وتجمعهم دولة الإسلام في العراق والشام، ويرمز لهم اختصارا باسم داعش، وهم أبعد ما يكونون عنه، وقد بث هذا التنظيم الفاجر أعوانه وأنصاره ومن تبنى فكره من أبناء الأمة في الأرض يعيثون بها فساداً، وقد سموا مكان تجمعهم في بلاد الشام والعراق لعدم وجود ولاية قوية تقضي عليهم دار الهجرة، وجعلوا دار المسلمين دار كفر وحرب.! وهذا حالهم من قديم كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في فتاويه..
وقد نال بلادنا منهم أذاً كثير وقضى عدد كبير من مواطنينا نحبهم بأيدهم الخائنة الآثمة وهم يعدون قتل المسلمين والغدر بهم في أعظم موقف للمؤمنين وهم بين يدي الله في صلاتهم جهادا..! والانتحار بالأحزمة المتفجرة لقتل المؤمنين شهادة، والإفساد في الأرض تحريرا لها؛ هكذا سول لهم الشيطان وأملى لهم.. فويل لهم مما كسبت أيديهم وويل لهم مما يقترفون..
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عنهم "ويكفّرون من خالفهم، ويستحلون منه لارتداده عندهم ما لا يستحلونه من الكافر الأصلي، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيهم: "يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان" ...". وهذا حالهم في بلاد المسلمين اليوم.!
وقد استشرف حالهم شيخنا محمد العثيمين -رحمه الله- لما بدأت فتنتهم قبل عشرين سنة وذلك بعد عن تفجير العليا عام 1415هـ حين قال: "اليوم يقاتلون أهل الذمة وغداً يقتلون أهل القبلة".
أيها الإخوة: وأول من قتل المصلين هم كفار قريش وبنو بكر قبل فتح مكة عندما أغاروا على خزاعة وهم حلفاء الرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد صلح الحديبية؛ فاستنجد عمرو الخزاعي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقصيدة منها:
هم بيتونا بالوتيرِ هجداً | وقتلونا ركعاً وسجداً |
وكان من أثر ذلك فتح مكة شرفها الله وانتشار الإسلام بحمد الله..
وجدد غرس قتل المصلين واستغلال توجههم لربهم بهذه الفريضة العظيمة أبو لؤلؤة المجوسي حينما عدا على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وقتله وهو يصلي بالناس الفجر وقتل وجرح آخرين، وهذه الفعلة الشنيعة تكررت أمس بصورة بشعة عندما تسلل أحد عناصر تنظيم داعش الضالّ إلى مقر مركز تدريب قوات الطوارئ الخاصة وقت أدائهم لصلاة الظهر في المسجد، وفجر نفسه بحزام ناسف بين المصلين قضى منهم مباشرة عدد كبير وجرح آخرون نحتسب على الله أن يجعلهم من الشهداء والمرابطين في سبيله، فقد قضوا في ميدان الكرامة وهم يؤدون فرض صلاة الظهر. رحمهم الله وأسكنهم فسيح جنانه وأن يتقبلهم في الشهداء الذين قَالَ فِيهم النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "يُعْطَى الشَّهِيدُ سِتَّ خِصَالٍ عِنْدَ أَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهِ: يُكَفَّرُ عَنْهُ كُلُّ خَطِيئَةٍ، وَيُرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُزَوَّجُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُؤَمَّنُ مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيُحَلَّى حُلَّةَ الْإِيمَانِ" (رواه أحمد وهو حديث حسن).
أيها الإخوة: أما من اعتدى فقد بَاءَ باللعنات، وهذا غاية الخذلان نعوذ بالله من ذلك، وهي لعنة الغدر، ولعنة قتل النفس المعصومة، ولعنة الإفساد في الأرض (وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا) [النساء:52].
والغدر أن يؤمن، ثم يقتل وهذا حرام بإجماع، والغدر والقتل سواء، قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "الْإِيمَانُ قَيَّدَ الْفَتْكَ لَا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ" (رواه أبو داود وغيره عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- وصححه الألباني). "والفتك: القتل على غفلة وغرة، ومعنى الحديث: أن الإيمانَ يمنعُ المؤمنَ أن يَفْتِكَ بأحدٍ، ويحميه أن يُفْتَكَ به، فكأنه قد قيد الفَاتِك ومنعه فهو له قيد".
وقد حذر النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ الغَدْرِ فَقَالَ: "لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ عِنْدَ اسْتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (رواه مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ)، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الْغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اسْتِهِ، فَيُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ" (رواه ابن حبان وصححه الألباني عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-). وقوله: "عند اسْتِهِ" أي خلف ظهره؛ لأن لواء العزة ينصب تلقاء الوجه فناسب أن يكون علمُ المذلةِ فيما هو كالمقابل له.
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَمِنَ رَجُلًا عَلَى دَمِهِ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ لِوَاءَ غَدْرٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (رواه أحمد وابن ماجة وصححه الألباني عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ الْخُزَاعِيِّ).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ذِمَّةُ المُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا –أي: نقض عهده- فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ" (رواه البخاري عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه-). والمعنى أي لا يقبلُ اللهُ منه توبةً ولا فديةً، أو لا يقبلُ اللهُ منه نافلةً ولا فريضةً.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ" (رواه مسلم عن أبي هريرة).
أيها الإخوة: الغادر ملعون ممقوت من اللَّهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، ويحمل لواء غدره يوم القيامة خزيا وعارا بين الخلائق.. ويكفي الغادر سخطا وغضبا أن يكون اللّهُ خصمه يوم القيامة.. والغادر يحذره النّاس فلا يطمئنّون إلى مخالطته ولا لجيرته ولا لمعاملته.. وسيعامله اللّه بعكس مقصوده فلا يتمّ له أمرا. والغدر دليل على خسّة النّفس وحقارتها، ولا يتصف به إلّا فاقد الإيمان..
نعوذ بالله من الخيانة وكفنا شر الخائنين إنه جواد كريم...
الخطبة الثانية.
أيها الإخوة: ولقد باء الفاعل المعتدي بلعنة قتل النفس المعصومة، فجريمته قتل عمد لأنفس معصومة حرم الله إزهاقها وقد توعد الله القاتل بأعظم وعيد فقال: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء:93] وتوعد عليه رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: فَقَالَ "لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا"، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهمَا-: "إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الأُمُورِ، الَّتِي لاَ مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا، سَفْكَ الدَّمِ الحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ" (رواه البخاري) (في فسحة) أي سعة من دينه يرتجى رحمة الله ولطفه، ولو باشر الكبائر سوى القتل، فإذا قتل ضاقت عليه ودخل في زمرة الآيسين من رحمة الله -تعالى-.
قال رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ إِلاَّ مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا أَوْ مُؤْمِنٌ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا" من حديث أَبي الدَّرْدَاءِ -رضي الله عنه-.
وقال رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا فَاعْتَبَطَ بِقَتْلِهِ لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلاَ عَدْلاً" (وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ. رواهما أبو داود وصححها الألباني).
وهذا العمل إفساد بالأرض (...وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [المائدة:64] و (إنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) [يونس:81]، وهو مدحور وبإذن الله شأنهم إلى بوار..
وبعد أيها الإخوة: إننا نرفضِ هذه الأعمالِ ولا نقبلها وندينها ونتبرأ من فاعليها، وعلينا أن نفضح أهلها فالمسؤوليّة عظيمة، والإجرام إجرامٌ، والإصلاح غيرُ الفَساد، وإيذاءُ المؤمنين وسَفكُ دماءِهم غير الجهاد المشروع... والحمد لله أن طهر أيدينا من هذا الإفساد، ونسأله أن يطهر ألسنتنا وقلوبنا من الاغتباط به..
أحبتي: أمن هذا البلد ليس أمناً لنا نحن المواطنين والمقيمين فحسب، بل هو أمن لأمة الإسلام التي تؤمه لما يحويه من الحرمين والمشاعر المقدسة.. فحق على كل مسلم أن يدعو الله له بالأمن والأمان ويكفيه شر كل حاقد.
وسأدعو الله وأمّنوا بقلوب حاضرة مخلصة فهذا يوم مبارك وساعة إجابة مباركة:
اللهم احم هذه البلاد ومقدساتها وأهلها من كيد الكائدين وخيانة الخائنين، اللهم ادفع عنها الشرور وعن أهلها الفرقة بحولك وقوتك اللهم أعنا ولا تعن علينا وانصرنا ولا تنصر علينا.
اللهم اغفر لمن قضى من رجال أمننا واجعلهم من الشهداء يا رب العالمين، اللهم اكشف مخططات أعدائها وأعن قادتها ورجال أمنها على إحباطها ووفقهم للثبات والعدل بالقول والعمل، اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاء وسائر بلاد المسلمين..
اللهم وفق ولي أمرنا بتوفيقك واكلأه برعايتك وهيئ لها بطانة الخير وادفع عنه بطانة السوء يا رب العالمين ، وصلوا وسلموا...