الرحمن
هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...
العربية
المؤلف | خالد بن سعد الخشلان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
إن الناس يوم يدفعون بفلذات أكبادهم من البنين والبنات إلى محاضن التعليم والتربية، إنما يحدوهم الرغبة والأمل في أن يكتسب أولادهم من هذه المحاضن كل فعل جميل، وقول حسن، ومهارة، وقيمة خلقية وسلوكية. يطمعون في أن تكون هذه المحاضن سببا في تعريف أولادهم بدينهم، وتبصيرهم بعقيدتهم، وإكسابهم من المهارات والقيم، ما تصلح بهم دنياهم وأخراهم. يحدوهم الأمل في...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، ومن تبعهم واكتفى، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
فيا عباد الله: ما أعظمه من نداء من الرب الكريم لعباده المؤمنين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
وما أعظمها من وصية يوصي بها الله عباده أجمعين: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ) [النساء: 131].
فيا سعادة من استجاب لنداء مولاه، ويا هناءة من عمل بوصية الله.
ألا فاتقوا الله -عباد الله- بالتزام أوامره، واجتناب نواهيه، تسعدوا وتفلحوا وتفوزوا في الدنيا والآخرة: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ) [القمر: 54 - 55].
منَّ الله علي وعليكم بتقواه، وجنبنا أسباب غضبه وسخطه، إن ربي لطيف لما يشاء، إنه هو العليم الحكيم.
أيها الإخوة في الله: يستقبل أبناؤنا أول أيام عامهم الدراسي الجديد، الذي نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعله عام خير وبركة، وعام هدى وصلاح على الجميع.
ولا شك أن طلب العلم، والسعي لتحصيله، والتزود من العلوم والمعارف النافعة، سبيل الموفقين من عباد الله، بل هو أمارة وعلامة لإرادة الله الخير بالعبد، وبخاصة تعلم ما ينفع العبد في أمور دينه وآخرته، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين".
وكم تكون عملية التعليم، والتربية عملية، عظيمة الشأن، جليلة القدر، يوم يكون من أهدافها ومقاصدها هداية الطلاب، ودلالتهم على الله -عز وجل-، وتربية نفوسهم، وتزكية قلوبهم، واستصلاح أخلاقهم، والأخذ بأيديهم إلى ما ينفعهم في دنياهم وآخراهم.
وهذا ما كان من أعظم مقاصد النبوات والرسالات: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) [الجمعة: 2].
ومن أجل هذا كله كانت مهمة المعلمين والمعلمات من أجل المهمات، وأشرف الوظائف والأعمال.
إنها وظيفة رسل الله -عليهم الصلاة والسلام-، وكيف لا تكون مهمة التعليم كذلك، وهي تعنى بتربية النفوس، وتزكية القلوب، وتقويم السلوك، وتهذيب الأخلاق والطباع.
ولهذا جاء في فضل التعليم والمعلمين قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وملائكته يصلون على معلم الناس الخير".
والخير في هذا الحديث كلمة جامعة لمعاني الهدى والبر، والصلاح والاستقامة، والسداد والرشد.
إن المعلم حجر الزاوية في العملية التعليمية بشقيها النظري والعملي، التعليمي والتربوي، وبقدر إدراك المعلم لرسالته وعظمتها ومسئوليته، وخطرها، وسعيه لأداء ما اؤتمن عليه من تربية الجيل، وتعليمه، وتثقيفه، وتربيته، وتزكيته، بقدر ما ترفع منزلته، ويعظم أجره وثوابه عند الله -عز وجل-.
إن الناس يوم يدفعون بفلذات أكبادهم من البنين والبنات إلى محاضن التعليم والتربية، إنما يحدوهم الرغبة والأمل في أن يكتسب أولادهم من هذه المحاضن كل فعل جميل، وقول حسن، ومهارة، وقيمة خلقية وسلوكية.
يطمعون في أن تكون هذه المحاضن سببا في تعريف أولادهم بدينهم، وتبصيرهم بعقيدتهم، وإكسابهم من المهارات والقيم، ما تصلح بهم دنياهم وأخراهم.
يحدوهم الأمل في أن يكون أولادهم أعضاء صالحين، ينفعون أنفسهم وأهليهم، ومجتمعاتهم وأمتهم.
ولهذا، فإن مهمة المدرسين والمدرسات من أعظم الأمانات التي اؤتمنوا عليها في إعداد الجيل، وتربيته وتنشئته.
وهي مهمة سيسأل المعلمون والمعلمات عنها يوم الوقوف بين يدي الله -عز وجل-، من جملة ما يسألون عنه من الأمانات والتكليف.
وقد حذر الله -سبحانه وتعالى- من تضييع الأمانة، والتفريط في القيام بها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال: 27].
وأثنى سبحانه وتعالى على المحافظين عليها: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) [المؤمنون: 8].
إن مما ينبغي التذكير به أن من أعظم أسباب فساد النشء، وضياعه ضعف التعليم والتقصير في القيام بأعباء رسالة التعليم وواجباته.
ليس هذا هو السبب الوحيد في فساد الجيل، ولكنه من أعظم الأسباب، بل يأتي في مقدمة الأسباب، ووالله لو اجتهد المعلمون والمعلمات في أداء واجبهم، والقيام بما، اؤتمنوا عليه، وتزودوا بكل مهارة ووسيلة تسهم في نجاحهم في مهمتهم لتغيرت أوضاع الجيل، وحسنت أحواله، واستقامت طباعه.
ولهذا، فإن من المتعين في ظل الفتن المتلاطمة المتلاحقة، والشبهات الكثيرة، والانحرافات الفكرية والخلقية التي يعاني منها الجيل من المتعين أن يعيي إخواننا المعلمين رسالتهم، ويحرصوا على أدائها على الوجه الأكمل، إبراءً لذممهم، وسعيا لاصلاح مجتمعاهم، ففي صلاح الجيل من الأبناء والبنات يصلح -بإذن الله- المجتمع.
إن الطالب يقضي في مدرسته من الوقت أكثر يومه، وأنشط ساعات نهاره، والطلاب بطبعهم يتأثرون بمعلمهم، ويقتدون بسلوكه، ومناهجنا بحمد الله -عز وجل- من أحسن مناهج التعليم في العالم، وبخاصة ما يتعلق منها بالعلوم الشرعية، وكل ذلك عوامل مساعدة تعين المعلم على القيام بواجبه، وأداء رسالته.
إن المجتمع والآباء والأمهات على وجه الخصوص يريدون من كل معلم ومعلمة: أن يبذل قصارى جهده في الإسهام في تربية الجيل وإصلاحه.
إنهم يطمعون في نهاية كل عام دراسي أن يهنؤوا ويفرحوا ويسعدوا بالثمار الطيبة، والنتائج المرضية من تعليم أبنائهم وبناتهم.
نريد من إخواننا وأخواتنا المعلمين والمعلمات: أن يحرصوا من جملة ما يحرصون عليه على مشكلات الجيل ومظاهر الخلل التي يعاني منها جيلنا، ويبذل مختلف الوسائل في حلها ومعالجتها.
إننا نشكو من ضعف إدراك الجيل لقيمة الزمن والوقت، وعدم المبالات في تضييعه في كل ما لا يفيد، وضعف استثماره فيما يعود على الجيل بالنفع والفائدة في دنياه وأخراه.
إننا نشكو من ضعف علاقة الجيل بخالقه -سبحانه وتعالى-، حيث تضييع الصلوات، وارتكاب كثير من المخالفات، وضعف مراقبة الله -عز وجل- في السر والخلوات.
إننا نشكو من غزو مكثف إعلامي وفضائي يسعى لطمس هوية الجيل وتضليله، وإفساده وزعزعة ثوابته، وبث الشبه والشكوك بمسلماته وأمور عقيدته ودينه.
إننا نشكو من تأثر بعض شباب جيلنا بأفكار الغلاة والمنحرفين ممن يدعون الجهاد، فأساؤوا لأمتهم ومجتمعهم، بل وأساؤوا إلى قضايا أمتهم.
إننا نشكو من ضعف وتدني في علاقات الجيل الاجتماعية، عقوق للوالدين، وقطيعة للأرحام، وضعف في المشاركات الاجتماعية، وغيرها من مظاهر الخلل.
إننا نشكو من افتقاد الجيل لكثير من مهارات الحياة الشعور بالمسئولية، ومعايير التفريق بين الحق والباطل، والخطأ والصواب، والهدى والضلال، واحترام الآخرين، والمحافظة على المرافق العامة، والاقتصاد في المعيشة، ومراعاة الذوق العام في الملبس والمظهر، وكثيرا من التصرفات.
بل ونشكو حتى من ضعف التحصيل العلمي والمعرفي والثقافي، إلى غير ذلك من أدواء الجيل ومشكلاته.
والأنظار اليوم مصوبة إلى معلم الجيل ومعلماته، في أن يكون لهم أعظم الإسهام في معالجة هذه الأخطاء والمشكلات والتحديات.
إننا ندرك أن المهمة صعبة والرسالة شاقة، والتكاليف عظيمة، ولكن مع الإخلاص لله رب العالمين في العمل والاستعانة به عز وجل، وسؤاله التوفيق والسداد، والتعاون مع الزملاء في المدرسة، والاستفادة من خبرات المتميزين والناجحين من المعلمين والمعلمات، والاستعانة بكل وسيلة ومهارة، تسهم في إصلاح العمل واتقانه، والمحاسبة المستمرة للنفس على أداء الرسالة، والتقويم والمتابعة، مع ذلك كله، يسهل كل صعب، ويتيسر كل عسير -بإذن الله-.
ويا الله كم من الأجور العظيمة، والحسنات الوفيرة، تنتظر كل معلم ومعلمة سعى هذا السعي، وجد واجتهد في أداء مهمته ورسالته، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقو: "فَوَ اللَّهِ لَئنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ".
ويقول صلى الله عليه وسلم: "من دل على هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء".
وفق الله إخواننا وأخواتنا المعلمين والمعلمات، وأعانهم وسددهم، وألهمهم الصواب والرشاد، وأجرى الخير والهدى على أيديهم، إن ربي سميع مجيب.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [آل عمران: 18].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله- حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واحذروا المعاصي كلها صغيرها وكبيرها، فإن أقدامكم ضعيفة على النار لا تقوى.
رزقني الله وإياكم تقواه، ومن علينا بهداه، إن ربي على كل شيء قدير.
أيها الإخوة المسلمون: لا زالت معاناة إخواننا في بلاد الشام تتفاقم يوما بعد يوم، وها هي مأساتهم تشهد فصلا دمويا جديدا مروعا، بما حدث في الأيام الماضية من مجزرة وحشية ارتكبها النظام النصيري الحاقد وأعوانه من الصفويين في حق العزل من أهل دوما الصابرة المجاهدة، راح ضحية تلك المجزرة العشرات من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ، في مشهد دموي صارخ، تتقطع له كبد كل حر من أحرار العالم، فإلى الله المشتكى، من ذلك النظام النصيري الحاقد.
إلى الله المشتكى من ذلك العدوان الصفوي الآثم.
إلى الله المشتكى من صمت العالم كله إيذاء هذه المجازر المروعة التي تحصل لإخواننا في بلاد الشام.
إننا -والله- نخشى من عقوبة إيزاء صمتنا وضعفنا نحو إخواننا المستضعفين المسلمين هناك.
إن واجبا على حكومات العالم الإسلامي كله، بل العالم كله: أن يسعى لإيقاف حمام الدم، أن يسعى لإيقاف إزهاق الأرواح البريئة، بكل وسيلة مادية ومعنوية، من دعم المجاهدين والثوار، ونصرتهم بالمال والسلاح.
وإن واجبا على كل مسلم: أن يجتهد في دعائه لله رب العالمين، في أن يعجل في كشف الغمة، وأن يرفعها عن إخواننا المسلمين المستضعفين، والاجتهاد في ذلك، وتحري ساعات الإجابة، فإن الله -عز وجل- بيده كل شيء، وهو وحده الناصر والمعين، وقد تقطعت الأسباب المادية، ولم يبق إلا نصر الله وعونه.
فنسأل الله -عز وجل- أن يعجل بنصره لعباده المستضعفين في كل مكان، ولإخواننا المستضعفين في الشام على وجه الخصوص، إن ربي على كل شيء قدير.
هذا، وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبد الله، فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه، فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
وقال عليه الصلاة والسلام: "من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا".
اللهم صل وسلم وبارك ...