الرحيم
كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...
العربية
المؤلف | عادل العضيب |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
ما الذي حدث؟ لماذا تغير الحال، لماذا عرف شباب السلف وأنكر شبابنا؟! لماذا أقبلوا وأدبر شبابنا؟! لماذا تسابقوا إلى الطاعة، وتسابق شبابنا للمنكرات والمحرمات؟ لماذا أصبح شبابنا يتفننون في الجريمة وفعل الفاحشة؟! لماذا وُجد من شبابنا من يتفنن في إغراء الفتيات والإيقاع بهن؟! لماذا وجد من شبابنا من يفتخر ببناء علاقة مع أكبر عدد من الفتيات؟! لماذا عرفوا اللاعبين والفنانين والممثلين وجهلوا بالعشرة المبشرين وأمهات المؤمنين؟! لماذا تشبه الشباب بالفتيات والفتيات بالشباب؟! لماذا هجروا القرآن وأعرضوا عنه وأدمنوا الواتس والفيس وغيرها؟ أين الخلل؟! من المتسبب؟ أين الخلل؟ لماذا حادوا عن الطريق؟!
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده على نعمه، ونستعينه على طاعته، ونستغفره على أعدائه، ونؤمن به حقًّا، ونتوكل عليه مفوضين الأمر إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بعثه على فترة من الرسل ودروس من العلم، وإدبار من الدنيا وإقبال من الآخرة بشيرًا بالنعيم المقيم، ونذيرًا بعذاب أليم، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا عباد الله، أيها المسلمون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله وحده؛ فإنه لا يسلم إلا من اتقاه ورجاه وأطاعه، ألا فاتقوا الله لعلكم ترحمون.
عباد الله، صح عنه عليه الصلاة والسلام، أن سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وذكر منهم شابًّا نشأ في طاعة الله، شاب نشأ في طاعة الله يظله الله في ظله إذا دنت الشمس من الخلائق في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة.
مثّل لنفسك أيها المغرور | يوم القيامة والسماء تمور |
قد كُورت شمس النهار وأضعفت | حرا على رأس العباد تفور |
شاب نشأ في طاعة الله صامدًا أمام الفتن صمود الجبال؛ معرضًا عن الدنيا وملذاتها إعراض الأسد عن الجيفة، شاب نشأ في طاعة الله، ليست له صفوة وليست له هفوة وليست له ذلة، لسان حاله: (إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا) [الإنسان:10].
شاب نشأ في طاعة الله، منزلة علية، ومكانة رفيعة طمع فيها شباب الصحابة -رضي الله عنهم- فكانوا شبابًا صالحين ودعاة ناصحين وغزاة فاتحين، رهبان ليل يحيون ليلهم بالقيام وقراءة القرآن، وأسود في النهار يبذلون النفس والنفيس؛ ليرضى الله عنهم.
عُبّاد ليل إذا جنّ الظلام بهم | كم عابد دمعه في الخد أجراه! |
وأُسْد غاب إذا نادى الجهاد بهم | هبّوا إلى الموت يستجدون رؤياه |
يا رب فابعث لنا من مثلهم نفرا | يشيدون لنا مجدا أضعناه |
لم يكن شباب الصحابة -رضي الله عنهم- فاقدين للشهوة، ولا كارهين للحياة، ولم يكونوا حجارة أو حديدا، ولا ملائكة لا يعصون الله ما أمرهم؛ لكنهم وضعوا الدنيا بما فيها من ملذات تحت أقدامهم، وساروا بأقدام ثابتة؛ لنيل الدرجات العلا، استوى في هذا الرجال والنساء.
ومن استقرأ التاريخ، ونظر في سَيِر القوم أدرك أن عز الإسلام قام على أجسادهم الطاهرة، فقد كانوا أعظم معين للرسول الأمين -عليه الصلاة والسلام-، قادوا الجيوش وفتحوا الفتوحات وحملوا الكتب إلى الملوك، ونقلوا دين الله إلى بلاد بعيدة؛ حتى أشرقت شمس الإسلام على بلاد الهند والسند وغيرها.
ثم إنها خَلفت بعدهم خلوف حادوا عن الطريق، واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، وزهدوا في السنة، ورغبوا عنها، وآثروا الدنيا عن الآخرة، وضيّعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، وإن الأمة لن تعدم الأخيار ولن تخلو بأمر الله من بقية ينهون عن الفساد في الأرض ويدعون إلى رب العباد.
عباد الله: ما الذي حدث؟ لماذا تغير الحال، لماذا عرف شباب السلف وأنكر شبابنا؟! لماذا أقبلوا وأدبر شبابنا؟! لماذا تسابقوا إلى الطاعة، وتسابق شبابنا للمنكرات والمحرمات؟ لماذا أصبح شبابنا يتفننون في الجريمة وفعل الفاحشة؟! لماذا تفنن شبابنا في قطع الرءوس واستباحة الدماء؟! لماذا وُجد من شبابنا من يتفنن في إغراء الفتيات والإيقاع بهن؟! لماذا وُجد من شبابنا من يتفنن بالتلاعب بأعراض المسلمين؟! لماذا وجد من شبابنا من يفتخر ببناء علاقة مع أكبر عدد من الفتيات؟! لماذا وُجد من شبابنا من يفتخر بهتك عرض شاب وتصويره؟! لماذا وُجد من شبابنا من يفتخر بأنه ما دخل المسجد من سنة؟! لماذا وجد من شبابنا من يفتخر بتعاطي المخدرات والمسكرات؟!
لماذا تخلى كثير من شبابنا عن العادات والتقاليد وأصبحوا يرون أنها من الانغلاق والتخلف والرجعية؟! لماذا لبس كثر من شبابنا الألبسة الغربية حتى في المساجد؟! لماذا لبسوا الملابس الضيقة التي تحدد العورة؟! لماذا قصوا شعورهم على الطريقة الغربية؟!
لماذا عرفوا اللاعبين والفنانين والممثلين وجهلوا بالعشرة المبشرين وأمهات المؤمنين؟! لماذا تشبه الشباب بالفتيات والفتيات بالشباب؟! لماذا تخلت بعض الفتيات عن أنوثتها وشمرت عن ساعدها وترجلت في لبسها ومشيتها؟! لماذا تساهلت بعض الفتيات في الدخول إلى عالم الإنترنت وإن وُجد الرجال؟ وكانت الفتنة؟! لماذا هجروا القرآن وأعرضوا عنه وأدمنوا الواتس والفيس وغيرها؟ أين الخلل؟!
من المتسبب؟ أين الخلل؟ لماذا حادوا عن الطريق؟!
عباد الله، إنه واقع نراه يحتاج من لوقفة من الآباء والأمهات من المربين والعلماء والدعاة، من كل مؤمن يسعى لعز الأمة ورفعتها، وأنتم يا أيها الشباب، وأنت أيتها الشابات، إن في أمتكم من الجراح ما يكفي فلا تزيدوا الجراح، بل ضمدوا الجراح، عودوا إلى الطريق الصحيح، صححوا المسار.
شباب الجيل للإسلام عودوا | فأنتم روحه وبكم يسود |
وأنتم سر نهضته قد يما | وأنتم فجره الزاهي الجديد |
شباب الإسلام، تسلحوا بالإيمان، وأقبلوا على الله يقبل عليكم ويزدكم هداية وتوفيقا.
(إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) [الكهف:13].
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، الحمد لله حمدا حمدا، والشكر لله شكرا شكرا، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه تسليما كثيرا.
أما بعد: فيا معاشر المسلمين، أسئلة أطرحها على شبابنا، أيها الشاب، أتدري لماذا خُلقت؟ وإذا كنت تدري فهل حقّقت الغرض من خلقك؟ هل أنت ممن يحافظون على الصلاة؟ كم تقرأ من القرآن؟ من تحب؟ من تصاحب؟ هل يسرك أن تلقى الله بما أنت عليه من عمل؟
أيها الشاب، شاب نشأ في طاعة الله يظله الله في ظله يوم لا ظله إلا ظله، مكانة ومنزلة عظيمة تستحق أن يصبر الشاب على طريق الحق والهداية لأجلها ولو تجرع الْمُرّ.
الناس في الحر والعطش، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، وأنت في ظل الله؛ لأنك صبرت على طاعة الله، أما أنتم يا من بلغتم الأربعين، فقد قال الله جل وعلا: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [الأحقاف:15].
فما بعد الأربعين إلا أن ترضى، وتقول: إني تبت إليك وإني من المسلمين. قال ابن كثير- رحمه الله-: "وهذا فيه إرشاد لمن بلغ الأربعين أن يجدد التوبة والإنابة إلى الله -عز وجل- ويعزم عليها، وإنك لتحزن والله عندما ترى بعضًا ممن جاوزوا الأربعين ويفعلون أفعال المراهقين، يخالفون العادات والتقاليد في لباسهم وتصرفاتهم، فكيف يُرجَى من هؤلاء أن يربوا أبناء ويخرجوا جيلاً ينقاد لدينه ويحمل همّ أمته؟ لعلها أولى إلى التقويم أحوج من شباب أهوج، ربما كبروا فعرفوا.
(وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) [الزمر: 54- 56].
عباد الله، صلوا وسلموا على رسول الله، اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، وانصر عبادك المجاهدين، واجعل هذا البلد آمنا وبلاد المسلمين يا رب العالمين.
اللهم فرِّج همّ المهموين، اللهم نفِّس كرب المكروبين، اللهم اقضِ الدين عن المدينين، اللهم اشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، واكتب الصحة والهداية والتوفيق لنا ولهم يا رب العالمين.
اللهم ألِّف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا الظلمات إلى النور، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمك مثنين بك عليها.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا، اللهم أحسن إليهم كما أحسنوا إلينا، اللهم تجاوز عنهم كما تجاوزا عن تقصيرنا.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، سبحانك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.