القدير
كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...
العربية
المؤلف | باحثو مركز أصول |
القسم | موسوعة الشبهات المصنفة |
النوع | صورة |
اللغة | العربية |
المفردات | شبهات حول القرآن |
مضمونُ السؤال:
الاستدلالُ مِن القرآنِ على أن بعضَ الناسِ ربَّما أُجْبِروا على الكفرِ، ولم يكن مِن اختيارِهم؛ فلا يصحُّ لَوْمُهم عليه.
مختصَرُ الإجابة:
لا يُوجَدُ في القرآنِ مطلَقًا حَثٌّ للناسِ على الكفرِ، أو إثباتٌ لإجبارِهم عليه، بل هو كتابُ هدايةٍ ودعوةٍ إلى التوحيدِ؛ فإن اللهَ تعالى لا يَرْضى لعبادِهِ الكفرَ، ولا يُحِبُّهُ؛ فكيف يأمُرُ به، أو يُجبِرُ الناسَ عليه؟! وإنما هم رَضُوا لأنفُسِهم بالكفرِ، واستحَقُّوا العقوبةَ عليه.
وكلُّ الموانعِ المذكورةِ في الآيةِ - كالخَتْمِ والطَّبْعِ، والغِشاوةِ والأَكِنَّةِ، والعَمَى والصَّمَمِ - لم تَجْرِ على الكفَّارِ ابتداءً، وما هي إلا جزاءٌ مِن جنسِ العمَلِ، وهي سُنَّةٌ مِن سُنَنِ اللهِ تعالى في الخيرِ والشرِّ: أن الجزاءَ مِن جنسِ العمَل؛ فهي تأتي نتيجةً لكسبِهم وأعمالِهم واختيارِهم الكُفرَ، وليست سببًا له؛ كما جاء في السؤال.
فالكلامُ في الآياتِ عن صِنفٍ مِن البشَرِ اختار تكذيبَ الحقِّ، والكفرَ به، وبلَغوا في ذلك حَدًّا صار فيه الواحدُ منهم لا يستمِعُ لأيِّ هُدًى يُعرَضُ عليه، ولا تتحرَّكُ له عواطفُهُ الجافَّةُ والجامدةُ، حتى لو هبَّت عليها كلُّ نسائمِ النُّورِ الإلهيِّ مِن كلِّ اتجاهٍ؛ فهو قد قَبِلَ أن يَجعَلَ قلبَهُ مستودَعًا لمظاهرِ الكفرِ، والجحودِ، والنُّكْرانِ، وأحكَمَ إغلاقَهُ بقُفْلِ العِنادِ، وترَكهُ عُرْضةً لرياحِ التكذيب، إلى أنْ أصابه الصدَأُ والغِشاءُ الأسودُ؛ وهذا هو الرانُ الذي جاء ذِكرُهُ في قولِهِ تعالى:
﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾
[المطففين: 14].
لا يُمكِنُ أن يدُلَّ القرآنُ على أن اللهَ تعالى يُجبِرُ الناسَ - أو طائفةً منهم - على الكُفْرِ؛ فاللهُ تعالى لا يَرْضى لعبادِهِ الكفرَ، ولا يُحِبُّه؛ فكيف يأمُرُ به، أو يُجبِرُ الناسَ عليه؟!
إنما وضَعَ اللهُ تعالى سُنَنًا وقوانينَ فيها ترتيبُ أمورٍ على أمورٍ أخرى، ومِن ذلك: ما يترتَّبُ على فعلِ كلِّ إنسانٍ مِن خيرٍ أو شرٍّ؛ ويتبيَّنُ ذلك مِن خلالِ النقاطِ التالية:
أوَّلًا: الكلامُ في الآياتِ عن صِنفٍ مِن البشَرِ اختار تكذيبَ الحقِّ، والكفرَ به، وبلَغوا في ذلك حَدًّا صار فيه الواحدُ منهم لا يستمِعُ لأيِّ هُدًى يُعرَضُ عليه، ولا تتحرَّكُ له عواطفُهُ الجافَّةُ والجامدةُ، حتى لو هبَّت عليها كلُّ نسائمِ النُّورِ الإلهيِّ مِن كلِّ اتجاهٍ؛ فهو قد قَبِلَ أن يَجعَلَ قلبَهُ مستودَعًا لمظاهرِ الكفرِ، والجحودِ، والنُّكْرانِ، وأحكَمَ إغلاقَهُ بقُفْلِ العِنادِ، وترَكهُ عُرْضةً لرياحِ التكذيب، إلى أنْ أصابه الصدَأُ والغِشاءُ الأسودُ؛ وهذا هو الرانُ الذي جاء ذِكرُهُ في قولِهِ تعالى:
﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾
[المطففين: 14]
إن أمثالَ هؤلاءِ قد بلَغوا مِن الكفرِ والجحودِ مَرحَلةً لم يعُدْ يحرِّكُهم فيها أيُّ شيءٍ، يستمِعون إلى القرآنِ وكأنهم لم يستمِعوا إلى شيءٍ، ويرَوْنَ آياتِ اللهِ في كلِّ شيءٍ أمامَهم؛ في الإنسانِ، والحيوانِ، والنباتِ، وكلِّ أرجاءِ الكَوْنِ، وكلُّها تُرشِدُ إلى الحقِّ، وتدُلُّ عليه، بَيْدَ أن قلوبَهم تأبى إلا أن تُنكِرَ ما تراهُ الأعينُ؛ فيمُرُّون بتلك الآياتِ مرورَ العُمْيانِ؛ قال تعالى:
﴿قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ﴾
[النحل: 22]
هذا الصِّنفُ مِن البشَرِ ليس صِنفًا عاديًّا مِن الكافِرين؛ فقد يكفُرُ بعضُ الناسِ، ويستمِرُّ في كفرِهِ مدَّةً مِن الزمَن، ولكنْ في النهايةِ تتغلَّبُ فطرتُهُ السويَّةُ على ضلالاتِ كفرِه؛ فيهتدي إلى نُورِ الحقِّ المبين، ولكنَّ هذا الصِّنفَ المذكورَ في الآياتِ الكريمةِ مختلِفٌ تمامًا عن غيرِهِ مِن الكافِرين.
فنتيجةً لتجذُّرِ قلوبِهم في أوحالِ الجحودِ والتكذيبِ جاءت العقوبةُ مِن اللهِ سبحانه وتعالى، والتي استحَقُّوها عن جَدَارةٍ لا يُحسَدون عليها:
فقلوبُهم التي جفَّت فيها ينابيعُ الخيرِ نهائيًّا: استحَقَّتِ الطبعَ عليها، وعيونُهمُ التي عَمِيَتْ عن رؤيةِ أيِّ شيءٍ يَمُتُّ بصِلةٍ إلى الهُدى: استحَقَّتِ العمى، وآذانُهم التي اختار أصحابُها أن يُصِمُّوها عن الاستماعِ إلى ترانيمِ الكونِ التي تَصدَحُ بالأدلَّةِ على الحقِّ: استحَقَّتِ الصمَمَ، وكلُّ ذلك هو نوعٌ مِن العقابِ؛ قال عزَّ وجلَّ:
﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾
[آل عمران: 182، والأنفال: 51].
وقد حذَّر اللهُ سبحانه مِن هذه السُّنَنِ في كتابِهِ الكريمِ؛ فقال سبحانه:
﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ﴾
[الأعراف: 100- 101].
ثانيًا: تبيَّن مما سبَقَ: أن اللهَ تعالى لم يَجعَلْ ذلك الطبعَ والختمَ والأَكِنَّةَ، والعمى والغِشاوةَ والصَّمَمَ، على الكفَّارِ ابتداءً، وإنما هو جزاءٌ مِن جنسِ العمَلِ، وهي سُنَّةٌ مِن سُنَنِ اللهِ تعالى في الخيرِ والشرِّ: أن الجزاءَ مِن جنسِ العمَل:
فالنصُّ القرآنيُّ السابقُ يوضِّحُ سُنَّةَ اللهِ التي تأتي نتيجةَ الكفرِ والجحود، وما ينتُجُ عنهما مِن ذنوبٍ ومعاصٍ تسُوقُ صاحبَها إلى عاقبتِهِ الوخيمة.
كما أن هناك آيةً تؤكِّدُ ذلك، وهي تتحدَّثُ عن حالِ المنافِقين، وعن سببِ الطبعِ على قلوبِهم؛ أَلَا وهو تحوُّلُهم مِن الإيمانِ إلى الكفرِ؛ قال سبحانه:
﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ﴾
[المنافقون: 3].
ولأن أهمَّ مَداخِلِ القلوبِ التي يكتسِبُ الإنسانُ بواسِطتِها كلَّ المعارفِ، هي السمعُ والبصَرُ؛ فقد اقترَنَ الطبعُ على القلوبِ بالطبعِ عليهما بالصَّمَمِ والعمى؛ لأن أصحابَها أبَوْا إلا أن يُغلِقُوها أمامَ الحقِّ المُبينِ الذي مِن صفاتِهِ أن يُنِيرَ كلَّ القلوب.
اللهُ تعالى وضَّح الحقَّ والباطلَ، والإيمانَ والكفرَ، والإنسانُ اختار: إما هذا، وإما هذا، وهو محاسَبٌ عليه؛
﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾
[الإنسان: 3].
والإنسانُ محاسَبٌ؛ فعليه أن ينجُوَ بنفسِهِ، لا أن يشتغِلَ بلومِ القدَرِ؛ فإن ذلك ليس بصحيحٍ، ولا بنافعٍ.
وراجِعْ: جوابَ السؤال رقم: (52)، (53).