البحث

عبارات مقترحة:

الوكيل

كلمة (الوكيل) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول) أي:...

الرحيم

كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...

المولى

كلمة (المولى) في اللغة اسم مكان على وزن (مَفْعَل) أي محل الولاية...

الزعم أنه لا حكمة من إرسال الرسل والأنبياء

العربية

المؤلف
القسم موسوعة الشبهات المصنفة
النوع صورة
اللغة العربية
المفردات الإيمان بالرسل
الجواب التفصيلي:

يزعم بعض المتوهميين أنه ليس هناك حكمة تلمس من اختيار الرسل، كما أنه لا فائدة من إرسالهم، ويستدلون على ذلك بأن الله - سبحانه وتعالى - قد خلق البشر على الفطرة السمحاء السليمة، كما أنه سوى بين البشر في كل شيء، ويتساءلون: ما الحكمة من إرسال الرسل؟! وعلى أي أساس تم اختيارهم؟!

وجوه إبطال الشبهة:

1) الله - سبحانه وتعالى - حكيم في أفعاله خبير باختياره، فلا يعقل أن تنفي الحكمة من إرسال الرسل؛ لأنها واضحة جلية لكل ذي بصيرة، فضلا عن أنه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

2) الإنسانية في حاجة إلى الرسل والرسالات؛ ذلك لأن العقل البشري وحده لا يكفي للتفريق بين الخير والشر، كما أن هناك بعض الأمور الغيبية التي لا يمكن معرفتها إلا عن طريق الوحي.

3) الأنبياء والرسل هم السفراء بين الله وبين عباده؛ لذلك كانوا من البشر، إذ إن السفير لا بد أن يكون ممن يمكن الاجتماع به والأخذ عنه.

4) اقتضت حكمة الباري - عز وجل - أن يبعث إلى الخلائق الأنبياء الكرام، والرسل الأخيار؛ ليقطع على الناس معاذيرهم، ولئلا يبقى لإنسان حجة عند الله يوم القيامة، ولهؤلاء الرسل وظائف جليلة ومهام جسيمة.

5) الرسل لم يركنوا إلى اختيار الله لهم فعمدوا إلى الراحة والاسترخاء، ولكنهم ضربوا المثل الأعلى في كل ميادين الجهاد والعمل والخير، فكانوا منارات الهدى وأعلام الاقتداء.

التفصيل: أولا. الله - سبحانه وتعالى - حكيم في أفعاله خبير باختياره قال تعالى: )لا يسأل عما يفعل وهم يسألون (23)( (الأنبياء)، وقال سبحانه وتعالى: )وربك يخلق ما يشاء ويختار( (القصص: ٦٨):

إن أفعال الله - عز وجل - وتدابيره في خلقه لا تخلو من حكمة، فهو - سبحانه وتعالى - الحكيم الخبير بشأن الرسل والرسالات؛ قال ردا على المعترضين على مثل ذلك:

* وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ ۘ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ۗ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ [الأنعام: 124]

وعدم إدراكنا للحكمة لا ينفيها، ومهام النبوة والرسالة لا يقوم بها إلا أفذاذ الرجال، فمن خلال استقراء سيرهم وقصص كفاحهم وجهادهم نجد الواحد منهم جاهد وأوذي فصبر واحتمل، فعند النظر إلى كل نبي مرسل نجد أنه بعد إعلان الحق بمفرده، يعلنها كلمة مدوية على الملأ، والكل ضده يناصبه العداء، فلا يلين ولا يضعف، ولا يتراجع عن دعوته.

وإذا كان الله قد اختار رسله، واجتباهم فليس اختياره - عز وجل - اختيارا عشوائيا - تعالى الله عن ذلك - ولكنه اختيار حكيم، فهم وحدهم المؤهلون لحمل هذه المهام الجسام، والله - عز وجل - يصطفيهم، ويقيهم ويعدهم الإعداد الروحي والعقلي، والنفسي، والجسدي، والخلقي، الذي يتناسب مع المهام التي تنتظرهم، قال - عز وجل - في حق نبي الله موسى عليه السلام:

* وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي [طه: 41]

* وقال: أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي [طه: 39]

* وقال سبحانه وتعالى: (واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار (45) إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار (46) وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار (47) واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار (48) [ص.]

ثانيا. الإنسانية في حاجة إلى الرسل والرسالات؛ ذلك لأن العقل البشري وحده لا يكفي للتفريق بين الخير والشر، ولا لمعرفة بعض الأمور الغيبية:

لم تخل أمة ذات شأن من رسالة كما

* قال سبحانه وتعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۚ وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ [فاطر: 24]

* وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [النحل: 36]

والرسالات ضرورية للبشر، لا يغني عنها العقل؛ ذلك أن العقل وحده لا يستطيع أن يلم بكل حاجات الإنسان في حياته، فطاقته على الرغم من قوتها ضعيفة، ومجاله على الرغم من اتساعه محدود، وهو لا يملك من القوة ما يستطيع أن يكبح به جماح الشهوات، أو يصمد أمام المغريات، وإلى جانب قصوره وضعفه لا يعلم ما سلف به الدهر ولا ما يخبئه المستقبل، بل لا يستطيع أن يحدد ما يخفيه الغيب الذي ليس له وسيلة إلا السمع والوحي الذي يحمله الرسل.

ومن هنا كانت الرسالة رحمة بالإنسان، تكمل نقصه، وتقوي ضعفه، وتصحح مفاهيمه. وهؤلاء الرسل الذين اختارهم الله لهداية الخلق هم الصفوة الممتازة من عباده،

* كما قال سبحانه وتعالى: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [الحج: 75]

* وقال بعد ذكر الجماعة من الأنبياء: (إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار (46) وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار (47) [ص.]

وكان الرسل مصطفين أخيارا؛ لأنهم حملة أكرم رسالة، ولا يليق بأكرم الرسالات إلا أكرم البشر، ولأنهم في مقام القادة الهداة، ولا يتصدر القوم إلا أكملهم وأرفعهم في هذه المهمة بالذات، ومن هنا قال العلماء: يجب أن يتصف الرسل بأربع صفات أساسية هي: الصدق والأمانة والتبليغ والفطنة.

لا بد للرسل أن يكونوا صادقين، في دعوى الرسالة، وفيما يبلغون، وليس أدل على صدقهم من تأييد الله لهم بالمعجزات التي هي بمثابة قوله سبحانه وتعالى: "صدق عبدي فيما يبلغ عني"، ولو جاز عليهم الكذب، لكان تأييد الله لهم عبثا وهو منزه عن ذلك، ولكان هناك تناقض مع حكمة إرسالهم وهو الهداية إلى الخير، والتناقض في أفعال الله محال. ومع صدق الرسل فهم أمناء ملتزمون بأوامر الله سبحانه، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ولو لم يكونوا كذلك لسلب الله عنهم شرف الاصطفاء الذي ما كان ليعطيهم إياه لولا علمه بجدارتهم وأهليتهم له، وقد أجمع العلماء على عصمة الرسل من الزيغ في العقيدة والانحراف عن الفطرة السوية، حتى قبل أن يحظوا بشرف الرسالة، كما أشار إليه

* قوله سبحانه وتعالى: ۞ وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ [الأنبياء: 51]

ولا تقع منهم كبيرة حتى لا تهتز ثقة الناس بهم، بل ونجلهم عن الصغائر التي لا تليق بمقامهم، فقربهم من الله يجعل مقاييس سلوكهم أشد دقة وأقوى ضبطا، وما كان من تصرف يغيب ظاهره عن إدراك حكمته فهو من باب "حسنات الأبرار سيئات المقربين"[1].

ثالثا. الأنبياء والرسل هم السفراء بين الله وبين عباده؛ لذلك كانوا من البشر، حيث إن السفير لا بد أن يكون ممن يمكن الاجتماع به والأخذ عنه:

لو كان الرسل من الملائكة لما استطاع البشر أن يأخذوا عنهم أو يجتمعوا بهم، ولكان للناس حجة في عدم الاتباع للرسل، وهو أن يقولوا: هؤلاء الذين بعثهم الله إلينا، وأمرنا باتباعهم ليسوا من جنسنا.. ليسوا بشرا إنما هم ملائكة، وطبيعتنا تختلف عن طبيعتهم، فهم أسمى منا خلقا، وأطهر منا عملا، وأكرم مقاما؛ لأن الملائكة الأطهار كما أخبر عنهم رب العزة عز وجل:

* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم: 6]

وأنهم دائما في عبادة لا ينقطعون عنها أبدا

* يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ [الأنبياء: 20]

ثم إن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون، وليس فيهم شهوة أو ميل إلى المعصية؛ لأنهم عباد مكرمون. ومن ناحية أخرى لو كان الرسول الذي يبعث إلى الخلق ملكا ما استطاع البشر أن يأخذوا عنه، أو يجتمعوا به؛ لأنه إن جاءهم بصورة ملكية فزعوا وصعقوا وولوا الأدبار هربا وفزعا منه؛ لأنهم لم يعهدوا مثل هذه الصورة، ولم يروا مثل هذا الخلق العظيم.

وجاء أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «بينما أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء، فرفعت بصري، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جاءني على كرسي بين السماء والأرض، فرعبت منه، فرجعت، فقلت: زملوني زملوني،

* فأنزل سبحانه وتعالى: (يا أيها المدثر (1) قم فأنذر (2) وربك فكبر (3) وثيابك فطهر (4) والرجز فاهجر (5) [المدثر»[2].]

ولو جاءهم بصورة بشرية - أي: تمثل لهم الملك بصورة إنسان - لشكوا في أمره، والتبس عليهم الحال، هل هو ملك أو هو بشر؟

وقد ذكر القرآن الكريم هذا المعنى في معرض الرد على المشركين، حين طلبوا أن يكون النبي المرسل من الملائكة لا من البشر:

* (وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون (8) ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون (9) [الأنعام.]

ومعنى الآية الكريمة: لو جعلنا النبي ملكا كما اقترحوا لجعلناه في صورة رجل من البشر، ليمكن اجتماعهم به وأخذهم عنه، وحينئذ يلتبس عليهم الأمر، هل هو ملك أو بشر؟ فيشكون في أمره، ويعودون إلى سيرتهم الأولى في طلبهم أن يكون النبي من الملائكة. قال العلامة القرطبي في تفسيره لقوله سبحانه وتعالى: )ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا(، أي أنهم لا يستطيعون أن يروا الملك في صورته إلا بعد التجسم بالأجسام الكثيفة؛ لأن كل جنس يألف بجنسه، وينفر من غير جنسه، فلو جعل الله - عز وجل - الرسول إلى البشر ملكا لنفروا من مقابلته، ولما أنسوا به، ولداخلهم من الرعب من كلامه والاتقاء له ما يكفهم عن كلامه، ويمنعهم عن سؤاله، فلا تعم المصلحة، ولو نقله عن صورة الملائكة إلى مثل صورتهم ليأنسوا به، ويسكنوا إليه، لقالوا: لست ملكا وإنما أنت بشر فلا نؤمن بك، وعادوا إلى مثل حالهم، حيث كانوا يقولون عن محمد صلى الله عليه وسلم: إنه بشر، وليس بينه وبينكم فرق، فيلبسون على الناس بهذا الشك ويشككونهم، فأعلمهم الله - عز وجل - أنه لو أنزل ملكا في صورة رجل لوجدوا سبيلا إلى اللبس - الشك - كما يفعلون[3].

وقد ذكر - سبحانه وتعالى - في آية كريمة أخرى الحكمة من كون النبي من البشر، لا من الملائكة؛ وذلك أن المرسل ينبغي أن يكون من جنس المرسل إليهم. فلو كان الذين يسكنون الأرض من الملائكة لبعث الله تعالى إليهم نبيا ملكا

* كما قال سبحانه وتعالى: (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا (94) قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا (95) [الإسراء[4].]

رابعا. اقتضت حكمة الباري - عز وجل - أن يبعث إلى الخلائق الأنبياء الكرام، والرسل الأخيار؛ ليقطع على الناس معاذيرهم، ولئلا يبقى لإنسان حجة عند الله يوم القيامة:

لهؤلاء الرسل وظائف جليلة ومهمات جسيمة، وهي كما وضحها القرآن ما يلي:

1. دعوة الخلق إلى عبادة الواحد القهار: وهذه - في الحقيقة - هي الوظيفة الأساسية، بل هي المهمة الكبرى التي بعث من أجلها الرسل الكرام وهي تعريف الخلق بالخالق - عز وجل - والإيمان بوحدانيته، وتخصيص العبادة له دون سواه، كما قال جل ثناؤه:

* وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: 25]

* وقال سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [النحل: 36]

2. تبليغ أوامر الله - عز وجل - ونواهيه إلى البشر: فالأوامر الإلهية لا بد لها من مبلغ، ولا بد أن يكون هذا المبلغ من البشر ليمكن الأخذ عنه، ولهذا فقد اختار الله - عز وجل - الرسل من البشر، للحكمة السابقة التي ذكرناها، وقد أدى الرسل الكرام هذه الوظيفة على أكمل الوجوه، فلم يتأخر واحد منهم عن تبليغ دعوة الله، وفيهم يقول القرآن الكريم:

* الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا [الأحزاب: 39]

وقد جعل الله تعالى علامة الرسول تبليغ الرسالة، وخاطب سيد الأنبياء

* بقوله عز وجل: ۞ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ۖ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [المائدة: 67]

3. هداية الناس وإرشادهم إلى الصراط المستقيم: وهذه الوظيفة مهمة كل رسول كما قال - سبحانه وتعالى - في شأن موسى عليه السلام:

* وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [إبراهيم: 5]

وكما قال في شأن خاتم الرسل عليه السلام:

* (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا (45) وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا (46) [الأحزاب.]

4. ليكون الرسل قدوة حسنة، وأسوة صالحة للبشر: فالرسل الكرام - عليهم من الله أفضل الصلاة والتسليم - هم القدوة الحسنة والأسوة الصالحة لجميع البشر، وقد أمرنا الله - عز وجل - بالاقتداء بهم، والسير على منهاجهم، وجعلهم نماذج للكمال، وعنوانا للفضل؛ لأنهم أكمل الناس عقلا وأطهرهم سلوكا، وأشرفهم رتبة ومنزلة،

* قال سبحانه وتعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب: 21]

* وقال سبحانه وتعالى: أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ [الأنعام: 90]

5. التذكير بالنشأة والمصير، وتعريف الناس بما بعد الموت من شدائد وأهوال:

* قال سبحانه وتعالى: (يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين (130) ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون (131) [الأنعام.]

6. تحويل اهتمام الناس من الحياة الفانية إلى الحياة الباقية: فلقد بعث الله الرسل الكرام؛ ليحولوا أنظار البشر من هذه الحياة الزائلة إلى تلك الحياة الباقية الخالدة وهي الدار الآخرة،

* كما قال سبحانه وتعالى: وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۖ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [الأنعام: 32]

* وكما قال جل ثناؤه: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [الحديد: 20]

7. إقامة الحجة على الخلق: فلا يبقى لإنسان حجة عند الله،

* كما قال سبحانه وتعالى: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء: 165]

لقد أثر الأنبياء والرسل في المجتمعات التي ولدوا فيها، والأمم التي بعثوا إليها، ونتج عن هذا التأثير تغيير في مفاهيم هذه الأمم وعقائدهم التي نشئوا عليها، فقد انتقلوا بهم من الظلمات إلى النور، وأخرجوهم من الضلالة إلى الهدى. فكانت دعوة الأنبياء إنقاذا للأمم من براثن الشرك والفوضى والاضطراب...

* وفي ذلك يقول القرآن الكريم: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۖ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ۗ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة: 213]

فأشارت هذه الآية الكريمة إلى أن الناس كانوا على الهدى وعلى دين الحق، ولكنهم اختلفوا وتنازعوا وأفسدوا في الأرض، وحادوا عن الطريق القويم، فبعث الله تعالى لهم النبيين مبشرين ومنذرين، وجاء عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: «كان بين آدم ونوح عشرة قرون، كلهم على شريعة من الحق. فلما اختلفوا بعث الله النبيين والمرسلين وأنزل كتابه فكانوا أمة واحدة»[6].

وأوضح الله - عز وجل - الغاية من بعثة الرسل الكرام فقال وهو أصدق القائلين:

* رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء: 165]

كما جعل كل رسول منقذا لقومه من ظلمات الجهل والضلالة فقال جلت عظمته: )

* وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [إبراهيم: 5]

* لقد أرسل الله رسلا حدد مهمتهم وبين حكمة إرسالهم في قوله سبحانه وتعالى: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء: 165]

خامسا. الرسل لم يركنوا إلى اختيار الله لهم فعمدوا إلى الراحة والاسترخاء، ولكنهم ضربوا المثل الأعلى في كل ميادين الجهاد والعمل والخير:

إن الرسل - عليهم السلام - لم يركنوا إلى أن الله - عز وجل - اختارهم من بين خلقه فعمدوا إلى الراحة والاسترخاء، ولكنهم ضربوا المثل الأعلى في كل ميدان من ميادين الجهاد والعمل والخير:

* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء: 90]

والله - عز وجل - لم يهبهم النبوة محاباة أو مجاملة، ولكنه حملهم من الأمانة والأعباء ما لا يقوم به إلا أمثالهم:

* وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ [الأنبياء: 73]

ووضعهم الله تعالى أمام مسئولياتهم: )وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين (73)( (الأنبياء). وهم يخضعون للحساب والمساءلة كغيرهم من الناس:

* فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [الأعراف: 6]

ونقول لهؤلاء: لو اختار قائد الجيش عددا من ضباطه وجنوده لمهام قتالية متميزة، لما وجد فيهم من حسن السيرة، واللياقة البدنية، ودفع بهم إلى مراكز التدريب ليزدادوا كفاءة على كفاءتهم، أكان لبقية الجند أن يحتجوا على ذلك؟! وصدق الله إذ يقول:

* لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء: 23]

الخلاصة:

·أفعال الله - سبحانه وتعالى - واختياراته لا تخلو من حكمة، فهو - سبحانه وتعالى - الحكيم الخبير، وعدم إدراكنا للحكمة لا ينفيها.

·الإنسانية في حاجة إلى الرسل والرسالات؛ وذلك لأن العقل البشري وحده لا يكفي للتفريق بين الخير والشر، كما أن هناك بعض الأمور الغيبية التي لا يمكن أن يعرفها الإنسان إلا بالوحي أو عن طريق الشرع: كالإيمان بالله، وبصفاته العلية، والإيمان بالملائكة؛ لذلك لم تخل أمة ذات شأن من رسالة، ومن هنا كانت الرسالة رحمة بالإنسان.

·الأنبياء والرسل هم السفراء بين الله وبين عباده، ولا بد للسفير أن يكون ممن يمكن الاجتماع به والأخذ عنه، ولو كان الرسل من غير البشر لما استطاعوا أن يأخذوا عنهم أو يجتمعوا بهم.

·اقتضت حكمة الباري - عز وجل - أن يبعث إلى الخلائق رسلا أخيارا، ليقطع على الناس معاذيرهم، ولهؤلاء الرسل وظائف جليلة ومهمات جسيمة منها:

.دعوة الخلق إلى عبادة الواحد القهار.

.تبليغ أوامر الله - عز وجل - ونواهيه إلى البشر.

.هداية الناس وإرشادهم إلى الصراط المستقيم.

.أن يكونوا قدوة حسنة، وأسوة صالحة للبشر.

.التذكير بالنشأة والمصير، وتعريف الناس بما بعد الموت من شدائد وأهوال.

.تحويل اهتمام الناس من الحياة الفانية إلى الحياة الباقية.

.إقامة الحجة على الخلق فلا يبقى لإنسان حجة عند الله.

.تغيير مفاهيم الأمم الباطلة، وعقائدهم الفاسدة التي نشئوا عليها.

.الرسل - عليهم السلام - ضربوا المثل الأعلى في كل ميدان من ميادين الجهاد والعمل والخير، كما أنهم يخضعون للحساب والمساءلة كغيرهم من الناس.

المراجع
  1. (*) أسئلة بلا أجوبة، موقع نادي الفكر. www.nadyelfiker.net [1]. المصطفون الأخيار، عطية صقر، دار مايو، القاهرة، 1997م، ص8، 9 بتصرف.
  2. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (4)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، بدء الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم (425)، واللفظ للبخاري.
  3. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، ج6، ص393، 394.
  4. النبوة والأنبياء، محمد علي الصابوني، دار الصابوني، مكة المكرمة، 1390هـ، ص19: 21.
  5. النبوة والأنبياء، محمد علي الصابوني، دار الصابوني، مكة المكرمة، 1390هـ، ص23: 25.
  6. صحيح: أخرجه الحاكم في مستدركه، كتاب التفسير، باب تفسير سورة حم عسق (3653)، وصحح الحاكم إسناده وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
  7. النبوة والأنبياء، محمد علي الصابوني، دار الصابوني، مكة المكرمة، 1390هـ، ص727.