الحفيظ
الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...
العربية
المؤلف | باحثو مركز أصول |
القسم | موسوعة الشبهات المصنفة |
النوع | صورة |
اللغة | العربية |
المفردات | الإيمان بالرسل |
مضمونُ السؤال:
تقومُ حقيقةُ هذا الاعتراضِ على أن النبوَّةَ تعني أن هناك واسطةً بين اللهِ وبين الناس، وهذا أمرٌ - بحسَبِ وجهةِ نظَرِ السائل - منافٍ للحكمةِ والاستقامةِ في التدبيرِ؛
فإن الاستقامةَ - بحسَبِ وجهةِ نظَرِ السائلِ - تقتضي أن يوصِّلَ اللهُ ما يُريدُهُ إلى الناسِ بنفسِهِ، مِن غيرِ أن يَجعَلَ بينه وبينهم واسطةً.
مختصَرُ الإجابة:
إن معنى «الابتلاءِ والامتحانِ للخَلْق»، ومعنى «كونِ الرُّسُلِ قُدُواتٍ للناس»، مَعْنيانِ محبوبانِ للهِ تعالى، ومقصودانِ، وهما ينتفِيانِ مع انتفاءِ وجودِ الرسُل.
كما أن الاعتراضَ على كونِ الرسُلِ أسبابًا لإيصالِ الهدايةِ إلى الناسِ: هو اعتراضٌ على مبدأِ السببيَّة.
ثم هو قائمٌ على قياسٍ فاسدٍ على أفعالِ الملوكِ مِن البشَر.
ثم النظَرُ في الحكمةِ مِن أفعالِ اللهِ تعالى: يحتاجُ إلى إخباتٍ للخالقِ وانكسارٍ؛ ليهتدِيَ المرءُ إلى أسرارِها.
وأخيرًا: فإنه لا يَصِحُّ للعاقلِ أن يفترِضَ معارَضاتٍ لا دليلَ عليها، ويُبطِلَ بسببِها حقائقَ مِن مصلحتِهِ معرفتُها والإيمانُ بها؛ فالنبوَّةُ ثابتةٌ بالأدلَّةِ الكثيرةِ المتنوِّعة،
ووجودُ الوساطةِ بالرسُلِ له حكمةٌ؛ ولا بدَّ مِن اقتناعِ المرءِ بها؛ لأنها اعتبارٌ للأمورِ الوجوديَّةِ الواقعةِ في الخارج، وإنكارُ الحقائقِ الخارجيَّةِ مفسِدٌ لحياةِ المرءِ في الدنيا والآخرة.
وبيانُ ذلك تفصيلًا مِن وجوهٍ:
1- التكليفُ بالعباداتِ قائمٌ على الابتلاءِ والامتحان؛ وهذا المَقصِدُ يفُوتُ دون إرسالِ الرسُل:
وهذا الاعتراضُ فيه غَفْلةٌ عن طبيعةِ التكليفِ بالعبادات، وكونِها قائمةً على الابتلاءِ والامتحان.
فلو أن اللهَ نزَلَ بنفسِهِ - كما يقولون - أو أنزَلَ بنفسِهِ كتابًا، لزال معنى الابتلاءِ والامتحانِ، وأضحى الناسُ كالمجبولِين على التعبُّد؛ فلا يقَعُ بينهم التفاضُلُ،
ولا يتحقَّقُ منهمُ التميُّزُ في أفعالِهِمُ القائمةِ على حرِّيَّةِ القصدِ والإرادة؛ وهذا يتنافى مع تكريمِ اللهِ لجنسِ الإنسانِ بالتكليف، وإعلاءِ مكانتِهِ في الآخِرةِ بالثوابِ الجزيلِ على الطاعة.
2- الرسُلُ أرسَلهُمُ اللهُ؛ ليكونوا قُدُواتٍ عمَليَّةً للناس؛ وهذا المَقصِدُ يفُوتُ لو لم يكن هناك وسائطُ مِن الرسُل:
فإقناعُ الناسِ بالعباداتِ والالتزامِ بالأخلاقِ والقِيَمِ، يتطلَّبُ جُهْدًا كبيرًا، وتعليمًا مُضنِيًا، فلا بدَّ للناسِ مِن معلِّمٍ يَشرَحُ لهم ما يُطلَبُ منهم، ويبيِّنُ لهم ما يُشكِلُ عليهم،
ويُجيبُ على ما يَطرَأُ عليهم مِن أسئلةٍ ونوازلَ، ولا بدَّ مِن قُدْوةٍ عمليَّةٍ تتمثَّلُ أحكامَ الدِّين، وتحوِّلُهُ إلى واقعٍ عمليٍّ يَرَوْنَهُ بأعيُنِهم، ويَعِيشونه بمشاعِرِهم؛
وهذه المعاني لا تتحقَّقُ إلا بوجودِ النبيِّ بين الناس.
3- الاعتراضُ على كونِ الرسُلِ أسبابًا لإيصالِ الهدايةِ إلى الناسِ: اعتراضٌ على مبدأِ السببيَّة:
فنظامُ الكونِ كلِّه قائمٌ على الأسبابِ؛ فكلُّ أحداثِ الكونِ - كبيرِها وصغيرِها، جليلِها وحقيرِها - مرتبِطةٌ بالأسباب، ومتعلِّقةٌ بها،
وجَعْلُ اللهِ لتلك الأسبابِ لا يعني أنه عاجِزٌ عن تدبيرِ الكونِ بنفسِهِ، ولكنَّ الحِكْمةَ البالِغةَ تَقْتضي ذلك.
والنبوَّةُ لا تختلِفُ عن أحداثِ الكونِ مِن جهةِ ارتباطِها بالأسباب؛ فاللهُ تعالى جعَلَ النبيَّ سببًا في إيصالِ ما يريدُهُ إلى الناس،
كما أنه جعَلَ حرارةَ الشمسِ سببًا في إحداثِ السحابِ، ونزولِ المطَر، والجاذبيَّةَ سببًا في حفظِ نظامِ الأرض.
4- النظَرُ في الحكمةِ مِن أفعالِ اللهِ تعالى: يحتاجُ إلى إخباتٍ للخالقِ وانكسارٍ؛ ليهتدِيَ المرءُ إلى أسرارِها:
وهذا الاعتراضُ قائمٌ في الحقيقةِ على مغالَطةٍ منطقيَّةٍ تُسمَّى: «مِعْياريَّةَ الذاتِ»، وهي - في الحقيقةِ - نابِعةٌ مِن تكبُّرٍ واعتدادٍ بالنفسِ،
وتضخيمٍ لها أكثرَ مما يُمكِنُ أن تصلَ إليه؛ فإن المعترِضَ حدَّد في ذهنِهِ طريقةً معيَّنةً لمنهجيَّةِ إيصالِ اللهِ ما يريدُهُ إلى الناس، ثم طَفِقَ يحاكِمُ أفعالَ اللهِ إليها،
فلما وجَدَها غيرَ منسجِمةٍ معها، أخَذَ يحكُمُ على أفعالِ اللهِ وتدبيرِهِ للكونِ بأنها خارجةٌ عن الحكمةِ والعقل.
والبحثُ في الحكمةِ الإلهيَّةِ، وأسرارِ أفعالِ اللهِ، مِن أصعبِ الأمورِ وأعقدِها على العقلِ الإنسانيِّ؛ فإنه عاجزٌ قاصرٌ لا يُمكِنُهُ أبدًا أن يُحيطَ بأسرارِ الكونِ الذي يَعيشُ فيه؛
فكيف يُمكِنُهُ أن يُحيطَ بحِكَمِ اللهِ في خَلْقِهِ وأسرارِ تدبيرِه؟! ولكنَّ المعترِضَ يتعامى عن هذا المعنى، وتراهُ يحدِّدُ أوَّلًا معنًى للحكمةِ في ذِهنِهِ؛ بناءً على ما لدَيْهِ مِن تصوُّراتٍ وإدراكات،
ثم يحاكِمُ أفعالَ اللهِ إليها.
5- هذه الشبهةُ تقومُ على قياسِ أفعالِ اللهِ تعالى على أفعالِ الملوكِ مِن البشَرِ، ومع ذلك: فالقياسُ فاسدٌ، ولا دليلَ على مقدِّماتِه:
فإن المعترِضَ على النبوَّةِ ينطلِقُ مِن النظَرِ في أفعالِ اللهِ وتدبيرِهِ للكونِ، مِن منظورِ القياسِ على أفعالِ ملوكِ الدنيا، ومع ذلك: فنحنُ لا نسلِّمُ بأن المَلِكَ إذا كانت لدَيْهِ رسالةٌ مُهِمَّةٌ إلى شعبِهِ،
لا يوصِّلُها إلا بنفسِهِ في كلِّ الأحوال؛ فهذا تعميمٌ متعسِّفٌ لا يُسنِدُهُ دليلٌ، ولا يقومُ على استقراءٍ تامٍّ، ولا تقتضيهِ الضرورةُ العقليَّة؛
فإنه يُمكِنُ أن يُعطِيَها لأحدِ المقرَّبين منه؛ إذا كان يَثِقُ فيه، وفي قوَّةِ عقلِهِ، ورَجاحةِ بصيرتِهِ، ولا يَعمِدُ إلى تبليغِ الرسالةِ بنفسِهِ إلا إذا كان لا يَثِقُ فيمَن حوله مِن الوزراءِ والحاشية،
ولو قُمْنا باستقراءِ التاريخِ الإنسانيِّ، ربَّما نجدُ أمثلةً كثيرةً تدُلُّ على ذلك.
ختامًا: لا يَصِحُّ للعاقلِ أن يفترِضَ معارَضاتٍ لا دليلَ عليها، ويُبطِلَ بسببِها حقائقَ مِن مصلحتِهِ معرفتُها والإيمانُ بها؛ فالنبوَّةُ ثابتةٌ بالأدلَّة،
ووجودُ الوساطةِ بالرسُلِ له حكمةٌ؛ ولا بدَّ مِن اقتناعِ المرءِ بها؛ لأنها اعتبارٌ للأمورِ الوجوديَّةِ الواقعةِ في الخارج،
وإنكارُ الحقائقِ الخارجيَّةِ مفسِدٌ لحياةِ المرءِ في الدنيا والآخرة.