الصمد
كلمة (الصمد) في اللغة صفة من الفعل (صَمَدَ يصمُدُ) والمصدر منها:...
العربية
المؤلف | باحثو مركز أصول |
القسم | موسوعة الشبهات المصنفة |
النوع | صورة |
اللغة | العربية |
المفردات | الإيمان بالرسل |
مضمونُ السؤال:
يريدُ السائلُ أن يقولَ: إن في القرآنِ الكريمِ قَدْحًا في الأنبياء؛ فموسى عليه السلامُ ذُكِرَتْ قصَّتُهُ في القرآن، وفيها ما يدُلُّ على ذلك، وهو قتلُهُ لرجُلٍ بريءٍ بغيرِ حقٍّ؛ وذلك في قولِهِ تعالى:
﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ﴾
[القصص: 15].
مختصَرُ الإجابة:
إن موسى عليه السلامُ لم يَقصِدْ قتلَ القِبْطيِّ، ولم يخطِّطْ لذلك، ولم يتعمَّدْهُ، وهو لم يَظلِمْهُ، ولم يعتدِ عليه، كلُّ ما أراده موسى: هو أن يَردَعَهُ عن الإسرائيليِّ المظلوم، ويُوقِفَ عدوانَهُ عليه، وما وَكْزُهُ وضَرْبُهُ له إلا وسيلةٌ لذلك، والوَكْزةُ (وهي: الطعنُ والدفعُ والضربُ بجُمْعِ الكَفِّ)، لا تقتُلُ رجُلًا في الغالب، لكنَّها إرادةُ اللهِ وحكمتُهُ، التي أنهَتْ عُمْرَ القِبْطيِّ بوَكْزةِ موسى له؛ وذلك ليحقِّقَ اللهُ حكمتَهُ وإرادتَهُ في ترتيبِ وتدبيرِ الأحداثِ التالية؛ كما قدَّرها اللهُ سبحانه.
وبعدما قُتِلَ القِبْطيُّ مِن وَكْزةِ موسى، قال موسى عليه السلامُ:
﴿قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ﴾
[القصص: 15]
، أي: هذا القتلُ بسببِ الشيطانِ الذي هيَّج غَضَبي حتى ضرَبْتُ هذا؛ فهلَكَ مِن ضَرْبتي.
وموسى عليه السلامُ في هذه المرحلةِ، لم يكن نبيًّا؛ لأن نبوَّتَهُ وبَعْثتَهُ جاءت بعد ذلك، ولكنَّه كان في حفظِ اللهِ ورعايتِهِ وعنايتِهِ، ولم يكن مخطِئًا، ولا مذنِبًا، ولا جانيًا في قتلِهِ القِبْطيَّ.
لا يصحُّ الطعنُ في موسى عليه السلامُ بسببِ قتلِ القِبْطيِّ، ومَن تأمَّل كاملَ السياقِ، عَلِمَ مسوِّغاتِ قتلِ موسى للقِبْطيِّ، ومنها ما يلي:
أوَّلًا: أن القِبْطيَّ فِرْعَوْنيٌّ ظالمٌ كافرٌ، وردُّ عدوانِ الظالِمِ المعتدي مطلوبٌ، وصاحبُهُ يُمدَحُ على فِعلِه.
ثانيًا: أن المعتدَى عليه إسرائيليٌّ مظلومٌ مؤمِنٌ، ونصرةُ المظلومِ مطلوبةٌ.
ثالثًا: أن الإسرائيليَّ قد استنجَدَ بموسى، واستغاث به، واستصرَخَهُ، وطلَبَ منه إنقاذَهُ ونَجْدتَهُ، وكيف لا يُنجِدُهُ موسى ويُغِيثُه؟!
رابعًا: دخَلَ موسى بينهما؛ ليَردَعَ المعتدِيَ عن عدوانِه، ويفُضَّ الاشتباكَ، ويُنهِيَ القتالَ، ولمَّا وكَزهُ، كانت وَكْزتُهُ لهذا الهدَفِ، وهو هدفٌ نبيلٌ مطلوبٌ.
خامسًا: لم يَقصِدْ موسى قتلَ القِبْطيِّ، ولم يتعمَّدْهُ، ولكنَّ اللهَ جعَلَ انتهاءَ أجلِهِ بوَكْزةِ موسى له، ولا يُلامُ على موتِ إنسانٍ تسبَّب في موتِه، دون أن يَقصِدَ ذلك، أو يتعمَّدَه.
وأما استغفارُهُ، فهو لأنه فعَلَ شيئًا قبل أن يأمُرَهُ اللهُ تعالى به، وهذا هو ما سيعتذِرُ به يوم القيامةِ حين يقولُ:
«إِنِّي قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا»؛
رواه مسلم (194).
ومَن لم يَقنَعْ بما تقدَّم، يُقالُ له: حالُ القِبْطيِّ لا يَخْلو من أربعةِ احتمالاتٍ:
الاحتمالُ الأوَّلُ: إما أن يكونَ القِبْطيُّ مستحِقًّا للقتلِ، وقتَلهُ موسى متعمِّدًا؛ فلا يَقدَحُ حينئذٍ ما فعَلَهُ في العصمةِ بغيرِ إشكال.
الاحتمالُ الثاني: أن يكونَ غيرَ مستحِقٍّ، وقتَلهُ موسى متعمِّدًا؛ فيُقالُ حينئذٍ: إن ذلك كان قبل نبوَّتِه، ولا يجبُ على النبيِّ قبل أن يُبعَثَ نبيًّا أن يكونَ لا يُخطِئُ، أو لا يُذنِبُ؛ فليس في النبوَّةِ ما يستلزِمُ هذا.
فإن قال قائلٌ: «لو لم يكن كذلك، لم تحصُلْ ثقةٌ فيما يبلِّغُهُ عن الله، ولكان ذلك قادحًا في عصمتِه»:
قيل له: إن هذا غيرُ صحيحٍ؛ فإن مَن آمَنَ وتاب حتى ظهَرَ فضلُهُ وصلاحُهُ، ونبَّأه اللهُ بعد ذلك؛ كما نبَّأ لُوطًا، وشُعَيبًا، وغيرَهما، وأيَّده اللهُ تعالى بما يدُلُّ على نبوَّتِه؛ فإنه يُوثَقُ فيما يبلِّغُهُ، كما يُوثَقُ بمَن لم يَفعَلْ ذلك، وقد تكونُ الثقةُ به أعظَمَ إذا كان بعد الإيمانِ والتوبةِ قد صار أفضلَ مِن غيرِه.
الاحتمالُ الثالثُ: أن يكونَ القِبْطيُّ مستحِقًّا للقتلِ، وقتَلهُ موسى خطأً؛ فلا يَقدَحُ ذلك في العصمةِ أيضًا؛ لأن الخطأَ في غيرِ التبليغِ ليس مما يَقدَحُ في النبوَّةِ والعصمة.
الاحتمالُ الرابعُ: أن يكونَ القِبْطيُّ غيرَ مستحِقٍّ للقتلِ، وقتَلهُ موسى خطأً؛ فلا إشكالَ أيضًا كسابِقِهِ؛ لأن الخطأَ في غيرِ التبليغِ ليس مما يَقدَحُ في النبوَّةِ والعصمة.
الأنبياءُ معصومون مِن الوقوعِ في الكبائر:
إن الأنبياءَ عليهم السلامُ معصومون مِن الوقوعِ في الكبائرِ قبل وبعد النبوَّة، والذي حدَثَ مِن نبيِّ اللهِ موسى عليه السلام لا يُعَدُّ مِن الكبائر:
قال الآلُوسيُّ: «ولا يُشكِلُ ذلك على القولِ بأن الأنبياءَ عليهم السلامُ معصومون عن الكبائرِ بعد النبوَّةِ وقبلَها؛ لأن أصلَ الوَكْزِ مِن الصغائر، وما وقَعَ مِن القتلِ كان خطأً.
وعلى كونِهِ مِن الصغائر، فقد رجَّحنا أيضًا أنهم معصومون مِن الوقوعِ في الصغائرِ قبلَ وبعدَ النبوَّة؛ فلايُشكِلُ أيضًا؛ لجوازِ أن يكونَ عليه السلامُ قد رأى أن في الوَكْزِ دَفْعَ ظالِمٍ عن مظلومٍ، ففعَلهُ غيرَ قاصدٍ به القتلَ، وإنما وقَعَ مترتِّبًا عليه، لا عن قصدٍ». اهـ.
وعلى قولِ مَن يقولُ بوقوعِ الصغائرِ منهم، فلم تقَعْ عمدًا، وإنما حدَّها بضوابطَ منها: أنها تقَعُ عن طريقِ التأويلِ، والخطأِ، وغيرِها.
وعلى القولِ بأن موسى عليه السلامُ لم يقَعْ في ذنبٍ، يأتي سؤالٌ: وهو: «لماذا نَدِمَ موسى على قتلِ القِبْطيِّ؟ ولماذا عَدَّ قتلَهُ مِن عملِ الشيطانِ العدُوِّ المُضِلِّ المُبِين؟ ولماذا ذكَرَ لفِرْعَوْنَ بعد ذلك أنه فعَلَ ذلك، وهو مِن الضالِّين؟ ولماذا يتأخَّرُ عن الشفاعةِ يومَ القيامةِ؛ أليس بسببِ قتلِهِ القِبْطيَّ؟»:
فالجوابُ عن هذا: أن سببَ ندمِهِ: هو أنه أقدَمَ على فعلٍ لم يُؤمَرْ به؛ وهذا ما بيَّنه عليه السلامُ حين يقولُ يومَ القيامةِ - عندما يطلُبُ منه الناسُ أن يَشفَعَ لهم إلى ربِّهم -:
«إِنِّي قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا»؛
رواه مسلم (194).
وتأخُّرُ موسى عليه السلامُ وسائرِ الأنبياءِ عن الشفاعةِ يوم القيامة؛ لِما عَلِموه مِن عظَمةِ المَقامِ المحمودِ الذي يستدعي - مِن كمالِ مغفرةِ اللهِ للعبدِ، وكمالِ عبوديَّةِ العبدِ للهِ - ما اختَصَّ به مَن غفَرَ اللهُ له ما تقدَّم من ذنبِهِ وما تأخَّر، وهو نبيُّنا محمَّدٌ ^.
وراجِعْ: جوابَ السؤال رقم: (237).