البحث

عبارات مقترحة:

الآخر

(الآخِر) كلمة تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

الرزاق

كلمة (الرزاق) في اللغة صيغة مبالغة من الرزق على وزن (فعّال)، تدل...

مظاهر الإحسان في الحج

العربية

المؤلف أسامة بن عبدالله خياط
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الحج
عناصر الخطبة
  1. أهمية رغبة المؤمن في الخير والعمل الصالح .
  2. من صور الإحسان في الحج .
  3. شروط قبول العمل .
  4. وصايا للحجيج .
  5. محذورات ينبغي أن يبتعد عنها الحجاج .
  6. من صُور العناية بأمر الإخوة في الدين .
  7. فضائل العشر الأوائل من ذي الحجة. .

اقتباس

وإن مواقفَ الدعاء والضراعة والابتِهال والمُناجاة لله رب العالمين لتغمُرُ حاجَّ بيت الله، وتُحيطُ به، وتعرِضُ له في كل خطوةٍ من خطواته، وفي كل شوطٍ من أشواط رحلتِه، منذ أن يُبارِح بيتَه حتى يقضِيَ مناسِك حجِّه، وذلك يقتضِي منه ومن غيرِه أن يُطيِّب كسبَه، وأن يُطهِّر مالَه، وأن يُزكِّي نفقتَه. ألا وإن من الإحسان الذي يكونُ به الحجُ مبرورًا: أن يجتنِبَ الحاجُّ ما نهَى الله تعالى عنه بقوله - عزَّ من قائل -: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)..

الخطبة الأولى:

الحمد لله شرعَ فريضة الحج إلى بيته الحرام، أحمدُه - سبحانه - والحمدُ حقٌّ واجبٌ له على آلائه ومنَنِه العِظام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المُتفرِّد بالربوبية والألوهية بديعُ السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه وخيرتُه من خلقه ومُصطفاه من الأنام، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولِك محمد، وعلى آله وصحبِه الأئمة الأبرار المتقين الأعلام، صلاةً وسلامًا دائمَين ما تعاقبَت العصورُ والأزمنةُ والليالي والأيام.

أما بعد: فاتقوا الله - عباد الله -، وأنيبُوا إلى ربكم وأسلِموا له، واذكرُوا أنكم مُلاقوه، فأعِدُّوا لذلك اللقاء عُدَّته، وتزوَّدوا بخير زادٍ تقدُمون به على ربِّكم في يومٍ تشخَصُ فيه الأبصار.

عباد الله:

إن رغبةَ المؤمن في الخير، وسُمُوَّ همَّته إلى بلوغ الدرجات العُلى، والمنازل الرفيعة من رِضوان الله وكريم ثوابه، لتحمِلُه على سُلوك سبيل الإحسان الذي وعدَ الله عليه بجميل الموعود الوارِد في قوله - عزَّ اسمُه -: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [يونس: 26].

وإن في فريضة الله على عباده في الحج إلى بيته العتيق أعظمَ مِضمارٍ، وأوسعَ ميدان، يستبِقُ فيه المُستبِقون لإحراز أوفَى الحظ من ذلك الجزاء الضافي الذي أخبرَ به رسولُ الهدى - صلواتُ الله وسلامُه عليه - بقوله: "العُمرةُ إلى العُمرة كفَّارةٌ لما بينهما، والحجُّ المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة" (أخرجه الشيخان في "صحيحيهما"، وأصحاب السنن في "سننهم").

وإن الإحسان في الحج ليبلُغ بالمُحسنين مبلغًا عظيمًا؛ إذ به يكون حجُّهم مبرورًا، وهو الذي أدَّاه صاحبُه بإخلاصٍ لله ومُتابعةٍ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

فإن العمل - كما قال الفضيل بن عياضٍ - رحمه الله -: "إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يُقبل، حتى يكون خالصًا صوابًا".

والخالصُ أن يكون لله، والصوابُ ما كان على السنة.

فإخلاصُ الحاج لله في أداء هذه الفريضة يقتضي ألا يكون مقصودُه بحجِّه الفخرَ والمُباهاة والسُّمعة، أو الثناء والمدح وحمل الألقاب، فكلُّ ذلك مما يُنافِي إخلاصَ العمل وإرادةَ الله به، والله تعالى لا يقبلُ من العمل ما خالطَته إرادةُ غيره به.

كما جاء في الحديث القُدسي الذي أخرجه مسلم في "الصحيح"، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قال الله - تبارك وتعالى -: أنا أغنى الشُّركاء عن الشرك، من عملَ عملاً أشركَ فيه معي غيري تركتُه وشِركَه".

ومنه أيضًا - يا عباد الله - ألا يتغالَى الحاجُّ في لباسه أو في مركبه أو في موضع نزوله وإقامته، أو في أي شأنٍ من شؤون حجِّه، فإنه إنما خرج ابتغاءَ رِضوان الله، ورجاءَ ثوابه، ولم يخرُج فخرًا ولا رياءً ولا مُباهاةً لغيره م الحجاج.

وفي هدي نبي الله - صلى الله عليه وسلم - الأُسوةُ والقُدوة؛ ففي "سنن ابن ماجه"، و"شمائل" الترمذي - رحمهما الله -، عن أنس بن مالكٍ - رضي الله عنه -، أنه قال: حجَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - على رحلٍ رثٍّ، وقطيفةٍ خلَقَةٍ - يعني: بالية - تُساوي أربعةَ دراهم أو لا تُساوي، ثم قال: "اللهم حجّةً لا رياءَ فيها ولا سُمعة"؛ وهو حديثٌ حسنٌ بمجموع الطرق.

وأما الصوابُ فهو العملُ المشروعُ المُوافقُ لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو الاتباعُ الذي جعلَه الله سببًُا لمحبَّته - سبحانه -، وسبيلاً إلى غُفران الذنوب، فقال - عز وجل -: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران: 31].

فيجبُ على الحاجِّ لذلك أن يتحرَّى السنةَ الصحيحةَ عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في كل عملٍ يعملُه، منذ أن يُغادرَ بلدَه حتى يرجِع إليه، بأن يتَّخذ مما صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صفة الحجِّ وأعماله منارًا يهتدي به، وقبسًا يقتبِسُ منه، ومرجعًا يرجعُ إليه، ومُعتمَدًا يعتمِدُ عليه ويحتكِمُ إليه عند النزاع.

ومن الإحسان الذي يصيرُ به الحجُّ مبرورًا - يا عباد الله - أن يتوخَّى الحاجُّ الحلالَ الطيب، ويجتنِبَ الخبيثَ الحرام في نفقَته، حذرَ ألا يُقبل حجُه، ولا يُستجابَ دعاؤُه.

ففي الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه"، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله طيبٌ لا يقبلُ إلا طيبًا، وإن الله أمرَ المؤمنين بما أمرَ به المُرسَلين، فقال: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [المؤمنون: 51]، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [البقرة: 172]"، ثم ذكر "الرجل يُطيلُ السفر أشعثَ أغبَر، يمُدُّ يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمُه حرام، ومشربُه حرام، وغُذِي بالحرام، فأنَّى يُستجابُ لذلك؟!".

وإن مواقفَ الدعاء والضراعة والابتِهال والمُناجاة لله رب العالمين لتغمُرُ حاجَّ بيت الله، وتُحيطُ به، وتعرِضُ له في كل خطوةٍ من خطواته، وفي كل شوطٍ من أشواط رحلتِه، منذ أن يُبارِح بيتَه حتى يقضِيَ مناسِك حجِّه، وذلك يقتضِي منه ومن غيرِه أن يُطيِّب كسبَه، وأن يُطهِّر مالَه، وأن يُزكِّي نفقتَه.

ألا وإن من الإحسان الذي يكونُ به الحجُ مبرورًا: أن يجتنِبَ الحاجُّ ما نهَى الله تعالى عنه بقوله - عزَّ من قائل -: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة: 197].

والرَّفثُ هو غِشيانُ النساء ومُقدِّماتُه وما يتَّصلُ به. والفسوقُ شاملٌ لكل المعاصِي سواءٌ ما كان مننها بالقلب؛ كالشرك بالله والنفاق، والحقد والحسد والعُجب والغُرور، وسائر ما قبُح من الأعمال التي يكون مصدرُها القلب.

وكذا ما كان منها بالجوارِح؛ كالكذب والشتم والقذف والعُدوان، وسائر محظورات الإحرام.

والجدالُ هو المُماراةُ والمُنازعةُ والمُخاصمةُ، بطلب الغلَبَة والانتِصار للنفس، وإفحام المُجادَل وهزيمته، وإظهار عجزه وانقِطاعه، لا لأجل إظهار الحقِّ، وبيان الصواب، وهداية الضال.

وفيه إشارةٌ - يا عباد الله - إلى وجوب اجتِناب كل ما يصرِفُ الحاجَّ عن التفرُّغ لنُسُكه، والاشتِغال بطاعته، وعن إحداث ما لم يأذَن به الله، ولم يشرَعه رسولُه - صلى الله عليه وسلم -؛ من رفع الشعارات، والتنادي إلى العصبيات، وإهاجَة النَّزعات المُفرِّقة المُقصِية للحجِّ عن مقاصِده السامِية، وغاياته الحكيمة، وأهدافه الجامعة لكل خيرٍ في العاجل والآجل.

كلُّ أولئك مما يجبُ على الحاجِّ اجتِنابُه، ليعودَ من حجِّه نقيًّا من الذنوب قد محاها الله وغفرَها له، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان في "صحيحيهما" - واللفظُ للبخاري - رحمه الله -، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أنه قال: سمعتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من حجَ ها البيتَ فلم يرفُث ولم يفسُق رجعَ كيوم ولدَته أمُّه".

ومن الإحسان في الحجِّ أيضًا: أن يضرِبَ الحاجُّ بسهمٍ في أعمال الخير والبرِّ؛ بالصدقة وبذل المعروف للمُحتاج من الفقراء واليتامَى والأرامِل، ودعم المُؤسسات والمراكز والجمعيات الخيرية، لإغاثة الملهُوفين من المُسلمين الذين عصفَت بهم وبديارهم الحروبُ، ونزلَت بهم البلايا، وتكالَبَت عليهم الأعداء، وتقطَّعَت بهم السُّبُل، وضاقَت عليهم الأرضُ بما رحُبَت. فغدَوا لاجئين مُشرَّدين، ونازِحين محرُومين بائسين، لا شيءَ يقِيهم قسوةَ زمهرير الشتاء، أو يُكِنُّهم من شدَّّة حرِّ الصيف.

شأن إخواننا السوريين، والفلسطينيين، والأراكانيين الروهينجا، واليمنيين، والصوماليين، وغيرهم مما يعظُم افتِقارُهم، وتشتدُّ حاجتُهم إلى رِفد وعون ودعم كافَّة المُسلمين.

ومنهم حُجَّاج بيته الحرام، فقد وعدَ الله المُنفِق في وجوه الخير بأحسن جزاءٍ وأكرم ثواب، فقال - سبحانه -: (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) [البقرة: 272].

كما وعدَه بالإخلاف عليه لقاءَ بذله لله رجاءَ ما عنده، فقال - عز وجل -: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ: 39].

وإن النفقة في الحج والعُمرة لهي مما يُؤجر عليها صاحبُها بقدرها، كما في "الصحيحين" عن عائشة - رضي الله عنها -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها في عُمرتها: "إن لكِ من الأجر على قدر نصبِكِ أو نفقتِكِ".

وهو أيضًا من صُور العناية بأمر الإخوة في الدين، والقيام بحقوقهم، والمُساهمة في رفع كابوس المِحَن عن كواهِلهم؛ ليكون المُجتمع المُسلم جديرًا بذلك التشبيه البليغ، الذي جاء على لسان نبي الرحمة والهُدى - صلوات الله وسلامه عليه - بقوله: "مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم مثلُ الجسد، إذا اشتكَى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجسد بالسهرِ والحُمَّى"؛ أخرجه الإمام مسلم في "الصحيح" من حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنهما -.

وبقوله - عليه الصلاة والسلام -: "المؤمنُ للمُؤمن كالبُنيان يشُدُّ بعضُه بعضًا"، وشبَّك بين أصابعِه؛ أخرجه الشيخان في "صحيحيهما" من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -.

فاتَّقوا الله - عباد الله -، واتَّخذوا من الإحسان في كل دُروبه سببًا يكون به حجُّكم مبرورًا، وعملُكم صالحًا مقبُولاً.

نفعَني الله وإياكم بهديِ كتابِه وبسنَّة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -، أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولكافَّة المسلمين من كل ذنبٍ؛ إنه هو الغفورُ الرحيمُ.

الخطبة الثانية

إن الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفِرُه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفسُنا، ومن سيِّئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه.

أما بعد، فيا عباد الله: إن في ختم ربِّنا - سبحانه - النهيَ عن الرَّفث والفُسوق والجِدال في الحج بقوله: (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة: 197]، وما تضمَّنه هذا الختمُ من غاية الحثِّ على فعل الخير، فيه ما يستنهِضُ الهِمَم، ويشحَذُ العزائِم للاستِزادة من خير زادٍ، باستِباق الخيرات، والتنافُس في الباقيات الصالِحات، وتدارُك ما فرطَ وفات.

لاسيَّما وقد بلغَ الحاجُّ - بنعمة الله - هذه الديارَ المُبارَكة، والمنازلَ الشريفة، وأدركَ فيها هذه الأوقات النفيسة التي أظلَّ زمانُها، وآنَ أوانُها، ألا وهي: عشرُ ذي الحجة، التي أخبرَ رسولُ الهُدى - صلواتُ الله وسلامُه عليه - عن عظيم فضلِها، وكريم ثوابِ العامل المُجدِّ فيها بقوله - عليه الصلاة والسلام -: "ما من أيامٍ العملُ الصالحُ أحبُّ فيها إلى الله - عز وجل - من هذه الأيام" يعني: الأيام العشر. قالوا: يا رسول الله! ولا الجهادُ في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلٌ خرجَ بنفسه وماله ثم لم يرجِع من ذلك بشيءٍ"؛ أخرجه البخاري في "صحيحه"، وأبو داود والترمذي وابن ماجه في "سننهم".

وإنه لفضلٌ كبيرٌ - يا له من فضل - أفلحَ من اغتنَمه، واهتبَل فُرصتَه، واجتهَدَ في مرضاة ربِّه، وتزكيةِ نفسه، ورِفعةِ درجاته. فاتَّقوا الله - عباد الله -، وبادِروا إلى استِباق الخيرات في هذه العشر الطيبات المُباركات.

وصلُّوا وسلِّموا على المبعُوث رحمةً للعالمين؛ فقد أُمِرتُم بذلك في الكتاب المبين؛ حيث قال الله - سبحانه -: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خُلفائه الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائرِ الآلِ والصحابةِ والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوِك وكرمِك وإحسانِك يا خيرَ من تجاوزَ وعفَا.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حَوزةَ الدين، ودمِّر أعداء الدين، وسائرَ الطُّغاةِ والمُفسِدين، وألِّف بين قلوب المسلمين، ووحِّد صفوفَهم، وأصلِح قادتَهم، واجمَع كلمتَهم على الحقِّ يا رب العالمين.

اللهم انصُر دينكَ وكتابكَ، وسُنَّةَ نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وعبادكَ المؤمنين المُجاهدين الصادقين.

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحقِّ إمامَنا ووليَّ أمرنا، وهيِّئ له البِطانةَ الصالحة، ووفِّقه لما تحبُّ وترضَى يا سميعَ الدعاء، اللهم وفِّقه ونائِبَيه وإخوانَه إلى ما فيه خيرُ الإسلام والمسلمين، وإلى ما فيه صلاحُ العباد والبلاد يا مَن إليه المرجِعُ يوم المعاد.

اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شئتَ، اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شئتَ يا رب العالمين، اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شئتَ يا رب العالمين، اللهم إنا نجعلُك في نُحور أعدائِك وأعدائِنا، ونعوذُ بك من شُرورهم، اللهم إنا نجعلُك في نُحورهم، ونعوذُ بك من شُرورهم، اللهم إنا نجعلُك في نُحورهم، ونعوذُ بك من شُرورهم.

اللهم أحسِن عاقبتَنا في الأمور كلِّها، وأجِرنا من خِزي الدنيا وعذاب الآخرة.

اللهم أصلِح لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرنا، وأصلِح لنا دُنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي فيها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خيرٍ، واجعل الموتَ راحةً من كل شرٍّ.

اللهم إنا نسألُك فعلَ الخيرات، وتركَ المُنكرات، وحبَّ المساكين، وأن تغفِرَ لنا وترحمَنا، وإذا أردتَ بقومٍ فتنةً فاقبِضنا إليك غيرَ مفتُونين.

اللهم إنا نعوذُ بك من زوالِ نعمتِك، وتحوُّل عافيتِك، وفُجاءة نقمتِك، وجميع سخطِك.

اللهم اجعله حجًّا مبرورًا، وسعيًا مشكُورًا، وذنبًا مغفورًا، اللهم اجعلها حجَّةً خالصةً لك لا رياءَ فيها ولا سُمعة.

اللهم اشفِ مرضانا، وارحم موتانا، وبلِّغنا فيما يُرضِيكَ آمالَنا، واختِم بالصالِحات أعمالَنا.

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23]، (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران: 8] ، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].

وصلِّ اللهم وسلِّم على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصحبِه أجمعين، والحمدُ لله رب العالمين.