العربية
المؤلف | خالد القرعاوي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - الهدي والأضاحي والعقيقة |
كفى أيُّها المُضَيِّعونَ للصَّلواتِ فإنَّ ورائَكم غَيًّا! احذروا يا مَن تَتَعَامَلُونَ بالدِّيونِ والمُدَايناتِ وتَحتالونَ على ربٍّ يعلمُ الخَفِيَّاتِ فَأَيُّما لَحمٍ نَبَتَ مِن سُحتٍ فالنَّارُ أَولى بِهِ! تَبَصَّروا يا مَنْ غَرقتُم في مُتابَعَةِ المَقاطِعِ الشَّائِنَةِ والقَنَواتِ الهَابِطَةِ فاللهُ مُطَّلِعٌ بِحالِكم!.. يا مُسلمُ: كُلَّما أذنبتَ فَتُبْ، وكُلَّما قصَّرتَ فاستَغْفِرْ، فإنَّ لكَ رَبَّاً رَحيماَ كريماً -سبحانهُ وبِحمدِهِ-. يا مسلمونَ: أدُّوا ما افترضَ اللهُ عليكم من صلاةٍ وصيامٍ، وحجٍ وزكاةٍ، وبرِ وَصِلَةٍ لِلأَرحَامِ،...
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله منَّ علينا بمواسمِ الخيرات، لِمَغفِرَةِ الذُّنوبِ وتَكفيرِ السَّيئَاتِ، نشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَهُ لا شريكَ لهُ واسِعُ العَطايا وجزيلُ الهِبَاتِ، ونشهدُ أنَّ محمداً عبدُ الله ورسولُهُ سَبَّاقٌ إلى الخَيرَاتِ،صلَّى الله وسلَّمَ وبَارَكَ عليه وعلى آلِهِ وأَصحابِهِ والتَّابِعينَ لهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يوم الْمَمَاتِ.
أمَّا بعدُ: فاتَّقوا اللهَ يا مؤمنونَ، فمن اتَّقى اللهَ وَقَاهُ وحَفِظهُ ورَعَاهُ، وأَكرَمَ مَنزِلَهُ ومَثواهُ.
عبادَ اللهِ: المُسلِمُ بِحمدِ اللهِ يَعيشُ مُباركَاً أَينَما حَلَّ، وفي أيِّ زَمَنٍ كَانَ! وأعظمُ عَمَلٍ يُقُومُ بِهِ طَاعَةُ اللهِ -تعالى-؛ إذِ الطَّاعةُ برَكَةٌ وخَيرٌ ونَمَاءٌ: (مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) [الأنعام: 160]، و"الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ" (رواه مُسلِمٌ).
والصَّدَقَةُ تُطفِئُ الخطيئةَ، ومَنْ حجَّ فلمْ يَرفثْ ولم يَفسُقْ رَجَعَ من ذُنوبِه كَيومِ وَلَدتُهُ أمُّهُ.
اللهُ أكبرُ عبادَ الله! أيُّ فضلٍ هذا؟ وأيُّ إكرامٍ من الله -تعالى- لنا؟! فالحمدُ لله على نعمةِ الإسلامِ والإيمانِ والعملِ الصَّالِحِ!
أيُّها المُسلِمُ ألا يُمكِنُكَ أنْ تَتَمَثَّلَ حياةَ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ ولو لِعَشَرةِ أَيَّامٍ فَقط؟ بلى واللهِ كُلُّنا يستطيعُ ذلكَ بإذنِ اللهِ -تعالى- خاصَّةً ونَحنُ مُقبِلُونَ على عَشْرٍ مُبَارَكَةٍ! استمع بِقلْبِكَ إلى أَعمَالِ أبي بَكْرٍ الجليلةِ -رضي الله عنه- ! جَلَسَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- ذاتَ يومٍ فقالَ لأصحابهِ: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟"، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: "فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟"، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: "فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا"، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: "فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا" قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم- : "مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ" (روه مُسلِمٌ).
الحمدُ للهِ: يا لهُ من عَمَلٍ يَسيرٍ ووعْدٍ كريمٍ، أفلا تَستَطِيعُ أيُّها المُسلِمُ أنْ تُحافِظَ على صلاةِ الفجرِ مع جماعَةِ المُسلمينَ خاصَّةً ومساجِدُنا تَشهَدُ هذهِ الأيامَ نُدرةً في المُصلِّينَ؟ ألا تستطعُ أنَ تَصُومَ في الأيامِ المُقبِلَةِ الفَاضِلَةِ وأن تَعودَ إخوانكَ المَرضى وأنْ تَتصَدَّقَ على المَساكِين لِتَفُوزَ بجنَّةِ نَعِيمٍ! بلى واللهِ إنَّنا لَقَادِرونَ، وبإذنِ اللهِ لِفضلِهِ سَائِرونَ.
عبادَ اللهِ: لقد أقبلَ علينَا بِحمدِ اللهِ مَوسمٌ مُباركٌ! أيَّامُه أفضلُ الأيام على الإطلاق! (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) [المطففين: 26].
إنَّها عشرُ ذِي الحِجَّةِ، كَثيرَةُ الحَسَنَاتِ عَالِيةُ الدَّرجاتِ مُتنوِّعَةُ الطَّاعَاتِ، كَفَاها شَرَفَاً أنَّ اللهَ أَقسَمَ بها وقَرَنَها بِأفضَلِ الأَوقَاتِ فَقَالَ: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [الفجر: 1- 2]. وفيها أكملَ اللهُ الدِّينَ، وَأنزَلَ بِشَارِتَهُ لِلمؤمِنينَ فَقَالَ: (لْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلاَمَ دِينًا) [المائدة: 3].
ومن تَمَامِ النِّعمَةِ فيها مَنْعُ الكُفَّارِ مِن دُخُولِ الحَرَمِ، فَتَوَّحَدَت بِذلِكَ صُفوفُ المسلمينَ وأَصبَحوا جَسَداً واحداً، فيا لها مِن نِعمَةٍ أنْ تَرى أَهلَ الإيمانِ ظَاهِرِينَ مُتَّحِدِينَ، وأهلَ الكُفرِ أحزاباً مُتَفَرِّقينَ.
بل وفي أيَّامِ العشرِ دَخَلَ النَّاسُ في دِينِ الله أَفواجَاً، في أيَّامِ العَشرِ تَجتَمِعُ أُمَّهاتُ العِبادَاتِ! فهي أيامُ الكَمَالِ، فيها صَلواتٌ وَصَدَقَاتٌ، وصومُ تَطوُّعٍ، وَحَجٌّ إلى البَيتِ الحَرَامِ! فيها الذِّكرُ والتَّلبيةُ، والتَّكبيرُ والدُّعاءُ، فيها التَّقرُّبُ إلى اللهِ بذبحِ الأَضَاحِي!
وهذا شرفٌ لَها لا يَتَأَتَّى في غِيرِها، فهي أفضلُ أيامِ الدُّنيا على الإطلاقِ، كمَا وَصَفَها عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ فَقَالَ: "مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ". يَعْنِى أَيَّامَ الْعَشْرِ. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ: "وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيءٍ".
وَقَالَ -صلى الله عليه وسلم- : "مَا مِن عَمَلٍ أَزْكَى عِندَ اللهِ عزَّ وجلَّ ولا أعظمَ أجرَاً مِن خَيرٍ يُعمَلُه في عَشرِ الأَضحى".
وفي صَحِيحِ ابنِ حِبَّانَ -رَحِمَهُ اللهُ- قد دل عن جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : "مَا مِنْ أَيَّامٍ أَفْضَلُ عِندَ اللهِ مِنْ أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ" فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، هُنَّ أَفْضَلُ أَمْ عِدَّتُهُنَّ جِهَادَا فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: "هُنَّ أَفْضَلُ مِنْ عِدَّتِهِنَّ جِهَادَا فِي سَبِيلِ اللهِ". فِيها يَومُ عَرَفةَ وَكَفى وفيها يومُ النَّحر، وهو أعظمُ الأيامِ عندَ الله -تعالى-.
فاللهم أعنَّا جميعاً على ذكرك وعلى شكرك وعلى حسنِ عبادتك، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنِّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله على إحسانه، والشُّكرُ له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَهُ لا شريكَ له شهادةَ مُستيقنٍ بِها في جَنَانِه، وأشهد أنَّ سيِّدَنا ونبيِّنَا محمدًا عبدُ الله ورسولُهُ بلَّغَ الوَحيينِ سُنَّتِه وقرآنِه، صلَّى اللهُ وسلَّم وَبَارَكَ عليه، وعلى آلِهِ وأَصحَابِه وأَتبَاعِهِ.
أَمَّا بعدُ: فاتَّقُوا اللَّهَ ربَّكم، وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ، وَأَطِيعُوا ذَا أَمْرِكُمْ وَحُجُّوا بيتَ رَبِّكم، وصِلُوا أرحَامَكُم، تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ.
عبادَ اللهِ: سَمعنا بَعضَ فَضائِلِ العشرِ وَبَركاتِها، فماذا عَسانَا أنْ نَكسِبَ فِيها؟ إنِّي أحثُّ نفسي وإخواني على المُسابَقَةِ فيها لِلخيراتِ، والمُنافَسَةِ فيها على الطَّاعاتِ، عظِّموها فهي من شَعَائِرِ اللهِ واللهُ -تعالى- يَقُولُ: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج: 32].
استقبلوها بالتَّوبةِ الصَّادِقَةِ النَّصوحِ، (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور: 21]، لِتَكُن هذه العشرُ مَحطَّةً لِتَّخَلُّصِ من شَوائِبِ الإثمِ والعِصَيانِ، لِتَكُن زاداً للعملِ الصَّالِحِ والإيمانِ.
كفى أيُّها المُضَيِّعونَ للصَّلواتِ فإنَّ ورائَكم غَيًّا! احذروا يا مَن تَتَعَامَلُونَ بالدِّيونِ والمُدَايناتِ وتَحتالونَ على ربٍّ يعلمُ الخَفِيَّاتِ فَأَيُّما لَحمٍ نَبَتَ مِن سُحتٍ فالنَّارُ أَولى بِهِ! تَبَصَّروا يا مَنْ غَرقتُم في مُتابَعَةِ المَقاطِعِ الشَّائِنَةِ والقَنَواتِ الهَابِطَةِ فاللهُ مُطَّلِعٌ بِحالِكم! (سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ * لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) [الرعد: 10- 11].
يا مُسلمُ: كُلَّما أذنبتَ فَتُبْ، وكُلَّما قصَّرتَ فاستَغْفِرْ، فإنَّ لكَ رَبَّاً رَحيماَ كريماً -سبحانهُ وبِحمدِهِ-.
يا مسلمونَ: أدُّوا ما افترضَ اللهُ عليكم من صلاةٍ وصيامٍ، وحجٍ وزكاةٍ، وبرِ وَصِلَةٍ لِلأَرحَامِ، وفي الحديث القُدسيِّ: "وما تقرَّبَ إليَّ عبدي بشيءٍ أحبُّ إلي مما افترضتُه عليه". أكثروا في أيامِ العشرِ من النَّوافلِ فقد بشَّرنا -صلى الله عليه وسلم- أنَّ اللهَ يقولُ: "وما يَزَالُ عَبدِي يَتَقَرَّبُ إليَّ بالنَّوافِلِ حتى أُحبَّهُ".
أكثروا فيها من التَّسبيحِ والتَّهليلِ والتَّكبِيرِ والتَّحميدِ وقراءةِ القرآنِ والاستِغفَارِ، فهذهِ وَصِيَّةُ رَسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- لكم القَائِلِ: "فَأكثِرُوا فِيهنَّ من والتَّهليلِ والتَّكبِيرِ والتَّسبيحِ". ولاحِظُوا قولَهُ "فَأَكثِرُوا"فأنتَ مُطالَبٌ بأنْ تَكونَ بِأيَّامِ العشرِ أكثَرُ ذِكْراً للهِ -تعالى-: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) [البقرة: 152]. قولوا: الله أكبرُ الله أكبرُ لا إله إلا اللهُ، والله أكبر الله أكبر ولله الحمدُ، أَحيُوهَا في بُيُوتِكُم، ومساجدِكم، وطرُقاتِكم، وَمَكانِ عَملِكم.
يا مُؤمنونَ: يُسنُّ في أيامِ العشرِ الإكثارُ من الصِّيامِ، فقد كَانَ -صلى الله عليه وسلم- : يَصُومُ تِسْعًا مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَثَلاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ. قال الإمامُ النوويُّ -رحمه الله-: "صِيامُها مُستَحَبٌّ استحبَابَاً شًديدِاً"ولقد كَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ رحمهُ اللهُ إِذَا دَخَلَت أَيَّامُ الْعَشْرِ اجْتَهَدَ اجْتِهَادَاً شَدِيدَاً حَتَّى مَا يَكَادُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ! وذَالِكَ لَعَظِيمِ مَنْزِلَتِهَا عِندَ اللهِ -سُبحانَهُ-، فَهُوَ يَخلُقُ مَا يَشَاءُ وَيخَتَارُ، وَيُفَضِّلُ مِنْ الأَيَّامِ وَالأعْمَالِ مَا يَشَاءُ وَيخَتَارُ.
عبادَ اللهِ: ومن أفضلِ أعمالِ العشرِ التَّقرُّبُ إلى اللهِ -تعالى- بذبحِ الأضاحي، وقَد أَرْشَدَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- : من أرادَ أنْ يُضحيَ أنَّهُ لا يَأخذُ مِن شَعرِهِ ولا بَشَرَتِهِ شَيئَاً إِذا دَخلَتِ العَشرُ. وبَعضُ إخوانِنا صار يُكثرُ من السُّؤالِ هل الأخذُ من الشَّعرِ والأَظَافِرِ مُحرَّمٌ أو هو مُجَرَّدُ سنَّةٍ فقط؟ وهل مَنْ خالَفَ وأخَذَ يَنقُصُ مِن أجر أُضحِيَتِهِ أم لا؟
فيا أخي المُؤمِنُ: الوَاجبُ عليكَ أنْ تُعظِّمَ أَمْرَ اللهِ وأمرَ رَسُولِهِ في نَفْسِكَ واعتِقادِكَ وعَمَلِكَ، وأنْ تَقولَ: سَمِعنَا وَأَطَعْنَا آمَنَّا بهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا فذَلِكَ مِنْ تَعظِيمِ شَعَائِرِ اللَّهِ -تعالى-.
وقد تَسمَعُ مَنْ يُهَّوِّنُ من شأنِ الأخذِ من الشَّعرِ والأظافِرِ! فأنتَ مُطالَبٌ أن تَصدُرَ عمَّن تَثِقُ بِعلِمِهِ ودِينِهِ؛ قالَ الشَّيخُ ابنُ العُثَيمِينَ -رحمهُ اللهُ-: "في الحديث نَهيٌ عن أخذِ شيءٍ من الشَّعرِ أو الظُّفُرِ أو البَشَرَةِ ممن أرادَ أنْ يُضحي حتى يُضَحِيَ، وقد اختلف العلماءُ هل هذا النَّهيُ للكراهةِ أو للتَّحريمِ؟ والأصحُ أنَّه للتَّحريم؛ لأنَّهُ الأصلُ في النَّهي ولا دليلَ يَصرِفُهُ عنه، وَمَنْ أَخَذَ بدونِ عذرٍ فقد خَالَفَ أمرَ النَّبَيِّ -صلى الله عليه وسلم- بالإمساكِ، ووقعَ فيما نُهيَ عنه من الأخذِ، فعليه أنْ يستغفرَ اللهَ ويتوبَ إليه ولا يعودَ". انتهى كلامُهُ.
أيُّها الكرامُ: ولا علاقَةَ بينَ صِحَّةِ الأضحيةِ وأجرِها وبينَ الأخذِ من الشَّعر أو الظُّفُرِ من عَدَمِهِ، فالمَنعُ من الأخذِ من الشَّعر أو الظُّفُرِ لِمن أرادَ أنْ يُضحيَّ مَسألَةٌ تعبُدِيَّةٌ! فعلى المُسلِمِ السَّمعُ والطَّاعَةُ، فَمِنَ الخَطأِ أنْ تَسعى لِلتَّقَرُّبِ إلى اللهِ بِشيءٍ على حِسَابِ فِعلِ مَحظُورٍ آخَرَ!
فاتَّقُوا اللهَ رَبَّكم، واستَعِدُّوا لِعَشرِكُم، بِما تَجِدُهُ ذُخرَاً لَكُم؛ فَإنَّ مَشَقَّةَ العَملِ الصَّالِحِ تَزُولُ وَيبقى الأَجرُ، ولَذَّةَ المَعاصي تَزولُ وَيبقَى الوِزْرُ.
أَيُّها المُسلِمُونَ: ومِمَّا يُلاحَظُ فِي هَذَا الزَّمَنِ عِنَايَةُ كَثِيرِ مِنْ إخوَانِنَا بِعَشْرِ رَمَضَانَ الأَخِيرَةِ بِاعتِكافٍ وقُرآنٍ وَهذَا عَمَلٌ طَيِّبٌ، وَسَعْيٌ مَشْكُورٌ، وَلَكِنَّ كَثيراَ مِنَّا مَنْ يَغْفُلُونَ عن عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ رَغْمَ أنَّ العَمَلَ فِيها أَفْضَلُ وأزْكى!
وَإِنَّ مِنْ الخُسْرَانِ أَنْ تُقضَى بِرَحَلاتٍ وَأَسْفَارٍ تَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللهِ -تعالى-؟! فَقَدْ بَاتَ بَعضُ النَّاسِ يَسْتَغِلُّ كُلَّ إِجَازَةٍ لِسَفَرِ نُزْهَةٍ وَتَرْفِيهٍ فَتَمْضِي الأيَّامُ المًبَارَكَةُ بِمَا لا نَفْعَ فِيِهِ هذا إنْ سَلِمَ صَاحِبُهُ مِن الإثمِ والإسرَافِ والمَنَاظِرِ المُحَرَّمَةِ! التي لا يَسْتَطِيعُونَ إِنْكَارَهَا، ولا يُفَارِقُونَها فَيَتَحَمَّلُونَ آثَامَ سُكُوتِهم عَنْها، فَيوقِعُونَ أَنْفُسَهم وأَولادَهُم فِيمَا حَرَّمَ اللهُ عَلَيهم وَهُم فِي غِنَىً عَنْ ذَلِكَ.
فاللهم آت نفوسنا تقواها وزكِّها أنت خيرُ من زكاها، أنت وليها ومولاها. اللهم ألهمنا رشدنا وقنا شرَّ الشيطان وشرَّ أنفسِنا، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. اللهم إنا نسألك البرَّ والتقوى ومن العمل ما ترضى.
اللهم اجعلنا ممن يستمعُ القولَ فيتبعُ أحسنَه، اللهم سهِّل على الحُجَّاجِ حَجَّهم، وَيَسِّر لهم أمورَهم، وَوَفِّقْ وُلاتَنا لِما تُحبُّ وترضى، وأعنهم على البر والعدلِ والتقوى. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
عباد الله: اذكروا الله الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.