المتين
كلمة (المتين) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل على وزن (فعيل) وهو...
العربية
المؤلف | حسان أحمد العماري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - صلاة العيدين |
عاش محمد -صلى الله عليه وسلم- سعيدًا بشوشًا وهو ينام على الحصير، ويأكل الخبز والشعير، ويركب البغل والبعير، ويواجه مشاكل الدنيا ومكر الأعداء، ومع ذلك كان مبتسماً بشوشاً متفائلاً، يصنع من المحنة منحة، ومن الحزن سعادة، ومن اليأس والقنوط الأمل والتفاؤل والفرح والسرور.. بل لم تنطفئ هذه الابتسامة عن محياه الشريف، وثغره الطاهر حتى في آخر لحظات حياته، وهو يودع الدنيا -صلى الله عليه وسلم-..
الخطبة الأولى:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.. الله أكبر عدد ما ذكره الحاجون وبكوا، والله أكبر عدد ما طافوا بالبيت الحرام وسعوا، الله أكبر عدد ما زهرت النجوم، وتلاحمت الغيوم، الله أكبر عدد ما أمطرت السماء، وعدد ما غسق واقب أو لاح ضياء.
الله أكبر عدد خلقه، وزنة عرشه، ومداد كلماته.. له الحمد لله كان بعباده خبيراً بصيراً, وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً..
والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً, بلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين, هدى الله به البشرية, وأنار به أفكار الإنسانية، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أمَّا بَعـد:
عبــاد الله: لقد شرع الإسلام الأعياد والمناسبات ومنها عيد الأضحى الذي يحل اليوم على أمة الإسلام ليفرح الناس، وتسعد المجتمعات، وجعله نقطة انطلاق لإصلاح العلاقات بينهم بالتسامح والتصافح والعفو ولين الجانب، والتزاور وصلة الأرحام، وهو فرصة للتبسم وطلاقة الوجه، رغم أن هذه الدنيا لا تنتهي مشاكلها ولا تتوقف ابتلاءاتها ومع ذلك يأمرنا الإسلام أن نفرح وندخل السرور على من حولنا..
فالحياة لا تحتاج منا إلى اليأس والحزن والقنوط مهما كانت مشاكلها وفتنها، ولكنها تحتاج إلى العمل والصبر والبذل، والتفاؤل وراحة النفس، وطمأنينة القلب، وانشراح الصدر، فقد عاش محمد -صلى الله عليه وسلم- سعيدًا بشوشًا وهو ينام على الحصير، ويأكل الخبز والشعير، ويركب البغل والبعير، ويواجه مشاكل الدنيا ومكر الأعداء، ومع ذلك كان مبتسماً بشوشاً متفائلاً، يصنع من المحنة منحة، ومن الحزن سعادة، ومن اليأس والقنوط الأمل والتفاؤل والفرح والسرور..
بل لم تنطفئ هذه الابتسامة عن محياه الشريف، وثغره الطاهر حتى في آخر لحظات حياته، وهو يودع الدنيا -صلى الله عليه وسلم- يقول أنس كما في الصحيحين: "بَيْنَمَا المُسْلِمُونَ في صَلاَةِ الفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الاثْنَيْنِ وأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِهِمْ لَمْ يَفْجَأْهُمْ إلَّا رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- قَدْ كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلَاةِ، فَتَبَسَّمَ يَضْحَكُ -صلوات ربي وسلامه عليه-".
لذلك ابتسموا وافرحوا للحياة ولمن حولكم رغم ما يحدث في أمة الإسلام وبين أبنائها من مآسٍ وصراعات وحروب وسفك للدماء.. رغم ما قد يعانيه الفرد من فقر أو مرض أو ضيق، فهذه سنة الله يبتلي العباد حتى يعودوا إليه ويستقيموا على طاعته..
ابتسموا واصنعوا السعادة لأنفسكم ولمن حولكم، واكسبوا الأجر والثواب من عبادة لا تكلفكم شيئاً قال -صلى الله عليه وسلم-: "تَبَسُّمُكَ في وجْهِ أخِيك لكَ صدَقةٌ، وأمرُك بالمعروفِ، ونهيُك عن المنكرِ صدقةٌ، وإِرْشادُك الرجلَ في أرضِ الضَّلالِ لكَ صدَقةٌ، وإماطَتُك الحجرَ والشَّوْكَ والعظْمَ عن الطَّريقِ لكَ صدَقةٌ، وإِفراغُك من دَلْوِك في دَلْوِ أخِيكَ لكَ صدَقةٌ" (صحيح الجامع: 2908)...
فما أكثر ما فرطنا في هذه العبادة وما أكثر ما بخلنا في هذه الصدقة فهي السحر الحلال وهي إعلان الإخاء وعربون الصفاء ورسالة الود وخطاب المحبة تقع على صخرة الحقد فتذيبها، وتسقط على ركام العداوة فتزيلها، وتقطع حبل البغضاء، وتطرد وساوس الشحناء، وتغسل أدران الضغينة، و تمسح جراح القطيعة... فكيف ونحن في يوم عيد ونحتاج فيه إلى أن ندخل الفرح والسرور إلى بيوتنا ومجتمعاتنا وأوطاننا بعمل صالح وأخوة وتآلف وتراحم فيما بيننا، وعفو وتسامح وتعاون وخضوع للحق ورجوع عن الخطأ، وتفاؤل بالمستقبل؛ فما بعد العسر إلا يسرا، وما بعد الشدة إلا فرجا، وما بعد الضيق إلا سعة ومخرجاً، وإن بعد الليل فجرًا ساطعًا، ولربما تحولت المحن والشدائد إلى منح وعطايا يتفضل بها الله على عباده..
أيها المسلمون/ عبـاد الله: ما أحوجنا إلى تبسم الأخ في وجه أخيه، والجار في وجه جاره في العيد وفي غيره؛ في زمن طغت فيه المادة، وقلت فيه الألفة، وكثرت فيه الصراعات، وما أحوجنا إلى تبسم الرجل في وجه زوجته، والزوجة في وجه زوجها في زمن كثرة فيه المشاكل الاجتماعية، فلا ترى إلا عبوس الوجه وتقطيب الجبين، وكأنك في حلبة صراع من أجل البقاء.
وما أحوجنا إلى تلك الابتسامة من مدير في وجه موظفيه فيكسب قلوبهم، ويرفع من عزائهم بعيداً عن العنجهية والتسلط والكبرياء... وما أحوجنا إلى الابتسامة الصادقة من ذلك الحاكم والمسئول في وجه من يقوم برعايتهم وخدمتهم من غير ما خداع أو كذب أو تزوير، أو وعيد أو تهديد فتحبه قلوبهم وتلهج بالثناء الحسن والدعاء له ألسنتهم...
وما أحوجنا إلى الابتسامة من ذلك التاجر فيكسب القلوب، وتحل عليه البركة، ويكثر رزقه وتدركه رحمة ربه، فقد روى البخاري دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بالرحمة حيث قال: "رحم الله عبدًا سمحًا إذا باع، سمحًا إذا اشترى، سمحًا إذا قضى، سمحًا إذا اقتضى"..
وفي رواية بشّره بالمغفرة؛ حيث يقول -صلى الله عليه وسلم- :"غفر الله لرجل ممن كان قبلكم كان سهلاً إذا باع سهلاً إذا اشترى سهلاً إذا اقتضى" (صحيح الجامع 4162) ...
إن اللين والتسامح، وطيب النفس، وطلاقة الوجه، أشياء وصف الله –سبحانه- بها رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وجعلها سبباً لجمع القلوب وحبها له قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران: 159].
ابتسموا وأدخلوا الفرح والسرور على مَن حولكم بمعروف تقدموه بين يدي الله، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أفضل العمل: إدخال السرور على المؤمن؛ تقضي عنه ديناً، تقضي له حاجة تنفّس له كربة" (صحيح الجامع: 5773)..
ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" (البخاري في الأدب: 6011).
والرحمة لا تُنزَع إلا من شقي، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تُنزع الرحمة إلا من شقيّ" (الترمذي وقال: حديث حسن) ..
فكونوا من الرحماء الذين تشملهم رحمة الله، ومارسوا هذا الخُلق في واقع الحياة مع من حولكم مع الإنسان والحيوان والطير.. وانبذوا العنف والقسوة والشدة والغلظة ولينوا قلوبكم بذكر الله ومراقبته، وبالمحافظة على العبادات، واعلموا أنكم غدا بين يدي الله موقوفون وعلى أعمالكم محاسَبون.. وحافظوا على أخوتكم ومجتمعاتكم وأوطانكم واجعلوا بأسكم على عدو الله وعدوكم.. اللهم اهدنا بهداك ولا تولنا أحداً سواك..
قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطـبة الثانية:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة، وأصيلاً.
أيها المسلمون: عباد الله: ليقم كل من ضحى إلى ،أضحيته فله عند الله أجر عظيم، وأطعموا منها البائس والفقير والمحروم، وتفقدوا أحوال الضعفاء والأيتام والمساكين، وأدخلوا عليهم البهجة والفرح والسرور، ومن لم يضحّ لضيق العيش والحاجة فلا يبتئس ولا يحزن؛ فقد ضحى عنه وعن غيره من المسلمين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أربعة عشر قرناً من الزمان..
واذكروا الله كما هداكم، واشكروه على ما أعطاكم؛ وجددوا إيمانكم وحسنوا أخلاقكم، واحفظوا دماءكم واجتنبوا الفتن تفوزوا برضا ربكم وصلوا أرحامكم تحل البركة في أعماركم وأموالكم..
فهنيئاً لكم بالعيد أيها المسلمون، وأدام الله عليكم أيام الفرح، وسقاكم سلسبيل الحب والإخاء. ولا أراكم في يوم عيدكم مكروهاً وجعل سائر أيامكم عبادة وطاعة لله وعمل وفرح وسرور وكشف الله الغمة عن هذه الأمة، وثقوا بالله وأحسنوا الظن به سبحانه فبيده كل شيء وهو أرحم بنا من أنفسنا...
ألا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، اللهم صلّ على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم اجمع شمل المسلمين، ولُمّ شعثهم، وألف بين قلوبهم واحقن دمائهم..
اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن واجعل بلدنا هذا آمناً وسائر بلاد المسلمين.. اللهم تقبل من حجاج بيتك أعمالهم وردهم إلى بلادهم سالمين غانمين، واغفر لنا ولهم أجمعين.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.