المتعالي
كلمة المتعالي في اللغة اسم فاعل من الفعل (تعالى)، واسم الله...
العربية
المؤلف | باحثو مركز أصول |
القسم | موسوعة الشبهات المصنفة |
النوع | صورة |
اللغة | العربية |
المفردات | علم أصول الفقه |
مضمونُ السؤال:
يَقصِدُ كثيرٌ مِن الناسِ مِن الاستدلالِ بهذه الكلمة:
معارَضةَ الإجماعِ في مسألةٍ معيَّنة، أو إنكارَ الإجماعِ بالجملة.
مختصَرُ الإجابة:
الإجماعُ حُجَّةٌ شرعيَّةٌ، دلَّت عليه أدلَّةٌ كثيرةٌ مِن الكتابِ والسنَّة، ثم إن الأئمَّةَ يقولون بحجِّيَّتِه، ومنهم الإمامُ أحمدُ، بل جاء عنه التصريحُ بعدمِ جوازِ الخروجِ عن أقوالِ السلفِ إذا اختلَفوا، وأن ذلك مِن أقوالِ أهلِ البِدَع.
وأما الروايةُ عن الإمامِ أحمدَ أن: «مَنِ ادَّعى الإجماعَ، فقد كذَبَ»، والتي يحتجُّ بها منكِرو الإجماعِ -: فلها تفاسيرُ صحيحةٌ لا تعارِضُ سائرَ ما جاء عنه مِن رواياتٍ في قولِهِ بحجِّيَّةِ الإجماع؛ فهويَقصِدُ نفيَ نوعٍ معيَّنٍ مِن الإجماعِ؛ كالإجماعِ الذي يَحْكيهِ مَن ليس له معرفةٌ بالخلافِ؛ كبِشْرٍ المَرِيسيِّ، والأصَمِّ، مِن فقهاءِ الجهميَّةِ والمعتزِلة، أو الإجماعِ غيرِ الصحيحِ لردِّ السنَّة، أو إجماعِ غيرِ الصحابة، أو الإجماعِ العامِّ النُّطْقيِّ في مواضعَ لا يصحُّ إطلاقُهُ فيها، أو الإجماعِ الذي انفرَدَ ناقلُهُ بالاطِّلاعِ عليه؛ كما يُعرَفُ مِن سياقِ كلامِه، وتتبُّعِ أقوالِه.
الجوابُ التفصيلي:
حقيقةُ هذه الشبهةِ: الطعنُ في أصلِ الإجماعِ بفهمٍ غيرِ صحيحٍ لكلمةٍ ورَدتْ عن الإمامِ أحمدَ، والجوابُ عنها يحتاجُ إلى كشفِ الالتباسِ عن موقفِ الإمامِ أحمدَ مِن حجِّيَّةِ الإجماع، وتجليةِ الفهمِ الصحيحِ لتلك الكلمة.
ويتبيَّنُ ذلك مِن وجوه:
1- الرواياتُ ثابتةٌ عن الإمامِ أحمدَ في احتجاجِهِ بالإجماع:
فمنها: رواياتٌ عنه في التصريحِ بحجِّيَّةِ الإجماع، وعدمِ جوازِ الخروجِ عن أقوالِ السلفِ إذا اختلَفوا.
وهناك: رواياتٌ ثابتةٌ عنه في حكايةِ الإجماعِ في مسائلَ معيَّنةٍ؛ كحكايتِهِ الإجماعَ على تحريمِ بيعِ الدَّيْنِ بالدَّيْن، والإجماعَ على أن الإنصاتَ المأمورَ به في قولِهِ تعالى:
﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾
[الأعراف: 204]
إنما هو في الصلاة.
فتَرْكُ هذه الكلماتِ عن الإمامِ أحمدَ، والأخذُ بكلمةٍ واحدةٍ، وهي قولُهُ: «مَنِ ادَّعى الإجماعَ، فقد كذَبَ» - مع كونِها في نفسِ الموضوعِ - يعبِّرُ عن انتقائيَّةٍ، وعدمِ موضوعيَّة، أو عن جهلٍ مبنيٍّ على قلَّةِ اطِّلاع، أو كسَلٍ وانعدامِ رغبةٍ في البحث؛ فكيف إذا كانت تلك الكلمةُ المحتجُّ بها، قد احتُجَّ بها بفهمٍ غيرِ صحيحٍ؟!
2- الروايةُ عن الإمامِ أحمدَ التي يحتجُّ بها منكِرو الإجماعِ، لها مَحامِلُ ظاهرةٌ، لا تدُلُّ على مطلوبِهم:
فلا تُعارَضُ أدلَّةُ حجِّيَّةِ الإجماعِ القطعيَّةُ باحتمالٍ غيرِ صحيحٍ، أو مرجوحٍ لعبارةِ الإمامِ أحمدَ، وهو أنه أراد إنكارَ حجِّيَّةِ الإجماعِ بإطلاق.
وسنذكُرُ هنا الاحتمالاتِ الظاهرةَ التي ذكَرها أهلُ العلمِ في معنى كلامِ الإمامِ أحمدَ، وتوجيهَهُ بما لا يعارِضُ حجِّيَّةَ الإجماعِ الثابتةَ عن الإمامِ أحمدَ أيضًا:
1) حملُ كلامِهِ: على نفيِ الإجماعِ الذي يَحْكيهِ مَن ليس له معرفةٌ بالخلاف:
وذلك مثلُ بِشْرٍ المَرِيسيِّ، وعبدِ الرحمنِ بنِ كَيْسانَ الأصَمِّ؛ مِن فقهاءِ الجهميَّةِ والمعتزِلة، ممَّن لا يُحيطون بمقالاتِ الفقهاء.
ويدُلُّ على صحَّةِ هذا الحملِ لعبارةِ الإمامِ أحمدَ: تمامُ كلامِه؛ إذ يقولُ في روايةِ ابنِهِ عبدِ الله: «مَنِ ادَّعى الإجماعَ، فهو كاذبٌ؛ لعلَّ الناسَ قد اختلَفوا؛ هذه دعوى بِشْرٍ المَرِيسيِّ والأصَمّ». «العُدَّةُ في أصولِ الفقه» (4/1059).
2) حملُ كلامِهِ: على مَن يحتجُّ بإجماعٍ غيرِ صحيحٍ لردِّ السنَّة:
فإن الإمامَ أحمدَ وأئمَّةَ الحديثِ ابتُلوا بمَن كان يرُدُّ عليهم السنَّةَ الصحيحةَ بإجماعِ الناسِ على خلافِها؛ فبيَّن الإمامُ أحمدُ أن هذه الدعوى كذبٌ، وأنه لا يجوزُ ردُّ السُّنَنِ بمثلِ هذه الدعوى؛ كما يقولُ ابنُ القيِّم في «إعلامِ الموقِّعين» (2/ 53-54).
كما وقَعَ في عصرِهِ مَن يَعرِفُ قولَ أهلِ بلدٍ معيَّنٍ؛ كالكوفةِ، أو المدينةِ، أو غيرِهما، ويدَّعي الإجماعَ لقولِهم، حتى لو عارَضَ السنَّةَ التي عَمِلَ بها غيرُهم.
وقد تصدُرُ حكايةُ الإجماعِ مِن بعضِ الفقهاءِ في معارَضةِ نصٍّ مِن الكتابِ والسنَّة؛ كما وقَعَ مِن أبي ثَوْرٍ رحمه الله، فكان ردُّ الإمامِ أحمدَ بهذه الكلمة.
3) حملُ كلامِهِ: على إجماعِ غيرِ الصحابة:
وقد صرَّح الإمامُ أحمدُ: بأن الخروجَ عن أقوالِ الصحابةِ إذا اختلَفوا: مِن أقوالِ أهلِ البِدَع؛ كما في روايةِ عبدِ اللهِ وأبي الحارث. «العُدَّة» لأبي يَعْلى (4/1059)، بينما لا يكادُ يُوجَدُ في كلامِهِ احتجاجٌ بإجماعِ مَن بعدَ التابِعين، أو بعدَ القرونِ الثلاثة.
4) حملُ كلامِهِ: على دعوى الإجماعِ العامِّ النُّطْقيّ:
فهذا النوعُ مِن الإجماعِ بعيدٌ تحقُّقُهُ، مع تفرُّقِ الناسِ وانتشارِهم؛ حيثُ يبعُدُ تصوُّرُ النطقِ مِن الجميعِ بالحكمِ المجمَعِ عليه، والاطِّلاعِ على ذلك، بخلافِ نحوِ الإجماعِ السكوتيِّ، فهو واقعٌ وكثير؛ وعلى هذا: لا يكونُ الإمامُ أحمدُ قد نفى الإجماعَ بإطلاق، وإنما نفى نوعًا منه.
5) حملُ كلامِهِ: على الورَع: ويدُلُّ عليه روايةُ أبي طالبٍ: «ما أَعلَمَهُ أن الناسَ مجمِعون؟! ولكنْ يقولُ: لا أَعلَمُ فيه اختلافًا، فهو أحسَنُ مِن قولِهِ: إجماعُ الناس». «العُدَّةُ فيأصولِ الفقه» (4/1060).
وقد كان الإمامُ أحمدُ يتورَّعُ في إطلاقِ بعضِ الألفاظ؛ كما توقَّف في إطلاقِ لفظِ «الحرامِ» على ما اختُلِفَ فيه، وتعارَضتْ أدلَّتُهُ مِن نصوصِ الكتابِ أو السنَّة؛ فقال في مُتْعةِ النساءِ: «لا أقولُ: «هي حرامٌ»، ولكنْ: «يُنْهى عنه»، ولم يتوقَّفْ في معنى «التحريمِ»، ولكنْ في إطلاقِ لفظِه؛ لاختلافِ النصوصِ والصحابةِ فيها.
6) حملُ كلامِهِ: على انفرادِ اطِّلاعِ ناقلِه: فإن الإجماعَ أمرٌ عظيمٌ، يبعُدُ كلَّ البُعْدِ أن يَخْفى على الكثيرِ، ويطَّلِعَ عليه الواحد.