البحث

عبارات مقترحة:

الأعلى

كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...

الحق

كلمة (الحَقِّ) في اللغة تعني: الشيءَ الموجود حقيقةً.و(الحَقُّ)...

الظاهر

هو اسمُ فاعل من (الظهور)، وهو اسمٌ ذاتي من أسماء الربِّ تبارك...

الدولة الصفوية (6) العصبية للدم الفارسي

العربية

المؤلف إبراهيم بن محمد الحقيل
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الأديان والفرق
عناصر الخطبة
  1. تحريم العصبية لغير الله .
  2. محاربة المنافقين للإسلام بإفساد أخوة الدين .
  3. احتقار الأدب الفارسي للعرب وشتمهم .
  4. تقدير الفرس للأديان كلها إلا الإسلام .
  5. خطر المد الباطني في العالم الإسلامي ووسائل مكافحته .

اقتباس

وعصبيتهم لعرقهم لا تتأثر بأي تحول فكري عندهم؛ فهم في علمانيتهم متعصبون لعرقهم، وفي طائفيتهم أشد تعصباً له، ولا أدل على ذلك من تعظيمهم لكسرى -وهو من عبدة النار- وهم يزعمون أنهم مسلمون، ولا يوجد في تراثهم أي نص في ذم كسرى أو تكفيره رغم كثرة نصوصهم في تكفير السنة واحتقار العرب. ويمتدحون أبا لؤلؤة المجوسي، وقد بنو له ضريحاً يعظمونه ..

 

 

الحمد لله ربِّ كل شيء ومليكه؛ خلق الخلق فأحصاهم عدداً، وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً، نحمده على ما أعطانا وأولانا، ونشكره على ما هدانا وكفانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ أنزل علينا أعظم كتبه، وأرسل إلينا أفضل رسله، وهدانا لمعالم دينه، وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس؛ فله الحمد لا نحصي ثناء عليه كما أثنى هو على نفسه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يوم الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ من يَنْشَقُّ عنه الْقَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، رضي عنهم ربهم سبحانه في كتاب يتلى إلى يوم الدين، وإن رغمت أنوف الكافرين والمنافقين، وعلى التابعين لهم بإحسان.

أما بعد:

فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وأقيموا له دينكم، وأسلموا له وجوهكم؛ فإنه لا فلاح للعبد إلا في دين الله تعالى (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة:112].

أيها الناس: أرسل الله تعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الناس كلهم عربهم وعجمهم هادياً ومعلماً.. بشيراً ونذيراً؛ فمن أطاعه سعد ورشد، ومن عصاه خسر وغوى..

جمع الله تعالى به القلوب بعد شتاتها، وأزال منها إحنها وأحقادها؛ فاجتمع الناس به على كلمة الحق، وتحولت عصبيتهم من أجناسهم وقبائلهم إلى العصبية لله تعالى؛ ففيه يحبون ويبغضون، وفيه يوالون ويعادون (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال:63].

وكانت تقوى الله تعالى هي ميزان القرب أو البعد (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقَاكُمْ) [الحجرات:13].

ومن أشد المحرمات في الإسلام العصبية لغير الله تعالى، والأحاديث في ذلك كثيرة: "مَنْ دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ من جُثَاءِ جَهَنَّمَ" "ما بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ ... دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ" "إِنَّ الله عز وجل قد أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ من تُرَابٍ" "أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ" وغيرها من الأحاديث العظيمة التي ترسخ الولاء لله تعالى ولدينه، وتمنع كل عصبية تزاحمها.

وعلى هذا المنهج الرباني العظيم في العلاقات البشرية بُني الإسلام؛ فكان بلال الحبشي، وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي خيراً عند المسلم من سادة قريش، وقادة العرب الذين ماتوا على الشرك.

وتحت هذا العدل الرباني تهاوت عروش الظلم والاستكبار الروماني والفارسي، ودخلت أجناس البشر في دين الله تعالى أفواجاً؛ فكان المسلمون من غير العرب أكثر من كل العرب إلى يومنا هذا، وكان علماء الإسلام، وقادة الفتوح من العجم أضعاف من كانوا من العرب؛ إذ صار العرب قلة بالنسبة للأمم الأخرى التي تفيأت عدل الإسلام، وذاقت حلاوة الإيمان، ويكفي لمعرفة ذلك مطالعة كتب التاريخ والتراجم.

وقد استغل المنافقون -قديماً وحديثاً- هذه الخاصية في الإسلام للنفاذ فيه، وإفساده من داخله، وكما كان في العجم رجال صالحون أعز الله تعالى بهم الدين، ونفع بهم الأمة؛ كان فيهم -أيضاً- أقليات خبيثة حاقدة، تظاهرت بالإسلام؛ للصد عنه، ودخلت في المسلمين؛ لتفرقتهم، ومن أخبث من فعل ذلك بالمسلمين طوائف من اليهود والفرس، تظاهروا بالإسلام، حتى إذا تمكنوا أحدثوا فيه البدع، وأسسوا الفرق الباطنية التي كانت -ولا زالت- تهدم في الإسلام ولا تبني، وتصد عن دين الله تعالى، وتعين الكفار على المسلمين. وما زادهم إظهارهم للإسلام إلا ضِغْثَاً على إِبَالة؛ إذ كانوا قبل الإسلام يفاخرون بعرقهم، ويتعصبون لجنسهم، وزادوا في الإسلام التعصب لأئمتهم، والقول بعصمتهم.

يقول العلامة ابن حزم الأندلسي: "والأصل في أكثر خروج هذه الطوائف عن ديانة الإسلام أن الفرس كانوا من سعة الملك وعلو اليد على جميع الأمم .. حتى أنهم كانوا يسمون أنفسهم الأحرار والأبناء، وكانوا يعدون سائر الناس عبيداً لهم، فلما امتحنوا بزوال الدولة عنهم على أيدي العرب، وكانت العربُ أقلَّ الأمم عند الفرس خطراً تعاظمهم الأمر، وتضاعفت لديهم المصيبة، وراموا كيد الإسلام بالمحاربة في أوقات شتى؛ ففي كل ذلك يظهر الله سبحانه وتعالى الحق " انتهى كلام ابن حزم.

ونسأل الله تعالى أن يجزل مثوبته؛ إذ يقول هذا الكلام وهو فارسي الأصل؛ تجرداً للحق، وولاء للإسلام ولو على حساب عرقه وبني جنسه.

والأدب الفارسي -شعراً ونثراً، قبل الإسلام وبعده- ينضح باحتقار العرب وشتمهم، ويتشرب ذلك ناشئتهم؛ فهل يعز على الفارسي المتعصب أن يترك مجوسيته؛ ليتبع النبي الأمي العربي إلا كرهاً وتقية؟! ومع ذلك فإن جموعاً من الفرس داست عصبيتها، ودانت بالإسلام؛ قناعة به وإخلاصاً لله عز وجل، وهم الأكثر -بحمد الله تعالى- في تاريخ المسلمين.

وأكبر ملحمة شعرية في الأدب الفارسي هي ملحمة (الشاهنامة) كتبها في القرن الرابع الهجري أبو قاسم الفردوسي في ستين ألف بيت، والفردوسي من قادة الحركة الشعوبية القائلة بتفضيل الفرس وذم العرب، والعجيب أنه مسلم لكن عصبيته غلبت دينه حين امتدح كسرى بقتله الصحابي الجليل عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه، وذم فيها العرب ذماً مقذعاً.

وعصبيتهم لعرقهم لا تتأثر بأي تحول فكري عندهم؛ فهم في علمانيتهم متعصبون لعرقهم، وفي طائفيتهم أشد تعصباً له، ولا أدل على ذلك من تعظيمهم لكسرى -وهو من عبدة النار- وهم يزعمون أنهم مسلمون، ولا يوجد في تراثهم أي نص في ذم كسرى أو تكفيره رغم كثرة نصوصهم في تكفير السنة واحتقار العرب. ويمتدحون أبا لؤلؤة المجوسي، وقد بنو له ضريحاً يعظمونه مع أنهم يعترفون بأنه مات على المجوسية؛ لكن تعظيمهم له لأجل أنه قتل عمر العربي رضي الله عنه الذي قوض دولة الساسان الفارسية.

والدستور الإيراني يكفل حق الحرية الدينية لليهود والنصارى والمجوس، لكنه لم ينص على حق الصابئة مع كثرتهم في إيران، وإذا عرف السبب بطل العجب؛ إذ إن صابئة إيران هم من العرب، فيا لشدة عصبيتهم ضد العرب ولو كانوا على أي دين!!

ومن طرائف تعصبهم: أن السينما المصرية أنتجت فيلماً يحكي قصة ليلى العفيفة التي اختطفها كسرى ثم استرقها وتمنعت منه، فعرض عليها الزواج فرفضت، فعذبها فاستنجدت بابن عمها البراق فأنقذها منه .. فاعترض شاه إيران بحجة أن الفيلم يمس شخصية كسرى فمُنع من العرض؛ حمية لكسرى عابد النار، ومستعبد الناس!!

ولم تتغير عصبيتهم لعرقهم عقب ثورتهم التي سموها (ثورة إسلامية)، بل زادتها فيهم طائفيتهم البغيضة، وصار كرههم لغيرهم من المسلمين مضاعفاً، ولا فرق في عصبيتهم لعرقهم بين المحافظين والإصلاحيين؛ فزعيم الإصلاحيين خاتمي يقول: "إن الفضل يعود لحكيم الشعراء وشاعر الحكماء أبو القاسم الفردوسي الذي حفظ لنا اللغة الفارسية من الضياع بعد الفتح الإسلامي". وأهدى خاتمي قبل ثنتي عشرة سنة ملحمة (الشاهنامة) المليئة بشتم العرب والصحابة رضي الله عنهم لبابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني للتقارب وإثبات حسن النوايا.

وأحياناً تطغى العصبية للعرق على من به خير وفضل منهم فينحرف بسبب ذلك؛ كما وقع لأحد علماء السنة الفرس في عهد الصفويين؛ إذ كان إسماعيل الصفوي يمتحن علماء السنة بشتم الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم، فلما مثل شمس الدين الخفري أمامه من أجل امتحانه في سب الخلفاء الثلاثة انبرى يلعنهم لعناً شنيعاً فنجا بذلك من الموت، فلما خرج من عند الشاه عاتبه أصحابه وقالوا له: كيف ارتددت عن دينك ولعنت أئمتك الثلاثة؟! فأجابهم: لأجل هؤلاء الأعراب الثلاثة أُقتل أنا مع ما أنا عليه من الفضل والكمال؟!

وكان يسعه السكوت، وله رخصة في شتمهم؛ لأنه مكره، لكن عصبيته لعرقه غلبت دينه، نعوذ بالله من الخذلان.

لقد استطاع الفرس بمكرهم وتحريفهم لدينهم أن يوائموا بين طائفيتهم الدينية، وعصبيتهم العرقية، مع أن دين الإسلام يبطل العصبية للعرق، ولذا لما نشأت العصبية العرقية في أوساط العرب على أيدي القوميين والبعثيين والاشتراكيين لم يدع أحد منها أنها تنطلق من الإسلام؛ بل على العكس أعلن روادها علمانيتهم ورفضهم للإسلام، ونكلوا بعلماء المسلمين ودعاته.

لقد كبر على متعصبة الفرس أن يكونوا أتباعاً للعرب الذين هم مادة الإسلام؛ ومنهم خاتم الرسل عليه الصلاة والسلام، فانحازوا بإسلام آخر غير الإسلام الذين دانت به الأجناس الأخرى، ولإسلامهم شعائره ومصادره وعلماؤه وأهدافه التي ليس منها نصر الإسلام ولا نفع المسلمين، والله لا يصلح عمل المفسدين.

نسأل الله تعالى أن يكفي المسلمين شرهم، وأن يرد عليهم كيدهم، وأن يهتك سترهم، وأن يظهر للعامة أمرهم، وأن يخلص الجهلة من شَرَكِهِم وشِرْكِهم؛ إنه سميع قريب.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله..

  

الخطبة الثانية

 

الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، ووالوا فيه، وعادوا فيه، وأحبوا له، وأبغضوا له؛ فمن فعل ذلك فقد استكمل الإيمان.

أيها المسلمون: الخطر الباطني الإمامي بات يهدد العالم الإسلامي منذ أن تم تفعيل ولاية الفقيه، وتصدير الثورة، وزاد شره لما سُلمت العراق للصفويين في صفقة استعمارية خبيثة قذرة يتشاتم الطرفان فيها علناً، ويتفقان سراً؛ لتقوية المد الباطني الذي لا يشكل في العالم الإسلامي إلا سبعة بالمئة، وقد استطاع خبثاء الباطنية زيادة نفوذهم في العالم الإسلامي بالتشييع، مستغلين شعارات الحوار والتقارب والتعايش السلمي التي خُدع بها كثير من الساسة، ويرون أنه قد آن الأوان لقطف ثمار ما زرعوا، وبدؤوا بتحريك جيوبهم الموالية لهم في الدول الإسلامية؛ لزعزعة أمنها، واستنزاف أموالها، ومساومتها على ما يريدون، ومن الغبن العظيم لأمة العرب أن الفرس بدهائهم استطاعوا أن يجندوا من العرب من يضربهم، مع محافظتهم على الدم الفارسي أن ينزف.

ولذا فإن من أهم وسائل مكافحة المد الباطني الفارسي المتزايد إقناع أتباعه من المخدوعين العرب أن الفرس إن تمكنوا فلن يرحموهم، وأن من عقائدهم قتل العرب حيثما كانوا، وأن نصر الباطنيين الفرس لن يشترك فيه العرب ولو كانوا على مذهبهم.

وجهاد المنافقين أعظم من جهاد الكفار، وأي نفاق أعظم ممن حرفوا دين الله تعالى وخلطوه بمجوسيتهم، وقدحوا في نقلته إلينا من خيار هذه الأمة لأجل القدح فيه، قال أبو زرعة الرازي رحمه الله تعالى: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق؛ وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح أوْلى بهم وهم زنادقة".

ومن جهاد هؤلاء الباطنيين دعم المرابطين على الجبهة الجنوبية للملكة بتأييدهم وبث الحماسة فيهم، والدعاء لهم؛ فإن الدعاء الخالص أعظم ما يقدم لهم؛ لرد الخطر الباطني عن البلاد والعباد، وحماية الحرمين من إفسادهم؛ فإن الباطنيين ما تمكنوا من بلاد إلا نكلوا بأهلها، وسلوا عنهم أهل العراق ولبنان وأهل السنة في إيران.

نسأل الله أن ينصر المرابطين عليهم، وأن يكسر شوكتهم، ويوهن قوتهم، وأن يردهم على أعقابهم خاسرين إنه سميع مجيب، كما نسأله تعالى أن يشغل الفرس الباطنيين في أنفسهم عن المسلمين، وأن يشعل نار الفتنة بينهم، وأن يفرق شملهم، ويدرأ عن المسلمين شرهم إنه على كل شيء قدير.

وصلوا وسلموا ...