الجواد
كلمة (الجواد) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعال) وهو الكريم...
العربية
المؤلف | صلاح الدين بورنان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب |
أيها الناس: ففي غمار الواقع الأليم الذي نعيشه الآن، وفي ضلّ هذه الأخبار المفزعة للقلوب، المحيرة للعقول، من حوادث الاعتداء على الطفولة، من خطف واغتصاب، وقتل وتنكيل، نجد أنفسنا نحن المقصرين في بعض الأحيان، لا نأمر بمعروف، ولاننهى عن منكر، بل...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ, ونستغفرهُ, ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا, ومن سيِّئاتِ أعمالِنا, منْ يَهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لـهُ, ومنْ يُضلل فلا هاديَ لـه.
وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ لـه, وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب: 70 - 71].
أيها الناس: ففي غمار الواقع الأليم الذي نعيشه الآن، وفي ضلّ هذه الأخبار المفزعة للقلوب، المحيرة للعقول، من حوادث الاعتداء على الطفولة، من خطف واغتصاب، وقتل وتنكيل، نجد أنفسنا نحن المقصرين في بعض الأحيان، لا نأمر بمعروف، ولاننهى عن منكر، بل نخفض الرأس ونطأطأه، وربما ندس رؤوسنا في التراب، وكأن الأمر لا يعنينا، حتى يقع ما يقع، ثم نندم حيث لا ينفع الندم، فعلى سبيل المثال: عندما نرى في المجال الأسري، ترى بعض الآباء يتستر على أخطاء أبنائه ذكورا أو إناثا، دون أن ينصحهم، أو يرشدهم إلى الطريق الصحيح، أو يعضهم، أو يخوفهم من عذاب الله، وانتقامه.
بل يتستر عليهم، أو ربما يشجعهم على مقارفة الحرام، فإذا جاء الناس يشتكون إلى هذا الأب من تصرفات أبنائه: إن ابنك قد فعل كذا وكذا، يقوم الأب متبجحا: إن ابني لا يفعلها! إن ابني على غاية كبيرة من التربية والأخلاق! والأب في قرارة نفسه يعلم أن ابنه ليس كذلك، بل على غاية كبيرة من الضياع والانحلال والفساد!.
وترى بعض الأمهات يتسترن على أخطاء بناتهن، الأم تعلم علم يقين أن ابنتها مستهترة، متبرجة، تخرج من بيتها بعطور فواحة، تخرج متى شاءت، وتعود متى شاءت، تسرح وتلهو في أي وقت وحين، من غير حسيب ولا رقيب، فإذا قيل لهذه الأم: إن ابنتك فلانة قد فعلت وفعلت! تقول هذه الأم متبجحة: إن ابنتى لا يمكن أن يصدر منها كل هذا! إن ابنتى على غاية كبيرة من الأخلاق والتربية!.
والأم في قرارة نفسها تعلم علم اليقين أن ابنتها على غاية كبيرة من الإنحلال والضياع، والاستهتار بالقيم والأخلاق.
هذا هو حال الكثير في مجتمعاتنا اليوم، وعليه، فإن المسؤولية عظيمة عند الله، والأمانة كبيرة، والحمل ثقيل، والسعيد منا من يتدارك أبناءه وبناته، قبل فوات الآوان، قبل أن يأخذهم التيار الجارف، وقبل أن يأخذهم طوفان الفتن والشهوات، وقبل أن تلعب بهم شياطين الإنس من بنى جلدتنا، فعلى الآباء والأمهات أن يأخذوا بأيد أبنائهم إلى بر الآمان والنجاة، وأن ينصحوهم بالحكمة والموعظة الحسنة، والحجة وبالبراهين والإقناع، وضرب الأمثلة، كأن يقول الأب لابنه: يا بني! اتق الله، ولا تتعدى على حدود الله، إياك والمحرمات التى حرمها الله، كالخمر، والمخدرات، والزنا، والسرقة.
يا بني! ابتعد عن رفقاء السوء، فإنهم سيوصلون بك إلى المهالك، وانظر إلى فلان بن فلان لما كان مطيعا لله، ومجتهدا في الدراسة، انظر كيف وصل إلى أعلى المراتب، وفي المقابل انظر إلى صديقك فلان، لما اختار رفقة السوء، انظر كيف أوصلوه إلى أسفل السافلين، أضاع الدين والدينا معا، وصار السجن مصيره.
يا بني! عليك بالاجتهاد في الدراسة، فإنها طريق النجاح، وعليك المحافظة على شرائع الدين، فإنها سبيل الفوز في الدنيا والأخرى، ولنأخذ العبرة من وصايا لقمان لابنه، كما جاء ذكرها في القرآن الكريم، قال الله -تعالى- في محكم الآيات: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ * وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) [لقمان: 13 - 19].
وتقول الأم لابنتها: يا بنتي اتقي الله، وخافي الله، واحذرِي انتقامه، وحافظي على عفتك وجلبابك، وإيّاك وقرينات السوء، فإنهن يشجعنك على كل ما يغضب الله، ولا تعطِي رقم هاتفك لأحد، حتى لا تكوني لعبة بيده، ولا تتبرجي ولا تلبسي الضيق من الثياب، حتى لا تكوني فريسة سهلة للذئاب البشرية، فإنهم يأخذونك لحما، ويرمونك عظما، ولن يرحمك أحد، فإن البنت شرفها وعزها في عفتها، وفوزها وفلاحها عندما تكون طائعة لربها، انظري صديقتك فلانة، لما كانت طائعة لله، مجتهدة في الدراسة، كيف وصلت إلى المراتب العليا، وفي المقابل انظري إلى فلانة لما كانت مستهترة وضاربة بالقيم الأخلاقية، عرض الحائط، كيف وصل بها الحال إلى أسوء مآل -والعياذ بالله-.
والمرأة عندما تكشف شعرها، أو بعض مفاتنها في الشارع، فصراعها في الحقيقة هو مع الله -عز وجل-، وليس مع الناس، وعرضت نفسها للعنة الملائكة، وغضب الله وانتقامه.
هكذا تكون النصيحة، وهكذا يكون الكلام، وإياّكم -أيها الآباء- من استعمال العنف والشدة والغلظة والضرب الشديد الذي يؤدي إلى جرح الجلد، أو تشويه الوجه، أو كسر العظم، في مناصحة الأولاد ذكورا أو إناثا، فإنه ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما كان الشدة في شيء إلا شانة، وفي نهاية المطاف لن تصلوا إلى نتيجة، أو ربما إلى هروب الأولاد من المنزل، بحثا عن مكان آخر.
عليكم -أيّها الآباء- فعل الأسباب من النصيحة والتوجيه والرعاية، والهداية والتوفيق من الله -عز وجل-.
الخطبة الثانية:
أيها الناس: بين الحين والآخر نرى ونسمع كثيرا من المنكرات، تتركب هنا وهناك، كالرشوة والزنا والربا، وشرب الخمور، والمخدرات، وفساد الأخلاق, وعدم الوفاء بالعهد, والكذب والاعتداء على حقوق الغير، وهضم حق المظلوم، وعقوق الوالدين، وغيرها من المعاصي التى صارت ترتكب جهارا نهارا، وفي بعض الأحيان نعرف حتى أصحابها المقترفين لهذه الكبائر، رغم ارتكابهم لهذه الجرائم، لا يمنعنا أن نكون من جلسائهم، ومن المتحلقين حول موائدهم، وما فيها من مأكولات ومشروبات، إقرارا منا على أننا راضين بأفعالهم، وما ارتكبوه في حق أنفسهم، وفي حق عباد الله، يقول الله -تعالى-: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) [المائدة: 78 - 79].
إن الواجب علينا كمسلمين موحدين: أن نأخذ بأيدي السفهاء والعصاة، حتى لو كانوا مثقفين متعلمين، نتعهدهم بالنصيحة والموعظة الحسنة، كل حسب موقعه، ومكانته، وبقدر الاستطاعة، لعلّهم يتوبوا ويعودوا إلى ربهم، ولعلّ قلوبهم ترق، ولعلّهم يصلحوا ما أفسدوا عبر السنوات الخاليات؛ لأن الراضي كالفاعل، ومجتمعات المسلمين اليوم بحاجة إلى مدافعة ما فيها من منكرات، ومقاومة ما عمّها من رذائل؛ صوناً لعقائد المسلمين، وذبّاً عن أعراضهم، وأخذاً على يد السفهاء الذين يريدون خرق السفينة، وعقر الناقة!.
وكلُّ ذلك على أن يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفق ضوابطه الشرعية، وأن تؤتى البيوت من أبوابها، بعيداً عن التشنج والانفعال!.
ولا يتوهمنّ أحدٌ أنّ صلاحه في نفسه وأهله كافٍ في نجاته وسلامته عند حلول العذاب، ونزول النقمة، ففي هذا الوهم تكون مزلة الأقدام، وعثرة الكرام، فالجبار -جل جلاله- يقول في محكم تنزيله: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال: 25].
وفي حديث زينب بنت جحش -رضي الله عنها- قالت: "... قلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: "نعم، إذا كثر الخبث" [البخاري ومسلم].
فمهلاً -يا رعاك الله- فلن تنجو بصلاحك، وإنما تنجو بإصلاحك! واسمع قوله تعالى: (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ) [الأعراف: 165].