المؤمن
كلمة (المؤمن) في اللغة اسم فاعل من الفعل (آمَنَ) الذي بمعنى...
العربية
المؤلف | علي بن يحيى الحدادي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
إن السلاح من نعم الله على عباده التي امتن بها عليهم، فقال تعالى: (وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) [الحديد: 25]. ولكن منفعة السلاح تكمن حين يستعمل في مكانه الصحيح، فإذا استعمل في غير محله ترتب عليه شر عظيم، ووبال كبير. فمن استعماله الصحيح: استعماله في...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فإن السلاح من نعم الله على عباده التي امتن بها عليهم، فقال تعالى: (وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) [الحديد: 25].
ولكن منفعة السلاح تكمن حين يستعمل في مكانه الصحيح، فإذا استعمل في غير محله ترتب عليه شر عظيم، ووبال كبير.
فمن استعماله الصحيح: استعماله في الجهاد الشرعي تحت راية ولي الأمر المسلم في قتال الكفار والمشركين، كما قاتل النبي -صلى الله عليه وسلم- مشركي العرب، ويهود المدينة، وما حولها، ونصارى الشام.
ومن استعماله الصحيح: استعماله مع ولاة الأمر في قتال الخوارج الذين يكفرون المسلمين، ويستحلون دماءهم، ويعيثون في الأرض فساداً، كما قاتل علي -رضي الله عنه- خوارج النهروان.
ومن استعماله الصحيح: استعماله في إقامة القصاص والحدود والتعزيرات الشرعية التي تصدر فيها أحكام شرعية، وينفذها ولي الأمر لما فيها من المصالح الكبيرة في تطهير العصاة، وزجر المجرمين، واستتباب الأمن.
فهذه استعمالات صحيحة، لما فيها من المصالح الكبيرة في الدنيا والآخرة.
ولكن كثير من الناس يتعاملون مع هذه الأسلحة تعاملاً خاطئاً، فينتج عنه من الفساد الشيء الكثير، ومن صور تلك الاستعمالات المحرمة غير المشروعة: استعمال الخوارج، ومن سلك مسلكهم له في قتل الأنفس المعصومة من مسلمين موحدين، وكفار لهم ذمم وعهود أخذوا بها الأمان على أنفسهم.
ولعظم شر مسلكهم وخطورته بشر النبي -صلى الله عليه وسلم- من قتلهم الخوارج بأنهم خير قتلى تحت أديم السماء، وبشر قتلى الخوارج بأنهم شر القتلى تحت أديم السماء -والعياذ بالله-.
ومن استعمالاته الباطلة المنكرة: استعماله بقصد الترويع والتخويف لسرقة المال، أو انتهاك الأعراض، كما يفعله شرار المفسدين في الأرض، من اللصوص والسراق، وقطع الطرق.
ومن استعمالاته المحرمة: استعماله في الخصومات المالية على المال أو الأرض أو الخصومات الدنيوية الأخرى التي ينزغ الشيطان بين أصحابها فيستخدم الأخ السلاح ضد أخيه، أو ابن عمه، أو جاره، أو صديقه، فينتج عنه ما ينتج من القتل، أو الإصابات البالغة، بل الواجب في مثل هذه الحالات ضبط النفس، والتحاكم إلى القضاء الشرعي، والاستعاذة من نزغات الشيطان، وعدم الإصغاء إلى كلام المحرضين، وتذكر قوله تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93].
إنه لا ينجيك من العذاب أن تقول: كنت غاضباً، أو استفزني الشيطان، أو نحو ذلك من المعاذير، وهل أكثر القتل يقع إلا في حال الغضب، ونزغات الشيطان.
ومن المظاهر المقلقة: أن يحمل السلاح الأبيض أو الناري شباب مراهقون لمقاصد مختلفة، لكن يجمعها كلها أنها مقاصد غير مشروعة، كمن يحمل سلاحه في ذهابه إلى المدرسة، أو ذهابه لحضور المباريات، أو لمشاركته في التفحيط، فماذا يريد من ذلك؟ وما الذي ينتج عنه إلا الترويع والعدوان بغير حق؟
ومن الاستعمالات المحرمة للسلاح: المتاجرة به متاجرة غير مأذون فيها نظاماً، فإن ما نهى عنه ولي الأمر، وليس فيه معصية لله، تجب طاعته فيه، وتحرم معصيته فيه، ولا شك أن أمر السلاح من أولى السلع التي يجب ضبطها وتقنينها، حتى يقل شرها وضررها.
فتهريب الأسلحة أو المتاجرة فيها بغير إذن من ولي الأمر، عمل محرم، يجب اجتنابه، وإلا فهو من باب التعاون على الإثم والعدوان، فهل وقعت أكثر الأسلحة المستعملة في غير وجه شرعي في أيدي المجرمين والمفسدين إلا عن مثل هذا الطريق؟
ومن الاستعمالات المحرمة للسلاح لنهي ولي الأمر عنه: إطلاق النار في مناسبات الأفراح، كحفلات الزواج والأعياد، ونحوها، وإنما نهى عنها ولي الأمر لما يترتب عليها من المفاسد العظيمة، فكم من أفراح انقلبت في لحظة إلى أتراح، وإلى جراح لا تدملها الأيام والليالي وإن طالت؟
فاتقوا الله -عباد الله- وأطيعوا ربكم، وأطيعوا رسول ربكم، ومن ولاه الله أمركم، تفوزوا وتسعدوا.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فالناظر في السنة النبوية يجد بكل وضوح حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على أمته أن لا تستعمل السلاح في غير محله المشروع، فعن سلمة بن الأكوع عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَنْ سَلَّ علينا السيف فليس منَّا" [مسلم].
وعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "من حَمَل علينا السلاح فليس منا" [أخرجه البخاري ومسلم].
وعن ابن عمر: أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "من حَمَل علينا السلاح فليس منا" [أخرجه البخاري ومسلم].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "من حَمل علينا السلاح فليس منا، ومَن غشَّنا فليس منا" [أخرجه مسلم].
والناظر في السنة النبوية يجد أيضاً حرصه صلى الله عليه وسلم على سلامة أمته من غوائل السلاح وضرره في حال حمله المشروع، ومن ذلك ما رواه أبو موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إذا مر أحدكم في مجلس أو سوق وبيده نبل فليأخذ بنصالها، ثم ليأخذ بنصالها، ثم ليأخذ بنصالها" [متفق عليه واللفظ لمسلم].
ولفظ البخاري: "من مر في شيء من مساجدنا أو أسواقنا بنبل فليأخذ على نصالها لا يعقر بكفه مسلما".
وفي رواية: "كي لا يخدش مسلماً".
وفي سنن أبي داود والترمذي: "أن رسول الله نهى أن يتعاطى السيف مسلولاً".
فأين الذين يطلقون عشرات الرصاص، أو أكثر، بشكل عشوائي في داخل الأحياء السكنية والطرقات، وبجوار قصور الأفراح، من هذا النبي الكريم -صلوات الله وسلامه عليه- الذي كان يخشى أن يجرح أحد بغير قصد أثناء حمل النبل، أو تناول السيف، ونحوه؟.
معاشر المؤمنين:...