البحث

عبارات مقترحة:

اللطيف

كلمة (اللطيف) في اللغة صفة مشبهة مشتقة من اللُّطف، وهو الرفق،...

السبوح

كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...

الإله

(الإله) اسمٌ من أسماء الله تعالى؛ يعني استحقاقَه جل وعلا...

فضل بناء المساجد والعناية بها

العربية

المؤلف علي بن يحيى الحدادي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - أركان الإيمان
عناصر الخطبة
  1. تفاوت الأعمال الصالحة في الأجر .
  2. فضل بناء المساجد .
  3. تنظيف المساجد والعناية بها .
  4. اهتمام بعض الناس ببيوتهم أكثر من المساجد .
  5. عمارة المساجد بالعبادة والتعليم .
  6. التحذير من بناء المساجد على القبور .
  7. شكر الله على نعمة المساجد .

اقتباس

إنها البيوت التي ينبغي أن تسارع إلى طلبها النفوس المؤمنة، والقلوب الراغبة فيما عند الله. وعمارة المساجد من العمل الصالح الذي يجري أجره على العبد بعد موته، حين ينقطع العبد عن العمل في وقت هو فيه أفقرَ ما يكون إلى ما قدم، أحوج ما يكون إلى حسنة تضاف إلى...

الخطبة الأولى:

أما بعد:

فإن الأعمال الصالحة تتفاوت في فضلها عند الله تفاوتاً عظيماً، ومن أفضل الأعمال الصالحة وأكثرها أجراً: بناء المساجد إيماناً واحتساباً، فإن المساجد بيوت الله في أرضه، قد أمر وأوصى أن تبنى، وأن تطهر، وأن تعظم، ونوه بشأنها، وشأن عُمارها العمارة الحسية والمعنوية، فقال سبحانه: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ) [النور: 36 - 38].

وقال تعالى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) [التوبة: 18].

فمن عمرها عمارة حسية، وعمرها عمارة معنوية؛ بعبادة الله فيها، وهو ممن آمن بالله واليوم الآخر، فذلك ممن هدي إلى الخير والحق في الدنيا، ووفق إلى سبيل السعادة والفوز في الآخرة.

وعن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من بنى لله مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتا في الجنة".

وفي رواية: "بنى الله له في الجنة مثله" [متفق عليه].

وعن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من بنى لله مسجدا صغيرا كان أو كبيرا، بنى الله له بيتا في الجنة" [رواه الترمذي، وهو حديث حسن].

وفي هذين الحديثين وأمثالهما مما جاء في معناهما: الترغيب الكبير في بناء المساجد، ولو كانت صغيرة، والترغيب في المساهمة في بنائها ولو بالشيء اليسير، فمن فعل ذلك مخلصا لله، بنى الله له بيتاً في الجنة، وما ظنك ببيت في الجنة، إذا كان مقدار الشبر من الجنة خير من الدنيا وما فيها؟ وما ظنك بمسكن وصفه الله بالمسكن الطيب؟ وما ظنك ببيت في جوار الرحمن؟

إنها البيوت التي ينبغي أن تسارع إلى طلبها النفوس المؤمنة، والقلوب الراغبة فيما عند الله.

وعمارة المساجد من العمل الصالح الذي يجري أجره على العبد بعد موته، حين ينقطع العبد عن العمل في وقت هو فيه أفقرَ ما يكون إلى ما قدم، أحوج ما يكون إلى حسنة تضاف إلى سجله، فيثقل بها ميزانه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علما نشره، وولدا صالحا تركه، ومصحفا ورثه، أو مسجدا بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه، أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته" [أخرجه ابن ماجة وحسنه الألباني].

إخوة الإيمان: إن من عمارة المساجد وبنائها: العناية بها، وتنظيفها، وتطييبها، والمحافظة على كل مرافقها، فقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بتطييب المساجد وتنظيفها، كما في حديث عائشة، وذلك من إكرامها، وإكرام عمارها وزوارها من الناس والملائكة، ومن أعظم الأسباب المعينة على عبادة الله فيها.

إن المساهمة في تنظيف المساجد ولو باليد عمل شريف، لا يترفع عنه إلا من جهل، فقد رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- نخامة في جدار المسجد، فحكها بيده الشريفة -صلوات الله وسلامه عليه-.

وأتى عمر مسجد قباء، وهو خليفة، فصلى فيه ركعتين، ثم طلب جريدة نخل، فكنس المسجد -رضي الله عنه وأرضاه-.

وهكذا كان أئمة الإسلام؛ كالشعبي والبخاري، وغيرهما، يلقطون الأذى والقذى من المساجد، ولا يتحرجون من ذلك، لعلمهم أن من تعظيم الله تعظيمَ بيوته -سبحانه-.

وكانت جاريةٌ سوداء تقم المسجد على عهد النبي -صلى الله وسلم-، فافتقدها، فسأل عنها، فقالوا: ماتت، فقال: "ألا آذنتموني؟" فقالوا: ماتت بليل، فكرهنا أن نشق عليك، فمشى إلى قبرها، فصلى عليها إكراماً لها، ومكافأة لها على عظيم صنيعها -رضي الله عنها-.

وفي هذا درس لنا: أن نوقر المساجد، وأن نسعى في تطييبها وتنظيفها برفع القذى عنها.

كما يجدر التنبيه: إلى أنه ينبغي تربية أبنائنا على العناية ببيوت الله، وصيانتها عن كل سوء، واحترام جميع مرافقها، فإن مما يؤسف له أن تدخل دورات المساجد، فترى الكتابات الخادشة للحياء، وترى العبث بمنافع المسجد من أبواب وصنابيرِ مياه، وإضاءات، وغير ذلك.

أيها الإخوة: إننا إذا تأملنا لا نجدهم يفعلون ذلك في بيوتهم، فلماذا تكون بيوت الله أهونَ في قلوبهم من بيوتهم وأقلَ بدرجات؟

إن الأمر يعود إلى سوء التربية، وإلى ضعف الرقابة، وإلى التفريط في عقوبة المسيء منهم.

ومن عمارة المساجد: عُمرانها بالصلاة فيها فريضة ونافلة، وبالاعتكاف على الهدي الشرعي، وعمارتها بقراءة القرآن، وتدريس العلم الشرعي، ووسائله، فهذه أعظم أنواع العمارة، وأجلها شأنا عند الله، ولذا أوجب النبي -صلى الله عليه وسلم- على أمته صلاة الجماعة، وأمر بأن تؤدى في المساجد، وأعد الله لمن مشى إلى المساجد الأجر الكبير في ذهابه وإيابه، لا يخطو خطوة إلا رفع بها درجة، وحط عنه بها خطيئة.

الماشي إلى المسجد في الظلم مبشر بالنور التام يوم القيامة، والجزاء من جنس العمل.

وهكذا، فإن التخلف عن الجماعة من غير عذر شرعي، علامة على الخسران والخذلان، حتى هم النبي -صلى الله عليه وسلم- بتحريق من يتخلف عنها لغير عذر، وحتى قال ابن مسعود: "ما يتخلف عنها إلا منافق" أي إن لم يكن محبوساً بمرض.

المساجد منذ عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- هي منارات العلم والتعليم والتفقيه في دين الله، فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يجلس مع أصحابه في المسجد، فيعلمهم كتاب الله، ويعلمهم مما علمه الله، ثم إنه رغب أمته في الجلوس فيها، وتدارسِ كتاب الله، وبشر أصحاب هذه المجالس الكريمة الشريفة بملائكة تحفهم، وسكينة تغشاهم، ورحمة تنزل عليهم، وذكرٍ من الله لهم في الملأ الأعلى.

ألا فهنيئا لمن عمر بيتاً لله يبتغي بذلك وجه الله، وهنيئاً لمن ساهم في بنائها ولو بالقليل، وهنيئاً لمن كان من عمارها بالصلاة والذكر وقراءة القرآن، لا ترى قلوبهم إلا معلقة بها، أولئك في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله.

أسال الله لي ولكم من واسع فضله، وكريم عطائه، إنه جواد كريم، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

أما بعد:

فإنه إذا كانت عمارة المساجد من أفضل القربات، ومن أجل الأعمال الصالحات، فإنه ينبغي أن تصان المساجد عما يغضب الله -عز وجل-، وأعظم ذلك: صيانتها عن أسباب الشرك والوثنية بالحذر من بنائها على قبور الصالحين، وبالحذر من دفن الصالحين فيها، فقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته من ذلك، لا سيما عند موته، فكان يقول في سكرات الموت: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".

ووصف من يفعل ذلك بأنهم شرار الخلق عند الله يوم القيامة.

إن وجود القبور في المساجد وسيلة إلى التبرك بها، والطواف حولها، ودعاء أهلها، والاستغاثة بهم، وغير ذلك من صور الشرك الأكبر ووسائله -والعياذ بالله-.

وكذا ينبغي أن تصان المساجد: عما كرهه لنا النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال ابن عباس: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما أمِرْتُ بتشييد المساجد".

قال ابن عباس: "لَتُزَخرفُنّها كما زَخْرَفت اليهود والنصارى".

وإنما نهي عن زخرفتها لآثارها السئية، ومنها: إشغال المصلين عن الخشوع في صلاتهم، والإقبالِ على ربهم، بتقليب البصر في النقوش والألوان والزخارف، فيؤدون صلاة ميتة لا روح فيها.

كما يجب أن تصان المساجد عن: البيع والشراء، والسؤال عن المفقودات فيها، فلم تبن المساجد لهذا، إنما بنيت لذكر الله، وإقام الصلاة فيها.

معاشر المؤمنين: اشكروا الله على ما من به عليكم في هذه البلاد من عمارة المساجد على أحسن ما يكون البناء، وتوفير كل وسائل الراحة فيها، فقد سخر كثير من أهل الخير والإحسان نصيباً كبيراً مما من الله به عليهم في إقامة بيوت الله، وهاهي قائمة تنتظر منكم عمارتها بعبادة الله فيها على الوجه الذي يرضيه.

نسأل الله في هذه الساعة الكريمة أن يجزي عمار بيوت الله من المؤمنين الذين يريدون ما عند الله خير الجزاء، وأن يتقبل منهم، وأن يخلفهم عما أنفقوا خيرا، وأن يرفعهم بها في الدرجات العلى من الجنة، كما نسأله سبحانه أن يجعلنا وإياكم وإياهم ممن يعمرون بيوته بذكره وشكره، وإقام الصلاة فيها بالغدو والآصال، إنه سميع مجيب الدعوات.

ثم اعلموا -رحمكم الله- أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

معاشر المؤمنين: صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين، وسيد ولد آدم أجمعين.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن أزواج نبيك وآله بيته وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين.

اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين الشريفين لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم أيده بولي عهده والنائب الثاني، ووفقهم لما فيه رضاك يا رب العالمين.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.