الجميل
كلمة (الجميل) في اللغة صفة على وزن (فعيل) من الجمال وهو الحُسن،...
العربية
المؤلف | عبد الله بن علي الطريف |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
الدعوة إلى الخير كلِه، والترهيب من جميع الشر متاح لكل واحد منا في هذا المسجد؛ فإن كنت حَيياً أو عَيياً لا تبين بلسانك فدونك درهمك وريالك؛ فبعض الكتب التي توزعها مكاتب الدعوة قيمتها ريال أو ريالين.. أفلا نجاهد أنفسنا في كل شهر أن نساهم بشراء كتاب بهذا المبلغ وندفعه لمكتب الدعوة أو نهديه لأحدِ غير المسلمين الموجدين بيننا، وإنه من العار علينا أن يبقى غيرُ المسلمين بيننا سنين ولم يقدم لهم دعوة ولا كتاب يعرف بالإسلام، ثم يرجعون إلى بلادهم وهم على دينهم الباطل..
الخطبة الأولى:
أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
أحبتي: يقول الله تعالى مبيناً فضل الدعوة إلى الله: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت:33].
أيها الإخوة: هذا استفهام بمعنى النفي المتقرر أي: لا أحد أحسن قولا. أي: كلامًا وطريقة، وحالة من الدعاة إلى الله.. نعم إن كلمة الدعوة أحسن كلمة تقال في الأرض، وكلمة الدعوة في مقدمة الكلم الطيب الذي يصعد إلى السماء.. ولكن مع العمل الصالح الذي يُصدق الكلمة؛ ومع الاستسلام لله الذي تتوارى معه الذات؛ فتصبح الدعوة خالصة لله ليس للداعية فيها شأن إلا التبليغ..
أيها الأحبة: هذا أول فضل من فضائل الدعوة إلى الله.
ومن فضائلها ومنزلتها الرفيعة: أن الله -تعالى- مدح هذه الأمة وأخبر بأنها خيرَ الأمم التي أخرجها للناس، وذلك بتكميلهم لأنفسهم بالإيمان المستلزم للقيام بكل ما أمر الله به، وبتكميلهم لغيرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتضمن دعوة الخلق إلى الله وجهادهم على ذلك، وبذل المستطاع في ردهم عن ضلالهم وغيهم وعصيانهم، فبهذا كانوا خير أمة أخرجت للناس.. وبرهان ذلك قوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ..)[آل عمران:110].
وقبلها قال في نفس السورة عن الدعاة بأنهم أهل الفلاح الفائزون بالمطلوب، الناجون من المرهوب فقال الله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران:104].
أيها الإخوة: ومن فضائلها أن أجرها مستمر ومثوبتها دائمة، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا.." (رواه مسلم).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ" (رواه مسلم عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ).
والمعنى: أن من أرشد الناس إلى فعل خير ودعاهم لفعله سواء كان الخير عظيماً وكثيراً أو قليلاً؛ فتبعه أناس على ذلك فإن له مثل أجورهم، أو أرشدهم لترك محظور فتبعه أناس على ذلك فإن له مثل أجور تركهم. فهل فكرنا بهذا الفضل العظيم، والجزاء الضخم من الكريم..
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ لِعَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَوْمَ خَيْبَرَ عِنْدَمَا أَعْطَاهُ الرَّايَةَ: «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ، فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ» (رواه البخاري ومسلم).
و"حُمْرُ النَّعَمِ" هي الإبل الحمر وهي أنفس أموال العرب، يضربون بها المثل في نفاسة الشيء، وأنه ليس هناك أعظم منه. والمعنى: قيل "لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا" خيرٌ لك من أن تكون لك إبل حمر كثيرة فتتصدق بها.. وقيل: "لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا" خيرٌ لك من أن تقتني الإبل الحمر، وتملكها. وكانت مما تتفاخر العرب بها فهي أنفس أموالهم، وما زالَ هذا النوع من الإبل من أنفس ما يملك.
أيها الإخوة: هل رأيتم منزلة تضاهي منزلة الدعوة؟ وهل سمعتم في تاريخ الإنسانية كرامة تعادل كرامة الداعية؟
إذا كان الأمر كذلك فلننطلق في مضمار الدعوة إلى الله مخلصين صادقين.. لنحظى بالأجر العظيم، والرفعة والكرامة في مقعد صدق عند مليك مقتدر مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
والدعوة إلى الله ليست منصباً اعتبارياً ولا وظيفة خاصة لا يجيدها إلا المتخصصون ولا يتقنها إلا المدربون. الدعوة إلى الله لها مراتب كثيرة: منها ما لا يتقنه إلا العلماء المتخصصون، ومنها التوجيه البسيط للآخرين بعمل مشروع كما لو قلت لمسلم: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ» (رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-) فقالها؛ فلك مثل أجره.
وبين هذين مراتب كثيرة وأعمال متنوعة من الدعوة إلى الله يستطيع كل مسلم أن يأخذ منها بطرف المهم أن يشعر المسلم بفضل الدعوة إلى الله وأهميتها ونفعها له الدنيوي والأخروي، وينطلق من حث النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عندما قَالَ: "بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً" (رواه البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-). أَيْ: لِيُسَارِعْ كُلُّ سَامِعٍ إِلَى تَبْلِيغِ مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ الْآيِ وَلَوْ قَلَّ, لِيَحْصُلَ بِذَلِكَ نَقْلُ جَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
والدعوة إلى الله تكون بتعليم الجاهلين.. ووعظ الغافلين والمعرضين.. ومجادلة المبطلين.. وتكون بالأمر بعبادة الله بجميع أنواعها، والحث عليها، وتحسينها مهما أمكن، والزجر عما نهى الله عنه، وتقبيحه بكل طريق يوجب تركه.
ومنها الدعوة إلى أصل دين الإسلام وتحسينه، ومجادلة أعدائه بالتي هي أحسن، والنهي عما يضاده من الكفر والشرك، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
ومن الدعوة إلى الله: تحبيبه إلى عباده، بذكر تفاصيل نعمه، وسعة جوده، وكمال رحمته، وذكر أوصاف كماله، ونعوت جلاله.
ومن الدعوة إلى الله: الترغيب في اقتباس العلم والهدى من كتاب الله وسنة رسوله، والحث على ذلك، بكل طريق موصل إليه.
ومن الدعوة إلى الله: الحث على مكارم الأخلاق، والإحسان إلى عموم الخلق، ومقابلة المسيء بالإحسان، والأمر بصلة الأرحام، وبر الوالدين.
ومن الدعوة إلى الله: الوعظ لعموم الناس، في أوقات المواسم، والعوارض، والمصائب، بما يناسب ذلك الحال.
ومن الدعوة إلى الله: المساهمة في طبع الكتب النافعة بكل اللغات التي تتبناها مكاتب الدعوة والهيئات الرسمية التي تشرف عليها وزارة الشئون الإسلامية.
ومن الدعوة إلى الله: كفالة الدعاة، والمساهمة في الأوقاف التي تتبنى من مصارفها الدعوة إلى الله والمساهمة بدعوة الجاليات.. إلى غير ذلك، مما لا تنحصر أفراده، مما تشمله الدعوة إلى الخير كلِه، والترهيب من جميع الشر.
أيها الأحبة: كل ذلك متاح لكل واحد منا في هذا المسجد؛ فإن كنت حَيياً أو عَيياً لا تبين بلسانك فدونك درهمك وريالك؛ فبعض الكتب التي توزعها مكاتب الدعوة قيمتها ريال أو ريالين.. أفلا نجاهد أنفسنا في كل شهر أن نساهم بشراء كتاب بهذا المبلغ وندفعه لمكتب الدعوة أو نهديه لأحدِ غير المسلمين الموجدين بيننا، وإنه من العار علينا أن يبقى غيرُ المسلمين بيننا سنين ولم يقدم لهم دعوة ولا كتاب يعرف بالإسلام، ثم يرجعون إلى بلادهم وهم على دينهم الباطل..
الله اللهَ أيها الإخوة: لنكن أنموذجاً في حمل هم الدين وإبلاغه للعباد فرسولنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً" أي: ولو آية واحدة لو سارع كلُ سامعٍ في هذا المسجد إلى تبليغ ما سمعه من الآي ولو قل، ولو كان عنده تقصيرٌ في بعض الجوانب العملية، أو عدم التزام ببعض الواجبات والسنن المهم أن يُبَلِّغَ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَوْ آيَةً لكتب الله على أيدينا خيراً كثيراً..
أسأل الله -تعالى- أن يجعلنا من الداعين لسبيله إنه جواد كريم.
الخطبة الثانية:
أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70،71].
أيها الإخوة: لقد حاز قَصَبَ السبق إلى الدعوة إلى الله رجالٌ ونساءٌ من المسلمين، نذروا أنفسهم لذلك فهم بين تَعَلمٍ للعلم وتَعلِيمٍ، ودعوة للناس وتوجيه، وبذل في سبل الدعوة وطرقها، أفنوا أعمارهم واستثمروا أوقاتهم فيها ففازوا بمراتبها وحازوا على درجاتها العالية؛ فأدركوا خيرَ الآخرة وشرفَ حبِ عبادِ الله لهم ودعائهم لهم بعد مماتهم، لقد تركوا عيوناً جارية من الأجر بدعوتهم لا تنتهي بوفاتهم.. وستضل تفيض عليهم من الأجر ما يرفع الله به مقامهم ما شاء الله من الزمان.. فهنيئاً لهم ما أدركوا من الفضل وحازوه من الأجر.
ولقد فقدت عنيزة وأهلها خصوصاً النساء هذا الأسبوع داعية من داعيتها حَسُنَ بالخير ذكرها، وفجع الناس لفقدها، وشهد جمعٌ غفيرٌ من المسلمين جنازتها كلهم يلهج بذكرها، ويدعوا لها بالمغفرة والرضوان، وضجت وسائل التواصل الاجتماعي بذكر فضلها وجهودها في الدعوة، والثناء عليها بحسن خلقها وعبادتها. فرحمها الله رحمة واسعة وأسكنها فسيح جنانه وخلف على المسلمين خيراً بفقدها.
أيها الإخوة: ومما يحسن التنبيه عليه فضل صيام يوم عاشوراء فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: «مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلَّا هَذَا اليَوْمَ، يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ» (رواه البخاري).
وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ" (رواه مسلم).
وقد ثبت أن الجمعة القادم هو يوم التاسع والسبت العاشر، وهي أيام إجازة لأغلب الناس. والسنة أن يصوم يوماً قبله أو بعده. وقال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "صيام يوم عاشوراء كفارة سنة، ولا يكره إفراده بالصوم".
اللهم وفقنا لطاعتك وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. وصلوا وسلموا على نبيكم يعظم الله أجركم..