الخبير
كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...
العربية
المؤلف | صلاح الدين بورنان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
وحاربوا الأبناء والبنات بإفساد التعليم؛ فأشاعوا الاختلاط, وسلَّطوا وسائل الإعلام تقذف النشء -الأجيال الصاعدة- بوابل من الرذائل وأسباب الانحراف؛ حتى شاع بينهم العنف الشديد, وانهارت أخلاق معظمهم, كما شغلوا الشباب عموما بكرة القدم التي لا تثمر في نفس الإنسان شيئا ذال بال, بل توقع بينهم العداوة والبغضاء...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71]
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون: يقول الله -عزَّ وجلَّ- في هذا المعنى: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1], ويقول -سبحانه وتعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21].
إنَّ من أهداف الشريعة الإسلامية هو إيجاد أُسَر مسلمة ومجتمع مسلم حامل لمنهج الله، منفذا لشريعته, منقادا لأوامره ونواهيه يدينُ بِدِين الإِسلام, ولذا كانت أعين ُ أعداء الإسلام على الأسرة المسلمة متجهة نحوهم, ولقد أصاب المسلمين ما أصابهم بعد سقوط الخلافة, إلاَّ أن الأسرة المسلمة ظلت هي مصنع الرجال, ومستودع القوة الباقي للأمة, كما كانت في فترات الغزو والإغارة على الوطن العربي.
الأسرة المسلمة هي المحضن الذي خرَّج الجنود والقادة والأبطال, الذين جاهدوا وأحرزوا النصر على موجات الإغارة الصليبية والتترية, وموجات الإستعمار العسكري الحديث.
تنبه أعداء الإسلام إلى سِرِّ ثبات الأمة وقوتها, وإلى مصنع الجنود والقادة (الأسرة)؛ فبدأوا في توجيه الضربات لهذا المصنع لتدميره, وإفساد أقسامه وإنتاجه, وأخذت الإغارة على الأسرة المسلمة أبعادها على محاور أربعة: أولا: محور المرأة المسلمة, ثانياً: محور الرجل المسلم, ثالثاً: محور الأبناء والبنات, ورابعاً: محور قوانين وقيم الأسرة.
واختلفت أسلحة الهجوم على كل محور من هذه المحاور، وتعدد استخدام السلاح الواحد على أكثر من محور!! فاستخدم ضدَّ المرأة والفتاة المسلمة سلاح رمي الحجاب والجلباب والستر, وذلك بالتبرج والموضة والخروج إلى الشوارع والملاهي, وبهذا العمل انصرفت نساء المسلمين عن العبادة والقرآن وتربية الأبناء!.
وحاربوا الرجل المسلم في صحته وعقله وأعصابه, وذلك بالتدخين وترويج الخمور والمخدرات, وبجميع أنواع السموم التى تلوث العقل وتغطيه, وشغلوه عن العمل الجاد والإنتاج والكسب بإقحام المرأة عليه في محل عمله, وفي الشوارع والمدارس ومعاهد العلم, كما شغلوا الرجال أيضا بالملاهي والملاعب.
وحاربوا الأبناء والبنات بإفساد التعليم؛ فأشاعوا الاختلاط, وسلَّطوا وسائل الإعلام تقذف النشء -الأجيال الصاعدة- بوابل من الرذائل وأسباب الانحراف؛ حتى شاع بينهم العنف الشديد, وانهارت أخلاق معظمهم.
كما شغلوا الشباب عموما بكرة القدم التي لا تثمر في نفس الإنسان شيئا ذال بال, بل توقع بينهم العدواة والبغضاء, وأحيانا يتقاتلون فيما بينهم؛ الفريقان تارة, وتارة المتفرجون أنفسهم, وتقع بعدها أعمال شغب وتخريب وحرق للممتلكات, وأرضية الملعب الذي أنفق على إنشائها الملايين أو الملايير من الأموال قال الله -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) [المائدة: 90، 92].
ثم نزل السلاح الأخير لتحديد نسل الأسرة ومنع إنجاب الأبناء أصلا, وضربوا وخلخلوا القيم الفاضلة, والقوانين الربانية التي تقوم الأسرة عليها, وأهم هذه القيم والقوانين قوامة الرجال على النساء, وقيام الآباء والأمهات على تربية وتوجيه الأبناء.
ثم فرض قوانين لقيطة من هنا وهناك على المجتمعات الإسلامية, نعم؛ إنَّها إغارة صريحة وعنيفة على الأسرة المسلمة, إنَّ الصحافة العالمية والمحطات الإذاعية الدولية, وإطلاق كم هائل من القنوات الفضائية, وعدم حجب المواقع المخلة بالحياء والأداب العامة على الشبكة العنكبوتية -الأنترنيت- كلُّها أجهزة متعاونة لتسديد الضربات, وتنويع أسلحة الإغارة على الأسرة المسلمة, وأكثر المسلمين لا يدرون, وإذا عرفوا شيئا فهم لا يتقون ولا يردون الضربات, فالأسر المسلمة جميعهم هم أمام فوهات مدافع أعداء الإسلام والمسلمين مدافع الحقد والكراهية.
الخطبة الثانية:
الحمد لله يُعطي ويمنع, ويخفضُ ويرفع, ويضرُ وينفع, ألا إلى اللهِ تصيرُ الأمور, وأُصلي وأسلمُ على الرحمةِ المهداة, والنعمةِ المُسداة, وعلى آلهِ وأصحابه والتابعين.
أمَّا بعدُ:
فالمطلوب اليوم أن تعود الأسر الإسلامية إلى جادة الصواب, وتبادر إلى تربية أبناءها وبناتها وتوجيههم الوجهة الصحيحة على كتاب الله وهدي الرسول -صلى الله عليه وسلم-, فخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-, وأن يتفطنوا لما يُحَاكُ ضدَّهم من أعداء الإسلام من مؤمرات ومخططات, فسيدنا عمر بن الخطاب يقول: "نحن قوم أعزنَّا الله بالإسلام, فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله", والله -عزَّ وجلَّ- يقول: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) [البقرة: 120].
وبعد ينبغي علينا جميعا أنَّ نمثل إسلامنا بالعمل ما استعطنا إلى ذلك سبيلا, لا بالقول فقط, فإن الإسلام دين عمل وتطبيق, فالمسلم معناه هو العبد المستسلم المنقاد لأوامر ربِّه وخالقه والمنفذ لأحكامه.
والقصد الحسن, والنية الصادقة, والعمل الصالح, ومحاولة تطبيق الشريعة، هذه المعاني هي محل نظر الربِّ من عبده, إذ يقول رسول الهدى -عليه الصلاة والسلام-: "إنَّ الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم, ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".
فالفرصة متاحة لنا الآن لنعمل لديننا وإسلامنا؛ لأنه يسمح لنا أن نخدم ديننا بكل حرية, وعلينا أن ندرك أن هذه الحرية نعمة من نعم الله علينا, فعلينا أن نستغلها بالعمل الجاد لنشر تعاليم ديننا, والله معنا إن صدقنا في العمل؛ لأنه تعالى مع العاملين الصادقين, يوفقهم ويهديهم يقول الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت: 69].
ألا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة عليه, إمام المتقين, وقائد الغرِّ المحجلين وعلى ألهِ وصحابته أجمعين, وأرض اللهمَّ عن الخلفاءِ الراشدين؛ أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي.