المقيت
كلمة (المُقيت) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أقاتَ) ومضارعه...
العربية
المؤلف | فؤاد بن يوسف أبو سعيد |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أركان الإيمان |
القتل والاقتتال، وسفك الدماءِ، وزهقُ أرواحِ الأبرياء على أهدافٍ مجهولة، ومطالبَ المختلفة، والممسكون بزمام الأمور، لا يخافون الله -تعالى-، والذين يسيِّرون الأحداثَ لهم أهدافُ خبيثة، والإعلامُ له أجنداتٌ خارجيةٌ مشبوهة، هؤلاء من الأئمة الضالين، والقادة المضلين...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسلَه بالحقِّ بشيرًا ونذيرًا بين يدي الساعة.
من يطِعِ اللهَ ورسولَه فقد رشد، ومن يعصِ اللهَ ورسولَه فإنه لا يضرُّ إلا نفسه، ولا يضرُّ اللهَ شيئا.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70- 71].
نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- لا يعلم الغيب، فهو القائل: (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ) [الأعراف: 188].
وقال له الله -سبحانه-: (قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ) [الأنعام: 50].
فمفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو سبحانه، والأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام- لا يعلمون الغيب إلا ما علمهم الله، فهو سبحانه: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا) [الجن: 26- 27].
ومن هذا الغيب الذي علَّمه رسوله محمدا -صلى الله عليه وسلم-: ما سيقع من أحداث سياسية في آخر الزمان، قال حُذَيْفَةُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ؛ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ نبُوَّةِ". ثُمَّ سَكَتَ" [مسند أحمد: 30/ 355، رقم: 18406، مشكاة المصابيح: 5378].
وأخبر صلى الله عليه وسلم عن الفتن التي ستقع، فقال: "سَتَكُونُ فِتَنٌ؛ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي، وَمَنْ يُشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ" [البخاري: 3601، مسلم: 2886].
وفي رواية لمسلم قال: "تَكُونُ فِتْنَةٌ! النَّائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْيَقْظَانِ، وَالْيَقْظَانُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي، فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَسْتَعِذْ".
وأخبر عن حروب وملاحم في آخر الزمان، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا، يَقُولُ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؛ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ، وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَامِ، وَالَّتِي تَلِيهَا"، قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: "نَعَمْ! إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ" [البخاري: 3346، مسلم: 2880].
صدقت يا رسول الله! وقد وقع ما أخبرت به، وكثر الخبث، وانتشر الفساد في البر والبحر، والصالحون لا حول لهم ولا قوة، فهل اقترب الشر وحان؟ في آخر الزمان: "يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ" -أي تنقضي الأيام والشهور بسرعة- "وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ" -أي البخل- "وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ"، قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: "الْقَتْلُ" [متفق عليه].
وقال رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَحْسِرَ الْفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ، يَقْتَتِلُ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ؛ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَيَقُولُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ: "لَعَلِّي أَكُونُ أَنَا الَّذِي أَنْجُو" [مسلم: 5152].
وأخبر عن ندم بعض الناس ممن اقترف جرائمِ القتل والسرقة، ونحوها، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "تَقِيءُ الْأَرْضُ" -أي تخرج- "أَفْلَاذَ كَبِدِهَا، أَمْثَالَ الْأُسْطُوَانِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ"، -ينظر إليها الناس- "فَيَجِيءُ الْقَاتِلُ، فَيَقُولُ: "فِي هَذَا قَتَلْتُ"، وَيَجِيءُ الْقَاطِعُ" -قاطع الرحم- "فَيَقُولُ: "فِي هَذَا قَطَعْتُ رَحِمِي"، وَيَجِيءُ السَّارِقُ، فَيَقُولُ: "فِي هَذَا قُطِعَتْ يَدِي"، ثُمَّ يَدَعُونَهُ، فَلَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ شَيْئًا" [مسلم: 1683].
وعن القتل المتفشِّي في هذه الأمة، ومن أيدي أبنائها لا من أعدائها؛ أقسم رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بالله، فقال: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ، لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ، وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ"، فَقِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ؟ قَالَ: "الْهَرْجُ؛ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ" [مسلم: 5178].
نسأل الله السلامةَ في الدارين.
فالقتلُ والاقتتال، وسفكُ الدماءِ وزهقُ أرواحِ الأبرياء على أهدافٍ مجهولة، ومطالبَ المختلفة، والممسكون بزمام الأمور لا يخافون الله -تعالى-، والذين يسيِّرون الأحداثَ لهم أهدافُ خبيثة، والإعلامُ له أجنداتٌ خارجيةٌ مشبوهة، هؤلاء من الأئمة الضالين، والقادة المضلين، الذين قال فيهم رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ، وَإِذَا وُضِعَ السَّيْفُ فِي أُمَّتِي لَمْ يُرْفَعْ عَنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" [رواه أبو داود، والترمذي].
وهذا سيجرُّ الأُمَّةَ حتما إلى عقدِ معاهداتٍ ومصالحاتٍ مع أوروبا وأمريكا وغيرها من الدول، ليأمنوا في ديارهم، لكنَّ ذلك لا يطول، فقد قال رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "سَتُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا، فَتَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرَائِكُمْ، فَتُنْصَرُونَ وَتَغْنَمُونَ وَتَسْلَمُونَ، ثُمَّ تَرْجِعُونَ حَتَّى تَنْزِلُوا بِمَرْجٍ ذِي تُلُولٍ، فَيَرْفَعُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ الصَّلِيبَ، فَيَقُولُ: غَلَبَ الصَّلِيبُ، فَيَغْضَبُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَدُقُّهُ" -أي فيكسر الصليب أو يقتل القائل- "فَعِنْدَ ذَلِكَ تَغْدِرُ الرُّومُ، وَتَجْمَعُ لِلْمَلْحَمَةِ".
وَزَادَ بعضهم: "وَيَثُورُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى أَسْلِحَتِهِمْ فَيَقْتَتِلُونَ، فَيُكْرِمُ اللَّهُ تِلْكَ الْعِصَابَةَ بِالشَّهَادَةِ" [رواه أبو داود: 3741].
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالْأَعْمَاقِ، أَوْ بِدَابِقٍ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنْ الْمَدِينَةِ؛ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ، فَإِذَا تَصَافُّوا" -أي للقتال- "قَالَتْ الرُّومُ: خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ، فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ: لَا وَاللَّهِ! لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا، فَيُقَاتِلُونَهُمْ، فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لَا يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا، وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ، وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ لَا يُفْتَنُونَ أَبَدًا، فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائِمَ قَدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ، إِذْ صَاحَ فِيهِمْ الشَّيْطَانُ إِنَّ الْمَسِيحَ" -أي المسيح الدجال- "قَدْ خَلَفَكُمْ فِي أَهْلِيكُمْ، فَيَخْرُجُونَ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ، فَإِذَا جَاؤوا الشَّأْمَ خَرَجَ، فَبَيْنَمَا هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتَالِ يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ، إِذْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ -صلى الله عليه وسلم- فَأَمَّهُمْ، فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللَّهِ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ، فَلَوْ تَرَكَهُ لَانْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ، وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ اللَّهُ بِيَدِهِ، فَيُرِيهِمْ دَمَهُ فِي حَرْبَتِهِ" [رواه مسلم: 5157].
والقتل والاقتتالُ مستمرٌّ في هذه الأمَّةِ فيما بينها حتى يأتي أمر الله، أخبر عن ذلك رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تقْتَتِلَ فِئَتَانِ، فَيَكُونَ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ" -وقد وقع ذلك بين علي ومعاوية -رضي الله عنهما- "وَحَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثِينَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ" -وما أكثر مدعي النبوة؛ من عهد مسيلمة الكذاب إلى يومنا هذا- "وَحَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ، وَهُوَ الْقَتْلُ" [متفق عليه].
فالساعة -يا عباد الله-: (لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) [الأعراف: 187].
وأخبر صلى الله عليه وسلم عن قتالنا مع اليهود، وقد وقع، ولهم السيطرة الآن على المسلمين في هذه البقاع، فقال رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمْ الْمُسْلِمُونَ، حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوْ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ" [رواه مسلم: 5203].
فمتى سينطق الحجر والشجر؟ عما قريب -إن شاء الله تعالى-، فاليهود للدجال جنود، قال رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ سَبْعُونَ أَلْفًا عَلَيْهِمْ الطَّيَالِسَةُ" [رواه مسلم: 5237].
وقد أخبر عن بعض أسماء قادةٍ يكونون في آخر الزمان أو صفاتهم، فقال رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ، يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ" [متفق عليه].
وقال رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تَذْهَبُ الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي حَتَّى يَمْلِكَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: الْجَهْجَاهُ" [رواه مسلم: 5183].
وفي رواية: "حَتَّى يَمْلِكَ رَجُلٌ من الموالي، يُقَالُ لَهُ: الْجَهْجَاهُ".
وسيُجتاحُ بيتُ الله الحرام من قبل الحبشة، الذين يدندنون الآن عن بناء سد على نهر النيل، يؤثر سلبا على مصر والسودان، فهل إذا قامت حربٌ إثرَ ذلك سيصل الحبشة إلى الكعبة؟ فإنه: "يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنْ الْحَبَشَةِ" [البخاري: 1591].
يقول النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "كَأَنِّي بِهِ أَسْوَدَ أَفْحَجَ، يَقْلَعُهَا حَجَرًا حَجَرًا" [البخاري: 1595].
في آخر الزمان تكون الملحمةُ الكبرى بالشام، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ فُسْطَاطَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْمَلْحَمَةِ بِالْغُوطَةِ، إِلَى جَانِبِ مَدِينَةٍ، يُقَالُ لَهَا: دِمَشْقُ، مِنْ خَيْرِ مَدَائِنِ الشَّامِ" [سنن أبي داود: 4298].
وفي رواية: "فيها مدينة، يقال لها: دمشق؛ خير منازل المسلمين يومئذ" [رواه الحاكم، وقال: "صحيح الإسناد"].
وأخبر عن فتح القسطنطينية وقد حدث، وعن فتح روما وسيحدث -بإذن الله-، عن أبي قبيل، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي، وَسُئِلَ أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلًا؛ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ؟ فَدَعَا عَبْدُ اللَّهِ بِصُنْدُوقٍ لَهُ حَلَقٌ، قَالَ: فَأَخْرَجَ مِنْهُ كِتَابًا، قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نَكْتُبُ؛ إِذْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلًا قُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلًا" يَعْنِي قُسْطَنْطِينِيَّةَ [مسند أحمد: 11/ 224، رقم: 6645، الصحيحة: 4، وقال الألباني: "وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا"].
-رومية، روما- وقد تحقق الفتح الأول على يد الفاتح العثماني بعد ثمانماية سنة من إخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- بالفتح، وسيتحقق الفتح الثاني -بإذن الله تعالى- ولا بد".
وأخبر صلى الله عليه وسلم عن خراب بلدان بعينها في آخر الزمان، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "عُمْرَانُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَرَابُ يَثْرِبَ، وَخَرَابُ يَثْرِبَ" -أي المدينة المنورة- "خُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ، وَخُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ، فَتْحُ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، وَفَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ خُرُوجُ الدَّجَّالِ"، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى فَخِذِ الَّذِي حَدَّثَهُ أَوْ مَنْكِبِهِ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ هَذَا لَحَقٌّ كَمَا أَنَّكَ هَاهُنَا، أَوْ كَمَا أَنَّكَ قَاعِدٌ" يَعْنِي مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ [سنن أبي داود: 4296].
فخراب المدينة المنورة، بعد عمران بيت المقدس، فهل اقترب أوان هذا الإخبار؟ وهل اقترب خراب المدينة؟
أما عن خراب الكعبة والبيت الحرام، فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "يُبَايَعُ لِرَجُلٍ" -لعله المهدي- "بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، وَلَنْ يَسْتَحِلَّ الْبَيْتَ إِلَّا أَهْلُهُ، فَإِذَا اسْتَحَلُّوهُ فَلَا تَسْأَلْ عَنْ هَلَكَةِ الْعَرَبِ، ثُمَّ تَجِيءُ الْحَبَشَةُ، فَيُخَرِّبُونَهُ خَرَابًا لَا يَعْمُرُ بَعْدَهُ أَبَدًا، هُمْ الَّذِينَ يَسْتَخْرِجُونَ كَنْزَهُ" [مسند أحمد: 13/ 474، رقم: 8114، انظر: الصحيحة: 579].
وجزيرة العرب سيحدث فيها خسف في آخر الزمان، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ" -فَذَكَرَ- "الدُّخَانَ، وَالدَّجَّالَ، وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ -صلى الله عليه وسلم- وَيَأَجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنْ الْيَمَنِ، تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ" [رواه مسلم: 2901].
والعراق والشام ومصر سيصيبها حصار شديد، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: "كُنَّا عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: "يُوشِكُ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنْ لَا يُجْبَى إِلَيْهِمْ قَفِيزٌ وَلَا دِرْهَمٌ" قُلْنَا: "مِنْ أَيْنَ ذَاكَ؟" قَالَ: "مِنْ قِبَلِ الْعَجَمِ يَمْنَعُونَ ذَاكَ" -وها هم الفرس قد استدلوا على مقدرات العراق-، ثُمَّ قَالَ: "يُوشِكُ أَهْلُ الشَّأْمِ أَنْ لَا يُجْبَى إِلَيْهِمْ دِينَارٌ وَلَا مُدْيٌ" قُلْنَا: "مِنْ أَيْنَ ذَاكَ؟" قَالَ: "مِنْ قِبَلِ الرُّومِ" -وها هم الغرب الأوروبي والأمريكي يضيقون الخناق على الشام وأهله، فلسطين والأردن ولبنان وسوريا- ثُمَّ سَكَتَ -جابر بن عبد الله- هُنَيَّةً، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "يَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي خَلِيفَةٌ يَحْثِي الْمَالَ حَثْيًا، لَا يَعُدُّهُ عَدَدًا" قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي نَضْرَةَ وَأَبِي الْعَلَاءِ: أَتَرَيَانِ أَنَّهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ؟ فَقَالَا: لَا" [مسلم: 2913].
وأخبر صلى الله عليه وسلم: أنَّ اقتصادَ كلِّ بلد ليس بأيدي أهله في آخر الزمان، ولكن يستولي عليه غيرهم، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنَعَتْ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا، وَمَنَعَتْ الشَّامُ مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا، وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ" شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ لَحْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَدَمُهُ" [مسلم: 2896].
ومصر حفظها الله -تعالى- سيلحقها الخراب في آخر الزمان، عن مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ: خَرَجْتُ حَاجًّا، فَقَالَ لِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَنَزٍ قَاضِي أَهْلِ مِصْرَ: "أَبْلِغْ أَبَا هُرَيْرَةَ مِنِّي السَّلَامَ، وَأَعْلِمْهُ أَنِّي قَدِ اسْتَغْفَرْتُ الْغَدَاةَ لَهُ وَلِأُمِّهِ"، فَلَقِيتُهُ فَأَبْلَغْتُهُ، قَالَ -أبو هريرة-: "وَأَنَا قَدِ اسْتَغْفَرْتُ لَهُ"، ثُمَّ قَالَ: "كَيْفَ تَرَكْتُمْ أُمَّ حَنْوٍ" -يَعْنِي مِصْرَ-؟ قَالَ: فَذَكَرْتُ لَهُ مِنْ رَفَاهِيَتِهَا وَعَيْشِهَا، قَالَ: "أَمَا إِنَّهَا أَوَّلُ الْأَرْضِ خَرَابًا، ثُمَّ أَرْمِينِيَةُ"، قُلْتُ: "سَمِعْتَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-؟" قَالَ: لَا! وَلَكِنْ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، يَقُولُ: "إِنَّهَا تَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ، فَخِيَارُ أَهْلِ الْأَرْضِ أَلْزَمُهُمْ إِلَى مُهَاجَرِ إِبْرَاهِيمَ، وَيَبْقَى فِي الْأَرْضِ شِرَارُ أَهْلِهَا، تَلْفِظُهُمْ أَرْضُوهُمْ، وَتَقْذَرُهُمْ نَفْسُ اللَّهِ، فَتَحْشُرُهُمُ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ" [المستدرك، للحاكم: 4/ 556، برقم: 8558، وقال الذهبي: "على شرط البخاري ومسلم" وانظر: الصحيحة: 3203]
وتوبوا إلى الله، واستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، واهتدى بهديه إلى يوم الدين.
وبعد:
ألا واعلموا -عباد الله-: أن الفتحَ والنصرَ في آخر الزمان بالذكر والتكبير، كما يكون بالسلاح والعتاد، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "هَلْ سَمِعْتُمْ بِمَدِينَةٍ جَانِبٌ مِنْهَا فِي الْبَرِّ، وَجَانِبٌ مِنْهَا فِي الْبَحْرِ؟!" قَالُوا: "نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ!" قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَغْزُوَهَا سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ بَنِي إِسْحَقَ" -أي مسلمون من غير العرب- "فَإِذَا جَاؤوهَا نَزَلُوا فَلَمْ يُقَاتِلُوا بِسِلَاحٍ، وَلَمْ يَرْمُوا بِسَهْمٍ، قَالُوا: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ" فَيَسْقُطُ أَحَدُ جَانِبَيْهَا" ... "الَّذِي فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ يَقُولُوا الثَّانِيَةَ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ" فَيَسْقُطُ جَانِبُهَا الْآخَرُ، ثُمَّ يَقُولُوا الثَّالِثَةَ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ" فَيُفَرَّجُ لَهُمْ، فَيَدْخُلُوهَا فَيَغْنَمُوا، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْمَغَانِمَ، إِذْ جَاءَهُمْ الصَّرِيخُ، فَقَالَ: "إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَرَجَ" فَيَتْرُكُونَ كُلَّ شَيْءٍ وَيَرْجِعُونَ" [رواه مسلم: 5199].
وهناك أحداث اجتماعية ومعاملات، أخبر عنها رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، يَقُولُ: "إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَكْثُرَ الْجَهْلُ، وَيَكْثُرَ الزِّنَا، وَيَكْثُرَ شُرْبُ الْخَمْرِ، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ، وَيَكْثُرَ النِّسَاءُ، حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ".
وفي رواية: "يَقِلَّ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ" [متفق عليه].
وتروج سوق الكذابين في آخر الزمان بوسائل شتى، وطرقٍ مختلفة، قال رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ كَذَّابِينَ فَاحْذَرُوهُمْ" [متفق عليه].
وأخبر عن انتشار أمور اجتماعية سيئة في آخر الزمان، فعبد الله بن مسعود: ذكر عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ تَسْلِيمَ الْخَاصَّةِ، وَفُشُوَّ التِّجَارَةِ حَتَّى تُعِينَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى التِّجَارَةِ، وَقَطْعَ الْأَرْحَامِ، وَشَهَادَةَ الزُّورِ، وَكِتْمَانَ شَهَادَةِ الْحَقِّ، وَظُهُورَ الْقَلَمِ" [مسند أحمد: 6/ 415، برقم: 3870، الصحيحة: 647].
وأخبر عن عودة كثير من هذه الأمة إلى المعتقدات الفاسدة، والاعتقادات الباطلة، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ، وَحَتَّى تَعْبُدَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي الْأَوْثَانَ، وَإِنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي كَذَّابُونَ ثَلَاثُونَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَلَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ" [رواه أبو داود: 3710].
فكونوا من هذه الطائفة -يا عباد الله-، حتى الطواف بغير البيت الحرام ينتشر في هذه الأمة، فتطوف طوائف منهم حول الأضرحة والقبور، والمقامات والطواغيت، وأكثر من يقوم بذلك النساء، قال رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي الْخَلَصَةِ".
وَذُو الْخَلَصَةِ، طَاغِيَةُ دَوْسٍ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ [متفق عليه].
في آخر الزمان، وعندما لا يبقى مؤمن: "... وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ فِي خِفَّةِ الطَّيْرِ، وَأَحْلَامِ السِّبَاعِ، لَا يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا، قَالَ: فَيَتَمَثَّلُ لَهُمْ الشَّيْطَانُ، فَيَقُولُ: أَلَا تَسْتَجِيبُونَ؟ فَيَأْمُرُهُمْ بِالْأَوْثَانِ، فَيَعْبُدُونَهَا، وَهُمْ فِي ذَلِكَ دَارَّةٌ أَرْزَاقُهُمْ، حَسَنٌ عَيْشُهُمْ ..." [مسند أحمد، ط الرسالة: 11/ 114، برقم: 6555].
ألا واعلموا: أن هناك غرائبَ تخرق العادات، وعجائبَ تخالفُ المألوفاتِ، أخبر عنها تقع في آخر الزمان، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُكَلِّمَ السِّبَاعُ" -أي الوحوش تكلم- "الْإِنْسَ، وَيُكَلِّمَ الرَّجُلَ عَذَبَةُ" -وطرف- "سَوْطِهِ، وَشِرَاكُ نَعْلِهِ، وَيُخْبِرَهُ فَخِذُهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ بَعْدَهُ" [رواه الترمذي: 2181، الصحيحة: 22].
وما رأيناه من وسائلِ الاتصالات الحديثة لا يُبعِدُ وقوعَ الكلامِ من هذه الأشياء المذكورة على وجه الحقيقة.
في آخر الزمان ستطلعُ الشمسُ من مغربها، قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: لِأَبِي ذَرٍّ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ: "أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ؟" قُلْتُ: "اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ!" قَالَ: "فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَتَسْتَأْذِنَ فَيُؤْذَنُ لَهَا، وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ، فَلَا يُقْبَلَ مِنْهَا، وَتَسْتَأْذِنَ فَلَا يُؤْذَنَ لَهَا، يُقَالُ لَهَا: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا) [يــس: 38] قَالَ: "مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ" [متفق عليه].
قال سبحانه لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ) [آل عمران: 44].
فصلَّى الله وسلَّم وبارك على نبينا وآله وصحبه أجمعين.
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [آل عمران: 147].
ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب.
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر: 10].
عبد الله: تمسك بالكتاب والسنة، وعليك بمنهج سلف الأمة.
و (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].