البحث

عبارات مقترحة:

الحفيظ

الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...

المقدم

كلمة (المقدِّم) في اللغة اسم فاعل من التقديم، وهو جعل الشيء...

المتكبر

كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...

التحذير من الربا في الذهب

العربية

المؤلف محمد بن صالح بن عثيمين
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المعاملات
عناصر الخطبة
  1. مظاهر ضعف الإنسان .
  2. تنظيم الشريعة للعبادات والأخلاق والمعاملات .
  3. بعض أدلة الكتاب والسنة والإجماع على تحريم الربا .
  4. أصناف الأموال الربوية وشروط التعامل بها .
  5. حكم بيع الحلي بالدراهم مع عدم قبض الثمن من المشتري .

اقتباس

أيها الناس: إن شريعة الله نظمت للناس طرق معاملاتهم فيما بينهم، كما نظمت طرق أخلاقهم ومعاملاتهم مع ربهم.فالواجب على كل مؤمن بالله واليوم الآخر: أن يدين لله بالطاعة في عباداته وأخلاقه ومعاملاته، ولا يكون كالذين يؤمنون ببعض الكتاب و...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليمًا.

أما بعد:

فقد قال الله -عز وجل-: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا)[النساء: 27 - 28].

هكذا يقرر الله -تعالى- هذه الكلية العامة الشاملة لكل إنسان: إن كل إنسان خُلِق ضعيفًا، خُلِق ضعيفًا في نشأته: (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ)[عبس: 18 – 19].

نطفة، صبابة من الماء المهين.

وخلق ضعيفًا في عِلْمه: (وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً)[الإسراء: 85].

فعِلْمه قليل، ومحفوف بآفتين: جهل قبل العلم، ونسيان بعده، فهو لا يعلم الغيب، ولا يعلم المستقبل، حتى في تصرفاته الخاصة: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا)[لقمان: 34].

خلق ضعيفًا في تصرفه وإدراكه، قد يتصور البعيد قريبًا، والقريب بعيدًا، والنافع ضارًّا، والضار نافعًا، ولا يدرك النتائج التي تتمخص عن تصرفاته.

ومن أجل هذا الضَّعْف، وهذا القصور؛ رحم الله الخَلْق بإرسال الرسل، وأنزل: (مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ)[الحديد:25].

فيسيروا على صراط الله المستقيم، ويستنيروا بهدى الله العليم الحكيم، ولئلا يبتدعوا تشريعات من عند أنفسهم، يسلكون بها المتاهات في الظلم والجور، والنزاع والخلاف، أو يسنوا أنظمةً متناقضةً فوضويةً، إن أصلحت جانبًا من الحياة أفسدت جوانب، أو يتبعوا أهواءهم، ويطلقوا حرياتهم في تصرفاتهم، وفي معاملاتهم، ولا يمكن لشخص أن يطلق حريته بدون قيود، إلا كان ذلك على حساب حرية الآخرين.

ولقد عمي قوم أو تعاموا عن الحق، حيث ظنوا أو زعموا أن شرائع الله -تعالى- إنما جاءت لإصلاح العبادات والأخلاق، دون المعاملات، فاتبعوا أهواءهم في معاملاتهم، فشرعوا القوانين، وتصرفوا كما يشاؤون، فشاركوا الله -تعالى- في شرعه، وعتوا عن أمـره في شريعتـه: (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)[المطففين: 4 – 6].

أفلا يرجع هؤلاء إلى رشدهم، ويتبعون سبيل ربهم، ويلتزمون بشريعته، ويقفون عند حدود، ويقولون: سمعنا وأطعنا، ولا يكونون كالذين قالوا: سمعنا وهم لا يسمعون، أو قالوا: سمعنا وعصينا.

أيها الناس: إن شريعة الله نظمت للناس طرق معاملاتهم فيما بينهم، كما نظمت طرق أخلاقهم ومعاملاتهم مع ربهم.

فالواجب على كل مؤمن بالله واليوم الآخر: أن يدين لله بالطاعة في عباداته وأخلاقه ومعاملاته، ولا يكون كالذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض.

يدين لله في عباداته وأخلاقه، ويتبع هواه في معاملاته، فإنه مسؤول عن ذلك كله.

وكم في كتاب الله -تعالى- وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- من وعد لمن استقام في معاملاته على أمر الله، ووعيد على من تعدى فيها حدود الله.

أيها الناس: لقد حرم الله -تعالى- الربا في كتابه، وفي سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وأجمع على ذلك علماء المسلمين في كل عصر، وفي كل مصر، لم يختلف منهم في تحريمه اثنان، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ)[البقرة: 278 – 279].

وأي جرم في المعاملة أبلغ من معاملة يكون فيها الإنسان معلنًا بحرب الله ورسوله؟

وعن جـابر بن عبد الله -رضي الله عنهمـا- قـال: "لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آكل الربا وموكله، وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء"[مسلم، النسائي (5103) أحمد (1/83)].

ولقد بيَّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يكون فيه الربا، وكيف يكون؛ ففي صحيح مسلم عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثل، سواءً بسواء، يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدًا بيد" [مسلم (1587) الترمذي (1240) النسائي (4561) أبو داود (3349) ابن ماجة (2254) أحمد (5/314) الدارمي (2579)].

وله من حديث أبي سعيد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء"[مسلم (1584) النسائي (4565) أحمد (3/97)].

فبيَّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث: أنه لا يجوز بيع الذهب بالذهب إلا بشرطين:

الأول: أن يكونا سواء في الوزن، لا يزيد أحدهما على الآخر.

والثاني: أن يكون ذلك يدًا بيد، بمعنى أن يسلم كل واحد من الطرفين لصاحبه ما بادله به قبل أن يتفرقا، فإن زاد أحدهما على الآخر فهو ربا، والعقد باطل، وإن تفرقا قبل القبض من الطرفين، فالعقد باطل، وهو من الربا أيضا.

وهكذا إذا بيعت الفضة بالفضة، أو البر بالبر، أو الشعير بالشعير، أو التمر بالتمر، أو الملح بالملح، فلا بد من هذين الشرطين: التساوي والقبض من الطرفين، فلو باع صاعًا من بر بصاع منه وزيادة، فهو ربا، ولو كانت القيمة واحدة.

وعلى هذا، فإذا كان عند امرأتين حلي، وأحبت إحداهما أن تبادل الأخرى، فلا يجوز إلا أن يوزن حلي كل واحدة منهما، فيكونا سواء، وأن تتقابضا قبل التفرق.

وأجاز بعض العلماء: التبادل مع زيادة أحدهما على الآخر، إذا كان مع الناقص شيء يقابل الزيادة، أما إذا بيع الذهب بالفضة، فإنه لا يشترط التساوي، وإنما يشترط التقابض قبل التفرق، بحيث يقبض البائع الثمن كاملًا، ويقبض المشتري ما اشتراه كاملًا، فلو باع شخص سوارين من ذهب بمائتي ريال، وكل واحد يساوي مئةً، فأعطاه المشتري مئة ريال، وأخذ السوارين، وقال: آتي لك بعد قليل ببقية الثمن، فهذا حرام عليهما، ولا يصح البيع، إلا في سوار واحد فقط، أما السوار الثاني فبيعه باطل؛ لأن ما يقابله من الثمن لم يقبض.

ولقد بلغني: أن الصواغ وتجار الحلي، يبيعون الحلي بالدراهم، ولا يقبضون الثمن من المشتري، وهذا حرام عليهم، وحرام على المشتري، وهو من الربا الملعون فاعله على لسان محمد -صلى الله عليه وسلم-، وفي ظني أن بعضهم لا يدري عن حكم هذه المسألة، وإلا فلا أظن أن مؤمنًا بالله واليوم الآخر، يعلم أن هذا ربًا، ثم يتعامل به، لا سيما وإن في التقابض سلامةً من الربا، ومصلحةً للطرفين، فالبائع ينتفع بنقد الثمن، ويسلم من مماطلة المشتري، أو نسيانه، أو إعساره، والمشتري يفك ذمته بتسليم الثمن، وخلو ذمته من الطلب.

وقد يفتي بعض المتعاملين بهذا نفسه، فيقول: أنا لم أبع ذهبًا بفضة، وإنما بعت ذهبًا بقرطاس، فنقول: هذه الفتوى غلط، فإن هذه الأوراق جعلت نقدًا، وعملةً بين الناس، بمقتضى قرار الحكومة، فلها حكم ما جعلت بدلًا عنه، فإذا جعلت بدلًا عن الريالات الفضية، كان لها حكم الفضة، وكل أحد يعلم بأن هذه الأوراق النقدية ليس لها قيمة باعتبار كونها ورقًا، فالأسواق مملوءة من قصاصات الورق التي بقدر ورقة النقد، وليس لها قيمة أصلًا، بل هي ملقاة في الزبل للإتلاف والإحراق.

فاتقوا الله -عباد الله- وسيروا في عباداتكم ومعاملاتكم، وجميع تصرفاتكم على شريعة الله، ولا تتبعوا أهواءكم، فإن الله يقول: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)[القصص: 50].

اللهم اهدنا صراطك المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

اللهم جنبنا صراط أصحاب الجحيم، صراط المغضوب عليهم والضالين.

اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبسًا علينا فنضل، إنك تهتدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.