المحيط
كلمة (المحيط) في اللغة اسم فاعل من الفعل أحاطَ ومضارعه يُحيط،...
العربية
المؤلف | عبد الله بن محمد الخليفي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
التبرج -أيها المسلمون-: بأنواعه المختلفة، خطر محقق على المال والصحة والأخلاق. فأما خطره على المال؛ فلأنه يتطلب البذل الكثير، والانفاق الكثير فيما لا خير فيه من صنوف الملابس، وأدوات الزينة، وتتبع المستحدث منها دائما. وقد تكون الأسرة والبيت في حاجة شديدة إلى ما ينفق في هذا السبيل، فإنفاقه في التبرج طغيان على...
الخطبة الأولى:
الحمد لله: (الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)[التوبة:33].
أحمده تعالى حمد عبد امتثل أمر ربه، وتأدب بأدب الإسلام.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك العلام، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله الداعي إلى دار السلام.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، وقوا أنفسكم وأهليكم نارا.
وابتعدوا -رحمكم الله-: عن كل ما يعود عليكم ودينكم ومجتمعكم بالضرر، وحافظوا على أوامر الله.
وأنتن -أيتها المسلمات- عليكن الوقوف عند الحد المشروع لكن، وتأدبن بما أدب الله به نساء نبيه: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)[الأحزاب:33].
والمراد ب"التبرج": أن تبدي المرأة محاسنها، وما خفي من زينتها، لمن لا يحل له أن يرى ذلك؛ مثل أن تظهر للأجانب من الرجال في المنزل، أو في الطريق، أو غيرها؛ كالأسواق والمتاجر، وهي عارية الصدر، أو مكشوفة الذراعين، أو الساقين، أو مصبوغة الوجه، بألوان الزينة، أو براقة الملبس إلى حد غير مألوف، أو مثل أن تتثنى وتتكسر في مشيتها، أو تتصنع في ترقيق كلامها، وتنعيم صوتها، أو تلبس الملابس الشفافة التي تنم عن جسمها، أو الضيقة التي تحدد أعضاءها، وتضيق أجزاءها، وتظهر على الناس شبه عارية، أو متزينة متعطرة، وهذا أقبح أنوع التبرج وأشدها خطرا على الأخلاق والفضيلة.
والتبرج -أيها المسلمون-: بأنواعه المختلفة، خطر محقق على المال والصحة والأخلاق.
فأما خطره على المال؛ فلأنه يتطلب البذل الكثير، والانفاق الكثير فيما لا خير فيه من صنوف الملابس، وأدوات الزينة، وتتبع المستحدث منها دائما.
وقد تكون الأسرة والبيت في حاجة شديدة إلى ما ينفق في هذا السبيل، فإنفاقه في التبرج طغيان على الحقوق الواجبة، ينشأ عنه في كثير من الأحوال النزاع بين الزوجين، وتكدير صفو الحياة منعوا الزوجية.
وأما خطره على الصحة، فلأن طلاء الوجه بالأصباغ يشرع في تغضين الجلد وإضعافه.
ولأن ضيق الملابس والأحذية، وارتفاع أعقابها يعوق نمو الأعضاء، ويضعف المعدة، ويحدث الصداع وآلام الرأس، وربما قضى على الأجنة أو أضر بها، هذا إلى أنه يمنع سهولة الحركة، وأداء الأعمال بخفة ونشاط، إلى غير ذلك مما عرفه الأطباء، وبينوه للناس.
وأما خطره على الأخلاق، فلأنه يبعث الفتنة، ويغري بالفساد، ويشغل المرأة عن مهماتها، ورعاية شؤون بيتها وأولادها، وقد يثير الشكوك حولها، ويدعو الرعاع إلى التعرض لها، وإيذائها بما لا ترضاه ذات شرف وعفاف ودين.
ومن العجب: أن بعض النساء في بلادنا يبالغن في التبرج محاكاة لبعض نساء الأمم الغربية.
فحاسبوا أنفسكم -عباد الله-: واجتهدوا في تربية أولادكم وأهليكم تربية صحيحة خالية من مفاتن الغرب وخلاعاته التي غزت الأخلاق، وأخذت تتسرب على المعاني العربية، والآداب الإسلامية، وتحطم ما أمامها من أخلاق كريمة، وعادات فاضلة، وآداب عالية.
ولهذا كله حرم الدين التبرج، ونهى الله عنه بقوله مخاطبا أمهات المؤمنين "نساء النبي": (وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)[الأحزاب:33].
والنهي هنا وإن كان موجها لأمهات المؤمنين يشمل غيرهن أيضا.
وأمر المؤمنات بالتصون والبعد عن التبرج بقوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ)[الأحزاب: 59].
وليس معنى هذا: أن تترك المرأة زينتها، أو تهمل التجمل اللائق بها، فإن الزينة والتجمل في حدود الاقتصاد والحشمة، من ألزم الأمور لها، وتركهما إساءة وتقصير لا يرضاها الدين.
ولكن المقصود: أن لا تبدي زينتها للأجانب عنها، وإنما تبديها لزوجها، ومن تضطر إلى معاشرتهم، والاختلاط بهم، من محارمها كأبيها وأبنائها وأبناء زوجها وإخوانها وأبنائهم.
فاحفظي -أيتها المسلمة-: إسلامك يحفظك الله، وتأدبي بآدابه يجملك ويجعل منك خير قدوة للصالحات، والتزمي الأدب الكامل، والخير والاندفاع، وراء الفضائل المشروعة، من غير خروج عن العادات والتقاليد الإسلامية المجيدة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)[الأحزاب:59].