البحث
كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...
العربية
المؤلف | نايف بن حمد الحربي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
إذا كانَ التَسلِيمُ لأمرِ اللهِ مِن حيثُ الـمَبدأُ, واليَقينُ بأنَّ العَاقِبَةَ لأهلِهِ, بَدَهِيَتَانِ لا نِزَاعَ فيهِما بينَ أهلِ الإسلامِ, فإنَّ التَفَطُّنَ لِمَا مَضى مِن تَقعِيد, ليسَ هوَ مِن بابِ التَرَفِ المعرِفِي, وإنَّمَا هيَ حَقَائِقُ ثَابِتةٌ, لِسُنَنِ اللهِ الجَارِيَة, فيها إشَارَةٌ إلى أنَّ مَن أَرَاد نُصرَةَ الحَقِّ لَمْ تَكُن أَمانِيهِ وحَدَهَا كَفِيلَةٌ بتَحقِيقِ ذلِك, وكذا مَن وَدَّ زَوالَ السُوء, ولكنْ لا بُدَّ مِن سَعيٍ لإبطالِ هذا, وإظهَارِ ذاك, ومَن لَم يَستَطِعْ حِيلَةً, أو لَم يَهتَدِ سبيلا, فلا أَقلَّ مِن أنْ لا يَكونَ أداةً في يَدِ مَن يُريدُ فَرضِ الضلال؛ إذْ إنَّ امتِنَاعُكَ عن الظُلمِ هو في حَدِّ ذَاتِهِ نُصرَةٌ للمظلُوم ...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ مُسبِغِ النِعَم, ودَافِعِ النِقَم, واسِعِ الكَرَم, ولا غَرو, فرَبِّي بَارِئُ النَسَم, في الأولى: أَوجَدَ الخَلقَ مِن عَدَم, وفي الأخرى: الرُوحَ في البَدَنِ يَنفُخُ فيَستَحِيلُ خَلْقاً سَوِياً بعدَ ما أَرِم, عِندَهَا: مَن كانَ برَبِّهِ آمَنَ فقد سَلِم, ومَن كانَ لرَبِّهِ نَاكف, فقد خَابَ إمَاماً, وخَسِرَ به مُؤْتَمًا, وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ وسَلَّمَ وبارَكَ عليه، وعلى آله وصحبِهِ, وتابِعِيهِم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
أما بعد: فعَلَيْكم بتقوى اللهِ عبادَ الله، تُورِثُكُم صِدقَ اللَهجَةِ, وقَبُولَ الخَلْقِ, ولا غَرو, فهي نَتَاجُ مَحَبَّةِ الله (فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) [آل عمران: 76]، وفي الأَثَر: "إذا أَحَبَّ اللهُ عَبْداً نَادَى..." .
معاشرَ المسلمين:
الـمَبَادِئُ والأفكَارُ تَظَلُ ضَربَاً مِن نَسجِ الخَيَال, ما لم يَتَبَنَاهَا مَن يُتَرجِمُهَا إلى حَقيقَةٍ في وَاقِعِ الحَال, وأصحَابُهَا في ذَواتِهِم لا يُغنُونَ عنها شَيئا, ما لم يَكُنْ لَهُم ثَمَّةَ تَابِعٌ, يُؤمِنُ بِمَبَادئهم, ويَنتَصِرُ لأفكَارِهِم, لَهَا يَنشُر, وعنهَا يُنَافِح, هذهِ سُنَّةٌ كَونية, مَن حَاوَلَ تَجَاهُلَهَا, طَوتْهُ الليالي في صَفَحَاتِ النِسيَان, وإليكم بَعضاً مِن شَوَاهِدِهَا:
ففي خَبَرِ عَليٍّ بنِ أبي طَالِبٍ -رضيَ اللهُ عَنهُ- مع أهلِ الكُوفَةِ؛ لَمَّا قَاتَلَ بِهِمُ الخَوارِجَ ثُمَّ دَعَاهُم إلى قِتَالِ أهلِ الشَام, خَارتْ عَزَائِمُهُم, وأخذَوا يَتَسَلَلُونَ عَنهُ لِواذًا, عِندَهَا: انخَرَمَ رَأيُهُ, وانفَرَطَ عِقدُهُ, ولَمْ يَشفَعْ لَهُ كَيمَا يَبْسُطَ سُلطَانَهُ على الشَامِ أنَّهُ خَلِيفَةُ الـمُسلِمينَ بِحَقٍّ؛ إذْ لم يَكُن مَعَهُ ثَمَّةَ نَاصِر!!
بَلِ الأمرُ أعلَى مِن ذلِك, فَبَنُو إسرائيلَ لَمَّا امتَنَعُوا مِن دُخولِ الأرضِ الـمُقَدَّسَة, لَم تَكنْ نُبُوةُ موسى -عليه الصَلاةُ والسلامُ- وحدَهَا شَافِعَةً لَهُ لِيَتَمَكَنَ مِن دُخُولِ الأرضِ الـمُقَدَّسَةِ بِلا أنصَار, حتى قُبِضَ -عليه الصَلاةُ والسلامُ- وبَنو إسرائيلَ في التِيهِ!!
وإنْ شِئتَ فالأمرُ أَوسَعُ مِن ذَلِك, فإبلِيسُ, وهو إبليس, لا يَتَمَكَنُ مِن إغواءِ الخَلْقِ بلا أتبَاع, ففي صحيحِ مُسلِمٍ مِن حَدِيثِ جَابِرٍ-رضيَ اللهُ عَنه- "إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً ..." !!
وانظُر إلى المبَادئِ التي تَمُوجُ الأرضُ بِهَا اليوم, يُنشِئُهَا فَرْدٌ, فيَتَبَناها أَتبَاعُهُ, لِكِنَّمَا بَقَاؤهَا مَرهُونٌ بِقَبُولِ النَّاسِ بها, وتَسلِيمِهِم لِسُلطَانِهَا - حَاشَا دِينُ رَبِّ العَالَمينَ مَنشَأ, وبَقَاء- والحَالُ يَنسَحِبُ على إيجَادِ الظَلَمَة, وَصُنْعِ الجَبَابِرَة؛ إذْ لا جَبَابِرَةَ بِلا أتبَاع (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ) [الزخرف: 54].
ولا ظُلاَّمَ بِلاَ أُنَاسٍ قد اُستُخدِمُوا كأدواتٍ لِفَرضِهِ (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا) [يونس: 90]، (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) [القصص: 39]، ولِكُلٍّ على أَفعَالِهِ دَوَافِع, وعلى مَسَالِكِهِ مُبَرِرات, لَكِنَّمَا الإسلاَمُ دِينٌ لَوْ سَجَدَ بَنُوهُ مُذْ أنْ يَعقِلُوهُ حتى تُفَارِقَ أَرواحُهُم أجسَادَهُم؛ شُكْراً لربِّهِم أنْ هَدَاهُم لَهُ, لَمَا أَوفَوا رَبَّهُم حَقَّ شُكْرِه؛ إذْ إنَّهُ لَم يَجعَل لأحَدٍ مِن البَشَرِ دُونَ رَسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- طَاعَةً مُطلَقَة, وإنِّمَا الطَاعَةُ بالمعرُوف, وتَرْجَمَتُهَا: "أَطِيعُونِي مَا أَطَعتُ اللهَ فِيكُم, فإن عَصَيتُ اللهَ فلا سَمعَ ولا طَاعة" فالموازينُ ثَابِتَة لا تَمِيلُ بِهَا الأهواءُ, ولا تَختَرِمُهَا الأدوَاءُ.
ومع هذا, لا عَجَبَ مِن إيغَالِ مَن بَغَى في غَيه؛ إذْ إنَّهُ قد يَكونُ تَمَلَّكَهُ مِن جُنُونِ العَظَمَةِ مَا يَرى مَعَهُ أنَّ في إقصَارِهِ عَنِ الغَي دَلِيلَ عَجْزٍ, لَكِنَّمَا العَجَبُ مِمَّن قَد اُستُخدِمُوا كأدوَاتٍ في هذا الإيغَال؛ إذْ إنَّ القَضِيَةَ لا يُنظَرُ حَالَ قِيَاسِهَا إلى مَعاييرِ الدُنيا وحَسْب, وإنِّمَا هُنَاكَ مَعَايِيرٌ لا بُدَّ مِن الوُرُودِ عليها (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) [الأنبياء: 47].
فمَن أَدرَكَ هذهِ الحَقيقَةَ مُبَكِراً عَتقَ مِن الانقِيَادِ لِغَيرِ اللهِ, وحَلَّقَ في فَضَاءٍ لا يَحجُبُ الضِيَاءَ فيهِ عَبَاءُ الظَلَمَة؛ إذْ إنَّهُ والحَالُ هذهِ قد عَبَرَ بآلامِهِ وآمَالِهِ مِن حُدُودِ الدُنيا إلى فَضَاءِ الآخِرَة (قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [طه: 72- 73].
ومَن لَمْ يُدرِكْ قَبلَ مَوتِهِ, وتَحَقُقِ فَوتِهِ, فَسَيُدْرِكُ, ولَكنْ حينَ لا يَنفَعُهُ الإدرَاكُ (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا) [الأحزاب: 66- 68].
ثُمَّ مَا أَعظَمَ غَبنَ مَن اُستُخْدِمُوا كَعَتَبَاتٍ يُرتَقَى عليهم لِنَيلٍ مَسَاخِطِ اللهِ, فَسَعيُهُم مَكفُور, والصِلَةُ بِهِم مُنكَرَة, الإثْمُ لَهُم لازِم, وحُجَتُهُم دَاحِضَة؛ إذْ أنَّ اللهَ قد خَلَقَكَ لِتَكُونَ عَبْداً لَهُ, ولَهُ وَحدَهُ, ومُقتَضَى هذا: أنْ تَنأى عن كُلِّ أَمرٍ بامتِثَالِهِ تُخَالِفُ الحِكمَةَ مِن إيجَادِك, فمَن أَغرَاكَ بالعِصيَان, وإنْ تَضَاعَفَ حِملُهُ مِن الآثَام, تَأَكَدْ: أنَّهُ لَن يَحمِلَ مِن آثَامِكَ شَيئا (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) [النحل: 25]، وتَبقَى الحَقيقةُ (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) [الإسراء: 15] (وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ) [العنكبوت: 15].
بل الألَمُ على الرُوحِ أَشَد, والحَسرَةُ في النَفْسِ تَنكَأُ جِرَاحَهَا؛ إذا ما عَايَنْتَ مَن اتَخَذَكَ مَطِيَةً لِنَيلِ مآرِبِهِ في مَسَاخِطِ الله مِن وَراءكَ يَتَبَرأُ مِنكَ !!
فكيفَ إذا عَلِمتَ: أنَّ تَبَرُؤَهُ مِنكَ لَن يُقبَل, ومع هذا فَشِرْكَهُ لَكَ في العَذَابِ لا يُغنِ عَنكَ مِن العذابِ شَيئا ؟! وإنِّمَا هيَ حَسرَةٌ تَقفُوهَا حَسَرات, هُنَّ في مَجمُوعِهنَّ نَتَاجُ غَفَلات (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ) [البقرة: 166]، (قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ) [ق: 27]، (قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ) [سبأ: 32]، (قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ) [القصص: 33] (وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) [الأعراف: 39]، وتَمَامُ الحَسرَةِ (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ) [الزخرف: 39]، ومَآلُ الـمَساعِي (كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ) [البقرة: 167].
أقول هذا القول, وأستغفر اللهَ...
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ أَمرُهُ لِحِكْمَةٍ, وقضاؤُهُ بِقَدَر, عَلِمَ أَعمَالَ عِبَادَهُ ما استَكَنَّ مِنهَا ومَا بَدَر, الكُلُّ في عِلمِهِ سَابق؛ إذْ باللَوحِ قد سُطِر, فالمغبُونُ مَن عن دُرُوسِهَا سَها, والـمُوَفَقُ مَن بِدُرُوسِهَا اعتَبَر, نَسألُهُ في الدينِ والدُنيا عَافِيَةً, وأنْ نَكُونَ مِمَّن بِمَوَاعِظِهِ ادَكَر, وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد, وعلى آله وصحبه والتابعين, ما هلَّ هِلاَلٌ, وعندَ تَمَامِهِ, وحَالَ مَا أَبْدَر..
أمَّا بعدُ أهلَ الإسلام:
إذا كانَ التَسلِيمُ لأمرِ اللهِ مِن حيثُ الـمَبدأُ, واليَقينُ بأنَّ العَاقِبَةَ لأهلِهِ, بَدَهِيَتَانِ لا نِزَاعَ فيهِما بينَ أهلِ الإسلامِ, فإنَّ التَفَطُّنَ لِمَا مَضى مِن تَقعِيد, ليسَ هوَ مِن بابِ التَرَفِ المعرِفِي, وإنَّمَا هيَ حَقَائِقُ ثَابِتةٌ, لِسُنَنِ اللهِ الجَارِيَة, فيها إشَارَةٌ إلى أنَّ مَن أَرَاد نُصرَةَ الحَقِّ لَمْ تَكُن أَمانِيهِ وحَدَهَا كَفِيلَةٌ بتَحقِيقِ ذلِك, وكذا مَن وَدَّ زَوالَ السُوء, ولكنْ لا بُدَّ مِن سَعيٍ لإبطالِ هذا, وإظهَارِ ذاك, ومَن لَم يَستَطِعْ حِيلَةً, أو لَم يَهتَدِ سبيلا, فلا أَقلَّ مِن أنْ لا يَكونَ أداةً في يَدِ مَن يُريدُ فَرضِ الضلال؛ إذْ إنَّ امتِنَاعُكَ عن الظُلمِ هو في حَدِّ ذَاتِهِ نُصرَةٌ للمظلُوم (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2]، وعِندَ البخاري: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: «تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ».
ومَن لَم يَجد على السُوءِ أعواناً لَم يَجرُؤ عليه, وفي الأثر: «إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا لِلَّهِ إِلَّا بَدَّلَكَ اللَّهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ»، هذا هو الموقِفُ الذي يَجِبُ أنْ يَتَبَنَاهُ أهلُ الإسلامِ كَافَةً, إزَاءَ كُلِّ مَوقِفٍ تَظهَرُ فيهِ مُنَاكَفَةُ أمرِ الله, أيّاً كان مَصدَرُهُ, وضَمَانُ النَجَاحُ في هذا الـمَسعى هو: التَعَلُّقُ بالله, وصِدقُ اليقينِ بما لديهِ.
أمَّا مَن رَضِيَ لِنَفْسِهِ -رَغبةً, أو رَهبَةً- أنْ يَكُونَ عَتَبَةً لِباغٍ يَرتَقِي عليها لبُلوغِ أهدافِهِ, فحقيقةُ حَالِهِ كفقيرِ نَصَارى, لا دُنيا ولا آخِرَة, ومَن تَضّمَّخَ مِن هذا بشيء, فليكنْ عَونُهُ على الانعِتَاق مِنهُ (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ * أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ * أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الملك: 20- 22].
أصلَحَ اللهُ الحال, ونَفَعَ بالـمَقَال, وأَجَارنَا مِن غَلَبَاتِ الهَوى, وميلهِ إذا مَال..
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين, ...