الشكور
كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...
العربية
المؤلف | صالح بن عبد الرحمن الخضيري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
عباد الله: إنكم في نعم عظيمة لم يعرفها آباؤكم الذين مضوا، لقد أصبح الناس ينسجون وأنتم تلبسون، وأصبح الناس يُنتجون وأنتم تركبون، وأصبح الناس يزرعون وأنتم تأكلون. قال بكر بن عبد الله المزني: "يا ابن آدم إذا أردت أن تعلم قدرَ ما أنعم الله عليك، فغمض عينيك". وقال رجل لأبي حازم -رحمه الله-: ما شكر العينين؟ قال: إن رأيت بهما خيراً أعلنته، وإن رأيت بهما شراً سترته. قال: فما شكر الأذنين؟ قال: إن سمعت بهما خيراً وعيته، وإن سمعت بهما شراً أخفيته. قال: فما شكر اليدين؟ قال...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، اللهم لك الحمد كُلُّهُ، ولك الشكر كلُّه، وإليك يرجع الأمر كله، لك الحمد أن هديتنا للإسلام، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، ولك الحمد على نعمك الظاهرة والباطنة لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الشكور الرزاق لرؤف الرحيم: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [فاطر: 2].
وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله وخليله وأمينه، سيد الشاكرين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فأوصيكم ونفسي -أيها المسلمون-: بتقوى الله -عز وجل-، وحسن عبادته، والقيام بشكره على نعمه التي تفوق العَدَّ والحصر: (فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [آل عمران: 123].
أيها المسلمون: اذكروا نعم الله عليكم، وإحسانه إليكم، هداكم للإسلام، وجعلكم من خير أمةٍ أُخرجت للناس ومنَّ عليكم بنعمةِ إرسالِ سيدِ الأولين والآخرين، وجعلكم من أتباعه؛ فيا لها من نعمة ما أعظمها، ومنة ما أجلها.
إن الهداية للإسلام أعظمُ النعم، فقولوا: (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ) [الأعراف: 43].
أما أوجدكم من العدم؟ وأسبغ عليكم جزيل النعم؟ وصرف عنكم عظيم النقم؟ قال العظيم المنان -جلَّ جلاله- وتقدست أسماؤه: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) [لقمان: 20].
وقال سبحانه: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [الحـج: 65]
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) [فاطر: 3].
أما تابع نعمه عليكم؟ أما سخر لكم المراكب البرية والبحرية والجوية لتحملكم إلى الأقطار البعيدة في زمن قصير، مع الراحة والاطمئنان؟ أما كرّمكم ورزقكم؟ قال سبحانه: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) [الإسراء: 70].
فكروا -أيها العقلاء- هل هناك نعمةٌ ليس لله -تعالى- فيها يد؟ بل: (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ)[النحل: 53].
(وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) [النحل: 18].
واستمعوا إلى قول جل وعلا في سورة النعم "النحل" يقول سبحانه مذكراً بشيءِ من نعمه وآلائه العظيمة: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ * وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ)[النحل: 10-17].
وقال سبحانه في هذه السورة أيضا: (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) [النحل: 72].
وقال سبحانه فيها: (وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ * وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ * فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ *يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ)[النحل: 78-81].
الله أكبر إنها نعمٌ عظيمة: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) [النحل: 18].
عباد الله: إنكم في نعم عظيمة لم يعرفها آباؤكم الذين مضوا، لقد أصبح الناس ينسجون وأنتم تلبسون، وأصبح الناس يُنتجون وأنتم تركبون، وأصبح الناس يزرعون وأنتم تأكلون.
يا ابن آدم: تذكر نعم الله عليك في أمنك، ورغد عيشك، وصحتك وسلامة جسمك، وإياك أن تستعمل منافع هذا البدن فيما حرّم الله.
تذكر نعمة العقل، ونعمة السمع والبصر والنطق: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) [الإسراء: 36].
قال بكر بن عبد الله المزني: "يا ابن آدم إذا أردت أن تعلم قدرَ ما أنعم الله عليك، فغمض عينيك" [كتاب الشكر، ص157].
قال رجل لأبي حازم -رحمه الله-: ما شكر العينين؟
قال: إن رأيت بهما خيراً أعلنته، وإن رأيت بهما شراً سترته.
قال: فما شكر الأذنين؟
قال: إن سمعت بهما خيراً وعيته، وإن سمعت بهما شراً أخفيته.
قال: فما شكر اليدين؟
قال: لا تأخذ بهما ما ليس لهما، ولا تمنع حقاً لله هو فيهما.
قال: فما شكر البطن؟
قال: أن يكون أسفله طعاماً وأعلاه علماً.
قال: فما شكر الفرج؟
قال: كما قال الله -تعالى-: (إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) [المؤمنون : 6].
وقوله: (فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) [المؤمنون: 7].
قال: فما شكر الرجلين؟
قال: إن رأيت حيّاً غبطته استعملت بهما عمله وإن رأيت ميتاً مقته كففتهما عن علمه وأنت شاكر لله".
وأمَّا من شكر بلسانه ولم يشكر بجميع أعضائه؛ فمثله كمثل رجل له كساء، فأخذ بطرفه ولم يلبسه فلم ينفعه ذلك من الحر والبرد والثلج والمطر" [كتاب الشكر لأبي الدنيا، ص130].
وجاء رجل إلى يونس بن عبيد -رحمه الله- يشكو ضيق حاله، فقال له يونس: أيسرُّك ببصرك هذا الذي تبصر به مائة ألف درهم؟ قال الرجل: لا.
فذكّره نعم الله عليه، ثم قال يونس: أرى عندك مئين ألوف وأنت تشكو الحاجة.
إن الشكر -يا عباد الله-: هو الثناء على المحسن بما أولاه من المعروف.
ومن أسماء الله الحسنى: "الشاكر والشكور" وهو الذي يشكر القليل من العمل، ويغفر الكثير من الزلل، ويضاعف للمخلصين أعمالهم بغير حساب، ويشكر الشاكرين، ويذكر من ذكره، ومن تقرّب إليه بشيءٍ من الأعمال الصالحة تقرّب الله منه أكثر"[أ. هـ من تفسير السعدي 5/304].
هذا ولقد كان الرسل والأنبياء أكملَ الناس لله شكراً، فنبينا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي حتى تفطرت قدماه من طول القيام، فقيل له: لم تصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: "أفلا أكون عبداً شكوراً".
وقال تعالى عن نوح -عليه السلام-: (إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) [الإسراء: 3].
وقال عن داود وسليمان -عليهما السلام- أنهما قالا: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) [النمل: 15].
كما أمر الله -جل وعلا- المؤمنين بشكره، فقال: (كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ) [سبأ: 15].
وقال تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ) [البقرة: 152].
وشكر الله سببٌ للرضى عن العبد، قال تعالى: (وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) [الزمر: 7]ٍ.
وفي الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها"[رواه مسلم].
واعلموا -عباد الله-: أن أركان الشكر ثلاثة:
الأول: الإقرار بالنعمة للمنعم -سبحانه- فيعترف المرء بأن هذه النعم إنما حصلت له بفضل الله وتوفيقه لا بحول العبد ولا قوته.
الثاني: أن يتحدث بهذه النعم، فيثني على الله بلسانه، ويسخر جوارحه في عبادة الله.
الثالث: أن يستخدم هذه النعم في كل ما يرضي المنعم -جل وعلا-، فلا تكون هذه النعم من أسباب الأشر والبطر، بل تكون عوناً له على عبادة الله.
أيها المسلمون: اعلموا: أن أكثر الناس قد غفلوا عن شكر الله -عز وجل-، قال سبحانه: (إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ) [البقرة: 243].
فإياكم أن تكونوا منهم بل كونوا من القليل الذين قال الله فيهم: (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ: 13].
عباد الله: احذروا من أسباب زوال النعم عنكم، واعتبروا بمن حولكم، ألا وإن من أعظم أسباب زوال النعم وتحولها: مخالفة أمر الله وأمر رسوله، وارتكاب المحرمات، قال تعالى: (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ*أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف: 99].
فنعوذ بالله من الأمن من مكره، ونعوذ بالله من أخذه إيانا بغتة، ونعوذ بالله من زوال نعمته، وتحول عافيته وفجاءة نقمته وجميع سخطه.
ورأس الشكر: حمدُ الله -سبحانه-، وترك معصيته، فطوبى لكل عبد شكور، وهنيئاً للشاكرين بدخول جنات النعيم، والنظر إلى وجه الله الكريم الذين أخلصوا توحيدهم لله، وشكروا لوالديهم، وقاموا بأداء الحقوق والواجبات، وابتعدوا عن المحرمات، أولئك لهم عقبى الدار.
جعلني الله وإياكم من الشاكرين، ووفقنا أجمعين.
أقول هذا القول....
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله-: واعلموا: أن الشكر نصف الإيمان، وأن النعم موصولة به.
أيها المسلمون: إن من نعم الله القريبة منا: ما أنزل علينا من الماء وبركات السماء، فلله الحمد والمنة، على هذا المطر المبارك، والماء الطهور الذي به حياة الناس والزرع والحيوان، قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) [الأنبياء: 30].
وهو القادر على أن يجعله مراً أو مالحاً، فلا ينتفع الناس منه: (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ) [الواقعة: 70].
أنزله سبحانه من أعلى ليعمَّ بسقيه المرتفعات والمنخفضات بقدر الحاجة، فإذا أخذت الأرض من هذا الماء حاجتها، وكان تتابعه عليها بعد ذلك يضرها أقلع عنها وأعقبه بالصحو.
فاشكروا الله -أيها المسلمون-: على رحمته وفضله: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) [الشورى: 28].
عباد الله: احذروا من أسباب زوال النعم عنكم، واعتبروا بمن حولكم ولا تكونوا من الغافلين، ألا وإنَّ من أعظم أسباب زوال النعم وتحولِها: مخالفة أمر الله وأمر رسوله وارتكاب المحرمات، قال تعالى: (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)[الأعراف: 97-99].
فنعوذ بالله من الأمن من مكره، ونعوذ بالله من أخذه إيانا بغتة، ونعوذ بالله من زوال نعمته وتحول عافيته وفجاءة نقمته وجميع سخطه.
اللهم اجعلنا من الشاكرين، ووفقنا لما تحبه وترضاه يا كريم، آمين...