البحث

عبارات مقترحة:

الأكرم

اسمُ (الأكرم) على وزن (أفعل)، مِن الكَرَم، وهو اسمٌ من أسماء الله...

المليك

كلمة (المَليك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعيل) بمعنى (فاعل)...

الجواد

كلمة (الجواد) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعال) وهو الكريم...

أسس الجوار

العربية

المؤلف عبد الله المؤدب البدروشي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. الإحسان إلى الجار .
  2. كف الأذى عنه .
  3. احتمال الأذى منه . .

اقتباس

.. فإن كنت -أيها المؤمن- لا تستطيع ألا تعبد الله، ولا يمكنك أن تهمل والديك، ولا يحق لك أن تهجر قريباً، ولا يحل لك عدم الرفق باليتامى والمساكين - فإنه لا يجوز لك بحال من الأحوال في هذا الدين القيم أن تؤذي جيرانك؛ فكما أنّ ترك العبادة حرام، إهمال الوالدين حرام قطيعة الرحم حرام، والتكبر عن اليتامى والمساكين حرام؛ فكذلك أذى الجار حرام

 

 

 

الحمد لله الذي ألف بالإسلام بين قلوب المؤمنين، وأوصى بالإحسان بين الأهل والجيران و الأقربين؛ أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أمر بالتراحم بين المؤمنين ونهى عن الأذى في كتابه المبين، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمداً عبده ورسوله إمام المتقين والرحمة المهداة للناس أجمعين، اللهم صل وسلم عليه في الأولين والآخرين، وارض اللهم على آله الأكرمين الأطهرين وعلى صحابته الغر الميامين، وعلى من تبعهم بإحسان وحسن يقين، اللهم واحشرنا تحت لوائه المتين واجعله شفيعنا وقائدنا إلى جوارك الأمين.

 

أما بعد:

 

إخوة الإيمان والعقيدة: جاء في كتاب المسند للإمام أحمد رضي الله عنه أن رجلاً من الأنصار قَالَ: "خَرَجْتُ مَعَ أَهْلِى أُرِيدُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- وَإِذَا أَنَا بِهِ قَائِمٌ وَإِذَا رَجُلٌ مُقْبِلٌ عَلَيْهِ فَظَنَنْتُ أَنَّ لَهُمَا حَاجَةً فَجَلَسْتُ فَوَاللَّهِ لَقَدْ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى جَعَلْتُ أَرْثِى لَهُ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَقَدْ قَامَ بِكَ هَذَا الرَّجُلُ حَتَّى جَعَلْتُ أَرْثِى لَكَ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ. قَالَ: "أَتَدْرِى مَنْ هَذَا؟". قُلْتُ لاَ. قَالَ: "ذاكَ جِبْرِيلُ يُوصِينِى بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَلَّمْتَ عَلَيْهِ لَرَدَّ عَلَيْكَ السَّلاَمَ".

الوصية بالجار أسسها وشيدها الإسلام على ثلاث ركائز هي: الإحسان إلى الجار، وكف الأذى عنه، واحتمال الأذى منه.

أما الإحسان إلى الجار فأساسه: أمر الله ورسوله. الله جل جلاله لما خلق آدم عليه السلام لم يتركه وحده بل خلق منه زوجه يقول الله جل وعلا: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) ليطمئن إليها ليتآلف معها فالألفة والتقارب والتعايش جبلة وفطرة بذرها فينا خالقنا المبدع (فطرة اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا).

فالإنسان مدني بطبعه اجتماعي بفطرته يعيش على تبادل النفع والانتفاع وإسلامنا دين الحق (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقّ) ِهذا الدين الحق مبني على الحقوق و الواجبات فكل أمر لك فيه حق, عليك فيه واجب من أجل ذلك كان أمر الله لعباده بقوله جل وعلا: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ).

فواجبك -أيها المؤمن- بالله أن تعبد الله حق عبادته، وحقك على الله أن يسعدك دنيا وأخرى أورد الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عن الصحابي مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أنه قَالَ: "كُنْتُ رِدْفَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم-عَلَى حِمَارٍ لَهُ فَقَالَ: يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ قالها ثلاثاً؛ ثُمَّ قَالَ: هَلْ تَدْرِى مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ؟ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا؛ ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ. قَالَ هَلْ تَدْرِى مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ؟ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ أَنْ لاَ يُعَذِّبَهُمْ".

هذا واجبك مع الله وحقه عليك وواجبك أيضاً أن تحسن لأمك وأبيك وذلك من حقهما عليك أن ترعاهما وأن تسعدهما (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) نعم وأن تحسن إلى أقربائك وأن تحسن لكل يتيم ولكل مسكين (وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ) وأن تحسن إلى جارك (وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ).

والجار أحد ثلاثة: إما أن يكون جاراً غير مسلم؛ فهذا له حق الجوار؛ وإما أن يكون جاراً مسلمًا؛ فهذا له حق الجوار وحق الأخوة في الإسلام، وإما أن يكون جاراً مسلمًا قريبًا؛ فهذا له حق الجوار وحق الأخوة في الإسلام وحق صلة الرحم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ".

فبالإحسان يكثر التراحم والتآلف تنتشر الطمأنينة وراحة البال بالإحسان تحلو الحياة وتنشأ المودة بين الناس احتاج أبو الجهم العدوي لمال فاضطر أن يبيع داره فبلغ ثمنها مائة ألف دينار، ولما تم الإتفاق على ثمن الدار قال للمشترين: "بكم تشترون جوار سعيد بن العاص؟ فقالوا: وهل يشترى جوار قط؟ قال: ردوا عليَّ داري، وخذوا دراهمكم، والله لا أدع جوار رجل: إن فقدتُ سأل عني، وإن رآني رحب بي، وإن غبت حفظني، وإن شهدت قربني، وإن سألته أعطاني، وإن لم أسأله ابتدأني، وإن نابتني جائحة فرّج عني. فبلغ ذلك سعيد بن العاص فبعث إليه بمائة ألف دينار وقال له لا تترك جواري".

 

فإن كنت -أيها المؤمن- لا تستطيع ألا تعبد الله، ولا يمكنك أن تهمل والديك، ولا يحق لك أن تهجر قريباً، ولا يحل لك عدم الرفق باليتامى والمساكين - فإنه لا يجوز لك بحال من الأحوال في هذا الدين القيم أن تؤذي جيرانك؛ فكما أنّ ترك العبادة حرام، إهمال الوالدين حرام قطيعة الرحم حرام، والتكبر عن اليتامى والمساكين حرام؛ فكذلك أذى الجار حرام؛ فقد صح عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه نفى الإيمان عمن يؤذي جيرانه فقال عليه الصلاة والسلام -والحديث عند الإمام البخاري-: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ" كما نفى الإيمان عمن يخشاه جاره فقال صلى الله عليه وسلم: "وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ قِيلَ وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ" لا يأمن مفاجآته لا يأمن خنساته لا يأمن اتهاماته.

بنى أحدهم منزلاً فخماً ملأه بأنفس الأثاث وأرقى كماليات الراحة والدعة والهناء، فلما رحل إليه وسكن به لم يستقر له حال ولم يجد فيه سكينة وجد جيراناً نغصوا عليه صفو الحياة فعرض منزله للبيع وقد علم الناس سوء المعاملة من جيرانه فلم يقدموا فيه إلا ثمناً زهيداً رغم ذلك باع الرجل داره فلامه أصحابه عن ذلك البيع فقال مستشهداً:

يلومونني أن بعت بالرخص منزلي

ولم يعرفوا جاراً هناك ينغصُفقلت لهم: كفـوا الملام فإنهـا بجيرانها تغلو الديار وترخص

فكما أن الإحسان إلى الجار من طاعة الله ورسوله ترفع به الدرجات في الجنة فإن أذى الجوار فيه معصية لأمر الله ورسوله هو حرام في شريعة الإسلام وإن مصير من تعمد أذى جاره أن يدفعه أذاه يوم القيامة إلى النار، جاء في الحديث الصحيح -الذي أورده الإمام البخاري في الأدب المفرد ونقله الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة- عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن أحد الصحابة قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله! إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار وتفعل وتصدق وتؤذي جيرانها بلسانها؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا خير فيها هي من أهل النار".

أعاذنا الله جميعاً من جار السوء ووقانا جميعاً من عذاب النار؛ من أجل ذلك كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يخافون من الإساءة غير المقصودة للجار، روى الإمام أحمد أن رجلاً من الصحابة قال: "يا رسول الله كيف لي أن أعلم إذا أحسنت أو إذا أسأت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعت جيرانك يقولون: قد أحسنت فقد أحسنت، وإذا سمعتهم يقولون: قد أسأت فقد أسأت".

أما الركيزة الثالثة التي شيد الإسلام عليها وصيته بالجار فهي احتمال الأذى منه أن تحتمل أذى الجار أن تصبر على أذاه وإن أردت المنزلة الرفيعة عند الله والحظ العظيم في الدنيا والآخرة أن تزيد مع صبرك فتحسن إليه أن تقابل سيئته بإحسانك؛ فإن الإحسان يحول العداوات إلى صداقات ويجمع ما فرقته الإساءات ويكون لك نوراً و نجاةً في الحياة وبعد الممات يقول رب العزة جل وعلا: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ).

اللهم وفقنا للقيام بحقوق جيراننا واغفر لنا إن قصرنا في معاملاتنا وتجاوز عن هفواتنا وسيئاتنا واهدنا سبيل رضوانك وغفرانك واجعلنا اللهم من عبادك الصالحين
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم.