البحث

عبارات مقترحة:

الكبير

كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...

الولي

كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...

أهل العزة

العربية

المؤلف عبد الله المؤدب البدروشي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. حقيقة الإسلام .
  2. صور من العزة بالإسلام وأثر ذلك على قيادة الأمم .
  3. عواقب التخلي عن العزة بالإسلام .

اقتباس

علم أهل الكفر أن المؤمن في الدين غالي الثمن، وعزيز الجانب، ففصلوا بين المسلمين وإسلامهم، فرخص المسلم، وهان دمُه، ولا نصير له على الأرض، أهل الأرض يشاهدون المذابح في بلاد المسلمين، الدماء تجري غزيرةً، كأنها ليست دماء، وكأنها تجري من أجسام ليست بشرية، البيوت تُقصف وتهدم، الأرواح تُزهق، الأعراض تنتهك، الأموال مسلوبة، المسلمون في العراء، لماذا كل هذا؟ لأنهم فقدوا العزة ..

 

 

 

 

الحمد لله الذي أعزَّنا بالإسلام، وأكرمنا بالإيمان، ورحمنا بنبيِّه -عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام- أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل السعادة في خشيته وتقواه، وجعل العزة والكرامة لمن خافه واتَّقاه، وأشهد أن سيدنا وحبيب قلوبنا محمدًا رسولُ الله، وحبيبه من خلقه ورضيُّه ومصطفاه، فاز وربح من اتبع سنتَه وهداه، وخاب وخسر من خالف منهجه وعصاه، اللهم صلِّ عليه وعلى آله وصحابته، صلاة تزيد في رفعته، وترفع في درجته، وتبارك في منزلته، وتظلنا تحت لوائه في أعز زمرته، وتجعلنا من رواد حوضه وأهل شفاعته.

أما بعد:

إخوة الإيمان والعقيدة: فلو حُقَّ لأمة أن تعتزَّ بدينها، وتفخر بمعتقدها - لكانتْ هذه الأمة أمةَ محمد -صلى الله عليه وسلم- فنحن لنا دين، ولا دين لغيرنا، ديننا تولَّى خالقُ الخلق حفْظَه؛ (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: 9]، أما الديانات من حولنا، فهي شرك بالله، كالذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، والله -جل جلاله- يقول: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ) [المائدة: 73]، فالله في الإسلام: (بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الأنعام: 101 - 103].
 

هذا الخالق العليم الحكيم، أرسل لنا رسولاً منا، يتلو علينا آيات الله، ويطهِّرنا من الحرام والخبث والفواحش، ويدلُّنا على الخير والبر والتقوى، ويدفعنا إلى العمل الصالح والخلق الحسن؛ يقول الله -تبارك وتعالى-: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [آل عمران: 164]، هذا الرسول الحبيب -صلى الله عليه وسلم- جاء بالهدى ودين الحق، أسس رسالته على الفضيلة والأخلاق الكريمة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"؛ رواه الإمام البخاري في "الأدب المفرد".

فالإسلام عبادة وسلوك، فهو تقرُّبٌ إلى الله بطاعته وحسن عبادته، وهو كذلك تعامُل مع الناس بالحسنى، وفعلٌ للخير، هذا الدين القيم، رفع أمَّةَ الإسلام إلى قيادة الأمم في سنوات قليلة، يومَ خرج الرسول -صلى الله عليه وسلم- مهاجرًا من مكة إلى المدينة، لحق به سراقة بن مالك، طامعًا في إعادة الرسول إلى كفار مكة؛ لينال سراقةُ الجائزة، ولما غاصتْ قوائم فرسه في الأرض، وسقط فارس الصحراء مرة بعد مرة، طلب الأمان، فقال له الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "ردَّ عنا الطلب، ألبسك الله سواري كسرى"، وكسرى في ذلك الوقت إمبراطور أعظم دولة على وجه الأرض، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يملك إلا إيمانه وثقته في الله، الذي شهد له أن دين الإسلام سيكون هو الأعلى، وهو المهيمن؛ لأنه الدين الحق، فقال -جل جلاله-: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) [الفتح: 28].

وما هي إلا خمسة عشر عامًا، حتى أسلمت دولة فارس، وذهب نفوذ كسرى، وحَمَلتْ قوافل جند الإسلام كنوزَه إلى المدينة المنورة، ليقف أمامها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فيرى من بينها أساور كسرى، فينادي: أين سراقة بن مالك؟ ويُلبسه سواري كسرى وهو يقول: هذا موعود رسول الله لك يا سراقة، قد جعله ربي حقًّا.

فأية أمة تصعد خلال خمسة عشر عامًا من قبائل متناحرة، من فلول بين كثبان الرمال، إلى أمة تقود أهل الأرض، تملأ الدنيا بناء وتعميرًا ورخاء؟!

في زمن الخليفة عمر بن عبدالعزيز، بلغ إلى علمه أن رجلاً من المسلمين أسره الروم، وحمل الرجل إلى الإمبراطور الذي أمره بترك الإسلام، فرفض الرجل، فأدخله السجن، لما بلغ الخبر إلى الخليفة الزاهد، كان جالسًا فوقف، ونادى في جلسائه: "أحضروا إليَّ كاتبي وحامل البريد، ولما حضرا، قال لكاتبه: "اكتب: من أمير المؤمنين، عمر بن عبدالعزيز، إلى ملك الروم، وبعد، لقد بلغني ما فعلتَ بأسيرك فلان، وإني أقسم بالله العظيم، إن لم ترسله من فورك، لأبعثنَّ إليك من الجند، ما يكون أولهم عندك وآخرهم عندي".

وبلغتِ الرسالة إلى إمبراطور الروم، فأمر في الحال بإحضار الأسير، فأعطاه من المال والهدايا، وأرسله في مجموعة من حرسه الخاص إلى الحدود آمنًا. هكذا كان حال الأمة، لما تمسَّكت بدينها.

المسلم عزيز، أعزَّه الله؛ يقول -تبارك وتعالى-: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون: 8]

علَّم الإسلام أهله أن يكونوا أعزاء، يقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغيره، أذلنا الله"، فما حال الأمة اليوم؟!

تفطن أعداء الإسلام إلى سرِّ تقدُّم المسلمين، وسر قوة المسلمين، وسر عزتهم، فباعدوا بين الأمة ودينها، وخوَّفوها من العودة إليه، فهانت، وصدق فيها قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يوشك أن تَدَاعى عليكم الأمم من كل أفقٍ، كما تداعى الأكلة على قصعتها"، قالوا: يا رسول الله، أمِن قلةٍ بنا يومئذٍ؟ قال: "أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكن تكونون غثاءً كغثاء السيل، ينتزع الله المهابة من قلوب عدوِّكم، ويجعل في قلوبكم الوهن"، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: "حب الحياة، وكراهية الموت"؛ رواه الإمام أحمد.

وهذا حال الأمة؛ غثاء كغثاء السيل، وما أروعَ حكمةَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما أبلغ تشبيهه! فغثاء السيل -أيها المؤمنون- هو ذلك الزبد الأبيض الطافي فوق الماء، مهين لا قيمة له، وأين قيمة الأمة؟ خفيفة لا وزن لها، وأين وزن الأمة؟ متناثر لا ارتباط له، وأين وحدة الأمة؟ يطفو على السطح لا عمق له، وأين مبادئ الأمة؟ محمولة لا إرادة لها، وأين إرادة الأمة؟ يتَّجه بها السيل حيث يشاء، وكذلك حال الأمة، لما بعدت عن دينها، لما تركت عاداتها وتقاليدها، وقلدتْ عدوَّها، وسارت خلفه دون وعي، وقد نبأها بحالها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحديثه في صحيحي البخاري ومسلم، حيث يقول: "لتتبعن سنن الذين من قبلكم، شبرًا بشبرٍ، وذراعًا بذراعٍ، حتى لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم"، قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: "فمن؟".

علم أهل الكفر أن المؤمن في الدين غالي الثمن، وعزيز الجانب، ففصلوا بين المسلمين وإسلامهم، فرخص المسلم، وهان دمُه، ولا نصير له على الأرض، أهل الأرض يشاهدون المذابح في بلاد المسلمين، الدماء تجري غزيرةً، كأنها ليست دماء، وكأنها تجري من أجسام ليست بشرية، البيوت تُقصف وتهدم، الأرواح تُزهق، الأعراض تنتهك، الأموال مسلوبة، المسلمون في العراء، لماذا كل هذا؟ لأنهم فقدوا العزة، والعزةُ في الإسلام، والإسلام دين الله، فإذا طلب المسلمون العزة، فإن طريقها بيَّنه الله في قوله -تبارك وتعالى-: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا) [فاطر: 10].

العزة في طاعة الله، العزة في العمل بما شرع الله، العزة في اجتناب ما حرَّم الله، العزة في العمل بسنة رسول الله، العزة في كتاب الله، وفي كتاب الله يقول الله -جل وعلا-: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 139]، إن رسَّختم الإيمان في قلوبكم، إن طبَّقتم شرع الله في حياتكم، تكونوا أنتم أهل العزة، وأنتم القدوة، وأنتم الأسوة، وأنتم القوة؛ (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران: 110]، فلا تقلدوا اليهود ولا النصارى، وكونوا عباد الله طائعين.

اللهم ارزقنا الفقه في الدين، والتمسك بالكتاب المبين، والاقتداء بسيد المرسلين، والسير على نهج أسلافنا الصالحين، اللهم اجعل حاضرنا خيرًا من ماضينا، ومستقبلنا خيرًا من حاضرنا، واكتب لنا العزة في الحياة الدنيا وفي يوم الدين.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم.