المعطي
كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...
العربية
المؤلف | خالد القرعاوي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة - فقه النوازل |
ومن الأمَانَاتِ التي يَجبُ تَقوَى اللهِ فيها: الوظائِفُ بِشتَّى أَنوَاعِها وَمَسؤوليَّاتِها، ومِن أعظمِها مَنْ اؤتُمِنَ على الأموالِ العامَّةِ التي يَعُودُ نَفعُها وحَقُّها لِلمُسلِمينَ قَاطِبَةً، فقد فرَضَ اللهُ رعايَتَها وعدَمَ إِهدَارِها، وأوجَبَ حفظَها كمَا يَحفظُ الإنسَانُ مَالَهُ أو أَشَدُّ،.. أَعمَالُنا وَوَظَائِفُنَا أَمَانَاتٌ فِي أَعنَاقِنَا، فَالشَّعبُ كُلُّهُ أَمَانَةٌ فِي عُنُقِ الحَاكِمِ، والدِّينُ أَمَانَةٌ عِندَ الوُلاةِ وَعِندَ العُلَمَاءِ، والعَدلُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ القَضَاءِ، والمَرضَى أَمَانَةٌ عِندَ الأَطِبَّاءِ، والطُّلابُ أَمَانَةٌ لدى المُعَلِّمينَ..
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله أجزلَ علينا النِّعمَ وأَسدَى، نشهدُ ألَّا إله إلِّا الله العليُّ الأعلى، وَنَشهَدُ أنَّ مُحمَّدَا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، لَهُ المَحَلُّ الأسمى، صلَّى الله وسلَّم وَبَارَك عليه وعلى آلِهِ وأَصحابِهِ ومَنْ اهتَدَى بِهديهِ والآخرةُ خيرٌ وأَبْقى.
أمَّا بعدُ: فيا أيُّها النَّاسُ: اتَّقوا اللهَ –تعالى- حَقَّ التَّقوى، واحفظوا أنَّ اللهَ -جلَّ وعلا- قالَ: (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً) [الأحزاب: 72].
عباد اللهِ: الأَمَانَةُ خلُقٌ الأنبياءِ والمُرسَلين، وَهِيَ شِعَارُ المُؤمِنِينَ، وَمَرْضَاةُ رَبِّ العَالَمِينَ، وَبِها تَنَالُ احتِرَامَ الآخَرِينَ! عظَّمَ اللهُ أَمْرَهَا فَوَصفَ بِها عبادَه المُفلِحينَ فقالَ: (وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) [المعارج: 32].
وَأَمرَ بِحِفْظِها ورِعايَتِها، وفرَضَ أداءَها والقِيامَ بحقِّها فقالَ: (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) [البقرة: 283]، ونبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- يَقولُ: "أَدِّ الأمانةَ إلى مَنْ ائتَمَنَكَ، ولا تخُن مَنْ خَانَكَ" (سَنَدُهُ صحيحٌ).
تَضييعُها ذَنْبٌّ عَظيمٌ وخَطَرٌ جَسيمٌ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا الله وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ) [الأنفال: 27]. ورسُولُنا -صلى الله عليه وسلم- بيَّن أنَّ الخيانةَ في الأمَانَةِ عَلامَةٌ لِلنِّفاقِ، فَقَالَ: "آيةُ المُنَافِقِ ثَلاثٌ: إذا حدَّث كَذَبَ، وإذا وَعَدَ أَخلَفَ، وإذا اؤتُمِن خَانَ" (متَّفَقٌ عليه).
إخوةَ الإسلامِ: والأمَانةُ تَشمَل عِفَّةَ الأَمِينِ عمَّا لَيس لَهُ بحقٍّ، وَتَأْدِيَةَ مَا يجِبُ عليهِ مِن حقٍّ لِغيرِهِ, سَواءٌ للهِ أو لِأحدٍ من خَلْقِهِ، وتَشمَلُ كَذَلِكَ اهتِمَامَهُ بِحفظِ ما استُؤمِنَ عليه مِن وَدَائِعَ وَأَمْوَالٍ, ومُعَامَلاتٍ وأسرَارٍ.
قالَ العُلمَاءُ: الأمانَةُ تَتَعَلَّقُ بالدِّينِ والنَّفسِ والعَقلِ والمالِ والعِرضِ.
إخوةَ الإيمانِ: ومِنْ الأَمَانَاتِ التي يَجِبُ القِيامُ بِحقِّها: إِسدَاءُ النَّصِيحةِ لِمنْ استَنصَحكَ، وتقدِيمُ الرَّأيِ السَّدِيدِ المُتجرِّدِ بلا مُحاباةٍ ولا مُجامَلةٍ؛ فَنَبِيُّنا -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "المُستَشَارُ مُؤتَمَنٌ" (صححهُ الألبانِيُّ).
عبادَ اللهِ: ومن الأمَانَاتِ التي يَجبُ تَقوَى اللهِ فيها: الوظائِفُ بِشتَّى أَنوَاعِها وَمَسؤوليَّاتِها، ومِن أعظمِها مَنْ اؤتُمِنَ على الأموالِ العامَّةِ التي يَعُودُ نَفعُها وحَقُّها لِلمُسلِمينَ قَاطِبَةً، فقد فرَضَ اللهُ رعايَتَها وعدَمَ إِهدَارِها، وأوجَبَ حفظَها كمَا يَحفظُ الإنسَانُ مَالَهُ أو أَشَدُّ، قالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- في حديثٍ عَظِيمٍ كما في صحيحِ مُسلمٍ وغيرِهِ: «مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولاً يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أتَدْرُونَ ما المَخْيِطُ؟ إنَّها الإبرَةُ الصَّغيرَةُ!!
عِبادَ اللهِ: أَعمَالُنا وَوَظَائِفُنَا أَمَانَاتٌ فِي أَعنَاقِنَا، فَالشَّعبُ كُلُّهُ أَمَانَةٌ فِي عُنُقِ الحَاكِمِ، والدِّينُ أَمَانَةٌ عِندَ الوُلاةِ وَعِندَ العُلَمَاءِ، والعَدلُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ القَضَاءِ، والمَرضَى أَمَانَةٌ عِندَ الأَطِبَّاءِ، والطُّلابُ أَمَانَةٌ لدى المُعَلِّمينَ. وَفِي حَدِيثٍ بِإسنَادٍ جَيِّدٍ: أنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "الأَمَانَةُ فِي الصَّلاةِ وَفِي كُلِّ شَيءٍ".
أيُّها المُسلمونَ: والأَمَانَاتُ العَظِيمَةُ يَجِبُ ألَّا يُوسَدَ أَمْرُها إلاَّ فِيمنْ يُعلَمُ صِدقُهُ وأمانَتُهُ وقُوَّتُهُ وخَوفُهُ من اللهِ -تَقَدَّسَ وتَعالى-: (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأَمِينُ) [القصص: 26]، قالَ الشيخُ السَّعدِيُّ -رحمهُ اللهُ- ما مفادُهُ: "موسى -عليهِ السَّلامُ- جَمَعَ القُوَّةَ والأَمَانَةَ، وخيرُ أَجِيرٍ مَنْ جَمَعَهُمَا، وهَذانِ الوَصفَانِ يَنبَغِي اعتِبَارَهُما فِي كلِّ مَن يَتَولَّى أيَّ عَمَلٍ. فإنَّ الخَلَلَ لا يَكونُ إلَّا بِفَقدِهِما أو فَقدِ إِحدِاهِما وأمَّا بِاجتِمَاعِهِما، فإنَّ العَمَلَ يَتِمُّ ويَكمُلُ".
اللهُ أكبرُ عبادَ اللهِ ما أحوجَ المُسلِمينَ في كُلِّ زَمَانٍ ومَكانٍ إلى القَويِّ الأمينِ!
أيُّها المُؤمنونَ: من علامَاتِ فَسادِ المُجتَمَعاتِ وَضَيَاعِ الأَمَانَةِ. التَّفريطُ في الرِّعايةِ والتَّهاوُنُ في المَسؤوليَّاتِ وتَقدِيمُ المَصالِحِ الخَاصَّةِ على العامَّةِ! فَفِي مَقَامِ الذَّمِّ قالَ -صلى الله عليه وسلم- : «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُخَوَّنَ الأَمِينُ، وَيُؤْتَمَنَ الْخَائِنُ» (رواه أحمد).
ألا وإنَّ مِنْ أعظَمِ الخِياناتِ مَا حذَّرَ مِنهُ نَبِيُّنَا وحَبِيبُنَا -صلى الله عليه وسلم- حينَ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَقَالَ: "إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ". قَالَ كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: "إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ". (رواهُ البُخَارِيُّ).
فيا مَنْ تَحمَّلَ أمانَةً وَمَسؤولِيَّةً لَقد استرعَاكُم ربُّكم، ثُمَّ وُولاةُ أُمورِكم فاتَّقوا اللهَ بما يُرضيهِ فإنَّكم قَرِيبَاً عنها مُفارِقُونَ: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء: 227]. وإيَّايَ وإيَّاكُم وَتَسخِيرَ المَنَاصِبِ لِمصالحَ خاصَّةٍ وَذَاتِيَّةٍ!
أيُّها المَسئولُونَ: كُونوا رَحمَةً على النَّاسِ وارْفُقُوا بهم، واقْضُوا حَاجَاتِهم، وَسهِّلوا عَليهم، واحذَروا من المَشَقَّةِ والتَّسلُّطِ عَليهم، فَوصِيَّةُ رَسولِنا -صلى الله عليه وسلم- "يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا", وكونوا كذالِكَ عونًا في إفشَاءِ مَحبَّةِ النَّاس لِدِينهم وَمُجتَمَعِهم ووُلاتِهم، فإنَّ مِن أعظَمِ الخِيانَةِ أنْ تَكونوا عونًا لِلشَّيطَانِ على النَّاسِ!
جعلنا اللهُ جميعاً مفاتيحَ خيرٍ مغاليقَ شرٍّ. اللهم حبِّب إلينا الصِّدقَ والأمانَةَ والإيمانَ, وكرِّه إلينا الخِيانَةَ والفُسوقَ والعِصيانَ يا ربَّ العالمينَ.
بارَك اللهُ لِي وَلَكم في السُّنَّةِ والقُرآنِ، وَنفَعَنا بِما فِيهما من الآياتِ والبَيانِ، وأستَغفِرُ اللهَ لَي وَلَكُم ولِسائِرِ المُسلِمينَ مِن كُلِّ ذنب فاستَغفِرُوهُ، إنَّه هو الغُفُورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، أشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له لَهُ الأسماءُ الحُسنى، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُ الله ورسولُه، صلَّى اللهُ وباركَ عليه، وعلى آله وصحبه وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.
أمَّا بعدُ: فيا أيُّها النَّاس، اتَّقوا اللهَ –تعالى- حقَّ التقوى، واعلموا أنَّ الدِّينَ كُلَّهُ أَمَانَةٌ في أُصولِه وفُروعه، فلنحافِظ على هذهِ الأَمَانَةِ ولنُؤدِّ حَقَّ اللهِ فيها.
أيُّها الإخوةُ الكِرامُ: غَداً -بِإذنِ اللهِ تَعالى- يَنطَلِقُ عَدَدٌ مِنْ النَّاخِبينَ إلى صَنَادِيقِ الاقتِراعِ لِتَرشيحِ المُنتَخَبِينَ. وإنِّي أُذكِّرُ نَفسي وإخوانِي بَعَدَدٍ مِن النَّصَائِحِ والتَّوجِيهاتِ.
فَنَقُولُ لِكُلِ نَاخِبٍ وَمُرَشِّحٍ: عَليكَ بالصِّدقِ والنُّصْحِ والأَمَانَةِ فِيمَنْ تُرِيدُ تَرشِيحَهُ فَلا مَجَالَ لِلمُجامَلاتِ ولا لِلعَصَبِيَّاتِ ولا لِلنَّعَرَاتِ الجَاهِلِيَّةِ إنَّما رَائِدُكَ تَرْشِيحُ القَويِّ الأمِينِ الذي سيخْدِمُ دِينَهُ وَمُجتَمَعَهُ وَمَدِينَتَهُ, فَصَوتُكَ أمَانَةٌ, وَمَشُورَتُكَ أَمَانَةٌ, رَوى الحَاكِمُ فِي صَحِيحِهِ, أنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ وَلَّى رَجُلاً عِلى عِصَابَةٍ وَهُوَ يَجِدُ فِي تِلكَ العِصَابَةِ مَنْ هُوَ أَرْضَى لِلهِ مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَخَانَ المُؤمِنِينَ".
فالأمْرُ يا كِرامُ جِدُّ خَطِيرٌ! قَالَ الفَارُوقُ -رَضَيَ اللهُ عَنْهُ-: "مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ المُسلِمِينَ شَيئَاً فَوَلَّى رَجُلاً لِمَودَّةٍ أَو قَرَابَةٍ بَينَهُمَا فَقَدْ خَانَ اللهَ وَرَسُولَهُ والمُسلِمِينَ".
ثُمَّ إيِّاكَ أيُّها المُنْتَخِبُ أَنْ تُرَشِّحَ مَنْ لا تَعْرِفْ فَتُخْطِئُ مِنْ وَجْهَينِ: بِأنَّكَ شَهِدَّتَ بِمَا لا تَعْلَمُ. والثَّانِي: سَاهمْتَ بِبَخْسِ الأَصْلَحِ!
أيُّها الأخُ الكَرِيمُ: احْذَرْ مِنْ تَنَقُّصِ الآخَرِينَ وازدِرائِهمْ, ولا تَكُنْ مُتَشَائِمَاً ولا مُخَذِّلاً: "فَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أَوْ لِيَصْمُتْ"، ولِيَكُنْ مُنطَلَقُكَ: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقوا الله إِنَّ الله شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة: 2].
أَيُّها المُنتَخَبُونَ: إِنَّ قَبُولَكُم لِتَحَمُّلِ المَسؤُولِيَّةِ أَمْرٌ خَطِيرٌ وَعَظِيمٌ فَأَحسِنُوا النِّيَّةَ والقَصْدَ واطْلُبُوا العَونَ والتَّسدِيَدَ مِن اللهِ -تَعالى-, "فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا"، كَمَا قَالَ ذلكَ رَسُولُنا -صلى الله عليه وسلم- (رواهُ مُسلِمٌ).
اجعَلُوا نُصْبَ أعيُنِكُمْ دَومَاً وَأَبَداً قَولَ اللهِ: (إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود: 88]، فَصَاحِبُ النِّيَّةِ الفَاسِدَةِ قَدْ خَابَ وَخَابَ مَسْعَاهُ! والله تَعالى لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْفْاسِدِينَ ولا الْمُفْسِدِينَ!
واحذَرْ أَخِي المُنتَخَبُ مِنْ الوُعُودِ الكَاذِبَةِ والخَيَالِيَّةِ التي لا تَستَطِيعُ تَحقِيقَهَا عُرْفَاً ولا عَادَةً، فهذا مِمَّا يَجعَلُ النَّاسَ يَفقِدُونَ ثِقَتَهُم بِكُم وَبِتِلكَ المَجَالِسِ!
واحذَرْ أَخِي المُنتَخَبُ كَذَلكَ مِنَ التَّوَصُّلِ إلى مَنْصِبِكَ عَنْ طريقِ شِراءِ الأَصْواتِ والذِّمَمِ أو الرَّشَاوَى, فإنَّ ذلكَ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ والآثَامِ, وَفِيهِ لَعْنَةٌ مِنْ رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- تَشْمَلُ جَمِيعَ الأَطْرافِ! فَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِوٍ -رَضِيَ الله عَنْهُمَا- قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- اَلرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي" (رَوَاهُ اَلتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَالأَلْبَانِي).
فَمَا يَفْعَلُه بعضُ ضِعَافِ النفوسِ من شِراءِ الأَصْوَاتِ أَمْرٌ مُؤْلِمٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ ومِن جِهَةِ النِّظَامِ ومِن جِهَةِ المُرُوءَةِ والأَخْلاقِ كذالكَ! وإِنِّي أَرْبَأُ بِإخوانِي وأُحَذْرُهم مِنْ هَذَا المَسْلَكِ الخَطِيرِ, وِالدَّرْبِ المَشِينِ "وَمَنْ غَشَّنا فَليسَ مِنَّا".
أَخِي المُنتَخَبُ: الزَمْ تَقْوى اللهِ -تَعالى-, وَلا تُحَرِّشْ بَينَ المُسلِمِينَ أَوْ تَطْعَنَ فِي أَحِدِ المُرَشَّحِينَ فإنَّ ذلِكَ مِنْ أَسبَابِ الفُرْقَةِ بَينَ المُسلِمِينَ, وفي صَحِيحِ مُسلمٍ -رَحِمَهُ اللهُ- أنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّ لشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ».
فَنَحنُ نَأْمَلُ مِن تِلكَ المَجَالِسِ أنْ تَكُونَ صَرحَ مَوَدَّةٍ وَتَواصُلٍ وَبِناءٍ, لا أنْ تَكُونَ سَبَبَاً في الفُرقَةِ والبَغْضَاءِ! وَمَنْ تَوَلَّى أمْرَاً فَعَليهِ أَنْ يَعملَ بِجِدٍ وإَخْلاصٍ لإبْراءِ ذِمَّتِهِ أَمَامَ اللهِ ثُمَّ أَمامَ مُجتَمَعِهِ.
أيُّها المُؤمِنُونَ: تَعَامَلُوا مَعَ هذهِ المَجَالِس بِكُلِّ حُبٍّ وَتَفَاؤلٍ وَوَفَاءٍ, فَلَنْ يَبلُغَ عَبْدٌ كَمَالَ الإيمَانِ حتى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ. فَلنُحِبَّ الخَيرَ لِبعْضِنَا، وألَّا نَتَحَاسَدَ أوْ نتباغَضَ فِيمَا بَينَنا, ولْنَكُنْ أُمَّةً وَاحِدَةً قَوِيَّةً مُتَمَاسِكَةً, مُتَفَائِلَةً فَاعِلَةً لِكُلِّ خَيرٍ,نَاهِيَةً عَنْ كُلِّ إثْمٍ وَشَرٍّ.
اللَّهُمَّ جَعَلَنَا مِن المُتَعَاوِنينَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى, المُتَنَاهِينَ عَن الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ. يا مُؤمنونَ: (إِنَّ الله وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الذارايات: 56]، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِكَ ورَسُولِكَ مُحمَّدٍ، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِهِ الرَّاشِدِينَ، وعَن سائرِ أصحابِهِ والتَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ الدِّين، وعنَّا مَعهم بِعفوِك، وكرَمِكَ، يا أرحمَ الرَّاحمينَ.
اللهمَّ أَلزِمْنَا الأمَانَةَ والصِّدقَ والتَّقَوى وهيئ لنا من العملِ مَا تُحِبُّ وتَرضَى, اللهم اهدنا لأحسنِ الأعمالِ والأقوالِ والأخلاقِ لا يهدي لأحسنِها إلا أنت واصرف عنَّا سيئَها لا يصرفُ عنَّا سيِّئَها إلا أنتَ.
اللهُمَّ أعنَّا على أداء الأمانَةِ ونعوذُ بكَ من المَكر والسُّوءِ والخيانَةِ, رَبَّنَا اجعلنا مُقيمي الصَّلاةِ ومن ذُرِّياتِنَا رَبَّنا وَتَقَبَّل دُعاءَ.
اللهمَّ ثَبِّتنا بالقولِ الثَّابتِ في الحياةِ الدُّنيا ويَومَ يقومُ الأشهادُ. اللهم آمنَّا في أوطانِنِا، وأَصلِح ووفِّق أَئِمَّتَنا وولاةَ أمورِنا، خُذ بِنَواصِيهم لِلبرِّ والتَّقوى, وأصلح لهم البِطَانَةِ, وأعنهم على أداء الأمانَةِ. اللهمْ انصر جُنُودَنَا في اليَمَنِ واحفَظْ حُدُودَنا.
عبادَ اللهِ اذكروا الله العظيمَ يذكُركُم، واشكُرُوهُ على عُمُومِ نِعَمِهِ يَزِدكُم، ولَذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يَعلمُ ما تَصنعُونَ.