القهار
كلمة (القهّار) في اللغة صيغة مبالغة من القهر، ومعناه الإجبار،...
العربية
المؤلف | عبد الله حماد الرسي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
إن دين الإسلام الميسر الحنيف الذي عنى بمصالح البشر، ومتطلبات معاشهم ومعادهم، قد أوجب على بعضهم البعض حقوقاً، فبالأخذ بهذه الحقوق، والتأدب بها، يسود بين المؤمنين الوئام والتآخي والتعافي والتشاد؛ استجابةً لنداء الله -عز وجل-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات:10]. فهذه الأخوة والرابطة الدينية، أقوى من...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي جعل المؤمنين إخوة في الإيمان، وشبههم بالبنيان، وشرع لهم من الأسباب ما تقوم به تلك الأخوة، وتستمر على مدى الزمان، أحمده وأشكره، وأسأله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، أن يجعلنا من المؤمنين حقاً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا شريك له في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، المبعوث إلى جميع الإنس والجن، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، وسلم تسليماً.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله -عز وجل- وأطيعوه.
أيها الإخوة في الله: إن دين الإسلام الميسر الحنيف الذي عنى بمصالح البشر، ومتطلبات معاشهم ومعادهم، قد أوجب على بعضهم البعض حقوقاً، فبالأخذ بهذه الحقوق، والتأدب بها، يسود بين المؤمنين الوئام والتآخي والتعافي والتشاد؛ استجابةً لنداء الله -عز وجل-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات:10].
فهذه الأخوة والرابطة الدينية، أقوى من كل رابطة وصلة، فحققوها بالتحاب بينكم والتآلف، ومحبة الخير بعضكم لبعض، وبالتعاون على الخير، وبفعل الأسباب التي تقوي ذلك وتنميه، وترك الأسباب التي تضعف ذلك وتنقصه، فالأمة لا تكون أمة ولا يجتمع لها قوة، حتى تكون كما وصفها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً".
ويقول صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يُسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلمٍ كربة، فرج الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة".
وفي رواية: "من يسر على معسرٍ، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة".
كذلك -يا عباد الله-: "مثلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
هكذا يعلمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويقول صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
الله أكبر، ولا إله إلا الله! إعلان هام من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
يقول صلى الله عليه وسلم: "حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس" [متفقٌ عليه].
لقد أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- برد السلام؛ لما في السلام من الألفة، وحصول المحبة، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بقوله وأبلغ، فقال: "والذي نفسي بيده! لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم" [رواه مسلم].
فإذا لقي بعضكم بعضاً، فليسلم عليه، وخيركم الذي يبدأ بالسلام.
أمة الإسلام: سلموا على من عرفتم ومن لم تعرفوا، ولا يكن السلام للمعرفة، بل السلام على جميع المسلمين.
وكذلك من حق المسلم على أخيه المسلم: عيادته إذا مرض، له في هذه الزيارة خيرٌ كثير، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم، لم يزل في خرفة الجنة، حتى يرجع، قيل: يا رسول الله! وما خرفة الجنة؟ قال: جناها".
وأيضاً ورد: "ما من مسلمٍ يعود مسلماً غدوةً إلا صلَّى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاده عشية إلا صلَّى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له خريفٌ في الجنة".
ألا -يا عباد الله- فحافظوا على هذه الحسنات، وأخلصوا لله النية في جميع الأعمال.
كذلك من حق المسلم على أخيه المسلم: اتباع الجنازة.
ومن المؤسف جداً، ومن المحزن كثيراً: أن الكثير لا يهتم بهذا الحق لأخيه المسلم، إلا إذا كان ذا جاهٍ أو سلطانٍ أو مال؛ فإننا نرى المقبرة تمتلئ بالكثير من الناس، تمتلئ بالكابرس والمرسديس والسيارات المتنوعة، كل ذلك إذا كان الميت صاحب جاهٍ أو سلطانٍ؛ فإننا نرى المقبرة تمتلئ بالكثير من الناس، هل هذا لله أم لطلب الدنيا -يا عباد الله-؟
أما إذا لم يكن ذا جاهٍ ولا سلطان ولا مال، فإنه لا يؤبه له، ولا تتبع جنازته، وهذا مما يتنافى مع الآداب الإسلامية، ومع الوصية النبوية لحق المسلم؛ فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يقل: اتبعوا الكبار والأغنياء والملوك، ولا تلتفتوا إلى بقية المسلمين؟! لا.
وحاشاه أن يقول ذلك صلى الله عليه وسلم، بل قال: "حق المسلم على المسلم".
سواء كان ملكاً أم مملوكاً، وسواء كان فقيراً أم غنياً، فلننتبه لذلك، ولنحذر من شرور أنفسنا الأمارة بالسوء.
أمة الإسلام: إنه من المؤسف جداً أن نرى الفقير لا يتبعه إلا اثنان أو ثلاثة، ثم يكون عليهم عالةً في الدفن -يا عباد الله- أين التعاون؟ أين التراحم؟ أين التلاطف؟ أين الأخوة الإسلامية -يا عباد الله-؟
عباد الله: إن في الصلاة على الجنازة واتباعها، أجرٌ عظيم، وفضلٌ جزيل، لا يتخلى عنه إلا من حرم نفسه الأجر، يقول نبيكم -صلى الله عليه وسلم-: "من شهد الجنازة حتى يُصلى عليها، فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن، فله قيراطان" قيل: وما القيراط يا رسول الله؟ قال: "مثل الجبلين العظيمين" [متفق عليه].
ويقول صلى الله عليه وسلم: "من اتبع جنازة مسلمٍ إيماناً واحتساباً- لا يكون فخراً ولا رياءً ولا سمعةً ولا أشراً ولا بطراً- وكان معه حتى يُصلى عليه ويفرغ من دفنها، فإنه يرجعُ من الأجر بقيراطين، كل قيراط مثلُ أحد، ومن صلى عليها، ثم رجع قبل أن تُدفن، فإنه يرجعُ بقيراط" [متفق عليه].
أمة الإسلام: لماذا نضيع هذه الفرائض؟ لماذا نضيع هذه الحسنات؟
كل ذلك اتباعاً ورغبةً لشهوات النفس.
كذلك من حق المسلم على أخيه المسلم: تشميته إذا عطس فحمد الله، أما إذا لم يحمد الله، فلا تشمته، إذا عطس فحمد الله، فإنه يُقال له: يرحمك الله، ويقول العاطس: يهديكم الله ويصلح بالكم.
عباد الله: هذه بعض الحقوق للمسلم على أخيه المسلم، فعليكم بالتمسك بهدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) [آل عمران: 102-103].
اللهم ارزقنا التمسك والاهتداء بما يرضيك، اللهم بارك لنا بالقرآن العظيم، وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أتم علينا نعمة الإسلام، وأكمل لنا الدين وشرعه الحكيم، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله -عز وجل-، وتعانوا على البر والتقوى، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، فمن واجب المسلم على أخيه المسلم: أن يكف أذاه عنه، ولا يحقره ولا يخذله ولا يسلمه، ولا يضاره، ولا يشق عليه، فليعينه ويرد عليه السلام، ويعوده إذا مرض، ويتبع جنازته إذا مات، ويجيبه إذا دعاه، ويشمته إذا عطش فحمد الله، وينصره في مواطن الظلم: "انصر أخاك ظالماً، أو مظلوماً".
إن كان مظلوماً فانصره، وإن كان ظالماً فاحجزه واردعه عن الظلم، وانصح لأخيك المسلم إذا استنصح منك، نفِّس عنه كرب الدنيا، ويسر عليه عند إعساره.
هذه نماذج مما جاء للمسلم على أخيه المسلم من حقوقٍ، جاء الإسلام بها؛ ليرفع بها أهل الإسلام من حياة التقاطع والتدابر والتناحر إلى حياة أفضل، إلى حياة الترابط والتآخي في الله، إلى حياة التناصح والتعامل من أجل الله، ليصبحوا بهذا جسداً واحداً، وقلباً واحداً، ينبض بروح الإيمان والمحبة لعباد الله.
عباد الله: صلوا على رسول الله كما أمركم الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك، يا رب العالمين.
اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم ردنا إلى تعاليم الإسلام، اللهم وفقنا لتعاليم الإسلام، اللهم اهدنا إلى الطرق الموصلة إلى سبل السلام، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، اللهم انصر عبادك المجاهدين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم انصرهم بنصرك المبين، اللهم انصرهم بنصرك المبين، اللهم انصرهم يا رب العالمين، اللهم انصر من نصر الإسلام وأهله، اللهم انصر من نصر الإسلام وأهله، واخذل من خذل الإسلام وأهله، اللهم أدر دائرة السوء على أعداء الإسلام والمسلمين، اللهم مزقهم كل ممزق، اللهم دمرهم تدميراً يا رب العالمين، اللهم اجعلهم غنيمةً للمسلمين، إنك القادر على ذلك يا رب العالمين.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأئمة وولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها.
اللهم أصلح أولادنا ونسائنا، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا واجعلهم قرة أعين لنا، واجعلنا وإياهم هداةً مهتدين يا رب العالمين.
اللهم ارفع عنا الغلاء، والوباء، والربا، والزنا، واللواط، والزلازل، والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، وعن جميع إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها يا رب العالمين.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا.
اللهم اجعلنا إخوةً متحابين فيك، متراحمين فيك، متعاطفين فيك، اللهم اجعل في قلوبنا الألفة والإيمان يا رب العالمين.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا) [النحل:90-91].
واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.