الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
العربية
المؤلف | محمد بن مبارك الشرافي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
إِنَّ بِلَادَ الصُّومَالِ كَانَ الْأَغْنَيَاءُ فيها يَذْبَحُونَ الْخَرُوفَ لِيَأْكُلُوا كَبِدَهُ فَقَطْ وَيَرْمُونَ بِبَاقِيهِ فِي الزِّبَالَةِ، وَالآنَ فِي مَجَاعَةٍ مُنْذُ عُقُودٍ.. وَأَهْلُ الْعِرَاقِ كَانُوا يَقُولُونَ: ? فَقْرَ فِي حُضُورِ النِّفْطِ وَالتَّمْرِ، وَالآنَ فِي فَقْرٍ مَعَ وُجُودِ النِّفْطِ وَالتَّمْرِ... وَفِي لُبْنَانَ كَانُوا يَرْكُلُونَ الْخُبْزَ كَالْكُرَةِ تَحْتَ الْأَقْدَامِ وَالآنَ فِي فَقْرٍ وَبَطَالَةٍ وَغَلَاءٍ وَتَهْجِيرٍ وَبَلاءٍ... وَأَفْغَانِسْتَانَ كَانَتِ الْفَوَاكِهُ الْمُلَوَّنَةُ وَأَنْواعُ الأَطْعِمَةِ تُجْلَبُ لَلْبِلَادِ، حَتَّى تَغَطْرَسُوا وَلَمْ يَشْكُرُوا اللهَ عَلَى النِّعَمِ فَأَصَابَهُمُ الْجَفَافُ وَالْحُرُوبُ.
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ للهِ مُسْبِغِ الآلاء، وَمُعِيدِ الْبَرَكَاتِ وَالنِّعَم، كَاشِفِ الَّلأْوَاءِ مُبِيدِ الشُّرُورِ وَالنِّقَم، يَبْتَلِي عِبَادَهُ بِجَدْبِ الدِّيَار، وَنَقْصِ الْأَمْطَارِ لِلابْتِلَاءِ وَالاخْتِبَار، سُبْحَانَهُ أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّار، نَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، الْوَاحِدُ الْقَهَّار، وَنَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ الْمُصْطَفَى الْمُخْتَار، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الْأَطْهَار وَصَحَابَتِهِ الْأَبْرَار، الْمُهَاجِرِينَ مِنْهُمْ وَالْأَنْصَار، وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى مَا تَعَاقَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاسْتَعَدُّوا لِلاخْتِبَارِ فَالدُّنْيَا دَارُ شِدَّةٍ وَبَلَاءٍ، قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِين)[البقرة: 155].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الْمُوَفَّقَ حَقَّاً وَالْمُصِيبَ صِدْقَاً مَنْ إِذَا أُعْطِيَ شَكَرَ، وَإِذَا ابْتُلِيَ صَبَرَ، وَإِذَا أَذْنَبَ اسْتَغْفَر، فَإِنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَ عُنْوَانُ السَّعَادَةِ، وَإِنَّنَا فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ بَيْنَ فِتَنٍ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَاللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ أَنْذَرَنَا ذَلِكَ فَقَالَ (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء: 35].
فَكَمَا أَنَّ الْبَلَاءَ يَكُونُ بِالشَّرِّ فَكَذَلِكَ يَكُونُ بِالْخَيْرِ، فَالْخَيْرُ يَقُابَلُ بِالشُّكْرِ وَاسْتِعْمَالِهِ فِي طَاعَةِ اللهِ لِيَدُومَ وَيَكْثُرَ، وَالشَّرُّ يُقَابَلُ بِاتِّقَائِهِ وَاللُّجُوءِ إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- لِرَفْعِهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا)، وَأَيْضَاً بِالنَّظَرِ إِلَى النَّفْسِ فِيمَا عَمِلَتْ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يُصَابَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، وَيُعَاقَبُ بِمَا كَسَبَتْ يَدَاهُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [لقمان: 41].
أَيَّهُاَ الْمُسْلِمُونَ: إِنَّنَا فِي الْبِلَادِ السَّعُودِيَّةِ فِي نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ لا يَعْرِفُ قِيمَتَهَا إِلَّا مَنْ فَقَدَهَا، فَعِنْدَنَا أَمْنٌ فِي الْوَطَنِ وَصِحَّةٌ فِي الْبَدَنِ وَرُخْصٌ فِي الْمَعِيشَةِ لا يَنَالُهُ مُعْظَمُ سُكَّانِ الْعَالَمِ، وَمَنْ نَظَرَ حَوْلَهُ عَرَفَ ذَلِكَ، وَمَنْ جَهِلَ فَلْيَسْأَلْ إِخْوَانَنَا مِنْ غَيْرِ السُّعُودِيِّينَ عَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ خَيْرٍ، وَمَا يَفْقِدُهُ غَيْرُنَا.
فَإِنْ غَلَبَتْهُ نَفْسُهُ فَلْيَقُدْهَا بِمَا جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ الْمُطَّهَرَةُ مِنَ التَّوْجِيهَاتِ لِكَيْ يَرْضَى وَيَعْرِفَ مَا هُوَ فِيهِ مِنْ خَيْرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
فَتأَمَّلُوا هَذَا التَّوْجِيهَ النَّبِوِيَّ وَطَبِّقُوه، فَإِذَا نَظَرْتَ إِلَى إِخْوَانِكَ الْفُقَرَاءِ عَرَفْتَ مَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ غِنَى، وَمَهْمَا كَانَ الْإِنْسَانُ مُحْتَاجَاً فَإِنَّهُ يُوجَدُ مَنْ هُوَ أَشَدُّ حَاجَةً مِنْهُ، وَتَأَمَّلْ جَيِّداً تَجِدُ صِحَّةَ هَذَا الْكَلَامِ.
أَيَّهُا الْإِخْوَةُ: إِنَّهُ قَدْ مَرَّ عَلَى بِلَادِنَا السُّعُودِيَّةِ خِلَالَ الْأَرْبَعِينَ سَنَةً الْمَاضِيَةَ طَفْرَةٌ فِي الْمَالِ لَمْ يَكُنْ أَجْدَادُنَا يَحْلُمُونَ بِهِ حَتَّى فِي الْخَيَالِ، وَلَكِنَّنَا فِي أَكْثَرِ أَحْوَالِنَا لَمْ نُقَابِلْ هَذِهِ النِّعْمَةَ بِالشُّكْرِ وَصَرْفِهَا فِي الْوُجُوهِ الْمَشْرُوعَةِ، إِنَّهُ بَلَغَ بِنَا الثَّرَاءُ حَتَّى تَفَنَّنَا فِي تَرْفِيهِ أَنْفُسِنَا وَالسَّعْيِ وَرَاءَ رَاحَةِ أَبْدَانِنَا، وَرُبَّمَا نَسِينَا آخِرَتَنَا وَالْعَمَلَ لَهَا.
إِنَّنَا تَفَنَّنَا فِي عِمَارَةِ الْبُيُوتِ وَالْمَنَازِلِ حَتَّى إِنَّ بَيْتَ الْعَائِلَةِ الْوَاحِدَةِ يَمكُنُ أَنْ يُؤْوِيَ عَشْرَ عَائَلاتٍ، بَيْنَمَا مَنْ حَوْلَنَا مَنَازِلِهُمُ الْخِيَامُ وَبُيُوتِ الطِّينِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْكُنُ فِي الْعَرَاءِ...
إِنَّنَا أَسْرَفْنَا فِي الْمَرَاكِبِ حَتَّى إِنَّهُ وُجِدَ عِنْدَنَا مَنْ يَرْكُبُ كُلَّ سَنَةٍ سَيَّارَةً جَدِيدَةً وَلَا يَرْضَى بِرُكُوبِ السَّيَّارَةِ التِي مَرَّ عَلَيْهَا عَامٌ وَاحِد، بَيْنَمَا غَيْرُنَا يَزْدَحِمُونَ فِي رُكُوبِ الْحَافِلَاتِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يَمْشِي إِلَّا عَلَى أَقْدَامِهِ فَلَيْسَ عِنْدَهُ مَالٌ يَرْكَبُ بِهِ الْحَافِلَةَ...
إِنَّنَا قَدْ خَدَمَنَا غَيْرُنَا مِنَ الْعُمَّالِ وَالْخَادِمَاتِ حَتَّى وُجِدَ فِي بَعْضِ الْبُيُوتِ خَادِمَتَانِ أَوْ ثَلاثٌ وَسَائِقٌ أَوْ أَكْثَرَ، وَقَلَّ بَيْتٌ عِنْدَنَا فِي الْمَمْلَكَةِ إِلَّا وَفِيهِ خَادِمَةٌ، وَمَعَ ذَلِكَ نَنْدِبُ حَظَّنَا ونَشْكُو عِوَزَنَا...
إِنَّنَا قَدْ أَسْرَفْنَا فِي الْمَأْكُولاتِ وَالْمَشْرُوبَاتِ، فَمَا فِي مَخْزَنِ الْبَيْتِ الْوَاحِدِ يَكْفِى لِإِعَاشَةِ قَرْيَةٍ شَهْرَاً كَامِلَاً، ثُمَّ إِنَّ فَائِضَ الْأَطْعِمَةِ قَدْ غَصَّتْ بِهِ صَنَادِيقُ الْقِمَامَةِ، وَلا يُكَلِّفُ أَحَدُنَا نَفْسَهُ لِنَقْلِهِ لِلفُقَرَاءِ أَوْ حِفْظِهِ لِنَفْسِهِ لِيَسْتَخْدِمَهُ مَرَّةً ثَانِيَةً، لِأَنَّنَا تَعَوَّدْنَا عَلَى الْبَذَخِ وَالْإِسْرَافِ وَالتَّفَنُّنِ فِي أَنْوَاعِ الْأَطْعِمَةِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّهُ قَدْ وَصَلَ عِنْدَنَا التَّرَفُ وَالْبَذَخُ فِي الْأَمْوَالِ حَدّاً لا يَكَادُ يُوصَفُ، فَبَعِيرٌ يُبَاعُ بِعَشَرَاتِ الْمَلَايِينِ، وَسَيَّارَةٌ تُشْتَرَى بِمَلْيُونِ رِيَالٍ، وَتَيْسٌ يُبَاعُ بِعَشَرَاتِ الآلافِ، وَرَقْمُ لَوْحَةِ سَيَّارَةٍ يُعْرَضُ لِلْمَزَادِ بِمِئَاتِ الآلافِ، وَكَرْتُونُ تَمْرٍ بِسِعْرٍ يَفُوقُ الْخَيَالَ!! وَمَعَازِيمُ يَغْسِلُونَ أَيَادِيَهَمْ بِدُهْنِ الْعُودِ الْمَلَكِيِّ الذِي ثَمَنُهُ يَتَجَاوُزَ الْحَدَّ، وَكُلُّ هَذَا فِي أَيْدِي سُفَهَاءَ يَتَفَاخُرُونَ بِذَلِكَ أَمَامَ أَعْيُنِ الْمَلَأِ.
إِنَّ هَذَا مِمَّا تَحِلُ بِهِ الْعُقُوبَاتِ وَتَنِزْلُ بِهِ النِّقَمُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) [الإسراء: 16]، أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّهُ وُجِدَ مِنْ شَبَابِنَا مَنْ يَرْمِي الْفُلُوسَ وَعُقُودِ الذَّهَبِ عَلَى صُدُورِ الرَّاقِصَاتِ وَالْمُغَنِّيَاتِ وَيَسْتَعْرِضُونَ بِالْفَارِهِ مِنَ السَّيَّارَاتِ فِي شَوَارِعِ لَنْدَنَ وَبَارِيس؟
إِنَّهُ قَدْ وُجِدَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْبِلَادِ التِي تُعَانِي الْيَوْمَ مِنَ الْفَقْرِ الْمُطْبِقِ، وُجِدَ فِيهَا غِنَىً فَاحِشٍ، فَفَسَقَ السُّفَهَاءُ وَبَذَرُوا الْأَمْوَالَ وَأَسْرَفُوا فَنَزَلَتْ بِهِمُ الْعُقُوبَاتُ وَحَلَّتْ بِهِمُ الْمَثُلَات، فَهَلْ نَحْنُ أَمِنَّا العُقُوبَة؟
إِنَّ بِلَادَ الصُّومَالِ كَانَ الْأَغْنَيَاءُ فيها يَذْبَحُونَ الْخَرُوفَ لِيَأْكُلُوا كَبِدَهُ فَقَطْ وَيَرْمُونَ بِبَاقِيهِ فِي الزِّبَالَةِ، وَالآنَ فِي مَجَاعَةٍ مُنْذُ عُقُودٍ.. وَأَهْلُ الْعِرَاقِ كَانُوا يَقُولُونَ: ? فَقْرَ فِي حُضُورِ النِّفْطِ وَالتَّمْرِ، وَالآنَ فِي فَقْرٍ مَعَ وُجُودِ النِّفْطِ وَالتَّمْرِ... وَفِي لُبْنَانَ كَانُوا يَرْكُلُونَ الْخُبْزَ كَالْكُرَةِ تَحْتَ الْأَقْدَامِ وَالآنَ فِي فَقْرٍ وَبَطَالَةٍ وَغَلَاءٍ وَتَهْجِيرٍ وَبَلاءٍ... وَأَفْغَانِسْتَانَ كَانَتِ الْفَوَاكِهُ الْمُلَوَّنَةُ وَأَنْواعُ الأَطْعِمَةِ تُجْلَبُ لَلْبِلَادِ، حَتَّى تَغَطْرَسُوا وَلَمْ يَشْكُرُوا اللهَ عَلَى النِّعَمِ فَأَصَابَهُمُ الْجَفَافُ وَالْحُرُوبُ.
أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّهُ وُجِدَتْ وَثَائِقُ وَمَخْطُوطَاتٌ قَرِيبَةُ الْعَهْدِ كَانَ عُلَمَاءُ الصُّومَالِ يَحُثُّونَ النَّاسِ فِي بِلَادِهِمْ عَلَى التَّبَرُّعِ لِأَهْلِ نَجْدٍ وَمَا حَوْلَهَا، بَلْ وَيُفْتُونَ الْأَغْنِيَاءَ بِجَوَازِ نَقْلِ زَكَاةِ أَمْوَالِهِمْ إِلَى بِلَادِنَا، ثُمَّ انْقَلَبَتِ الْحَالُ وَتَغَيَّرَتِ الدِّيَارُ، فَهَلْ مِنْ مُعْتَبِرٍ؟
أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَجْدَادِنَا الْقَرِيبِينَ مَنْ كَانَ يَعْمَلُ فِي بِلَادِ الْهِنْدِ وَالْبَاكِسْتَانِ، وَهَا نَحْنُ نَرَدُّ لَهُمُ الْكَيْلَ وَنُوفِي لَهُمُ الصَّاعَ، فَهَلْ أَمِنَّا مِنَ رُجْوعِ أَحْوَالِنَا إِلَى مَا سَبَقَ؟!
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7]، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتِغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ! وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأَمِينِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَقَابِلُو نِعَمَهُ بِالشُّكْرِ وَتَجَمَّلُوا عِنْدَ الْبَلَاءِ بِالصَّبْرِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّهُ بَعْدَ صُدُورِ الْمِيزَانِيَّةِ الْجَدِيدَةِ لِدَوْلَتِنَا السُّعُودِيَّةِ -حَرَسَهَا اللهُ- ظَهَرَ بَعْضُ النَّقْصِ فِيهَا وَزادَتْ أَسْعَارُ بَعْضُ السِّلَعِ، فَأَكْثَرُ النَّاسِ حَمِدُوا اللهَ وَشَكَرُوهُ وَعَرَفُوا أَنَّ هَذَا حَالَ الدُّنْيَا، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ صَاحَ وَنَاحَ وَأَزْبَدَ وَأَرْعَدَ وَرُبَّمَا سَبَّ وَشَتَمَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى نَقْصِ فِي عَقْلِهِ وَجَهْلٍ فِي دِينِهِ.
وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ مَوْقِفَنَا مِنَ الْغَلَاءِ الذِي حَصَلَ يَتَلَخَّصُ فِيمَا يَلِي:
(َأوَّلاً) يَجِبُ أَنَّ نَعْلَمَ أَنَّ الْأَمْرَ بِيَدِ اللهِ وَأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ حَصَلَ حَتَّى فِي عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: غَلَا السِّعْرُ بِالْمَدِينَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! غَلَا السِّعْرُ، فَسَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ، الْقَابِضُ، الْبَاسِطُ، الرَّازِقُ" (رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ).
(ثَانِيَاً) يَجِبُ أَنْ نَرُدَّ مَا أَصَابَنَا مِنْ نَقْصٍ إِلَى أَنَّهُ ابْتِلَاءٌ وَأَنَّهُ بِسَبَبِ ذُنُوبِنَا نَحْن، قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [الشورى: 30]، وَقَالَ: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف: 96].
فَيَجِبُ أَنْ نُرَاجِعَ أَنْفُسَنَا وَنَتَدَارَكَ دِينَنَا الذِي صِرْنَا نَقْطَعُهُ لِأَجْلُ دُنْيَانَا، فَتَهَاوُنٌ فِي الصَّلَوَاتِ وَانْتِهَاكٌ لِلْحُرُمَاتِ وَانْغِمَاسٌ فِي الشَّهَوَاتِ وَتَقَاعُسٌ فِي أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ، وَإِلَى اللهِ نَرْفَعُ الشَّكْوَى وَالدَّعَوَاتِ.
(ثَالِثَاً) إِنَّ مِنَ الْأَسْبَابِ الْوَاضِحَةِ لِهَذَا التَّغَيُّرِ فِي اقْتِصَادِنَا: هَذِهِ الْحَرْبُ التِي خَاضَتْهَا حُكُومَتُنَا مُكْرَهَةً لِرَدِّ عُدُوانِ الْحُوثِيِّينَ الْمُشْرِكِينَ وُجُنُودِ صَالِحِ الظَّالِمِينَ، خَاضَتْهَا حِمَايَةً لِبِلَادِ الْحَرَمَيْنِ وَدِفَاعاً عَنِ الْمُوَاطِنِينَ وُحُرُمَاتِهِمْ وَمُمْتَلَكَاتِهِمْ، وَالْحُرْبُ مُكْلِفَةٌ جِدَّاً، فَيَجِبُ أَنْ نَقِفَ صَفَّاً وَاحِدَاً مَعَ دَوْلَتِنَا وَنَدْعَمَهَا بِكُلِّ مَا نَسْتَطِيعُ.
وَمِنْ أَعْظَمِ مَا نُقَدِّمُ الدُّعَاءُ لِوُلَاةِ أَمْرِنَا وَلعِلُمَائِنَا وَلِجُنُودِنَا الْمُقَاتِلِينَ، فَإِنْ عَجَزْنَا حَتَّى عَنِ الدُّعَاءِ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنَّ نَكُفَّ أَلْسِنَتِنَا عَنِ الْكَلَامِ فِي الدَّوْلَةِ، فَالْمُسْلِمُ حَقَّاً مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ.
وَنَسْأَلُ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ يَحْفَظَ بِلَادَنَا وَبِلَادَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ يَحْفَظَ عَلَيْنَا أَمْنَنَا وَيَحْفَظَ دِينَنَا وَيُسْبِغَ عَلَيْنَا نِعَمَهُ، اللَّهُمَّ اجْمَعْ كَلِمَتَنَا عَلَى الْحَقِّ وَالْهُدَى، وَأَبْعِدَ عَنَّا طُرُقَ الرَّدَى، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُلَاةَ أَمْرِنَا وَأَصْلِحْ لِوُلاتِنَا بِطَانَتَهُمْ، اللَّهُمَّ انْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِكَ فِي كُلِّ مَكَانٍ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ انْصُرْ جُنُودَنَا الْمُقَاتِلِينَ فِي الْيَمَنِ، اللَّهُمَّ انْصُرْهُمْ عَلَى الظَّالِمِينَ الْمُعْتَدِينَ، اللَّهُمَّ سَدِّدْ رَمْيَهُمْ وَصَوِّبْ رَأْيَهُمْ وَوَحِّدْ صَفَّهُمْ، وَاغْفِرْ لِمَوْتَاهُمْ وَاجْعَلْهُمْ عِنْدَكَ شُهَدَاءَ، اللَّهُمَّ اشْفِ مَرْضَاهُمْ وَثَبِّتْ قُلُوبَهُمْ وَاخْلُفْهُمْ بِخَيْرٍ فِي أَهَالِيهِمْ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِين !