الحليم
كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...
العربية
المؤلف | محمد بن إبراهيم الشعلان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
ولقد انتشرت في هذا الزمان ظاهرة عجيبة في أوساط الشباب، وهي ارتداء الألبسة التي تخالف المروءة، وتبعث على الاشمئزاز، وتدعو إلى الاستغراب، بل وصل الحد بمرتاديها إلى مشابهة الكافرين فيها متشابهة واضحة، بل إلى مشابهة الساقطين منهم، وتعليق صور أهل الشذوذ الجنسي وأهل العفن الفني على صدورهم في الألبسة التي يلبسونها، تقليد أعمى وجري وراء كل تقليعة ولباس غريب، وإصغاء إلى كل دعاية غربية ينعق بها ناعقهم، ويصيح بها إعلامهم، وتبثها قنواتهم الفاسدة الإجرامية.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا عباد الله، لقد تركنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فالهلاك والعطب والضلال والسفه في الزيغ عن سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- والميل عنها إلى آراء الرجال وأهواء النفوس.
لما تمسك الصحابة الكرام ومن تبعهم بإحسان بالسنة، وسيروا حياتهم على نهجها، حصل لهم الكمال في الخُلق والمروءة والسؤدد، ونالوا العزة والكرامة، وشرفوا قدراً ومكانة؛ لأن نبيهم -عليه الصلاة والسلام- ما ترك شيئاً فيه الخير والهدى والسؤدد والمروءة إلا دلهم عليه وأرشدهم إليه، وما ترك شيئاً فيه الشر والضلال والمهانة والرذالة إلا بينه لهم بياناً عاماً أو خاصاً وحذرهم منه.
حتى إنه -عليه الصلاة والسلام- بين لهم الآداب التي تتعلق بقضاء الحاجة، ولهذا قالت اليهود لسلمان الفارسي -رضي الله عنه-: علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة؟ قال: نعم، علمهم كيف يصلون، وكيف يزكون، وكيف يصومون، وكيف يحجون ويعتمرون، وكيف يبيعون ويشترون، علمهم الأخلاق الكريمة والآداب الحسنة، علمهم آداب الأكل والشرب، والأخذ والعطاء، واللبس والنوم، حتى صارت حياتهم حياة كريمة رائدة.
وتعالوا -عباد الله- لتلقوا نظرة على واقع كثير من المسلمين في هذا الزمان لتروا قدر هذه السنة ومكانها في قلوبهم وجوارحهم، بعدٌ عنها ونفور منها، واستعاضة بالهوى والشيطان عنها، وتقليد لمن ضل عن سبيل الله واتخذ إلهه هواه، وفقدان للتربية الحسنة على الأدب الحسن والخلق الجميل، وتمرد على السنة في كثير من أحكامها وآدابها وأخلاقها التي دعت إليها وأرشدت إليها.
انظروا -مثلاً- إلى أحكام اللباس في هذه السنة العظيمة الشريفة، أرشد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمته إلى الآداب في هذه المسألة الجليلة، مسألة اللباس، كيف يلبس المسلم لباسه، وكيف يخلعه، وما يقول إذا اشترى ثوباً جديداً، وما يُقال له، ونوع الثياب التي تلبس ولونها، وتحذيره من بعض الألبسة، ومن لباس الشهرة، وحرصه -عليه الصلاة والسلام- على إصلاح اللباس، وعدم مخالفة أمته إلى ترك ما يقدح في المروءة أو يوجب الذم واللمز والسخرية، فنهى -عليه الصلاة والسلام- عن لبس الحرير وبين أنه لباس من لا خلاق له.
وقال -عليه الصلاة والسلام-: "من لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوب مذلة"، قال أهل العلم: أي أن ثوبه يشتهر بين الناس لمخالفة لونه لألوان ثيابهم فيرفع الناس إليه أبصارهم ويختال عليهم بالعجب والكبر، كذلك الذي يلبس ثوبا يخالف ملبوس الناس ليراه الناس فيتعجبوا من لباسه.
وكتب عمر إلى أصحابه وهم بأذربيجان: إياكم والتنعم وزي أهل الشرك ولبوس الحرير! ونهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المشي في نعل واحدة أو خف واحدة فقال: "لا يمشي أحدكم في نعل واحدة ولينعلهما جميعا ً أو ليخلعهما جميعا".
ونهى -عليه الصلاة والسلام- عن القزع، وهو حلق بعض الرأس وترك بعضه، وروي عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من تشبه بقوم فهو منهم". نُقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أنه قال: احتج الإمام أحمد وغيره بهذا الحديث، أقل أحواله انه يقتضي تحريم التشبه بهم، واحتج به غير واحد من العلماء على كراهة أشياء من زي غير المسلمين.
كل ذلك -عباد الله- حتى يظهر المسلم بالمظهر اللائق به في اللباس، وليبتعد كل البعد عن مشابهة الكافرين في أزيائهم ولباسهم.
ولقد انتشرت في هذا الزمان ظاهرة عجيبة في أوساط الشباب، وهي ارتداء الألبسة التي تخالف المروءة، وتبعث على الاشمئزاز، وتدعو إلى الاستغراب، بل وصل الحد بمرتاديها إلى مشابهة الكافرين فيها متشابهة واضحة، بل إلى مشابهة الساقطين منهم، وتعليق صور أهل الشذوذ الجنسي وأهل العفن الفني على صدورهم في الألبسة التي يلبسونها، تقليد أعمى وجري وراء كل تقليعة ولباس غريب، وإصغاء إلى كل دعاية غربية ينعق بها ناعقهم، ويصيح بها إعلامهم، وتبثها قنواتهم الفاسدة الإجرامية.
إن هذه الظاهرة -عباد الله- لها أسبابها، ولها آثارها الخطيرة عليهم وعلى مجتمعهم، ومن أعظم أسبابها فقدان التربية الإسلامية منذ نعومة أظفارهم، ومنها الجلساء الفاسدون، الذين وقعوا في مثل هذا التقليد فيدعون جليسهم إلى أن يفعل مثل فعلهم فيتمرد على اللباس المعتاد لباس المسلمين، ويلبس لباس الكفرة وأهل الفجور.
ومنها وسائل الإعلام التي تبرز الكفرة الذين يرتدون هذه الألبسة الغريبة، سواء من كان منهم من أهل الفن الهابط، أو من أهل الكرة مدمني المخدرات وأصحاب الشذوذ الجنسي، وتمكين أولياء الأمور لأولادهم من مشاهدة ما يبث عن طريق وسائل الإعلام المرئية والمقروءة، فيتأثرون بأخلاقهم ولباسهم ورقصاتهم وفنهم، ويقتدون بهم في ذلك، مع غياب الرقيب والمتابع والمربي.
ما الفائدة المرجوة من بث الأغاني الهابطة التي يقوم بها شرذمة كافرة مصحوبة بآلات موسيقية صاخبة ومتبوعة برقصات ماجنة قبيحة؟! ما الفائدة المرجوة لشباب الأمة الإسلامية من عرض أفلام أبطالها والممثلون فيها من الكفرة يظهرون بألبسة غريبة على المجتمع المسلم، وبأشكال يستحي منها الشيطان فضلاً عن العقلاء من بني الإنسان؟!.
إن هذا -وغيره- له أثر على شباب الأمة في عقيدتهم وأخلاقهم وعاداتهم الكريمة، فقد تزول الغيرة الإيمانية من القلوب نحو أعداء الله -عز وجل-، وقد تختفي مسألة الموالاة والمعاداة في الله -عز وجل-، وقد يقع في قلوبهم حب وموالاة للكافرين، وقد تذهب الشجاعة ويحل محلها الجبن والخوف، ويرتفع الكرم ويحل محله اللؤم والبخل، وتذوب المروءة ويحل محلها الرذالة والنذالة، ويزول الحياء والخجل ويحل محلها الصفاقة والفظاظة.
فالمسألة -عباد الله- ليست هينة؛ فلها آثارها الخطيرة البغيضة، فعلى المسلمين أن ينتبهوا لهذه الظاهرة الدخيلة على مجتمعات المسلمين، وليسلكوا مسالك أهل الفضل والكرم والطيب، فالطيبات للطيبين كما قال -عز وجل-: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [النور:26]، وليصونوا النفس عما يشينها، ويحملوها على ما يزينها.
صُن النفس واحملها على ما يزينها | تعــــش سالماً والقول فيـك جميل |
ولا تريـنّ الناس إلا تـجـمُّـلاً | نبا بك دهر أو جفـاك خليــل |
وكما قيل:
اسلك بُني مناهـج الســاداتِ | وتخــلقـنّ بأشــرف العـاداتِ |
إن هذه الظاهرة -عباد الله- منتشرة في أوساط الشباب أكثر منها في أوساط الشيوخ، وهذا له أثره الكبير؛ لأن الشباب هم أمل الأمة بعد الله -عز وجل-، وبهم تصول الأمة وتجول، فإذا فسد الشباب سقط من الأمة ركن، وانهار سد، وسهل على الأعداء افتراسها، لأن تقليد الشباب المسلم للشباب الكافر في هذه الألبسة والتقليعات الغريبة وسيلة إلى محبتهم واتباعهم.
فلنكن على حذر -عباد الله- ولنحارب هذه الظاهرة، وعلينا أن نسعى إلى إخفائها من مجتمعنا.