القاهر
كلمة (القاهر) في اللغة اسم فاعل من القهر، ومعناه الإجبار،...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة - الحكمة وتعليل أفعال الله |
ما أكثر ما نسمع عن شاب قتل أمه أو أباه أو زوجته أو أبناءه، بسبب المخدرات، وكم من مدمن أوقع زوجته وأمه وأخته في المخدرات ليتكسب بهم بعد أن أفلس وباع كل ما يملك حتى أثاث البيت!! فأين أهل العقول والنُّهى الذين يفرقون بين الحق والباطل ويعرفون الضار من النافع. لقد انتشرت بعض أنواع المخدرات في أواسط الناس بشكل مخيف...
الخطبة الأولى:
الحمد لله..
أما بعد: فيا أيها الناس: لقد وهب الله الإنسان العقل وميَّز به بينه وبين الحيوانات والجمادات، ولقد جعل الله حفظ العقل من الضروريات الخمس التي حافظ عليها الإسلام وسد كل الطرق التي تخدش هذه الضروريات، وإن من الأسلحة التي تعد من أعظم أسلحة الدمار الشامل، والتي استخدمها أعداء الدين للفتك بأبناء المسلمين، ولقد نجحوا في ذلك للأسف، فوقع فيها كثير من المسلمين، صغيرهم وكبيرهم، ذكرهم وأنثاهم، فقيرهم وغنيهم، إلا ما رحم الله، إنها المخدرات بكل أنواعها.
أصبحت تجارة عالمية تقوم عليها دول وجماعات وأفراد، ولقد حرمت الخمر التي يدخل فيها كل ما خامر العقل وغطَّاه من المسكرات.
كانت الخمر في الجاهلية بل في الأديان السماوية السابقة حلالاً، ولم تحرم إلا في الأمة، رحمة بهذه الأمة، ولم يكن يتركها قبل الإسلام إلا عقلاء الناس، ترفعًا عن حركات يعملونها أثناء سكرهم وفقد عقلهم.
ثم نزل تحريمها بالتدريج حتى أحكم الله تحريمها وأوجب فيها الجلد تعزيرًا, وقيل حدًّا ليقلع الناس عنها رحمة بهم.
فكم أزهقت من أرواح! وقُطعت من أطراف! وهُتكت من أعراض بسببها!!
عباد الله: لو أخذنا في تعداد مضار المخدرات لطال بنا الوقت، وهي معروفة لدى الجميع، ولكن نمر على أبرزها، فمن ذلك أن تعاطي المخدرات يحطِّم إرادة الفرد المتعاطي؛ وذلك لأن تعاطي المخدرات، يجعل الفرد يفقد كل القيم الدينية والأخلاقية، ويتعطل عن عمله الوظيفي والتعليم مما يقلل إنتاجيته ونشاطه اجتماعياً وثقافياً، وبالتالي يحجب عنه ثقة الناس به، ويتحول بالتالي بفعل المخدرات إلى شخص كسلان سطحي، غير موثوق فيه ومهمل ومنحرف في المزاج والتعامل مع الآخرين.
كما أن من أضراره الاجتماعية تشتت الأسرة إن لم تقع في نفس المستنقع..
إذا كان رب البيت بالدف ضاربًا | فشيمة أهل البيت كلهم الرقص |
ومن أضراره الاجتماعية أن كل متعاطٍ للمسكرات لا بد أن يكون بائعًا لها؛ ليوفر مالاً يشتري به وبذلك تنتشر المسكرات في المجتمع.
معاشر المسلمين: ما أكثر ما نسمع عن شاب قتل أمه أو أباه أو زوجته أو أبناءه، بسبب المخدرات، وكم من مدمن أوقع زوجته وأمه وأخته في المخدرات ليتكسب بهم بعد أن أفلس وباع كل ما يملك حتى أثاث البيت!! فأين أهل العقول والنُّهى الذين يفرقون بين الحق والباطل ويعرفون الضار من النافع.
عباد الله: لقد انتشرت بعض أنواع المخدرات في أواسط الناس بشكل مخيف، في تقرير من جزأين نشرته صحيفة "دي تسايت" الألمانية وترجمه موقع (صحافة ألمانية) المتخصص في الترجمة الصحفية عن الصحف الألمانية كتب "مارتين جيلن" مراسل الصحيفة في الرياض يقول: "الإعدام هو عقوبة تهريب المخدرات" إنها عبارة مكتوبة بلون أحمر على استمارة الدخول التي يملأها الوافدون في المطار فور وصولهم إلى المملكة, فالمملكة لا تعرف التسامح في هذا الصدد.
ليس هذا فحسب، بل إنه لا يكاد يمر أسبوع دون تنفيذ حكم إعدام بالسيف على مهربين قاموا بإدخال الحشيش أو الهيروين أو مخدرات أخري إلى البلاد.
لكن وبالرغم من تلك الأحكام الشديدة لا تزال معدلات تعاطي المخدرات في المملكة في تزايد مستمر.
كبير الأطباء بمستشفي الأمل لعلاج الإدمان في جدة الدكتور أسامة أحمد الإبراهيم يؤكد أن المملكة ليست واحةً للملائكة، بل إننا جميعاً بشر نؤثر ونتأثر، فالبطالة والتفكك الأسري والملل والانحراف إلى أوساط المجرمين والتعرض للضغط والاكتئاب النفسي أو حتى الحصول على درجات سيئة في الامتحان جميعها أسباب محتملة للإدمان.
ويضيف الطبيب أن أعداد المدمنين بدأت في التزايد منذ سنوات، ولم تفرق بين رجل أو امرأة فبحسب التقديرات الرسمية لوزارة الداخلية السعودية فإن عدد المصابين بالإدمان في المملكة قد بلغ 200 ألف مدمن من بين 28 مليون نسمة هو عدد السكان.
25% من المدمنين من النساء وربما تكون الأرقام الحقيقية أكثر من ذلك بكثير.
عباد الله: هذه إحصائية قبل سنتين فقط، وهي إحصائية مخيفة تدعو للقلق الذي يفترض أن يولد حذرًا وصحوة لمحاربة الإدمان وسبله التي نعيشها.
اللهم احمِ بلادنا وشبابنا من المخدرات وسبلها يا رب العالمين..
الخطبة الثانية:
أما بعد فيا عباد الله: نحن نعيش في بلد مستهدَف من كل الجوانب، من الداخل والخارج، وإن لم ننتبه لهذا الاستهداف فسنسقط في شباكهم، أعاذنا الله منهم ومن خططهم.
أُمة القرآن، إذا كان الله -جل وعلا- قد أمَر باجتناب الخمر، مُبيِّنًا جملةً من أضرارها وأخطارها، ومُنَبِّهًا إلى أن تزيين شُربها والإغراء بها من عمل الشيطان؛ ليُوقع به العدوان والبغضاء بين المسلمين، ويصدَّهم عن ذكر الله، وعن الصلاة، ونحو ذلك مما ينقص الإسلامَ أو ينقضُه، فقال - سبحانه -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) [المائدة: 90- 91].
وللتأكيد على خبث الخمر وشرِّه، وشُؤمه وسوء عواقبه دنيا وآخرة قرَنه الله -عز وجل- بالأوثان والمَيسر والأزلام ونحوها، من كبائر وعظائم أهل الجاهلية التي أشْقَتهم في دنياهم، وجعَلتهم من الأخسرين أعمالاً في أُخراهم، المستوجبين لغضب الله ولَعْنته، والخلودِ في شديد عذابه وأليم عقابه.
معاشر المؤمنين: لماذا نهرب من الواقع؟
من ابتُلي هو أو ابنه أو بنته أو زوجته بمثل هذه المصائب، فليبادر بالعلاج، فليس بعيب، إنما العيب الاستمرار في الخطأ، فقد تم علاج أكثر من سبعين ألفًا من المدمنين في السعودية، فلنبادر بالعلاج قبل فوات الأوان.
فالمخدرات بأنواعها محرمة شرعًا، ومن مات مدمنا للخمر يلقى الله يوم القيامة كعابد وثن، ومن مات مدمنًا للخمر سقاه الله من طينة الخبال، وهي عصارة أهل النار، ومن شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة، هذه عقوبات أخروية تنتظر مدمن المخدرات؛ إن لم يتب إلى الله.
أخي متعاطي المخدرات! تب إلى ربك، وأشفق على نفسك وذريتك ووالديك، وانظر للمستقبل المشرق، وثق بربك أنه سيشفيك، ولكن اصدق النية واسع في التوبة، وابدأ العلاج، وغدا تعود سويًا، فكم عرفنا من رجال غرقوا في مستنقعات الإدمان ثم شفاهم الله وعافاهم وصلحت أحوالهم، فكن منهم يا رعاك الله.
وأنتم يا أهل المدمن وأقاربه: لا تنبذوا ذلك المدمن، بل ساعدوه في التخلص من هذا المرض، مدوا له يد العون والمساعدة، أكثروا له من الدعاء.
أخرج البخاري في صحيحه من حديث عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ! فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا تَلْعَنُوهُ فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ".
أرأيتم تلك المعاملة التي تنتشل المدمن من مرضه، إنه التعزيز، والنظر للمدمن بعين الرحمة، حتى لا تتلقفه أيدي الشياطين فيلقونه في جحيم النار..
اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم اهدِ شباب المسلمين..