المؤمن
كلمة (المؤمن) في اللغة اسم فاعل من الفعل (آمَنَ) الذي بمعنى...
العربية
المؤلف | محمد بن إبراهيم الشعلان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
ولقد بذلوا في هذا السبيل ولهذه الغاية الخبيثة أموالاً باهظة، لا سيما النصارى -قبحهم الله- الذين شدوا مآزرهم، وأحيوا لياليهم، وتحملوا المصاعب واللّأواء لتنصير العالم عموماً، والمسلمين خصوصاً، أو جعلهم بلا دين ولا هدف ولا غاية، كما قال الله -سبحانه-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) [الأنفال:36].
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، أحمده -سبحانه- وأشكره على جزيل الفضل والإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله سيد الأنام، وصاحب الشفاعة العظمى ومحمود المقام، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه البررة الكرام، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، فإن تقواه نجاة لكم من فتن الدنيا وأهوال الآخرة، قال الله -تعالى-: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ) [يونس:62-63].
عباد الله: الحفاظ على دينكم وعقيدتكم وأخلاقكم أمر مطلوب منكم في كل زمان ومكان، فدينكم خير الأديان، وعقيدتكم أسلم العقائد وأصوبها، وأخلاقكم أفضل الأخلاق وأحسنها، وإن أعداءكم يعضون الأنامل من الغيظ والكره، حسداً لكم على هذا الدين وهذه العقيدة وهذه الأخلاق، فالحفاظ على ذلك من أوجب الواجبات؛ لأن بذلك تحصل سعادتكم وفلاحكم وفوزكم في الدنيا والآخرة.
ولتعلموا -عباد الله- أنكم معرضون للفتنة في دينكم وعقيدتكم وأخلاقكم من أعدائكم المحيطين بكم: الهوى، والنفس الأمارة بالسوء، والشيطان، وأوليائه من الإنس والجان؛ ولا ينجيكم منهم إلا الاستعاذة بالله، والاستعانة به، والاعتصام بحبله المتين، والاجتماع عليه، وترك التفرق والشحناء، والتسلح بسلاح العلم الشرعي. قال -تعالى-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [آل عمران:102]، وقال -سبحانه-: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال:46].
ولقد اشتدت الفتنة لكم في دينكم وعقيدتكم وأخلاقكم في هذا الزمان، من أعدائكم من اليهود والنصارى، وغزوكم غزواً فكرياً وأخلاقياً لا مثيل له في غابر الأزمان، لثلاثة أمور:
أحدهما: سهولة الاتصال بين الشرق والغرب عبر وسائل الاتصال المرئية والمسموعة والمقروءة، فيصلون إلى المسلمين في عقر دارهم بأسرع وقت وأقل كلفة.
وثانياً: الضعف الذي انتاب الأمة الإسلامية في هذا الزمان، ضعف في الدين والعقيدة والخلق، وضعف في القوة العتادية.
وثالثاً: المشاكل والخلافات الحاصلة بين المسلمين التي وصل بعضها إلى التهديد باستعمال القوة.
ولقد تنوع هذا الغزو الفكري تنوعاً عجيباً، وتلون تلونا غريباً، ومن أظهر أنواعه في هذا الزمان ما تقوم جمعياتهم المنظمة المدعومة مالياً، لا أقول من أفرادهم فحسب بل من دولهم؛ من أجل فتنة المسلمين، وإضعافهم دينا وعقيدة وخلقاً؛ ليضعف المد الإسلامي ويقل نفوذه في العالم.
وأحدث ما تقوم به هذه الجمعيات النشرة التي باسم: "معهد أهل الكتاب في دولة جنوب أفريقيا" والتي تبعث للأفراد والمؤسسات والجمعيات عبر صناديق البريد، وبطاقة اشتراك بدون مقابل في كتب التوراة والزبور والإنجيل، وعلى هذه النشرة مقتطفات من هذه الكتب المحرفة المنسوخة، كل ذلك من أجل فتنة المسلمين في ديارهم، ولا سيما في هذه الديار الآمنة التي تولى قيادتها أبناء كرام منذ عهد مؤسسها -عليه رحمة الله- إلى هذا العهد، فساروا بها سيراً حميداً. فالأعداء بهذه النشرة الضالة يريدون زعزعة عقيدة المسلمين، وتشكيكهم في دينهم القويم، وإفساد أخلاقهم.
ولقد بذلوا في هذا السبيل ولهذه الغاية الخبيثة أموالاً باهظة، لا سيما النصارى -قبحهم الله- الذين شدوا مآزرهم، وأحيوا لياليهم، وتحملوا المصاعب واللّأواء لتنصير العالم عموماً، والمسلمين خصوصاً، أو جعلهم بلا دين ولا هدف ولا غاية، كما قال الله -سبحانه-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) [الأنفال:36].
فهذه نذارة وبشارة من الله -عز وجل-، نذارة بأن أعداء الدين سينفقون أموالهم لصد المسلمين عن دينهم وعقيدتهم، وهذا ما يقومون به اليوم من التنصير والدعوة إلى النصرانية، فعقدوا من أجل هذا مؤتمرات عدة إقليمية وعالمية، وتوافد إليها المنصرون العاملون من كل مكان؛ لرسم الخطط، وسماع المقترحات، وإبداء الآراء؛ لتحقيق هذا الهدف الخبيث في أسرع وقت، وبأقل تكلفة مالية وعددية.
فكان من أبرز وسائلهم -كما ذكر عنهم- إرسال البعثات التنصيرية إلى بلدان العالم الإسلامي، والدعوة إلى النصرانية من خلال توزيع المطبوعات من كتب ونشرات تعرف بالنصرانية، وترجمات للإنجيل، ومطبوعات للتشكيك في الإسلام، والهجوم عليه، وتشويه صورته أمام العالم، وتصويره بأنه دين الإرهاب والعنف.
ومن أخطر أساليبهم -التي نقلت لنا- ما كان عبر التطبيب وتقديم الرعاية الصحية للإنسان، خصوصاً في البلاد التي عبثت بها الخلافات الداخلية اقتصادياً وسياسياً، وأمناً واستقراراً، أو البلاد التي تعرضت لغزو غادر من أعداء الدين فعاشت حياة بؤس وشقاء، ونتج عن هذا انتشار الأوبئة والأمراض الفتاكة في البيئات الإسلامية، خصوصاً مع مرور زمن ندر فيه الأطباء المسلمون، بل فقدوا في بعض البلاد الإسلامية.
ومن أساليبهم الخبيثة لتحقيق هدفهم ما كان عن طريق التعليم، وذلك بإنشاء المدارس والجامعات النصرانية صراحة، أو المدارس التي ظاهرها التعليم المجرد وباطنها التنصير المنظم، وتسهيل الدخول في هذه المدارس، لا سيما لفئام من المسلمين.
ومن أساليبهم في ذلك استغلال وسائل الإعلام بجميع أنواعه لهذا الهدف الأسمى والغاية النبيلة عندهم، وتوجيه هذه الوسائل الحديثة إلى بلدان العالم الإسلامي.
ويزداد الأمر سوءاً ما انفتح على المسلمين من هذه القنوات الفضائية التي تنوع فيها الخبث وتعدد فيها المصدر، فكل هذه الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة تتكاتف في الدعوة إلى الكفر والخبث من الدعوة إلى النصرانية، وبيان مزاياها المزعومة، وأنها تدعو إلى الرحمة والشفقة بالعالم أجمع؛ وإلقاء الشبه على المسلمين في عقيدتهم وشعائرهم وعلاقاتهم الدينية، ونشر العري والخلاعة وتهييج الشهوات بغية الوصول إلى انحلال المشاهد، وهدم أخلاقه، ودك عفته، وذهاب حيائه، وتحويل هؤلاء المنحلين إلى عباد شهوات وطلاب متع رخيصة؛ فيسهل بعد ذلك دعوتهم إلى الردة والكفر بالله، والعياذ بالله!.
قال أحدهم بعدما ذكر أهم وسائل تغريب المجتمعات الإسلامية بالإعلام والتعليم، قال: ومن ثم نستطيع أن نقول حسب سير الأمور: إن العالم الإسلامي سيصبح خلال فترة قصيرة لا دينياً في كل مظاهر حياته، ما لم يطرأ على الأمور عوامل ليست في الحسبان فيتغير اتجاه التيار.
هذه -عباد الله- أهم وسائل دعوتهم إلى دينهم الفاسد المحرف، وهم ساعون في مكرهم بالمسلمين وإطفاء نور الله، ولكن كما قال -تعالى-: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال:30]، وقال -تعالى-: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [التوبة:32].
فعلينا -جميعاً- مسؤولية الوقوف أمام هذا الغزو الفكري الكافر الذي يستهدف كل فرد من أفراد هذه الأمة الإسلامية، كبيراً أو صغيراً، ذكراً أو أنثى، وصدّه بكل ما نستطيع من قوة في العقيدة والدين والخلق والعلم والسلاح والمال، مع مراعاة ما يناسب كل حال وواقع، والالتزام بالقواعد والتدابير الشرعية؛ حتى نسلم من شره وخبثه، وننجو من تبعاته وآثاره السيئة الأليمة.
ولقد تلمس بعض العلماء المشهود لهم بالعلم الصحيح السليم والأمانة والعقل الرزين، تلمسوا بعض الأساليب التي من خلالها يسلم المسلمون من شر هذا الغزو الفكري الغربي الكافر، أذكرها إن شاء الله تعالي في الخطبة الثانية.
فلنتق الله -عباد الله- ولنعلم أننا مغزوّون من أعدائنا غزواً فكرياً وأخلاقياً، فلنحافظ على ديننا وعقيدتنا وأخلاقنا، ونحذر من الفتن، وعلينا بطاعة أولياء أمورنا فيما تجب طاعتنا لهم فيه، ونحذر الخلاف وإثارة الفتن، وندعو لهم بالهدى والسداد والثبات على الدين، ونسعى في كل ما يقوي علاقتنا وودنا ومحبتنا، واجتماعنا بأولياء أمورنا وعلمائنا ودعاتنا، وفي كل ما يجلب الخير والاستقرار والأمن لبلادنا، ويدفع الشر والسوء والخبث عنها.
اللهم إنا نسألك ونتوجه إليك وأنت أهل أن يدعى وأهل أن يجيب، أن تخزي الكفر وتذل الكافرين، وأن تجعل مكرهم وكيدهم وبالا عليهم إلى يوم الدين.
ونسألك أن تجنب هذه البلاد خاصة، حكاماً ومحكومين، وبلاد المسلمين عامة، كل شر وسوء وفتنة ومحنة، وأن تديم علينا نعمة الأمن والإيمان، وأن تصلح أحوال المسلمين في كل مكان يا رب العالمين.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية:
... عباد الله: أذكر لكم تلك الوسائل:
أولا: تأصيل العقيدة الإسلامية في نفوس المسلمين من خلال مناهج التعليم وبرامج التربية بصفة عامة، مع التركيز على ترسيخها في قلوب الناشئة، خاصة في المدارس ودور التعليم الرسمية والأهلية.
ثانياً: بث الوعي الديني الصحيح في طبقات الأمة جميعاً، وشحن النفوس بالغيرة على الدين وحرماته.
ثالثاً: أن يحرص القائمون على حماية الحدود ممن عينهم ولي الأمر وائتمنهم عليها على مراقبة ما يدخل لهذه البلاد من هذا الغزو الفكري عبر أفلام أو نشرات أو مجلات وغيرها، وعدم السماح بدخوله إلى هذه البلاد.
رابعاً: أن يقوم العلماء والدعاة إلى الله بتبصير الناس وتوعيتهم بمخاطر هذا الغزو الفكري الغاشم، وأساليب أهله الماكرة، وطرائقهم المتجددة؛ للحذر منها، وتجنب الوقوع في شباكها.
خامساً: الاهتمام بجميع الجوانب الأساسية في حياة الإنسان المسلم، ومنها الجانب الصحي والتعليمي على وجه الخصوص، إذ دلت الأحداث على أنهما أخطر منفذين عبر خلالهما الأعداء، ولا سيما النصارى، إلى قلوب الناس وعقولهم.
سادساً: أن يتمسك كل مسلم في أي مكان على وجه الأرض بدينه وعقيدته مهما كانت الظروف والأحوال، وأن يقيم شعائر الإسلام في نفسه ومن تحت يده حسب قدرته واستطاعته، وأن يكون أهل بيته محصنين تحصيناً ذاتياً لمقاومة كل غزو يستهدف عقيدتهم وأخلاقهم.
سابعاً: الحذر من قبل كل فرد وأسرة من السفر إلى بلاد الكفار إلا لحاجة شديدة كعلاج أو علم ضروري لا يوجد في البلاد الإسلامية، مع الاستعداد لدفع الشبهات والفتنة في الدين.
ثامناً: تنشيط التكافل الاجتماعي بين المسلمين والتعاون بينهم، فيراعي الأثرياء حقوق الفقراء، ويبسطوا أيديهم بالخيرات والمشاريع النافعة لسد حاجات المسلمين حتى لا تمتد إليهم أيدي الأعداء الملوثة مستغلة حاجتهم وفاقتهم.
هذه بعض الوسائل النافعة -بإذن الله- لمقاومة هذا الغزو الفكري الكافر، وإنني أقول إن العمل بهذه الوسائل قدر الاستطاعة من قبل كل فرد منا من الحق الواجب عليه لولي أمره ولهذه البلاد المسلمة التي قامت على التوحيد وتحكيم الكتاب والسنة، وعاش فيها عيشاً حميداً يؤدي عباداته ويقوم بواجباته وينتقل في أرجائها في أمن واستقرار، كفلت له حقوقه، وسلم فيها بإذن الله على دينه وعرضه وماله.
ولا يعرف أحد قدر هذه البلاد إلا إذا قدر له أن يذهب إلى غيرها من البلاد، فيرى ما يدعوه إلى أن يحافظ على دينه وعقيدته، ويحمي بلاده من كل ما يسيء إليها من فكر دخيل، وخلق رخيص.