البحث

عبارات مقترحة:

الصمد

كلمة (الصمد) في اللغة صفة من الفعل (صَمَدَ يصمُدُ) والمصدر منها:...

العالم

كلمة (عالم) في اللغة اسم فاعل من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

الشهيد

كلمة (شهيد) في اللغة صفة على وزن فعيل، وهى بمعنى (فاعل) أي: شاهد،...

إبراهيم عليه السلام

إبراهيمُ عليه السلام خليلُ الرَّحمن، وأبو الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ورسولٌ مِن أُولي العزم من الرُّسل، وهو أفضَلُ الأنبياء بعد نبيِّنا مُحمَّدٍ .

أرسَله اللهُ تعالى إلى قومِه الذين كانوا يعبدون الأوثانَ؛ ليُخرِجَهم من الظُّلماتِ إلى النور، وليأمرَهم بعبادةِ الله وتوحيدِه.

وقد جعَل في ذُريَّتِه النبوةَ والكتاب، ولم يُبعَثْ نبيٌّ بعده إلا كان مِن نَسْلِه.

اسمه ونسبه

هو إبراهيمُ بنُ آزَرَ عليه السلام، كما ذُكِرَ في القرآن الكريم؛ قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ ‌قَالَ ‌إِبْرَٰهِيمُ ‌لِأَبِيهِ ءَازَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا ءَالِهَةً إِنِّيٓ أَرَىٰكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ﴾ [الأنعام: 74].

وكما جاء في السُّنة النبويَّة الشريفة:

عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، عن النبيِّ ، قال: «يَلقَى إبراهيمُ أباه آزَرَ يومَ القيامةِ، وعلى وجهِ آزَرَ قَتَرةٌ وغَبَرةٌ، فيقولُ له إبراهيمُ: ألَمْ أقُلْ لك: لا تَعصِني؟! فيقولُ أبوه: فاليومَ لا أعصيك، فيقولُ إبراهيمُ: يا رَبِّ، إنَّك وعَدتَّني ألا تُخزِيَني يومَ يُبعَثون، فأيُّ خِزْيٍ أخزى مِن أبي الأبعَدِ؟! فيقولُ اللهُ تعالى: إنِّي حرَّمْتُ الجَنَّةَ على الكافرين، ثم يقالُ: يا إبراهيمُ، ما تحت رِجْلَيْكَ؟ فينظُرُ، فإذا هو بذِيخٍ ملتطِّخٍ، فيؤخَذُ بقوائمِهِ، فيُلقَى في النارِ». أخرجه البخاري (3350).

معنى الاسم لغة

(إبراهيمُ) لغةً: مشتقٌّ من البَرْهَمة؛ وهي: إدامةُ النَّظر، وسكونُ الطَّرْفِ، وبُرْعمةُ الشجر، وهو اسمٌ أعجمي. انظر: "القاموس المحيط" للفِيرُوزابادي (1 /1079).

وقد اختُلف في أصل اسمِ (إبراهيم)؛ فمنهم من يرى أن أصلَه عربيٌّ، ومنهم من يرى أن أصلَه كُرْديٌّ؛ وهو الأرجح، ويرى الأكرادُ أنه مركَّب من (بر): الأخ، و(هام): الصخر؛ والمعنى: أخو الصخر، ولعلَّ هذا المعنى الأخيرَ جاء من صَنْعةِ أبيه؛ وهي: نَحْتُ الصخر لصُنْعِ التماثيل.

وقيل: إن أصلَ الاسم هو: (أبرام)؛ ومعناه: الأبُ رفيع المقام.

و(إبراهيم) أيضًا يعني: أبا الجمهور، أو أبا الجماعة عند بعض الجماعات، وفي العِبْريةِ يعني: الأبَ في الأعالي، و(إبراهيم) يعني: أبا الأنبياء. انظر: "قاموس الأسماء العربية دراسة شاملة" (ص23)، "قاموس الأسماء العربية والمعربة" (ص19).

ذكره في القرآن الكريم

ورَد ذكرُ إبراهيمَ عليه السلام في القرآن الكريم عشراتِ المرات؛ وذلك في أثناء الحديث عن قصَّتِه، أو في أثناء ذكرِ الرُّسل والأنبياء عليهم السلام، ومِن السُّوَر التي ذُكِرَ فيها إبراهيمُ عليه السلام: «البقرة»، و«آل عمران»، و«النساء»، و«الأنعام»، و«التوبة»، و«هود»، و«يوسف»، و«إبراهيم»، و«مريم»، و«الأنبياء»، و«الصافَّات»، وغيرها من السور.

ومجموع السُّوَرِ التي ورَد اسمُه فيها: (خمسٌ وعشرون سورةً)، ومجموعُ مرات ذكرِه: (تِسْعٌ وستون مرةً)؛ ما بين تفصيلٍ لجانبٍ من جوانبِ حياته، أو إشارةٍ سريعة لقصةٍ من قِصَصه، أو اكتفاءٍ بذكرِ اسمه ضمن الأنبياء عليهم السلام.

* ومِن مواضعِ ذكرِه عليه السلام في القرآن:

- في سورة (البقرة) يُبيِّنُ اللهُ عز وجل قصةَ بناء إبراهيمَ وإسماعيل عليهما السلام البيتَ الحرام، ودعائهما، ووصيَّتِه لأبنائه وأحفاده بأن يكونوا مسلِمين، وألا يموتوا إلا على الإسلام؛ يقول اللهُ تعالى: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ۚ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [البقرة: 125-132].

- وفي سورة (آل عِمْرانَ) تشير الآيات إلى اصطفاءِ الله لآلِ إبراهيمَ؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: 33-34]. وتُبيِّنُ دِينَ إبراهيمَ الحنيف، وأن أَوْلى الناسِ به مَن اتبَعوه؛ قال تعالى: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ۗ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 67-68]. وتأمر اليهودَ والنصارى باتباع ملَّةِ إبراهيمَ عليه السلام، وتشير إلى بناء إبراهيمَ البيتَ الحرام، وتذكُرُ مقامَ إبراهيم عند البيتِ الحرام، وتأمر المسلمين بالحجِّ؛ قال تعالى: ﴿قُلْ صَدَقَ اللَّهُ ۗ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ۗ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 95-97].

- وفي سورة (الأنعام) تشير الآياتُ إلى طَرَفٍ من الحوار بين إبراهيمَ وبين أبيه، ثم الحِجَاج والجدال بينه وبين قومِه، ثم تشير إلى الأنبياءِ من ذريته؛ قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ۖ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ ۚ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ ۚ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا ۗ وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ۗ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ * وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ ۖ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا ۚ وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام: 74-86].

- وفي سورة (هودٍ) تشير الآياتُ إلى قدومِ الملائكة إلى إبراهيمَ في صورة بَشَرٍ لا يعرفهم، وبشارتِهم لإبراهيمَ وزوجتِه سارةَ عليهما السلام بولادةِ إسحاق عليه السلام، ومن بعدِه يعقوب، وإخبارِهم بإهلاك قوم لوطٍ عليه السلام؛ يقول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ * فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ * وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ * فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ * إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ * يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا ۖ إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ۖ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ﴾ [هود: 69-76].

- وفي سورة (إبراهيمَ) تشير الآياتُ إلى إسكان إبراهيمَ عليه السلام هاجرَ وابنها إسماعيلَ في وادٍ غيرِ ذي زرع، ودعائه رَبَّهُ أن يَجمَعَ الناس حولهما، وأن يرزُقَهم من الطيبات، وأن يُجنِّبَه وبَنِيه عبادةَ الأصنام، وشكرِه لله على ما أنعَم به عليه من النِّعَم؛ ومنها: نعمةُ الولد؛ يقول الله تعالى: ﴿وَإِذْ ‌قَالَ ‌إِبْرَٰهِيمُ ‌رَبِّ اْجْعَلْ هَٰذَا اْلْبَلَدَ ءَامِنٗا وَاْجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ اْلْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرٗا مِّنَ اْلنَّاسِۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُۥ مِنِّيۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ * رَّبَّنَآ إِنِّيٓ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ اْلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ اْلصَّلَوٰةَ فَاْجْعَلْ أَفْـِٔدَةٗ مِّنَ اْلنَّاسِ تَهْوِيٓ إِلَيْهِمْ وَاْرْزُقْهُم مِّنَ اْلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ * رَبَّنَآ إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُۗ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى اْللَّهِ مِن شَيْءٖ فِي اْلْأَرْضِ وَلَا فِي اْلسَّمَآءِ * اْلْحَمْدُ لِلَّهِ اْلَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى اْلْكِبَرِ إِسْمَٰعِيلَ وَإِسْحَٰقَۚ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ اْلدُّعَآءِ * رَبِّ اْجْعَلْنِي مُقِيمَ اْلصَّلَوٰةِ وَمِن ذُرِّيَّتِيۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ * رَبَّنَا اْغْفِرْ لِي وَلِوَٰلِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ اْلْحِسَابُ﴾ [إبراهيم: 35-41].

- وفي سورة (الحِجْرِ) تشير الآياتُ إلى قدومِ الملائكة إليه في صورة بَشَرٍ، وبشارةِ إبراهيمَ وزوجتِه سارةَ عليهما السلام بإسحاقَ عليه السلام، وتدميرِ قوم لوطٍ عليه السلام؛ يقول الله تعالى: ﴿وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَٰهِيمَ * إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلَٰمٗا قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ * قَالُواْ لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَٰمٍ عَلِيمٖ * قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَىٰٓ أَن مَّسَّنِيَ اْلْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ * قَالُواْ بَشَّرْنَٰكَ بِاْلْحَقِّ فَلَا تَكُن مِّنَ اْلْقَٰنِطِينَ * قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِۦٓ إِلَّا اْلضَّآلُّونَ * قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا اْلْمُرْسَلُونَ * قَالُوٓاْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٖ مُّجْرِمِينَ * إِلَّآ ءَالَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا اْمْرَأَتَهُۥ قَدَّرْنَآ إِنَّهَا لَمِنَ اْلْغَٰبِرِينَ﴾ [الحجر: 51-60].

- وفي سورة (مريمَ) تشير الآياتُ إلى دعوتِه لأبيه، واعتزالِه قومَه، وإكرامِ الله له بإسحاقَ ويعقوبَ عليهما السلام؛ يقول الله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا * قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ۖ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ۖ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا * وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىٰ أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا * فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا * وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ [مريم: 41-50].

- وفي سورة (الأنبياء) تشير الآياتُ إلى إنكار إبراهيمَ على أبيه وقومِه، ودعوتِهم إلى الإيمان بالله، وتحطيمِه للأصنام، ومحاكمتِه أمام أعيُنِ الناس، وإفحامه لهم، ولجوئِهم إلى إحراقِه، وإنجاءِ الله له، وخروجِه مع لوطٍ عليه السلام إلى الأرض المباركة، وهبةِ الله له إسحاقَ ويعقوب عليهما السلام؛ يقول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ * قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَىٰ ذَٰلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ * وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ * فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ * قَالُوا مَن فَعَلَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ * قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ * فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَٰؤُلَاءِ يَنطِقُونَ * قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾ [الأنبياء: 51-73].

- وفي سورة (الحَجِّ) تشير الآياتُ إلى بناء إبراهيمَ عليه السلام البيتَ، وتجهيزِه للعابدين الطاهرين، وأذانِ إبراهيمَ بالحجِّ، ودعوتِه لأداء المناسك وتعظيم حرمات الله؛ يقول الله تعالى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: 26-29]. وفيها أيضًا تذكيرُ المسلمين بارتباطهم بإبراهيمَ عليه السلام، وأنه هو الذي أطلَق عليهم اسمَ (المسلمين)؛ قال تعالى: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ [الحج: 78].

- وفي سورة (الشعراء) تشير الآياتُ كذلك إلى الحوار بين إبراهيمَ عليه السلام وبين أبيه وقومِه، وبراءتِه مما يعبدون، وتوجُّهِه إلى الله، ونظرِه لليوم الآخِر، ودعائه ليكونَ من الفائزين؛ قال تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ * قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ * رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ * وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ * وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ * وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء: 69-89].

- وفي سورة (العنكبوت) تشير الآياتُ إلى دعوةِ إبراهيمَ عليه السلام قومَه لعبادة الله تعالى، وإنكارِه عليهم عبادةَ غيرِه، وتهديدِ قومه له، ونجاتِه من كيدهم، واستجابةِ لوطٍ عليه السلام لدعوتِه، وهبةِ الله له إسحاقَ ويعقوب عليهما السلام؛ يقول الله تعالى: ﴿وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ۖ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ ۖ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ۖ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ * أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۚ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَاءُ ۖ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ * وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ۖ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَٰئِكَ يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِي وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ * فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ ۘ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّي ۖ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [العنكبوت: 16-27].

- وفي سورة (الصافَّات) تشير الآياتُ إلى إنكار إبراهيمَ عليه السلام على قومه عبادةَ الأصنام، وتحطيمِه لأصنامهم، ومحاولتِهم إحراقَه، وإنجاءِ الله له من النار، وولادةِ إسماعيلَ عليه السلام له، ورُؤْياه بذَبْحِ ابنه، واستسلامه مع ابنِه لله، وتبشيره بابنِه الآخَر إسحاقَ نبيًّا، ومباركةِ الله له في أولاده؛ يقول الله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ * فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ * فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ * فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ * فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ * قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ * قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ * فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ * وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ * كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ * وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰ إِسْحَاقَ ۚ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ﴾ [الصافات: 83-113].

- وفي سورة (الذاريَات) تشير الآيات إلى قدومِ الملائكة إلى إبراهيمَ عليه السلام، وبشارتِه وزوجتِه سارةَ عليهما السلام بإسحاقَ عليه السلام، وإخبارِهم إياه بإهلاك قوم لوطٍ عليه السلام؛ يقول الله تعالى: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ * فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ * قَالُوا كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ ۖ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ * قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ * قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ * لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ * مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ﴾ [الذاريات: 24-34].

- وفي سورة (الممتحنة) دعا اللهُ عز وجل المؤمنين إلى الاقتداء بإبراهيم عليه السلام وأتباعِه؛ فقال سبحانه وتعالى: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۖ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ۚ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [الممتحنة: 4-6].

ينظر: "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 177)، "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (1 /303-311).

ذكره في السنة النبوية

ورَد في ذكرِ نبيِّ اللهِ إبراهيمَ عليه السلام وأخبارِه وفضائلِه كثيرٌ من الأحاديث في السُّنةِ النبوية الشريفة؛ ومن ذلك:

* هيئةُ إبراهيمَ عليه السلام:

عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رضي الله عنهما، أنَّ رسولَ اللهِ قال: «عُرِضَ عليَّ الأنبياءُ: فإذا موسى ضَرْبٌ مِن الرِّجالِ، كأنَّه مِن رجالِ شَنُوءةَ، ورأَيْتُ عيسى ابنَ مَرْيمَ عليه السلام، فإذا أقرَبُ مَن رأَيْتُ به شَبَهًا عُرْوةُ بنُ مسعودٍ، ورأَيْتُ إبراهيمَ صلوات الله عليه، فإذا أقرَبُ مَن رأَيْتُ به شَبَهًا صاحِبُكم، يَعني: نَفْسَه، ورأَيْتُ جِبْريلَ عليه السلام، فإذا أقرَبُ مَن رأَيْتُ به شَبَهًا دِحْيَةُ». أخرجه مسلم (167).

* دِينُ إبراهيمَ عليه السلام الحنيفيَّةُ:

عن ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: «أنَّ زيدَ بنَ عمرِو بنِ نُفَيلٍ خرَجَ إلى الشَّامِ يَسألُ عن الدِّينِ، ويَتبَعُهُ، فلَقِيَ عالِمًا مِن اليهودِ، فسأَلَهُ عن دِينِهم، فقال: إنِّي لعلِّي أن أَدِينَ دِينَكم؛ فأخبِرْني، فقال: لا تكونُ على دِينِنا حتى تأخذَ بنصيبِك مِن غضبِ اللهِ، قال زيدٌ: ما أَفِرُّ إلا مِن غضبِ اللهِ، ولا أحمِلُ مِن غضبِ اللهِ شيئًا أبدًا، وأنَّى أستطيعُهُ؟! فهل تدُلُّني على غيرِهِ؟ قال: ما أعلَمُهُ إلا أن يكونَ حنيفًا، قال زيدٌ: وما الحنيفُ؟ قال: دِينُ إبراهيمَ؛ لم يكُنْ يهوديًّا، ولا نَصْرانيًّا، ولا يعبُدُ إلا اللهَ، فخرَجَ زيدٌ فلَقِيَ عالِمًا مِن النَّصارى، فذكَرَ مِثْلَهُ، فقال: لن تكونَ على دِينِنا حتى تأخذَ بنصيبِك مِن لعنةِ اللهِ، قال: ما أَفِرُّ إلا مِن لعنةِ اللهِ، ولا أحمِلُ مِن لعنةِ اللهِ ولا مِن غضبِهِ شيئًا أبدًا، وأنَّى أستطيعُ؟! فهل تدُلُّني على غيرِهِ؟ قال: ما أعلَمُهُ إلا أن يكونَ حنيفًا، قال: وما الحنيفُ؟ قال: دِينُ إبراهيمَ؛ لم يكُنْ يهوديًّا ولا نَصْرانيًّا، ولا يعبُدُ إلا اللهَ، فلمَّا رأى زيدٌ قولَهم في إبراهيمَ عليه السلام خرَجَ، فلمَّا برَزَ رفَعَ يدَيهِ، فقال: اللهمَّ إنِّي أُشهِدُ أنِّي على دِينِ إبراهيمَ». أخرجه البخاري (3827).

* قصةُ إبراهيمَ الخليلِ وزوجتِهِ سارَةَ مع مَلِكِ مِصْرَ الجبَّارِ:

عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، أنَّ رسولَ اللهِ قال: «لم يَكذِبْ إبراهيمُ عليه السلام إلا ثلاثَ كَذَباتٍ: ثِنْتَينِ منهنَّ في ذاتِ اللهِ عز وجل: قولُهُ: ﴿إِنِّي ‌سَقِيمٞ﴾ [الصافات: 89]، وقولُهُ: ﴿بَلْ ‌فَعَلَهُۥ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا﴾ [الأنبياء: 63]»، وقال: «بَيْنا هو ذاتَ يومٍ وسارَةُ، إذ أتى على جبَّارٍ مِن الجبابرةِ، فقيل له: إنَّ هاهنا رَجُلًا معه امرأةٌ مِن أحسَنِ الناسِ، فأرسَلَ إليه فسأَلَهُ عنها، فقال: مَن هذه؟ قال: أختي، فأتى سارَةَ، قال: يا سارَةُ، ليس على وجهِ الأرضِ مؤمِنٌ غيري وغيرُكِ، وإنَّ هذا سأَلَني فأخبَرْتُهُ أنَّكِ أختي؛ فلا تُكذِّبيني، فأرسَلَ إليها، فلمَّا دخَلتْ عليه، ذهَبَ يَتناولُها بيدِهِ فأُخِذَ، فقال: ادعِي اللهَ لي ولا أضُرُّكِ، فدَعَتِ اللهَ فأُطلِقَ، ثم تناوَلَها الثانيةَ فأُخِذَ مِثْلَها أو أشَدَّ، فقال: ادعِي اللهَ لي ولا أضُرُّكِ، فدَعَتْ فأُطلِقَ، فدعَا بعضَ حَجَبتِهِ، فقال: إنَّكم لم تأتوني بإنسانٍ، إنَّما أتيتموني بشيطانٍ، فأخدَمَها هاجَرَ، فأتَتْهُ وهو قائمٌ يُصلِّي، فأومأَ بيدِهِ: مَهْيَا! قالت: رَدَّ اللهُ كيدَ الكافرِ، أو الفاجرِ، في نَحْرِهِ، وأخدَمَ هاجَرَ»، قال أبو هُرَيرةَ: «تلك أُمُّكم يا بني ماءِ السماءِ». أخرجه البخاري (3357)، ومسلم (2371).

وعن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، قال: قال النبيُّ : «هاجَرَ إبراهيمُ عليه السلام بسارَةَ، فدخَلَ بها قريةً فيها مَلِكٌ مِن الملوكِ، أو جبَّارٌ مِن الجبابرةِ، فقيل: دخَلَ إبراهيمُ بامرأةٍ هي مِن أحسَنِ النِّساءِ، فأرسَلَ إليه أنْ: يا إبراهيمُ، مَن هذه التي معك؟ قال: أختي، ثم رجَعَ إليها، فقال: لا تُكذِّبي حديثي؛ فإنِّي أخبَرْتُهم أنَّكِ أختي، واللهِ، إنْ على الأرضِ مؤمِنٌ غيري وغيرُكِ، فأرسَلَ بها إليه، فقامَ إليها، فقامت تَوَضَّأُ وتُصلِّي، فقالت: اللهمَّ إن كنتُ آمَنْتُ بك وبرسولِك، وأحصَنْتُ فَرْجي إلا على زَوْجي؛ فلا تُسلِّطْ عليَّ الكافرَ؛ فغُطَّ حتى ركَضَ برِجْلِهِ»، قال الأعرَجُ: قال أبو سلَمةَ بنُ عبدِ الرَّحمنِ: إنَّ أبا هُرَيرةَ قال: «قالت: اللهمَّ إن يمُتْ، يقالُ: هي قتَلَتْهُ»، «فأُرسِلَ، ثم قامَ إليها، فقامت تَوَضَّأُ تُصلِّي، وتقولُ: اللهمَّ إن كنتُ آمَنْتُ بك وبرسولِك، وأحصَنْتَ فَرْجي إلا على زَوْجي؛ فلا تُسلِّطْ عليَّ هذا الكافرَ؛ فغُطَّ حتى ركَضَ برِجْلِهِ»، قال عبدُ الرَّحمنِ: قال أبو سلَمةَ: قال أبو هُرَيرةَ: «فقالت: اللهمَّ إن يمُتْ، فيقالُ: هي قتَلَتْهُ»، «فأُرسِلَ في الثانيةِ، أو في الثالثةِ، فقال: واللهِ، ما أرسَلْتُم إليَّ إلا شيطانًا؛ ارجِعوها إلى إبراهيمَ، وأعطُوها آجَرَ، فرجَعَتْ إلى إبراهيمَ عليه السلام، فقالت: أشعَرْتَ أنَّ اللهَ كبَتَ الكافرَ، وأخدَمَ وليدةً». أخرجه البخاري (2217).

* أوَّلُ مَن بدَّلَ دِينَ إبراهيمَ عليه السلام:

عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ يقولُ لأكثَمَ بنِ الجَوْنِ الخُزَاعيِّ: «يا أكثَمُ، رأَيْتُ عمرَو بنَ لُحَيِّ بنِ خِنْدِفَ يجُرُّ قُصْبَهُ في النارِ، فما رأَيْتُ رَجُلًا أشبَهَ برَجُلٍ منك به، ولا بك منه»، فقال أكثَمُ: يضُرُّني شَبَهُهُ يا رسولَ اللهِ؟ قال: «لا؛ إنَّك مؤمِنٌ، وهو كافرٌ؛ إنَّه كان أوَّلَ مَن غيَّرَ دِينَ إسماعيلَ؛ فنصَبَ الأوثانَ، وبحَرَ البَحِيرةَ، وسيَّبَ السائبةَ، ووصَلَ الوَصِيلةَ، وحَمَى الحاميَ». أخرجه ابن هشام في "السيرة" (1 /76) بإسنادٍ حسن، وقد صرَّح ابنُ إسحاقَ بالتحديث؛ فزالت شُبْهةُ التدليس، وقد جاء من حديثِ أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه مختصرًا عند البخاري (4623)، ومسلم (2856)، ومن حديثِ جابر رضي الله عنه مطولًا عند أحمد في "المسند" (14800).

* ما قاله إبراهيمُ عليه السلام حين أُلقِيَ في النارِ:
عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما، قال: «حَسْبُنا اللهُ ونِعْمُ الوكيلُ: قالها إبراهيمُ عليه السلام حِينَ أُلقِيَ في النارِ، وقالها مُحمَّدٌ حِينَ قالوا: ﴿إِنَّ ‌اْلنَّاسَ ‌قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاْخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَٰنٗا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اْللَّهُ وَنِعْمَ اْلْوَكِيلُ﴾ [آل عمران: 173]». أخرجه البخاري (4563).

وفي لفظٍ آخَرَ قال: «كان آخِرَ قولِ إبراهيمَ حِينَ أُلقِيَ في النارِ: حَسْبي اللهُ ونِعْمَ الوكيلُ». أخرجه البخاري (4564).

* اشتراكُ الحيوانات في إطفاءِ النار عن إبراهيمَ عليه السلام إلا الوزَغَ:
عن أمِّ شريكٍ رضي الله عنها: «أنَّ رسولَ اللهِ أمَرَ بقتلِ الوَزَغِ، وقال: كان ينفُخُ على إبراهيمَ عليه السلام». أخرجه البخاري (3359)، ومسلم (2237).

وعن عائشةَ رضي الله عنها: «أنَّ إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام حِينَ أُلقِيَ في النارِ لم تكُنْ في الأرضِ دابَّةٌ إلا تُطفِئُ النارَ عنه، غيرَ الوَزَغِ؛ كان ينفُخُ عليه؛ فأمَرَنا رسولُ اللهِ بقتلِهِ». أخرجه أحمد (24534).

* موطنُ هجرةِ إبراهيمَ عليه السلام:

عن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو رضي الله عنهما، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ يقولُ: «ستكونُ هجرةٌ بعد هجرةٍ؛ فخيارُ أهلِ الأرضِ ألزَمُهم مُهاجَرَ إبراهيمَ، ويَبقَى في الأرضِ شِرارُ أهلِها، تَلفِظُهم أَرْضُوهم، تَقذَرُهم نَفْسُ اللهِ، وتحشُرُهم النارُ مع القِرَدةِ والخنازيرِ». أخرجه أبو داود (2482).

* سُنَنُ الفِطرة التي كان يفعلها إبراهيمُ خليلُ الله:

عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما، قال: «كان رسولُ اللهِ يقُصُّ شارِبَهُ، وكان أبوكم إبراهيمُ مِن قَبْلِهِ يقُصُّ شارِبَهُ». أخرجه أحمد (2738).

وعن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما في قولِهِ عز وجل: ﴿وَإِذِ اْبْتَلَىٰٓ إِبْرَٰهِـۧمَ رَبُّهُۥ بِكَلِمَٰتٖ﴾ [البقرة: 124]، قال: «ابتلاه اللهُ بالطَّهارةِ: خَمْسٌ في الرأسِ، وخَمْسٌ في الجسدِ.

في الرأسِ: قَصُّ الشاربِ، والمضمضةُ، والاستنشاقُ، والسِّواكُ، وفَرْقُ الرأسِ.

وفي الجسدِ: تقليمُ الأظفارِ، وحَلْقُ العانةِ، والخِتانُ، ونَتْفُ الإِبْطِ، وغَسْلُ مكانِ الغائطِ والبَوْلِ بالماءِ». أخرجه الحاكم (3055).

* اختتانُ إبراهيمَ عليه السلام:

عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ اللهِ : «اختتَنَ إبراهيمُ عليه السلام وهو ابنُ ثمانين سنةً بالقَدُومِ». أخرجه البخاري (3356)، ومسلم (2370).

* إبراهيمُ عليه السلام أوَّلُ مَن أضاف الضيفَ:

عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ اللهِ : «أوَّلُ مَن أضافَ الأضيافَ إبراهيمُ عليه السلام». أخرجه الطبراني في "الأوائل" (10).

* الكَرَمُ صفةٌ لازمة لإبراهيمَ عليه السلام وأبنائه وأحفاده:

عن ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عن النبيِّ ، قال: «الكريمُ ابنُ الكريمِ ابنِ الكريمِ ابنِ الكريمِ: يوسُفُ بنُ يعقوبَ بنِ إسحاقَ بنِ إبراهيمَ عليهم السلام». أخرجه البخاري (3390).

وعن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، قال: «قيل: يا رسولَ اللهِ، مَن أكرَمُ الناسِ؟ قال: «أتقاهم»، فقالوا: ليس عن هذا نسألُك، قال: «فيوسُفُ نبيُّ اللهِ ابنُ نبيِّ اللهِ ابنِ نبيِّ اللهِ ابنِ خليلِ اللهِ»، قالوا: ليس عن هذا نسألُك، قال: «فعَنْ معادنِ العَرَبِ تَسألون؟ خيارُهم في الجاهليَّةِ خيارُهم في الإسلامِ؛ إذا فَقُهوا»». أخرجه البخاري (3353)، ومسلم (2378).

* قصةُ إبراهيمَ عليه السلام، وإسكانِه هاجَرَ وإسماعيلَ عليهما السلام بمكَّةَ، وزواجِ إسماعيلَ عليه السلام، وبنائِه الكعبةَ مع أبيه إبراهيمَ عليهما السلام:

قال ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: «أوَّلُ ما اتَّخَذَ النِّساءُ المِنطَقَ مِن قِبَلِ أُمِّ إسماعيلَ، اتَّخَذَتْ مِنطَقًا لِتُعفِّيَ أثَرَها على سارَةَ، ثم جاءَ بها إبراهيمُ وبابنِها إسماعيلَ وهي تُرضِعُهُ، حتى وضَعَهما عند البيتِ عند دَوْحةٍ، فوق زَمْزَمَ، في أعلى المسجدِ، وليس بمكَّةَ يومئذٍ أحدٌ، وليس بها ماءٌ، فوضَعَهما هنالك، ووضَعَ عندهما جِرابًا فيه تَمْرٌ، وسِقاءً فيه ماءٌ.

ثم قَفَّى إبراهيمُ منطلِقًا، فتَبِعَتْهُ أُمُّ إسماعيلَ، فقالت: يا إبراهيمُ، أين تَذهَبُ وتترُكُنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنسٌ ولا شيءٌ؟ فقالت له ذلك مِرارًا، وجعَلَ لا يلتفِتُ إليها، فقالت له: آللهُ الذي أمَرَك بهذا؟ قال: نَعم، قالت: إذَنْ لا يُضيِّعَنا، ثم رجَعَتْ.

فانطلَقَ إبراهيمُ، حتى إذا كان عند الثَّنِيَّةِ حيث لا يَرَونه، استقبَلَ بوجهِهِ البيتَ، ثم دعَا بهؤلاء الكلماتِ، ورفَعَ يدَيهِ، فقال: رَبِّ ﴿إِنِّيٓ ‌أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ اْلْمُحَرَّمِ﴾ حتى بلَغَ: ﴿يَشْكُرُونَ﴾ [إبراهيم: 37].

وجعَلَتْ أُمُّ إسماعيلَ تُرضِعُ إسماعيلَ، وتَشرَبُ مِن ذلك الماءِ، حتى إذا نَفِدَ ما في السِّقاءِ عَطِشَتْ وعَطِشَ ابنُها، وجعَلَتْ تنظُرُ إليه يَتلوَّى، أو قال: يَتلبَّطُ، فانطلَقَتْ كراهيَةَ أن تنظُرَ إليه، فوجَدَتِ الصَّفَا أقرَبَ جَبَلٍ في الأرضِ يَلِيها، فقامت عليه، ثم استقبَلَتِ الواديَ تنظُرُ هل ترى أحدًا، فلم تَرَ أحدًا، فهبَطَتْ مِن الصَّفَا، حتى إذا بلَغَتِ الواديَ رفَعَتْ طَرْفَ دِرْعِها، ثم سَعَتِ سَعْيَ الإنسانِ المجهودِ حتى جاوَزَتِ الواديَ، ثم أتَتِ المَرْوةَ فقامت عليها، ونظَرَتْ هل ترى أحدًا، فلم تَرَ أحدًا، ففعَلَتْ ذلك سَبْعَ مرَّاتٍ، قال ابنُ عبَّاسٍ: قال النبيُّ : «فذلك سَعْيُ الناسِ بينهما»، فلمَّا أشرَفَتْ على المَرْوةِ سَمِعَتْ صوتًا، فقالت: صَهٍ - تريدُ نَفْسَها -، ثم تسمَّعَتْ، فسَمِعَتْ أيضًا، فقالت: قد أسمَعْتَ إن كان عندك غِوَاثٌ، فإذا هي بالمَلَكِ عند موضعِ زَمْزَمَ، فبحَثَ بعَقِبِهِ، أو قال: بجَناحِهِ، حتى ظهَرَ الماءُ، فجعَلَتْ تُحوِّضُهُ وتقولُ بيدِها هكذا، وجعَلَتْ تَغرِفُ مِن الماءِ في سِقائِها وهو يفُورُ بعدما تَغرِفُ، قال ابنُ عبَّاسٍ: قال النبيُّ : «يَرحَمُ اللهُ أُمَّ إسماعيلَ! لو ترَكَتْ زَمْزَمَ - أو قال: لو لم تَغرِفْ مِن الماءِ -، لكانت زَمْزَمُ عينًا مَعِينًا»، قال: فشَرِبَتْ وأرضَعَتْ ولَدَها، فقال لها المَلَكُ: لا تَخافوا الضَّيْعةَ؛ فإنَّ هاهنا بيتَ اللهِ؛ يَبنِي هذا الغلامُ وأبوه، وإنَّ اللهَ لا يُضيِّعُ أهلَهُ، وكان البيتُ مرتفِعًا مِن الأرضِ كالرَّابيةِ، تأتيه السُّيولُ، فتأخذُ عن يمينِهِ وشِمالِهِ، فكانت كذلك حتى مَرَّتْ بهم رُفْقةٌ مِن جُرْهُمَ، أو أهلُ بيتٍ مِن جُرْهُمَ، مُقبِلِينَ مِن طريقِ كَدَاءٍ، فنزَلوا في أسفَلِ مكَّةَ، فرأَوْا طائرًا عائفًا، فقالوا: إنَّ هذا الطائرَ لَيَدُورُ على ماءٍ، لَعَهْدُنا بهذا الوادي وما فيه ماءٌ، فأرسَلوا جَرِيًّا أو جَرِيَّيْنِ فإذا هم بالماءِ، فرجَعوا، فأخبَروهم بالماءِ، فأقبَلوا، قال: وأُمُّ إسماعيلَ عند الماءِ، فقالوا: أتأذنين لنا أن نَنزِلَ عندكِ؟ فقالت: نَعم، ولكنْ لا حَقَّ لكم في الماءِ، قالوا: نَعم، قال ابنُ عبَّاسٍ: قال النبيُّ : «فأَلْفى ذلك أُمَّ إسماعيلَ وهي تُحِبُّ الإِنْسَ»، فنزَلوا، وأرسَلوا إلى أهلِيهم فنزَلوا معهم، حتى إذا كان بها أهلُ أبياتٍ منهم، وشَبَّ الغلامُ، وتعلَّمَ العربيَّةَ منهم، وأنفَسَهم وأعجَبَهم حِينَ شَبَّ، فلمَّا أدرَكَ زوَّجُوه امرأةً منهم، وماتت أمُّ إسماعيلَ.

فجاءَ إبراهيمُ بعدما تزوَّجَ إسماعيلُ يطالِعُ تَرِكَتَهُ، فلم يَجِدْ إسماعيلَ، فسألَ امرأتَهُ عنه، فقالت: خرَجَ يبتغي لنا، ثم سأَلَها عن عَيْشِهم وهيئتِهم، فقالت: نحنُ بِشَرٍّ، نحنُ في ضِيقٍ وشِدَّةٍ، فشكَتْ إليه، قال: فإذا جاءَ زَوْجُكِ فاقرَئي عليه السلامَ، وقُولي له يُغيِّرْ عتَبةَ بابِهِ.

فلمَّا جاءَ إسماعيلُ كأنَّه آنَسَ شيئًا، فقال: هل جاءَكم مِن أحدٍ؟ قالت: نَعم، جاءَنا شيخٌ كذا وكذا، فسأَلَنا عنك، فأخبَرْتُهُ، وسأَلني كيف عَيْشُنا، فأخبَرْتُهُ أنَّا في جَهْدٍ وشِدَّةٍ، قال: فهل أوصاكِ بشيءٍ؟ قالت: نَعم، أمَرَني أن أقرأَ عليك السلامَ، ويقولُ: غَيِّرْ عتَبةَ بابِك، قال: ذاكِ أبي، وقد أمَرَني أن أُفارِقَكِ، الحَقِي بأهلِكِ، فطلَّقَها، وتزوَّجَ منهم أخرى.

فلَبِثَ عنهم إبراهيمُ ما شاءَ اللهُ، ثم أتاهم بعدُ فلم يَجِدْهُ، فدخَلَ على امرأتِهِ فسأَلَها عنه، فقالت: خرَجَ يبتغي لنا، قال: كيف أنتم؟ وسأَلَها عن عَيْشِهم وهيئتِهم، فقالت: نحنُ بخيرٍ وسَعةٍ، وأثنَتْ على اللهِ، فقال: ما طعامُكم؟ قالت: اللَّحْمُ، قال: فما شرابُكم؟ قالت: الماءُ، قال: اللهمَّ بارِكْ لهم في اللَّحْمِ والماءِ، قال النبيُّ : «ولم يكُنْ لهم يومَئذٍ حَبٌّ، ولو كان لهم، دعَا لهم فيه»، قال: «فهُمَا لا يخلو عليهما أحدٌ بغيرِ مكَّةَ إلا لم يُوافِقاه»، قال: فإذا جاءَ زَوْجُكِ فاقرَئي عليه السلامَ، ومُرِيهِ يُثبِّتْ عتَبةَ بابِهِ.

فلمَّا جاءَ إسماعيلُ، قال: هل أتاكم مِن أحدٍ؟ قالت: نَعم، أتانا شيخٌ حَسَنُ الهيئةِ، وأثنَتْ عليه، فسأَلَني عنك، فأخبَرْتُهُ، فسأَلَني: كيف عَيْشُنا؟ فأخبَرْتُهُ أنَّا بخيرٍ، قال: فأوصاكِ بشيءٍ؟ قالت: نَعم، هو يَقرأُ عليك السلامَ، ويأمُرُك أن تُثبِّتَ عتَبةَ بابِك، قال: ذاكِ أبي، وأنتِ العتَبةُ، أمَرَني أن أُمسِكَكِ.

ثم لَبِثَ عنهم ما شاءَ اللهُ، ثم جاءَ بعد ذلك وإسماعيلُ يَبرِي نَبْلًا له تحت دَوْحةٍ قريبًا مِن زَمْزَمَ، فلمَّا رآه قامَ إليه، فصنَعَا كما يَصنَعُ الوالدُ بالوَلَدِ والوَلَدُ بالوالدِ، ثم قال: يا إسماعيلُ، إنَّ اللهَ أمَرَني بأمرٍ، قال: فاصنَعْ ما أمَرَك رَبُّك، قال: وتُعِينُني؟ قال: وأُعِينُك، قال: فإنَّ اللهَ أمَرَني أن أبنيَ هاهنا بيتًا، وأشار إلى أكَمةٍ مرتفِعةٍ على ما حَوْلَها، قال: فعند ذلك رفَعَا القواعدَ مِن البيتِ، فجعَلَ إسماعيلُ يأتي بالحجارةِ وإبراهيمُ يَبني، حتى إذا ارتفَعَ البناءُ، جاءَ بهذا الحَجَرِ فوضَعَهُ له فقامَ عليه، وهو يَبني وإسماعيلُ يُناوِلُهُ الحجارةَ، وهما يقولانِ: ﴿رَبَّنَا ‌تَقَبَّلْ ‌مِنَّآۖ إِنَّكَ أَنتَ اْلسَّمِيعُ اْلْعَلِيمُ﴾ [البقرة: 127]، قال: فجعَلَا يَبنيانِ حتى يدُورَا حَوْلَ البيتِ وهما يقولانِ: ﴿رَبَّنَا ‌تَقَبَّلْ ‌مِنَّآۖ إِنَّكَ أَنتَ اْلسَّمِيعُ اْلْعَلِيمُ﴾ [البقرة: 127]». أخرجه البخاري (3364).

* زيارةُ إبراهيمَ عليه السلام لهاجَرَ وابنِها إسماعيلَ كلَّ شهرٍ مرَّةً:

عن أبي جَهْمِ بنِ حُذَيفةَ رضي الله عنه، قال: «كان إبراهيمُ يزُورُ هاجَرَ كلَّ شهرٍ على البُرَاقِ، يغدو غَدْوةً فيأتي مكَّةَ، ثم يَرجِعُ فيَقِيلُ في مَنزِلِهِ بالشَّامِ». أخرجه الفاكِهيُّ في "أخبار مكَّةَ" (5 /121)، وانظر: "فتح الباري" (6 /404).

* وصيَّةُ النبيِّ بأهل مِصْرَ خيرًا لأجل هاجَرَ عليها السلام:

عن كعبِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ اللهِ : «إذا افتتَحْتم مِصْرَ، فاستَوْصُوا بالقِبْطِ خيرًا؛ فإنَّ لهم ذِمَّةً ورَحِمًا»، قال الزُّهْريُّ: «فالرَّحِمُ: أنَّ أُمَّ إسماعيلَ منهم». أخرجه الحاكم (4032).

وعن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ اللهِ : «إنَّكم ستَفتَحون مِصْرَ، وهي أرضٌ يُسمَّى فيها القيراطُ، فإذا فتَحْتموها فأحسِنوا إلى أهلِها؛ فإنَّ لهم ذِمَّةً ورَحِمًا، أو قال: ذِمَّةً وصِهْرًا، فإذا رأَيْتَ رجُلَيْنِ يختصمانِ فيها في موضعِ لَبِنةٍ، فاخرُجْ منها، قال: فرأَيْتُ عبدَ الرَّحْمنِ بنَ شُرَحْبِيلَ بنِ حسَنةَ وأخاه ربيعةَ يختصمانِ في موضعِ لَبِنةٍ، فخرَجْتُ منها». أخرجه مسلم (2543).

تعويذاتُ إبراهيمَ عليه السلام لولَدَيهِ إسماعيلَ وإسحاقَ عليهما السلام:

عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما، قال: «كان النبيُّ يُعوِّذُ الحَسَنَ والحُسَينَ، ويقولُ: إنَّ أباكما كان يُعوِّذُ بها إسماعيلَ وإسحاقَ: أعُوذُ بكلماتِ اللهِ التامَّةِ، مِن كلِّ شيطانٍ وهامَّةٍ، ومِن كلِّ عينٍ لامَّةٍ». أخرجه البخاري (3371).

* بناءُ قُرَيشٍ للكعبةِ، وقصورُ النفقةِ بهم عن قواعدِ إبراهيمَ عليه السلام:

عن عائشةَ رضي الله عنها، قالت: «سأَلْتُ النبيَّ عن الجَدْرِ: أمِنَ البيتِ هو؟ قال: «نعم»، قلتُ: فما لهم لَمْ يُدخِلوه في البيتِ؟ قال: «إنَّ قومَكِ قصُرَتْ بهم النفقةُ»، قلتُ: فما شأنُ بابِهِ مرتفِعًا؟ قال: «فعَلَ ذلك قومُكِ ليُدخِلوا مَن شاؤوا، ويَمنَعوا مَن شاؤوا، ولولا أنَّ قومَكِ حديثٌ عهدُهم بالجاهليَّةِ، فأخافُ أن تُنكِرَ قلوبَهم أن أُدخِلَ الجَدْرَ في البيتِ، وأن أُلصِقَ بابَهُ بالأرضِ». أخرجه البخاري (1584)، ومسلم (1333).

وعنها رضي الله عنها، أنَّ النبيَّ قال لها: «يا عائشةُ، لولا أنَّ قومَكِ حديثُ عهدٍ بجاهليَّةٍ، لأمَرْتُ بالبيتِ فهُدِمَ، فأدخَلْتُ فيه ما أُخرِجَ منه، وألزَقْتُهُ بالأرضِ، وجعَلْتُ له بابَينِ: بابًا شرقيًّا، وبابًا غربيًّا، فبلَغْتُ به أساسَ إبراهيمَ». فذلك الذي حمَلَ ابنَ الزُّبَيرِ رضي الله عنهما على هدمِهِ، قال يزيدُ: وشَهِدتُّ ابنَ الزُّبَيرِ حِينَ هدَمَهُ، وبنَاه، وأدخَلَ فيه مِن الحِجْرِ، وقد رأَيْتُ أساسَ إبراهيمَ حجارةً كأسنمةِ الإبلِ، قال جَريرٌ: فقلتُ له: أين موضعُهُ؟ قال: أُريكَهُ الآنَ، فدخَلْتُ معه الحِجْرَ، فأشار إلى مكانٍ، فقال: هاهنا، قال جَريرٌ: فحزَرْتُ مِن الحِجْرِ ستَّةَ أذرُعٍ، أو نحوَها. أخرجه البخاري (1586)، ومسلم (1333).

* اتخاذُ مقامِ إبراهيمَ عليه السلام مصلًّى:

عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه، قال: قال عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رضي الله عنه: «وافَقْتُ رَبِّي في ثلاثٍ؛ فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، لو اتَّخَذْنا مِن مقامِ إبراهيمَ مصلًّى؛ فنزَلَتْ: ﴿وَاْتَّخِذُواْ ‌مِن مَّقَامِ إِبْرَٰهِـۧمَ مُصَلّٗىۖ﴾ [البقرة: 125]، وآيةِ الحِجابِ، قلتُ: يا رسولَ اللهِ، لو أمَرْتَ نساءَك أن يحتجِبْنَ؛ فإنَّه يُكلِّمُهنَّ البَرُّ والفاجرُ؛ فنزَلَتْ آيةُ الحِجابِ، واجتمَعَ نساءُ النبيِّ في الغَيْرةِ عليه، فقلتُ لهنَّ: عسى رَبُّه إن طلَّقَكنْ أن يُبدِلَهُ أزواجًا خيرًا منكنَّ؛ فنزَلَتْ هذه الآيةُ». أخرجه البخاري (402).

* تعليمُ إبراهيمَ عليه السلام مناسكَ الحجِّ:

عن أبي الطُّفَيلِ رضي الله عنه، قال: «قلتُ لابنِ عبَّاسٍ: يزعُمُ قومُك أنَّ رسولَ اللهِ رمَلَ بالبيتِ، وأنَّ ذلك سُنَّةٌ، فقال: صدَقوا وكذَبوا، قلتُ: وما صدَقوا وكذَبوا؟ قال: صدَقوا: رمَلَ رسولُ اللهِ بالبيتِ، وكذَبوا: ليس بسُنَّةٍ؛ إنَّ قُرَيشًا قالت زمَنَ الحُدَيبيَةِ: دَعُوا مُحمَّدًا وأصحابَهُ حتى يمُوتُوا موتَ النَّغَفِ، فلمَّا صالَحوه على أن يَقدَموا مِن العامِ المقبِلِ، يُقِيموا بمكَّةَ ثلاثةَ أيَّامٍ، فقَدِمَ رسولُ اللهِ ، والمشرِكون مِن قِبَلِ قُعَيْقِعانِ، فقال رسولُ اللهِ لأصحابِهِ: ارمُلُوا بالبيتِ ثلاثًا، وليس بسُنَّةٍ.

قلتُ: ويزعُمُ قومُك أنَّه طافَ بَيْنَ الصَّفا والمَرْوةِ على بعيرٍ، وأنَّ ذلك سُنَّةٌ، فقال: صدَقوا وكذَبوا، فقلتُ: وما صدَقوا وكذَبوا؟ فقال: صدَقوا: قد طافَ بَيْنَ الصَّفا والمَرْوةِ على بعيرٍ، وكذَبوا: ليس بسُنَّةٍ؛ كان الناسُ لا يَدفَعون عن رسولِ اللهِ، ولا يَصرِفون عنه، فطافَ على بعيرٍ ليَسمَعوا كلامَه، ولا تَنالُهُ أيديهم.

قلتُ: ويزعُمُ قومُك أنَّ رسولَ اللهِ سعى بَيْنَ الصَّفا والمَرْوةِ، وأنَّ ذلك سُنَّةٌ؟ قال: صدَقوا: إنَّ إبراهيمَ لمَّا أمَرَ بالمناسكِ، عرَضَ له الشيطانُ عند المَسعَى، فسابَقَهُ، فسبَقَهُ إبراهيمُ، ثم ذهَبَ به جِبْريلُ إلى جَمْرةِ العقَبةِ، فعرَضَ له شيطانٌ - قال يونُسُ: الشيطانُ -، فرمَاه بسَبْعِ حصَيَاتٍ حتى ذهَبَ، ثم عرَضَ له عند الجَمْرةِ الوُسْطى، فرمَاه بسَبْعِ حصَيَاتٍ، قال: قد تَلَّهُ للجبينِ - قال يونُسُ: وثَمَّ تَلَّهُ للجبينِ -، وعلى إسماعيلَ قميصٌ أبيَضُ، وقال: يا أبتِ، إنَّه ليس لي ثوبٌ تُكفِّنُني فيه غيرُهُ، فاخلَعْهُ حتى تُكفِّنَني فيه، فعالَجَهُ لِيَخلَعَهُ، فنُودِيَ مِن خَلْفِهِ: ﴿أَن ‌يَٰٓإِبْرَٰهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ اْلرُّءْيَآۚ﴾ [الصافات: 104-105]، فالتفَتَ إبراهيمُ، فإذا هو بكبشٍ أبيَضَ أقرَنَ أعيَنَ، قال ابنُ عبَّاسٍ: لقد رأَيْتُنا نتَّبِعُ ذلك الضَّرْبَ مِن الكِباشِ.

قال: ثم ذهَبَ به جِبْريلُ إلى الجَمْرةِ القُصْوى، فعرَضَ له الشيطانُ، فرمَاه بسَبْعِ حصَيَاتٍ حتى ذهَبَ، ثم ذهَبَ به جِبْريلُ إلى مِنًى، قال: هذا مِنًى - قال يونُسُ: هذا مُناخُ الناسِ.

ثم أتى به جَمْعًا، فقال: هذا المَشعَرُ الحرامُ.

ثم ذهَبَ به إلى عرَفةَ، فقال ابنُ عبَّاسٍ: هل تَدري لِمَ سُمِّيَتْ عرَفةَ؟ قلتُ: لا، قال: إنَّ جِبْريلَ قال لإبراهيمَ: عرَفْتَ؟ - قال يونُسُ: هل عرَفْتَ؟ - قال: نَعم، قال ابنُ عبَّاسٍ: فمِن ثَمَّ سُمِّيَتْ عرَفةَ.

ثم قال: هل تَدري كيف كانت التلبيةُ؟ قلتُ: وكيف كانت؟ قال: إنَّ إبراهيمَ لمَّا أُمِرَ أن يُؤذِّنَ في الناسِ بالحجِّ، خفَضَتْ له الجبالُ رؤوسَها، ورُفِعَتْ له القُرَى، فأذَّنَ في الناسِ بالحجِّ». أخرجه أحمد (2707).

* الوقوفُ على المشاعرِ مِن إرثِ إبراهيمَ عليه السلام:

عن يَزيدَ بنِ شَيْبانَ، قال: «أتانا ابنُ مِرْبَعٍ الأنصاريُّ ونحنُ بعرَفةَ في مكانٍ يُباعِدُهُ عمرٌو عن الإمامِ، فقال: أمَا إنِّي رسولُ رسولِ اللهِ إليكم، يقولُ لكم: قِفُوا على مَشاعِرِكم؛ فإنَّكم على إرثٍ مِن إرثِ أبيكم إبراهيمَ». أخرجه أبو داود (1919)، والترمذي (883)، والنسائي (3014)، وابن ماجه (3011).

* تنزيهُ إبراهيمَ وإسماعيلَ عليهما السلام عن الاستسقاء بالأزلام:

عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما، قال: «إنَّ رسولَ اللهِ لمَّا قَدِمَ أبى أن يدخُلَ البيتَ وفيه الآلهةُ، فأمَرَ بها فأُخرِجَتْ، فأخرَجوا صورةَ إبراهيمَ وإسماعيلَ في أيديهما الأزلامُ، فقال رسولُ اللهِ : «قاتَلَهم اللهُ! أمَا واللهِ لقد عَلِموا أنَّهما لم يَستقسِما بها قطُّ»، فدخَلَ البيتَ، فكبَّرَ في نواحيه، ولم يُصَلِّ فيه». أخرجه البخاري (1601).

* دعوةُ إبراهيمَ عليه السلام أن يَبعَثَ اللهُ في أهلِ مكَّةَ رسولًا منهم:

عن العِرْباضِ بنِ ساريةَ رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ يقولُ: «إنِّي عند اللهِ في أُمِّ الكتابِ لَخاتَمُ النبيِّينَ، وإنَّ آدَمَ لَمُنْجدِلٌ في طِينتِهِ، وسأُنبِّئُكم بتأويلِ ذلك: دعوةُ أبي إبراهيمَ، وبِشارةُ عيسى قومَهُ، ورُؤْيا أُمِّي التي رأَتْ أنَّه خرَجَ منها نُورٌ أضاءت له قصورُ الشامِ». أخرجه أحمد (17163)، والبيهقي في "الدلائل" (1 /83).

* دعاءُ إبراهيمَ عليه السلام لمكَّةَ وأهلِها:

عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه، قال: «... خرَجْنا مع نبيِّ اللهِ حتى قَدِمْنا عُسْفانَ، فأقامَ بها لياليَ، فقال الناسُ: واللهِ، ما نحنُ هاهنا في شيءٍ، وإنَّ عِيالَنا لَخُلُوفٌ ما نأمَنُ عليهم، فبلَغَ ذلك النبيَّ ، فقال: «ما هذا الذي بلَغَني مِن حديثِكم؟ - ما أدري كيف قال - والذي أحلِفُ به - أو: والذي نَفْسي بيدِهِ - لقد همَمْتُ - أو إن شِئْتم لا أدري أيَّتَهما قال - لآمُرَنَّ بناقتي تُرحَلُ، ثم لا أحُلُّ لها عُقْدةً حتى أقدَمَ المدينةَ»، وقال: «اللهمَّ إنَّ إبراهيمَ حرَّمَ مكَّةَ فجعَلَها حَرَمًا، وإنِّي حرَّمْتُ المدينةَ حرامًا ما بَيْنَ مَأْزِمَيْها؛ ألَّا يُهَراقَ فيها دَمٌ، ولا يُحمَلَ فيها سلاحٌ لقتالٍ، ولا تُخبَطَ فيها شجرةٌ إلا لعَلَفٍ، اللهمَّ بارِكْ لنا في مدينتِنا، اللهمَّ بارِكْ لنا في صاعِنا، اللهمَّ بارِكْ لنا في مُدِّنا، اللهمَّ بارِكْ لنا في صاعِنا، اللهمَّ بارِكْ لنا في مُدِّنا، اللهمَّ بارِكْ لنا في مدينتِنا، اللهمَّ اجعَلْ مع البرَكةِ برَكتَينِ، والذي نَفْسي بيدِهِ، ما مِن المدينةِ شِعْبٌ ولا نَقْبٌ إلا عليه ملَكانِ يحرُسانِها حتى تَقدَموا إليها»، ثم قال للناسِ: «ارتحِلوا»، فارتحَلْنا، فأقبَلْنا إلى المدينةِ، فوالذي نَحلِفُ به أو يُحلَفُ به - الشكُّ مِن حمَّادٍ -، ما وضَعْنا رِحالَنا حِينَ دخَلْنا المدينةَ حتى أغارَ علينا بنو عبدِ اللهِ بنِ غطَفانَ، وما يَهِيجُهم قَبْلَ ذلك شيءٌ». أخرجه البخاري (2129)، ومسلم (1374)، واللفظُ لمسلم.

* الصلاةُ على إبراهيمَ عليه السلام مقرونةٌ بالصلاةِ على مُحمَّدٍ :

عن عبدِ الرَّحْمنِ بنِ أبي ليلى رحمه الله، قال: «لَقِيَني كعبُ بنُ عُجْرةَ، فقال: ألَا أُهدِي لك هديَّةً سَمِعْتُها مِن النبيِّ ؟ فقلتُ: بلى، فأهدِها لي، فقال: سأَلْنا رسولَ اللهِ ، فقُلْنا: يا رسولَ اللهِ، كيف الصلاةُ عليكم أهلَ البيتِ؛ فإنَّ اللهَ قد علَّمَنا كيف نُسلِّمُ عليكم؟ قال: «قُولوا: اللهمَّ صَلِّ على مُحمَّدٍ وعلى آلِ مُحمَّدٍ؛ كما صلَّيْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ؛ إنَّك حميدٌ مَجِيدٌ، اللهمَّ بارِكْ على مُحمَّدٍ وعلى آلِ مُحمَّدٍ؛ كما بارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ؛ إنَّك حميدٌ مَجِيدٌ». أخرجه البخاري (3370)، ومسلم (406)، واللفظُ للبخاري.

وفي روايةٍ لمسلم: عن أبي مسعودٍ الأنصاريِّ رضي الله عنه، قال: «أتانا رسولُ اللهِ ونحنُ في مجلسِ سعدِ بنِ عُبَادةَ، فقال له بَشِيرُ بنُ سعدٍ: أمَرَنا اللهُ تعالى أن نُصلِّيَ عليك يا رسولَ اللهِ؛ فكيف نُصلِّي عليك؟ قال: فسكَتَ رسولُ اللهِ ، حتى تمنَّيْنا أنَّه لم يَسألْهُ، ثم قال رسولُ اللهِ : «قُولوا: اللهمَّ صَلِّ على مُحمَّدٍ وعلى آلِ مُحمَّدٍ؛ كما صلَّيْتَ على آلِ إبراهيمَ، وبارِكْ على مُحمَّدٍ وعلى آلِ مُحمَّدٍ؛ كما بارَكْتَ على آلِ إبراهيمَ في العالَمِينَ؛ إنَّك حميدٌ مَجِيدٌ، والسلامُ كما قد عَلِمْتُم». أخرجه مسلم (405).

* كفالةُ إبراهيمَ عليه السلام لذراريِّ المسلمين يومَ القيامة:

عن سَمُرةَ بنِ جُندُبٍ رضي الله عنه، قال: «كان رسولُ اللهِ ممَّا يُكثِرُ أن يقولَ لأصحابِهِ: «هل رأى أحدٌ منكم مِن رُؤْيَا؟»، قال: فيقُصُّ عليه مَن شاءَ اللهُ أن يقُصَّ.

وإنَّه قال ذاتَ غداةٍ: «إنَّه أتاني الليلةَ آتيانِ، وإنَّهما ابتعثاني، وإنَّهما قالا لي: انطلِقْ، وإنِّي انطلَقْتُ معهما، وإنَّا أتَيْنا على رَجُلٍ مضطجِعٍ، وإذا آخَرُ قائمٌ عليه بصخرةٍ، وإذا هو يَهوِي بالصخرةِ لرأسِهِ فيَثلَغُ رأسَهُ، فيَتدَهْدَهُ الحَجَرُ هاهنا، فيَتبَعُ الحَجَرَ فيأخذُهُ، فلا يَرجِعُ إليه حتى يَصِحَّ رأسُهُ كما كان، ثم يعُودُ عليه، فيَفعَلُ به مِثْلَ ما فعَلَ المرَّةَ الأُولى، قال: قلتُ لهما: سُبْحانَ اللهِ! ما هذانِ؟ قال: قالا لي: انطلِقِ انطلِقْ.

قال: فانطلَقْنا، فأتَيْنا على رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ، وإذا آخَرُ قائمٌ عليه بكَلُّوبٍ مِن حديدٍ، وإذا هو يأتي أحدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ فيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إلى قَفَاهُ، ومَنخِرَهُ إلى قَفَاهُ، وعَيْنَهُ إلى قَفَاهُ - قال: وربَّما قال أبو رجاءٍ: فيشُقُّ -، قال: ثم يَتحوَّلُ إلى الجانبِ الآخَرِ، فيَفعَلُ به مِثْلَ ما فعَلَ بالجانبِ الأوَّلِ، فما يفرُغُ مِن ذلك الجانبِ حتى يَصِحَّ ذلك الجانبُ كما كان، ثم يعُودُ عليه فيَفعَلُ مِثْلَ ما فعَلَ المرَّةَ الأُولى، قال: قلتُ: سُبْحانَ اللهِ! ما هذانِ؟ قال: قالا لي: انطلِقِ انطلِقْ.

فانطلَقْنا، فأتَيْنا على مِثْلِ التَّنُّورِ، قال: فأحسَبُ أنَّه كان يقولُ: فإذا فيه لَغَطٌ وأصواتٌ، قال: فاطَّلَعْنا فيه، فإذا فيه رجالٌ ونساءٌ عراةٌ، وإذا هُمْ يأتيهم لَهَبٌ مِن أسفَلَ منهم، فإذا أتاهم ذلك اللَّهَبُ ضَوْضَوْا، قال: قلتُ لهما: ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلِقِ انطلِقْ.

قال: فانطلَقْنا، فأتَيْنا على نَهَرٍ، حَسِبْتُ أنَّه كان يقولُ: أحمَرَ مِثْلِ الدَّمِ، وإذا في النَّهَرِ رَجُلٌ سابحٌ يَسبَحُ، وإذا على شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قد جمَعَ عنده حجارةً كثيرةً، وإذا ذلك السابحُ يَسبَحُ ما يَسبَحُ، ثم يأتي ذلك الذي قد جمَعَ عنده الحجارةَ فيَفغَرُ له فاهُ، فيُلقِمُهُ حَجَرًا، فينطلِقُ يَسبَحُ، ثم يَرجِعُ إليه، كلَّما رجَعَ إليه فغَرَ له فاهُ فألقَمَهُ حَجَرًا، قال: قلتُ لهما: ما هذانِ؟ قال: قالا لي: انطلِقِ انطلِقْ.

قال: فانطلَقْنا، فأتَيْنا على رَجُلٍ كَرِيهِ المَرْآةِ، كأكرَهِ ما أنت راءٍ رَجُلًا مَرْآةً، وإذا عنده نارٌ يحُشُّها ويَسعَى حَوْلَها، قال: قلتُ لهما: ما هذا؟ قال: قالا لي: انطلِقِ انطلِقْ.

فانطلَقْنا، فأتَيْنا على رَوْضةٍ مُعْتِمةٍ، فيها مِن كلِّ لَوْنِ الرَّبيعِ، وإذا بَيْنَ ظَهْرَيِ الرَّوْضةِ رَجُلٌ طويلٌ، لا أكادُ أرى رأسَهُ طُولًا في السماءِ، وإذا حَوْلَ الرَّجُلِ مِن أكثَرِ وِلْدانٍ رأَيْتُهم قطُّ، قال: قلتُ لهما: ما هذا؟ ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلِقِ انطلِقْ.

قال: فانطلَقْنا، فانتهَيْنا إلى رَوْضةٍ عظيمةٍ، لم أرَ رَوْضةً قطُّ أعظَمَ منها ولا أحسَنَ، قال: قالا لي: ارْقَ فيها، قال: فارتقَيْنا فيها، فانتهَيْنا إلى مدينةٍ مَبْنيَّةٍ بلَبِنِ ذَهَبٍ ولَبِنِ فِضَّةٍ، فأتَيْنا بابَ المدينةِ، فاستفتَحْنا، ففُتِحَ لنا، فدخَلْناها، فتلقَّانا فيها رجالٌ: شَطْرٌ مِن خَلْقِهم كأحسَنِ ما أنت راءٍ، وشَطْرٌ كأقبَحِ ما أنت راءٍ، قال: قالا لهم: اذهَبُوا فقَعُوا في ذلك النَّهَرِ، قال: وإذا نَهَرٌ معترِضٌ يَجري، كأنَّ ماءَهُ المَحْضُ في البياضِ، فذهَبوا فوقَعوا فيه، ثم رجَعوا إلينا قد ذهَبَ ذلك السُّوءُ عنهم، فصاروا في أحسَنِ صورةٍ، قال: قالا لي: هذه جَنَّةُ عَدْنٍ، وهذاك مَنزِلُك، قال: فسَمَا بصَري صُعُدًا، فإذا قَصْرٌ مِثْلُ الرَّبابةِ البيضاءِ، قال: قالا لي: هذاك مَنزِلُك، قال: قلتُ لهما: بارَكَ اللهُ فيكما، ذَرَاني فأدخُلَهُ، قالا: أمَّا الآنَ فلا، وأنت داخِلُهُ.

قال: قلتُ لهما: فإنِّي قد رأَيْتُ منذُ الليلةِ عَجَبًا، فما هذا الذي رأيتُ؟!

قال: قالا لي: أمَا إنَّا سنُخبِرُك:

أمَّا الرَّجُلُ الأوَّلُ الذي أتَيْتَ عليه يُثلَغُ رأسُهُ بالحَجَرِ: فإنَّه الرَّجُلُ يأخذُ القُرْآنَ فيرفُضُهُ، ويَنامُ عن الصلاةِ المكتوبةِ.

وأمَّا الرَّجُلُ الذي أتَيْتَ عليه يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إلى قَفَاهُ، ومَنخِرُهُ إلى قَفَاهُ، وعَيْنُهُ إلى قَفَاهُ: فإنَّه الرَّجُلُ يغدو مِن بيتِهِ، فيَكذِبُ الكَذْبةَ تبلُغُ الآفاقَ.

وأمَّا الرِّجالُ والنِّساءُ العُرَاةُ الذين في مِثْلِ بناءِ التَّنُّورِ: فإنَّهم الزُّناةُ والزَّواني.

وأمَّا الرَّجُلُ الذي أتَيْتَ عليه يَسبَحُ في النَّهَرِ ويُلقَمُ الحَجَرَ: فإنَّه آكِلُ الرِّبا.

وأمَّا الرَّجُلُ الكَرِيهُ المَرْآةِ الذي عند النارِ يحُشُّها ويَسعَى حَوْلَها: فإنَّه مالِكٌ خازنُ جهنَّمَ.

وأمَّا الرَّجُلُ الطويلُ الذي في الرَّوْضةِ: فإنَّه إبراهيمُ ، وأمَّا الوِلْدانُ الذين حَوْلَهُ: فكلُّ مولودٍ ماتَ على الفِطْرةِ».

قال: فقال بعضُ المسلِمين: يا رسولَ اللهِ، وأولادُ المشرِكين؟

فقال رسولُ اللهِ : «وأولادُ المشرِكين.

وأمَّا القومُ الذين كانوا شَطْرٌ منهم حَسَنًا، وشَطْرٌ قبيحًا: فإنَّهم قومٌ خلَطوا عملًا صالحًا وآخَرَ سيِّئًا، تجاوَزَ اللهُ عنهم». أخرجه البخاري (7047)، ومسلم (2275)، واللفظُ للبخاري.

* إبراهيمُ عليه السلام أوَّلُ مَن يُكسَى يومَ القيامة:

عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما، قال: «خطَبَ رسولُ اللهِ ، فقال: «يا أيُّها الناسُ، إنَّكم محشورون إلى اللهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا»، ثم قال: «﴿كَمَا ‌بَدَأْنَآ ‌أَوَّلَ ‌خَلْقٖ نُّعِيدُهُۥۚ وَعْدًا عَلَيْنَآۚ إِنَّا كُنَّا فَٰعِلِينَ﴾ [الأنبياء: 104]» إلى آخِرِ الآيةِ، ثم قال: «ألَا وإنَّ أوَّلَ الخلائقِ يُكسَى يومَ القيامةِ إبراهيمُ، ألَا وإنَّه يجاءُ برجالٍ مِن أُمَّتي، فيؤخَذُ بهم ذاتَ الشِّمالِ، فأقولُ: يا رَبِّ، أُصَيْحابي، فيقالُ: إنَّك لا تَدري ما أحدَثوا بعدك، فأقولُ كما قال العبدُ الصالحُ: ﴿وَكُنتُ ‌عَلَيْهِمْ ‌شَهِيدٗا مَّا دُمْتُ فِيهِمْۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ اْلرَّقِيبَ عَلَيْهِمْۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٖ شَهِيدٌ﴾ [المائدة: 117]، فيقالُ: إنَّ هؤلاء لم يَزالوا مرتدِّينَ على أعقابِهم منذُ فارَقْتَهم»». أخرجه البخاري (4625)، ومسلم (2860)، واللفظُ للبخاري.

* مَقامُهُ في السماءِ السابعةِ:

عن أنسِ بنِ مالكٍ، عن مالكِ بنِ صَعْصعةَ رضي الله عنهما، أنَّ نبيَّ اللهِ حدَّثَهم عن ليلةِ أُسرِيَ به: «... ثم صَعِدَ بي إلى السماءِ السابعةِ، فاستفتَحَ جِبْريلُ، قيل: مَن هذا؟ قال: جِبْريلُ، قيل: ومَن معك؟ قال: مُحمَّدٌ، قيل: وقد بُعِثَ إليه؟ قال: نَعم، قال: مرحبًا به، فنِعْمَ المَجيءُ جاءَ، فلمَّا خلَصْتُ، فإذا إبراهيمُ، قال: هذا أبوك؛ فسَلِّمْ عليه، قال: فسلَّمْتُ عليه، فرَدَّ السلامَ، قال: مرحبًا بالابنِ الصالحِ والنبيِّ الصالحِ، ثم رُفِعَتْ إليَّ سِدْرةُ المنتهى، فإذا نَبِقُها مِثْلُ قِلالِ هَجَرَ، وإذا وَرَقُها مِثْلُ آذانِ الفِيَلةِ، قال: هذه سِدْرةُ المنتهى…» الحديثَ. أخرجه البخاري (3887)، ومسلم (162)، واللفظُ للبخاري.

وفي روايةِ مسلمٍ: «... ففُتِحَ لنا، فإذا أنا بإبراهيمَ مُسنِدًا ظَهْرَهُ إلى البيتِ المعمورِ، وإذا هو يدخُلُهُ كلَّ يومٍ سبعون ألفَ مَلَكٍ لا يعُودون إليه…» الحديثَ. أخرجه مسلم (162).

* وصفُ حالِ إبراهيمَ عليه السلام عند اشتدادِ الموقف يومَ القيامة:

عن أُبَيِّ بنِ كعبٍ رضي الله عنه، قال: «كنتُ في المسجدِ، فدخَلَ رَجُلٌ يُصلِّي، فقرَأَ قراءةً أنكَرْتُها عليه، ثم دخَلَ آخَرُ فقرَأَ قراءةً سِوى قراءةِ صاحِبِهِ، فلمَّا قضَيْنا الصلاةَ، دخَلْنا جميعًا على رسولِ اللهِ ، فقلتُ: إنَّ هذا قرَأَ قراءةً أنكَرْتُها عليه، ودخَلَ آخَرُ فقرَأَ سِوى قراءةِ صاحِبِهِ، فأمَرَهما رسولُ اللهِ ، فقرَأَا، فحسَّنَ النبيُّ شأنَهما، فسُقِطَ في نَفْسي مِن التكذيبِ ولا إذ كنتُ في الجاهليَّةِ، فلمَّا رأى رسولُ اللهِ ما قد غَشِيَني، ضرَبَ في صدري، ففِضْتُ عَرَقًا وكأنَّما أنظُرُ إلى اللهِ عز وجل فَرَقًا، فقال لي: «يا أُبَيُّ، أُرسِلَ إليَّ أنِ: اقرَإِ القُرْآنَ على حرفٍ، فردَدتُّ إليه أنْ: هَوِّنْ على أُمَّتي، فرَدَّ إليَّ الثانيةَ: اقرَأْهُ على حرفَينِ، فردَدتُّ إليه أنْ: هَوِّنْ على أُمَّتي، فرَدَّ إليَّ الثالثةَ: اقرَأْهُ على سبعةِ أحرُفٍ؛ فلك بكلِّ رَدَّةٍ ردَدتُّكَها مسألةٌ تَسألُنيها، فقلتُ: اللهمَّ اغفِرْ لأُمَّتي، اللهمَّ اغفِرْ لأُمَّتي، وأخَّرْتُ الثالثةَ ليومٍ يَرغَبُ إليَّ الخَلْقُ كلُّهم، حتى إبراهيمُ ». أخرجه مسلم (820).

وعن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ أُتِيَ بلَحْمٍ، فرُفِعَ إليه الذِّراعُ، وكانت تُعجِبُهُ، فنهَشَ منها نَهْشةً، ثم قال: «أنا سيِّدُ الناسِ يومَ القيامةِ، وهل تَدرون مِمَّ ذلك؟ يَجمَعُ اللهُ الناسَ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ في صعيدٍ واحدٍ، يُسمِعُهم الداعي، وينفُذُهم البَصَرُ، وتدنو الشمسُ، فيبلُغُ الناسَ مِن الغَمِّ والكَرْبِ ما لا يُطِيقون ولا يَحتمِلون، فيقولُ الناسُ: ألَا تَرَون ما قد بلَغَكم؟ ألَا تنظُرون مَن يَشفَعُ لكم إلى رَبِّكم؟ فيقولُ بعضُ الناسِ لبعضٍ: عليكم بآدَمَ، فيأتون آدَمَ عليه السلام، فيقولون له: أنت أبو البَشَرِ، خلَقَك اللهُ بيدِهِ، ونفَخَ فيك مِن رُوحِهِ، وأمَرَ الملائكةَ فسجَدوا لك؛ اشفَعْ لنا إلى رَبِّك، ألَا تَرى إلى ما نحنُ فيه؟ ألَا تَرى إلى ما قد بلَغَنا؟ فيقولُ آدَمُ: إنَّ رَبِّي قد غَضِبَ اليومَ غضبًا لم يَغضَبْ قبله مِثْلَهُ، ولن يَغضَبَ بعده مِثْلَهُ، وإنَّه قد نهاني عن الشجرةِ فعصَيْتُهُ، نَفْسي نَفْسي نَفْسي، اذهَبوا إلى غيري، اذهَبوا إلى نوحٍ.

فيأتون نوحًا، فيقولون: يا نوحُ، إنَّك أنت أوَّلُ الرُّسُلِ إلى أهلِ الأرضِ، وقد سمَّاك اللهُ عبدًا شكورًا؛ اشفَعْ لنا إلى رَبِّك، ألَا تَرى إلى ما نحنُ فيه؟ فيقولُ: إنَّ رَبِّي عز وجل قد غَضِبَ اليومَ غضبًا لم يَغضَبْ قبله مِثْلَهُ، ولن يَغضَبَ بعده مِثْلَهُ، وإنَّه قد كانت لي دعوةٌ دعَوْتُها على قَوْمي، نَفْسي نَفْسي نَفْسي، اذهَبوا إلى غيري، اذهَبوا إلى إبراهيمَ، فيأتون إبراهيمَ فيقولون: يا إبراهيمُ، أنت نبيُّ اللهِ، وخليلُهُ مِن أهلِ الأرضِ؛ اشفَعْ لنا إلى رَبِّك، ألَا تَرى إلى ما نحنُ فيه؟ فيقولُ لهم: إنَّ رَبِّي قد غَضِبَ اليومَ غضبًا لم يَغضَبْ قبله مِثْلَهُ، ولن يَغضَبَ بعده مِثْلَهُ، وإنِّي قد كنتُ كذَبْتُ ثلاثَ كَذَباتٍ - فذكَرَهنَّ أبو حيَّانَ في الحديثِ - نَفْسي نَفْسي نَفْسي، اذهَبوا إلى غيري، اذهَبوا إلى موسى …» الحديثَ. أخرجه البخاري (4712)، ومسلم (194)، واللفظُ للبخاري.

* حالُ والدِ إبراهيمَ عليه السلام يومَ القيامة:

عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، عن النبيِّ ، قال: «يَلقَى إبراهيمُ أباه آزَرَ يومَ القيامةِ، وعلى وجهِ آزَرَ قَتَرةٌ وغَبَرةٌ، فيقولُ له إبراهيمُ: ألَمْ أقُلْ لك: لا تَعصِني؟! فيقولُ أبوه: فاليومَ لا أعصيك، فيقولُ إبراهيمُ: يا رَبِّ، إنَّك وعَدتَّني ألا تُخزِيَني يومَ يُبعَثون، فأيُّ خِزْيٍ أخزى مِن أبي الأبعَدِ؟! فيقولُ اللهُ تعالى: إنِّي حرَّمْتُ الجَنَّةَ على الكافرين، ثم يقالُ: يا إبراهيمُ، ما تحت رِجْلَيْكَ؟ فينظُرُ، فإذا هو بذِيخٍ ملتطِّخٍ، فيؤخَذُ بقوائمِهِ، فيُلقَى في النارِ». أخرجه البخاري (3350).

ينظر: "صحيح القصص النبوي" لعمر الأشقر (ص 53-62)، "الأحاديث الصحيحة من أخبار وقصص الأنبياء" لإبراهيم العلي (ص 55-90).

صفته الخَلْقِية

أخبَرنا رسولُ الله عن هيئةِ نبيِّ الله إبراهيم عليه السلام في عدَّةِ أحاديث؛ منها:

* عن جابرٍ رضي الله عنه، أنَّ رسولَ اللهِ قال: «عُرِضَ عليَّ الأنبياءُ؛ فإذا موسى ضَرْبٌ مِن الرِّجالِ، كأنَّه مِن رجالِ شَنُوءةَ، ورأَيْتُ عيسى ابنَ مَرْيمَ عليه السلام؛ فإذا أقرَبُ مَن رأَيْتُ به شَبَهًا عُرْوةُ بنُ مسعودٍ، ورأَيْتُ إبراهيمَ صلواتُ اللهِ عليه؛ فإذا أقرَبُ مَن رأَيْتُ به شَبَهًا صاحِبُكم - يعني نَفْسَه -، ورأَيْتُ جِبْريلَ عليه السلام؛ فإذا أقرَبُ مَن رأَيْتُ به شَبَهًا دِحْيَةُ»، وفي روايةِ ابنِ رُمْحٍ: «دِحْيَةُ بنُ خليفةَ». أخرجه مسلم (167).

* وعن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما، أنَّ رسولَ اللهِ قال: «أمَّا إبراهيمُ فانظُروا إلى صاحِبِكم، وأمَّا موسى فجَعْدٌ آدَمُ، على جَمَلٍ أحمَرَ مخطومٍ بخُلْبةٍ، كأنِّي أنظُرُ إليه انحدَرَ في الوادي». أخرجه البخاري (3355)، ومسلم (166).

* وفي روايةِ أحمدَ رحمه الله، قال: «... ونظَرْتُ إلى إبراهيمَ، فلا أنظُرُ إلى إِرْبٍ مِن آرابِهِ إلا نظَرْتُ إليه منِّي، كأنَّه صاحِبُكم…» الحديثَ. أخرجه أحمد (3546).

صفته الخُلُقيَّة

اتصَف نبيُّ الله إبراهيمُ عليه السلام بصفاتٍ عديدة، وخلالٍ حميدة؛ منها:

* أنَّه خيرُ البَرِيَّة:

عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه، قال: جاءَ رَجُلٌ إلى رسولِ اللهِ ، فقال: يا خيرَ البَرِيَّةِ، فقال رسولُ اللهِ : «ذاكَ إبراهيمُ عليه السلام». أخرجه مسلم (2369).

* أنَّه خليلُ اللهِ:

قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينٗا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٞ وَاْتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۗ وَاْتَّخَذَ اْللَّهُ إِبْرَٰهِيمَ ‌خَلِيلٗا﴾ [النساء: 125].

وعن جُندُبٍ رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ النبيَّ قبل أن يموتَ بخَمْسٍ وهو يقولُ: «إنِّي أبرَأُ إلى اللهِ أن يكونَ لي منكم خليلٌ؛ فإنَّ اللهَ تعالى قد اتَّخَذَني خليلًا؛ كما اتَّخَذَ إبراهيمَ خليلًا، ولو كنتُ متَّخِذًا مِن أُمَّتي خليلًا، لاتَّخَذْتُ أبا بكرٍ خليلًا، ألَا وإنَّ مَن كان قبلكم كانوا يتَّخِذون قبورَ أنبيائِهم وصالِحِيهم مساجدَ، ألَا فلا تتَّخِذوا القبورَ مساجدَ؛ إنِّي أنهاكم عن ذلك». أخرجه البخاري (3659)، ومسلم (532)، واللفظُ لمسلم.

* أنَّه حليمٌ أوَّاهٌ منيبٌ:

قال تعالى: ﴿إِنَّ ‌إِبْرَٰهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّٰهٞ مُّنِيبٞ﴾ [هود: 75].

* أنَّه وَفِيٌّ:

قال تعالى: ﴿وَإِبْرَٰهِيمَ ‌اْلَّذِي ‌وَفَّىٰٓ﴾ [النجم: 37].

* أنَّه أُمَّةٌ وَحْده، قانتٌ للهِ، حنيفٌ، شاكرٌ للهِ:

قال تعالى: ﴿إِنَّ ‌إِبْرَٰهِيمَ ‌كَانَ أُمَّةٗ قَانِتٗا لِّلَّهِ حَنِيفٗا وَلَمْ يَكُ مِنَ اْلْمُشْرِكِينَ * شَاكِرٗا لِّأَنْعُمِهِۚ اْجْتَبَىٰهُ وَهَدَىٰهُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسْتَقِيمٖ * وَءَاتَيْنَٰهُ فِي اْلدُّنْيَا حَسَنَةٗۖ وَإِنَّهُۥ فِي اْلْأٓخِرَةِ لَمِنَ اْلصَّٰلِحِينَ﴾ [النحل: 120-122].

وقال تعالى: ﴿وَقَالُواْ ‌كُونُواْ ‌هُودًا أَوْ نَصَٰرَىٰ تَهْتَدُواْۗ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَٰهِـۧمَ حَنِيفٗاۖ وَمَا كَانَ مِنَ اْلْمُشْرِكِينَ﴾ [البقرة: 135].

* أنَّه إمامٌ:

قال تعالى: ﴿وَإِذِ ‌اْبْتَلَىٰٓ ‌إِبْرَٰهِـۧمَ ‌رَبُّهُۥ بِكَلِمَٰتٖ فَأَتَمَّهُنَّۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامٗاۖ﴾ [البقرة: 124].

* أنَّه قويٌّ بصيرٌ:

قال تعالى: ﴿وَاْذْكُرْ ‌عِبَٰدَنَآ ‌إِبْرَٰهِيمَ وَإِسْحَٰقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي اْلْأَيْدِي وَاْلْأَبْصَٰرِ﴾ [ص: 45].

* أنَّه قويُّ الحُجَّةِ، صابرٌ على الحقِّ، سليمُ القلب، كريمٌ، مِضْيافٌ، شجاعٌ.

ينظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (1 /429-444).

قصصه

تحطيمُ إبراهيمَ عليه السلام الأصنامَ، ومحاكمةُ قومِه له:

دعا إبراهيمُ عليه السلام والِدَهُ وقومَه إلى الإيمان بالله، وتركِ عبادةِ الأصنام، لكنهم رفَضوا دعوتَه، وأصَرُّوا على عبادتِهم للأصنام؛ فكانت الأصنامُ هي الحاجزَ والمانعَ لهم من الإيمانِ بالله تعالى، والانقيادِ له، فأراد إبراهيمُ عليه السلام أن يزيلَ هذا الحاجزَ؛ لعلهم يتفكَّرون، ويَرجِعون؛ وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ ءَاتَيْنَآ إِبْرَٰهِيمَ رُشْدَهُۥ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِۦ عَٰلِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِۦ مَا هَٰذِهِ اْلتَّمَاثِيلُ اْلَّتِيٓ أَنتُمْ لَهَا عَٰكِفُونَ * قَالُواْ وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا لَهَا عَٰبِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُمْ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ * قَالُوٓاْ أَجِئْتَنَا بِاْلْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اْللَّٰعِبِينَ * قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ اْلسَّمَٰوَٰتِ وَاْلْأَرْضِ اْلَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا۠ عَلَىٰ ذَٰلِكُم مِّنَ اْلشَّٰهِدِينَ * وَتَاْللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَٰمَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ * فَجَعَلَهُمْ جُذَٰذًا إِلَّا كَبِيرٗا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ﴾ [الأنبياء: 51-58]، وقال تعالى: ﴿وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِۦ لَإِبْرَٰهِيمَ * إِذْ جَآءَ رَبَّهُۥ بِقَلْبٖ سَلِيمٍ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِۦ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَئِفْكًا ءَالِهَةٗ دُونَ اْللَّهِ تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ * فَنَظَرَ نَظْرَةٗ فِي اْلنُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٞ * فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ * فَرَاغَ إِلَىٰٓ ءَالِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ * فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبَۢا بِاْلْيَمِينِ * فَأَقْبَلُوٓاْ إِلَيْهِ يَزِفُّونَ * قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاْللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ * قَالُواْ اْبْنُواْ لَهُۥ بُنْيَٰنٗا فَأَلْقُوهُ فِي اْلْجَحِيمِ * فَأَرَادُواْ بِهِۦ كَيْدٗا فَجَعَلْنَٰهُمُ اْلْأَسْفَلِينَ﴾ [الصافات: 83-98].

لقد بدأ إبراهيمُ دعوةَ قومِه بمخاطبةِ قلوبهم وعقولهم وفِطَرِهم، لكنهم أغلقوا أعيُنَهم وقلوبهم وعقولهم، وأصَرُّوا على عبادة الأصنام التي أبطَل عبادتها، وفنَّد مزاعمِهم بخصوصها، فهدَّدهم تهديدًا صريحًا بتحطيم أصنامهم، وكان إبراهيمُ صريحًا في موقفِه من قومِه، وأحسَن إدارةَ هذه المواجهة، وخطَّط لها جيدًا، وانتظَر موعد العيد الذي يخرُجُ قومُه ويحتفلون به، وأخبَر قومَه أنه سقيمٌ؛ ردًّا على دعوتِهم له للخروج معهم للاحتفال بعيدهم؛ ﴿فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٞ * فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ﴾ [الصافات: 89-90].

وعندما حان وقتُ تنفيذِ الخُطة، ذهَب إبراهيمُ عليه السلام إلى أصنامهم، ووجَد عندهم الطعامَ والشراب، فقال ساخرًا منهم: ﴿فَرَاغَ إِلَىٰٓ ءَالِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ﴾ [الصافات: 91-92]، وأقبَل على الأصنام يُحطِّمها، ومالَ إليها يضربُها بأداةٍ قوية متينة؛ ﴿فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبَۢا بِاْلْيَمِينِ ﴾ [الصافات: 93].

وانتهت عمليةُ تحطيم الأصنام، وحطَّمها كلَّها إلا واحدًا، وأبقى الصنمَ الكبير لعلَّهم يرجعون إليه، ويسألونه عمن فعل هذا؛ ﴿فَجَعَلَهُمْ جُذَٰذًا إِلَّا كَبِيرٗا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ﴾ [الأنبياء: 58]؛ فلا بد أن يسألوه؛ لذلك ترَكه ولم يُحطِّمْهُ.@@@

ولمَّا عادُوا، وجَدوا الأصنامَ محطَّمة؛ فتذكَّروا تهديدَ إبراهيمَ عليه السلام، وقالوا: ﴿مَن فَعَلَ هَٰذَا بِـَٔالِهَتِنَآ إِنَّهُۥ لَمِنَ اْلظَّٰلِمِينَ * قَالُواْ سَمِعْنَا فَتٗى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُۥٓ إِبْرَٰهِيمُ﴾ [الأنبياء: 59-60]، ومع أن الحادِث كفيل بِإيقاظ قلوبهم، لكنهم أصرّوا على الضلال، وأصدر الملأ قرار إحضاره لمحاكمته، وبدؤوا بمحاكمته على أعينِ الناس، وناقشهم إبراهيم عليه السلام نقاشًا مقنعًا، ولم يستمعوا له وأصرّوا على محاكمته، لكن استمرَ إبراهيم عليه السلام بالنقاش المنطقي الذي لامس قلوبَهُم، واعترفوا في داخلهم أنّ إبراهيم على حق، ﴿قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ * فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَٰؤُلَاءِ يَنطِقُونَ﴾ الأنبياء: 63- 65، ولكن بدلًا من أن يتّبعوا الهدى، فقد لجؤوا إلى أسلوب العنف والإيذاء في الرد على منطق إبراهيم عليه السلام، ووضعوا خيارين إما قتله أو حرقه، واختاروا حرقَه، ولما أشعلوا النار، أخذوا إبراهيم عليه السلام وألقوه فيها، ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ﴾ العنكبوت: 24 ﴿قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ﴾ الأنبياء: 68 ﴿قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ﴾ الصافات: 97، ولم يكن أحدٌ مع إبراهيم ينصُرَه، لكن الله كان معه، وكان مستعيتا بالله متوكلا عليه. روى ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: «حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد حين قالوا: ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا، وَقَالُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ﴾ آل عمران: 173». أخرجه البخاري (4563). وفي لفظ آخر قال: «كان آخر قول إبراهيم حين ألقي في النار: حسبي الله ونعم الوكيل». أخرجه البخاري (4564). وألقى الله في قلوب الحيوانات والدواب الشفقة على إبراهيم. روت أم شريك رضي الله عنها: «أن رسول الله أمر بقتل الوزغ، وقال: كان ينفخ على إبراهيم عليه السلام». أخرجه البخاري (3359)، ومسلم (2237). من حديث عائشة رضي الله عنها: «أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين ألقي في النار لم تكن في الأرض دابة إلا تطفئ النار عنه، غير الوزغ، كان ينفخ عليه، فأمرنا رسول الله بقتله». أخرجه أحمد (24534)، الأمر بقتل الوزغ صحيح، وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير سائبة مولاة الفاكه، فقد انفرد بالرواية عنها نافع: وهو مولى ابن عمر، ولم يؤثر توثيقها عن غير ابن حبان. وكان الله مع إبراهيم عليه السلام، فأحدَثَ مُعجزةً باهرة، فجعلَ الله النار شكلية لا تحرق، فكانت بردًا وسلامًا على إبراهيم. ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ﴾ الأنبياء: 69- 70، ﴿فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ﴾ الصافات: 98. وأمام كفر قومه وعنادهم على عبادتهم للأصنام أعلن إبراهيم عليه السلام البراءة منهم واعتزالهم، بعد ان أقام عليهم الحجة وكان حريصا عليهم رفيقا بهم. ﴿قَـالَ أَرَاغِـــبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ واهْجُرْنِي مَلِياً * قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إنَّهُ كَانَ بِي حَفِياً * وأَعْتَزِلُكُمْ ومَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِياً﴾ مريم: 46- 48، ﴿وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ سورة الصافات: 99، ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ سورة الزخرف: 26- 28.

ينظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (1 /341-367).

دعوة إبراهيم عليه السلام للمَلك.

بعد دعوة إبراهيم عليه السلام لقومه ولأبيه، انتقلَ إلى دعوة الملك، فالإخباريون ورواة الإسرائيليات يقولون أنَّ المَلك اسمه نَمرود، لكن لا نُفصل في ذلك كثيرًا. توجه إبراهيم عليه السلام إلى المَلك، ليدعوه لعبادة الله، بعد أن كان الملك كافرًا ومُدعيًا للربوبية، فحاجَّه وجادَله، ودعاه إلى التوحيد وعبادة الله عزّ وجلّ، لكن المَلِكَ كان مغرورًا ورفض دعوة إبراهيم عليه السلام، وما كانَ من إبراهيم عليه السلام إلا أن يتحدى الملك ويُعجزه، فقال له ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ﴾. فساقَ إبراهيم عليه السلام هذا المثال أمامَ المَلك لِيُريهِ عَجزه، وطلبَ منه هذا الطلب لأنه يعلم أنه غيرُ قادرٍ على تحقيقِهِ، ولم يملك المَلك إلا الاعتراف بالعجز. وبِالتحدي الذي قاله إبراهيم عليه السلام للملك قد ظَهرَ الحق، وقد انقطعَ الملك وسكت، فظهر بُهتانه وباتَ ضعيفًا مهزومًا. قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ سورة البقرة : 258. انظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (1 /336- 340).

إبراهيم عليه السلام في الأرض المقدسة فلسطين.

وهاجر إبراهيم عليه السلام بعد إصرار قومه على كفرهم وغادر العراق إلى فلسطين، بأمر من الله، كما حثنا رسول الله على الهجرة إلى بلاد الشام المباركة، وليس هناك تفاصيل حياة إبراهيم في الأرض المقدسة ولا أين تنقل منها. وكان مع إبراهيم في إقامته في فلسطين زوجته سارة، وكانت مؤمنة صالحة، وكانت امرأة جميلة، وأثناء إقامتهما في فلسطين قاما بزيارة مصر، ولا نعرف أسباب الزيارة، فإن النصوص لم تبينها ولا نفترضها. وكان من قصتهما ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي : «هاجر إبراهيم عليه السلام بسارة، فدخل بها قرية فيها ملك من الملوك، أو جبار من الجبابرة، فقيل: دخل إبراهيم بامرأة هي من أحسن النساء، فأرسل إليه: أن يا إبراهيم من هذه التي معك؟ قال: أختي، ثم رجع إليها فقال: لا تكذبي حديثي، فإني أخبرتهم أنك أختي، والله إن على الأرض مؤمن غيري وغيرك، فأرسل بها إليه فقام إليها، فقامت توضأ وتصلي، فقالت: اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك، وأحصنت فرجي، إلا على زوجي فلا تسلط علي الكافر، فغط حتى ركض برجله، قال الأعرج: قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: إن أبا هريرة، قال: قالت: اللهم إن يمت يقال هي قتلته، فأرسل ثم قام إليها، فقامت توضأ تصلي، وتقول: اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي، فلا تسلط علي هذا الكافر، فغط حتى ركض برجله، قال عبد الرحمن، قال أبو سلمة: قال أبو هريرة: فقالت: اللهم إن يمت فيقال هي قتلته، فأرسل في الثانية، أو في الثالثة، فقال: والله ما أرسلتم إلي إلا شيطانا، ارجعوها إلى إبراهيم، وأعطوها آجر فرجعت إلى إبراهيم عليه السلام، فقالت: أشعرت أن الله كبت الكافر وأخدم وليدة». أخرجه البخاري (2217). وروى أبو هريرة رضي الله عنه، قال: «لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات، ثنتين منهن في ذات الله عز وجل، قوله ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾ سورة الصافات: 89، وقوله: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا﴾ سورة الأنبياء: 63، وقال: بينا هو ذات يوم وسارة، إذ أتى على جبار من الجبابرة، فقيل له: إن ها هنا رجلا معه امرأة من أحسن الناس، فأرسل إليه فسأله عنها، فقال: من هذه؟ قال: أختي، فأتى سارة قال: يا سارة: ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك، وإن هذا سألني فأخبرته أنك أختي، فلا تكذبيني، فأرسل إليها فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأخذ، فقال: ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت الله فأطلق، ثم تناولها الثانية فأخذ مثلها أو أشد، فقال: ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت فأطلق، فدعا بعض حجبته، فقال: إنكم لم تأتوني بإنسان، إنما أتيتموني بشيطان، فأخدمها هاجر، فأتته وهو قائم يصلي، فأومأ بيده: مهيا، قالت: رد الله كيد الكافر، أو الفاجر، في نحره، وأخدم هاجر. قال أبو هريرة: تلك أمكم يا بني ماء السماء». أخرجه البخاري (3357)، ومسلم (2371). انظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (1 /373- 381).

الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام.

تقرر آيات القرآن الصريحة الكثيرة أن إبراهيم عليه السلام كان حنيفاً مسلماً، ولم يكن يهودياً ولا نصرانياً ولا مشركاً. والحنيف هو المؤمن بالله الموحد له، الذي اختار طريق الإيمان والإسلام والخضوع لله، ومال إليها، وترك طريق الشرك والكفر، ولم يخترها. قال ابن فارس: «الخنف هو الميل، ويقال للذي يمشي على ظهور قدميه أحنف. فالرجل الأحنف: مائل الرجلين، والحنيف: المائل إلى الدين المستقيم، ويقال: هو يتحنف: أي: يتحرى أقوم طريق». "مقاييس اللغة" لابن فارس (2 /110- 111). وقال الراغب: «الحَنَف: هو ميل عن الضلال إلى الاستقامة. والحَنَف: ميل عن الاستقامة إلى الضلال. والحَنِيف هو المائل إلى الاستقامة». "المفردات" الراغب الأصفهاني (ص 260). وقد جاء الأمر صريحاً في القرآن لليهود والنصارى باتباع ملة إبراهيم الحنيف، والدخول في دينه. قال تعالى: ﴿قُلْ صَدَقَ اللَّهُ ۗ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ سورة آل عمران: 95. وأمر الله نبيه محمداً باتباع ملة إبراهيم الحنيف. قال تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ سورة النحل: 123. إبراهيم أبو المسلمين أبوة إيمانية، فـإبـراهـيـم أبوهم، وهو سماهم المسلمين من قبل، قبل أن يوجدهم الله عز وجل في عالم الواقع. قال تعالى: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ سورة الحج: 78. و روى ابن عمر رضي الله عنه : «أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشأم يسأل عن الدين، ويتبعه، فلقي عالما من اليهود فسأله عن دينهم، فقال: إني لعلي أن أدين دينكم، فأخبرني، فقال: لا تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله، قال زيد ما أفر إلا من غضب الله، ولا أحمل من غضب الله شيئا أبدا، وأنى أستطيعه فهل تدلني على غيره، قال: ما أعلمه إلا أن يكون حنيفا، قال زيد: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم لم يكن يهوديا، ولا نصرانيا، ولا يعبد إلا الله، فخرج زيد فلقي عالما من النصارى فذكر مثله، فقال: لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من لعنة الله، قال: ما أفر إلا من لعنة الله، ولا أحمل من لعنة الله، ولا من غضبه شيئا أبدا، وأنى أستطيع فهل تدلني على غيره، قال: ما أعلمه إلا أن يكون حنيفا، قال: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم لم يكن يهوديا ولا نصرانيا، ولا يعبد إلا الله، فلما رأى زيد قولهم في إبراهيم عليه السلام خرج، فلما برز رفع يديه فقال: اللهم إني أشهد أني على دين إبراهيم». أخرجه البخاري (3827). انظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (1 /458-465).

نبوته

اتَّخذَ الله تعالى إبراهيمَ عليه السلام خليلاً، وجعلَ النبوةَ والكتاب في ذريته، وأرسله الله تعالى إلى قومِهِ في بلاد العراق، الذين كانوا يعبدون الأصنامَ والكواكب من دون الله، لِيدعوهم إلى الله تعالى وتوحيده، وليس هنالك تفاصيل عن حياة إبراهيم عليه السلام قبل النبوة في الأحاديث الصحيحة. انظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (1 /314).

دعوته

منذ أن بعث الله إبراهيم عليه السلام نبيًا، قُسمت حياته على مَرَحلتين: المرحلة الأولى: دعوته إلى الله في موطنه الأصلي، في بلاد العراق. عندما دعا والده، ثم قومه، ثم دعوته الملك الظالم ولم يستجيبوا له، فقام بتحطيم الاصنام، فأراد قومه إحراقه، لكن الله نجّاهُ من النار. المرحلة الثانية : دعوته إلى الله في الأرض المباركة فلسطين، وهاجر لها قادمًا من العِراق، وصحبه في هجرته نبي الله لوط. مراحِل دعوة إبراهيم عليه السلام لقومِهِ: الخطوة الأولى : دعوته لأبيه، بدأ إبراهيم عليه السلام دعوَتَهُ بأقرب الناسِ إليه، وقد صورتها أبـلـغ تـصـويـر آيـــات سـورة مريم حيث يقول الله جل وعلا: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا * قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ۖ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ۖ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا * وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىٰ أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا﴾. سورة مريم 41 - 48. ونخن نرى أُسلوبين هنا، أسلوب سيدنا إبراهيم في الدعوة والخطاب والحوار، والتحبب والهدوء، وأسلوب أبيه الذي اعتمد على المنطق العنيد الكافر، ويُحذر إبراهيم أباه من عبادة الأصنام، ولكنَّ والده رفضَ دعوَتَه، ولم يستجب له وأصرَّ على كفره وضلاله، وفي النهاية تَبرَّأ إبراهيمُ منه. ثم انتقل إبراهيم عليه السلام في الدعوة إلى الخطوة الثانية : دعوته لقومه، دعا إبراهيم عليه السلام قومه للتخلي عن الكفر، وتركِ عبادة الأصنام، والإيمان بالله وحده، وكانَ أبوه من جملة المدعوين مع قومه، وبعد أن أَمَرَهُم بعبادة الله، رفضوا دعوَتَه وأصرّوا على كُفرهم. ثم تابع إبراهيم عليه السلام دعوَتَه، وبدأَ بالخطوة الثالثة وهي دعوَتُه للملك، وكان الملك كافرا ادعى الألوهية وكان الناس يعبدونه من دون الله، وكان مغرورا بملكه جبارا، ولكن مع كل ما اتبَعَهُ إبراهيم عليه السلام، في واجبِ الدعوة وإقامةِ الحجة ومحاورةِ الملكِ بالإقناع إلا أنّهُ رفضَ دعوَتَه، فتحداه إبراهيم عليه السلام أخيرا وأعجزه. وفي ذلك يقول الله عز وجل: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ سورة البقرة: 258. ومن هو هذا الملك وما مظاهر ملكه وما قصته وما اسم مملكته لا نعرف الجواب عليها، ولم يرد له بيان في القرآن ولا في حديث رسول الله . ولم يَكُن من إبراهيم عليه السلام إلا أن يُحطِّم الأصنامَ التي تَحولُ بين قومِهِ وبينَ الإيمانِ، لكنَهم أغلقوا بابَ الإيمان عن أنفُسِهم، وقرروا أن يحرقوا إبراهيم عليه السلام لما فعله في أصنامِهم، حتى نجّاه الله، ثمَ تبرأ من قومه، وتوجهَ إلى فلسطين. انظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (1 /314- 373).

وفاته

بعد أن بنى سيدنا إبراهيم البيت الحرام عاد إلى فلسطين، وبقي فيها حتى توفاهُ الله.

توجيه مواقف مشكلة

يطعن البعض في صحة الحديث الذي جاء فيه كذب إبراهيم عليه السلام ، وهو ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله قال: «لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات، ثنتين منهن في ذات الله عز وجل، قوله ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾ سورة الصافات: 89، وقوله: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا﴾ سورة الأنبياء: 63، وقال: بينا هو ذات يوم وسارة، إذ أتى على جبار من الجبابرة، فقيل له: إن ها هنا رجلا معه امرأة من أحسن الناس، فأرسل إليه فسأله عنها، فقال: من هذه؟ قال: أختي، فأتى سارة قال: يا سارة: ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك، وإن هذا سألني فأخبرته أنك أختي، فلا تكذبيني. ..» الحديث. أخرجه البخاري (3357)، ومسلم (2371). ويستدلون بذلك على قوله تعالى : ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا﴾ سورة مريم: 41، إذ أنَّ الصِديقَ لا يَكذب، هادفين إلى إنكار هذا الحديث الصحيح. وجواب هذا الإشكال أنه عليه السلام استعمل المعاريض ولم يكذب فيهم. ففي الأول: لمّا دعَوهُ لِيَخرُج معهم للاحتفال بعيدهم، وفي باله أن يكيدَ أصنَامَهم بعد خروجهم، فقال إني سَقيم، وقوله: ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾ فهي من باب المعاريض المحتملة، أي: إني سأسقم، أو إني سقيم بما قدّر علي من الموت، أو إني سقيم الحجة على الخروج معكم. وفي الثانية: قولُهُ بعد ما حَطّمَ أصنامهم، حين سألوه من فعل هذا بآلهتنا، قال أنّه كبيرهم وأشار إلى كبير أصنامهم، وقوله ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا﴾، للاستدلال على أن الأصنام ليست بآلهة، فمعناه: إن كانوا ينطقون فقد فعله كبيرهم هذا، وذلك ليبين لقومه سوء ما هم عليه، فإن كانوا صادقين سَيَفيقوا من غفلتهم. وفي الثالثة: هي قوله للملك الذي أرادَ أن يأخذ منه زوجته ، هي أختي، وذلك لأنه أرادَ تخليصها من المَلك، ولِيحفظَ أهلَ بيته، وأراد أنها أخته في الإسلام، فدل ذلك على أنها من باب المعاريض المحتملة، فليست من الكذب. إن حديث الكذبات الثلاث حديث صحيح في أعلى درجات الصحة، وهذا الحديث لم يجوز نسبة الكذب إلى إبراهيم - عليه السلام - وإنما سماها النبي كذبات لكونها أقوالا يعتقدها السامع كذبًا، لكنه إذا حقق لم يكن كذبا؛ لأنها من باب المعاريض المباحة، ومن ثم فإن ذلك لا يتعارض مع وصف الله تعالى له بأنه صديق، فإن الأنبياء معصومون من جميع الذنوب، ومنها الكذب، فلا يجوز عليهم الكذب؛ لأن الكذب يتنافى مع العصمة الثابتة لهم. انظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (1 /345- 346، 354- 356، 378- 381). قال ابن حجر: «قال ابن عقيل: دلالة العقل تصرف ظاهر إطلاق الكذب على إبراهيم، وذلك أن العقل قطع بأن الرسول ينبغي أن يكون موثوقاً به ليعلم صدق ما جاء به عن الله، ولا ثقة مع تجويز الكذب عليه، فكيف مع وجود الكذب منه، وإنما أطلق عليه ذلك لكونه بصورة الكذب عند السامع، وعلى تقديره فلم يصدر ذلك من إبراهيم عليه السلام، يعني إطلاق الكذب على ذلك إلا في حال شدة الخوف لعلو مقامه، وإلا فالكذب المحض في مثل تلك المقامات يجوز، وقد يجب لتحمل أخف الضررين دفعا لأعظمهما، وأما تسميته إياها كذبات فلا يريد أنها تذم، فإن الكذب وإن كان قبيحا مخلا لكنه قد يحسن في مواضع، وهذا منها، قوله: ثنتين منهن في ذات الله، خصهما بذلك لأن قصة سارة وإن كانت أيضا في ذات الله لكن تضمنت حظا لنفسه ونفعا له، بخلاف الثنتين الأخيرتين فإنهما في ذات الله محضا». "فتح الباري" لابن حجر (6 /392) وأما قولهم: بأنه نظر في الكوكب فقال: ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ﴾ سورة الأنعام: 76 معتقدا لذلك؛ فإن هذا القول باطل، وهو كفر صراح، وما كفر نبي قط ولا سجد لوثن قبل النبوة ولا بعدها، فحاشاهم أن يكفروا اعتقادا أو يتلفظوا بكلمة كفر صغارا كانوا أو كبارا، وانما قال: ﴿هَذَا رَبِّي﴾ على جهة التعنيت لهم، وإقامته الحجة عليهم في التغير بالأكوان الدالة على الحدوث، لعلهم يتفطنون ويتعلمون من وجوه الاستدلال، حيث كان قوم ابراهيم حرانيين ينظرون في النجوم ويردون لها القضاء في الأفعال ويعبدون بعضها فكان هو يقصد الاحتجاج عليهم في حدوثها بتغيرها وتبدل أحوالها، فخرج مع أهل الرصد ليلا لينبههم على حدوثها بتغيرها، مع تسليم مذهبهم الفاسد لهم جدلا، وقصده مقابلة الفاسد بالفاسد فإنه من وجوه النظر، ﴿هَذَا رَبِّي﴾ يعني على ظنكم وحسابكم ففرحوا بقوله وظنوا أنه رجع إلى مذهبهم فلما أفل رجع لهم عن قوله الأول بقوله ﴿لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ﴾ فعلموا إذ ذاك أنه رجع عن مذهبهم بحجة بالغة. انظر: "تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء" لابن خمير (ص 86- 92). وأما قولهم في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ سورة البقرة: 260: بأنه طلب رؤية كيفية البعث وجمع الأجسام بعد تبددها فقال: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ﴾؛ وهذا أشد في الاعتراض من كل ما ذكروه فإن الشك في البعث كفر صراح بالإجماع من كل أمة، وقد ذكرت الآية أن السبب الباعث له على سؤاله ذلك هو زيادة طمأنينة القلب، وليس لإزالة الشك والريب، ولم يكن السؤال عن إمكانية إحياء الموتى أو ماهية إحياء الموتى، ولكنه سؤال عن كيفية إحياء الموتى، فهو أراد أن يراه بعينيه، ويشاهده نموذجا عمليا وتجربة حقيقية ومثالا واقعا. انظر: "تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء" لابن خمير (ص 95- 102)، "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (1 /445- 448). ولذلك روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: «نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ سورة البقرة: 260، ويرحم الله لوطا، لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي». أخرجه البخاري (3372)، ومسلم (151). فالرسول يقدم شهادة لإبراهيم، ويثني عليه ويشيد بقوة إيمانه، ويخبر بأنه لم يشك ولم يطلب ذلك بسبب الشك، فكأنه يقول: إياكم أن تجوزوا الشك على إبراهيم عليه السلام فيما يوحى إليه ربه، فإن جوزتموه عليه فأنا أحق أن تجوزوه عليّ، وأنتم لا تجوزونه علي فلا تجوزوه عليه، وبما أنني لم أشك فإبراهيم لم يشك من باب أولى، لأنه شاهد بعينيه نماذج عملية لقدرة الله، ملأت قلبه إيمانًا ويقينًا. انظر: "تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء" لابن خمير (96- 97)، "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (1 /448- 449).

دروس وعِبَر

ويستفاد من قصة إبراهيم عليه السلام أننا مأمورون باتباع إبراهيم عليه السلام أمراً خاصاً، ونرى في قصة إبراهيم عليه السلام من أصول المناظرة، لما ناظره الرجل الذي يدعي الألوهية، وأن من نعمة الله تبارك وتعالى على عبده أن يلهمه شكر هذه النعم، وأن أفضل الوصايا ما وصى بها إبراهيم بنيه: ﴿يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾، ونرى في قصة إبراهيم عليه السلام كرم الضيافة، ومشروعية السلام، وبيان إكرام الله لأوليائه لما وهب لإبراهيم وسارة ولداً على الكبر، وأن التأمل في الكون يهدي الإنسان إلى ربه جل وعلا إلى وجود خالق، وأن الثقة بنصر الله وإن طال الأمد، وحسن قول «حسبي الله ونعم الوكيل»، وأن المسلم إذا أراد أن يناظر لابد أن يكون عنده حجة، ليس لكل أحد أن يناظر بدون حجة وبدون برهان، وأن من يتق الله يجعل له مخرجاً، كما فعل الله تبارك وتعالى بهاجر وولدها إسماعيل لما تركهما إبراهيم عليه السلام في مكة، وأن رؤيا الأنبياء حق، وذلك لما رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يذبح ولده امتثل واستجاب ولده إسماعيل عليه السلام لذلك، وأن الابتلاء والامتحان والاختبار من الله جل وعلا ليس المقصود منه المشقة والإيذاء، وإنما حتى يعلم الله تبارك وتعالى الصابرين ويعلم الصادقين، وأن الأنبياء أشد الناس بلاء، وإذا أحب الله امرءا ابتلاه. انظر: "مصابيح الضياء" للسعدي (ص 20- 25)، "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 170- 172).