البحث

عبارات مقترحة:

المصور

كلمة (المصور) في اللغة اسم فاعل من الفعل صوَّر ومضارعه يُصَوِّر،...

القادر

كلمة (القادر) في اللغة اسم فاعل من القدرة، أو من التقدير، واسم...

الآخر

(الآخِر) كلمة تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

محمد صلى الله عليه وسلم

محمدٌ بن عبد الله بن عبد المطلب ، رسولُ الله تعالى وخاتم الأنبياء والمرسلين وشفيع الناس يومَ القيامة. كانَ رسول الله أعظم الناس وأشرفهم مكانة، ولدَ يتيمًا، وعاشَ كريمًا وماتَ عظيمًا.

اسمه ونسبه

هو محمد بن عبد الله، بن عبد المطلب، بن هاشم، بن عبد مناف، بن قصي، بن كلاب، بن مرة، بن كعب، بن لؤي، بن غالب، بن فهر، بن مالك بن النضر، بن كنانة، بن خزيمة، بن مدركة، بن إلياس، بن مضر، بن نزار، بن مَعد، بن عدنان، أبو القاسم . وهذا النسب الزكي متفق عليه بين علماء الأنساب إلى عدنان، وأما من بعد عدنان فهم مختلف فيهم. قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية: أجمع العلماء على أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إنما انتسب إلى عدنان ولم يجاوزه. وفي صحيح مسلم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى من كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم». أخرجه مسلم (2276). انظر: "صحيح السيرة النبوية" لإبراهيم العلي (ص 19)، "السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة" لأبي شهبة (1 /184)، "السيرة النبوية" لأبي الحسن الندوي (ص 153- 156). اسماء رسول الله : محمد. قال تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ سورة آل عمران: 144. أحمد. قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ سورة الصف: 6. الماحي والحاشر والعاقب. روى جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: قال رسول الله : «لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب». أخرجه البخاري (3532)، ومسلم (2354). وفي رواية مسلم: «إن لي أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعده أحد، وقد سماه الله رءوفا رحيما». أخرجه مسلم (2354). المتوكل: روى عطاء بن يسار قال: «لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قلت: أخبرني عن صفة رسول الله في التوراة؟ قال: " أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ الأحزاب: 45، وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح بها أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا». أخرجه البخاري (2125). المقفي ونبي التوبة ونبي الرحمة: روى أبو موسى الأشعري قال: «كان رسول الله يسمي لنا نفسه أسماء، فقال: أنا محمد، وأحمد، والمقفي، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرحمة». أخرجه مسلم (2355). وغير ذلك من الأسماء.

ذكره في القرآن الكريم

ورد ذكر اسم نبينا مُحمد في القرآن الكريم بلفظ محمد أربع مرات: قال تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ سورة آل عمران: 144. وقال تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ سورة الأحزاب: 40. وقال تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ سورة الفتح: 29. وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾ سورة محمد: 2.

ذكره في السنة النبوية

ورد ذكر محمد في الأحاديث النبويّة، ومن ذلك: روى العرباض بن سارية قال: سمعت رسول الله يقول: «إني عند الله في أم الكتاب لخاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل في طينته، وسأنبئكم بتأويل ذلك، دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى قومه، ورؤيا أمي التي رأت أنه خرج منها نور، أضاءت له قصور الشام». أخرجه أحمد (4 /127- 128)، والبيهقي في الدلائل (1 /80)، والطبراني في الكبير (18 /252)، والبزار في كشف الأستار (2365)، والحاكم (2 /6)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8 /223): «رواه أحمد بأسانيد والطبراني بنحوه والبزار وأحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح غير سعيد بن سويد وقد وثقه ابن حبان وللحديث شواهد من حديث ميسرة الفجر أخرجه أحمد (5 /59)، والحاكم (2 /608- 609)، والبيهقي في الدلائل (1 /84- 85)، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي».

صفته الخَلْقِية

ذُكِرت أوصاف سيدنا محمد على ألسنة الصحابة رضي الله عنهم، فأحسنوا وصفَه، ومن ذلك : فقال أنس بن مالك رضي الله عنه في وصف شكل محمد ولونه: «كان الرسولُ أَزهو اللون، كأنه عرقَه اللؤلؤ إذا مَشى تَكَفأ». أخرجه مسلم (2330). وفي وصفِ وجهه روى عبد الله بن كعب رضي الله عنه قال: سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن غزوة تبوك قال: «. ..فلمّا سَلمّت على رسول الله وهو يبرق وجهه من السرور، وكانَ رسول الله إذاسُرَّ استنار وجهه، حتى كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه… الحديث». أخرجه البخاري (3556). وكان وجهه مستديرًا كالقمر والشمس. فقد سُئِلَ البراء أكان وجه النبي مثل السيف؟ «قال: لا بل مثل القمر». أخرجه البخاري (3552). وفي وصفه لحيته قال جابر بن سمرة رضي الله عنه: «. ..وكان كثير شعر اللحية». أخرجه مسلم (2344). كما كان ضخم اليدين ذو شعرٍ جميلٍ. روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كان النبي ضخم اليدين لم أرَ بعده مثله، وكان شعر النبي رَجِلا، لا جعد ولا سبط». أخرجه البخاري (5906)، ومسلم (2338). وكان له خاتم النبوة بين كتفيه وهو شئ بارز في جسده كالشامة. روى جابر بن سمرة قال: «رأيت الخاتم عند كتفه مثل بيضة الحمامة يشبه جسده». أخرجه مسلم (2344). وكان طوله متوسطَ القامة لا بالطويل ولا بالقصير، بل بين بين. قال البراء بن عازب رضي الله عنهما: «كان مربوعًا، أي متوسط القامة، بعيد ما بين المنكبين، له شعر يبلغ شحمه أذنه، رأيته في حلةٍ حمراء، لم أرَ شيئًا قط أحسن منه». أخرجه البخاري (3551)، ومسلم (2337). وفي صفة جبينه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أحسن الصفة وأجملها، كان ربعة إلى الطول ما هو، بعيد ما بين المنكبين، أسيل الجبين، شديد سواد الشعر، أكحل العين، أهدب، إذا وطئ بقدمه وطئ بكلها، ليس لها أخمص، إذا وضع رداءه عن منكبيه فكأنه سبيكة فضة، وإذا ضحك كاد يتلألأ في الجدر، لم أر قبله ولا بعده مثله ». أخرجه معمر في الجامع (20490). والأسيل المستوي. فكانَ سيدنا محمد أحسَنُ الناس خلقًا، ملامحه شريفة، جميلَ الخَلقِ والخُلقِ.

صفته الخُلُقيَّة

كان رسولنا الكريم محمد أَحسنَ الناسِ خُلُقًا، وأعظمَهُم قدوةً وأكرَمَهُم وأتقاهم، فقد بُعث الرسول ليتمم مكارم الأخلاق. قال تعالى واصفًا خُلق نبيه : ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ سورة القلم : 4. ومِما ذُكِرَ في أخلاقِ سيدنا محمد : أن رسول الله كان أحسَنِ الناسِ خلقًا. ومن حُسنِ خلقه كمال التعامل مع الخَلق جميعا، وقضاء حوائجهم، وحُسِن تعامله مع المؤمن، ووفقه مع الكافر، وحنانه مع الخادم، ورقته مع الأطفال. قال أنس بن مالك رضي الله عنه: «كانَ النبي محمد أَحْسَنَ الناس خُلُقًا». أخرجه البخاري (6203). وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «لَمْ يَكُن النبي سبابًا ولا فحاشًا ولا لعانًا». أخرجه البخاري (6031). و لمّا سُئِلت عائشة رضي الله عنها عن خُلق النبي قالت: «كانَ قرآنًا يمشي على الأرض». أن رسول الله كان ذا رحمة. ما أُرسِلَ الرسول إلا رحمةً للعالمين. قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ سورة آل عمران: 159. وقال النبي : «يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة». أخرجه الحاكم (91)، وقال فيه: «هذا حديث صحيح على شرطهما فقد احتجا جميعا بمالك بن سعير، والتفرد من الثقات مقبول»، ووافقه الذهبي. فكان رحيمًا مع أهل بيته، ومع سائرِ الخَلق، فَنَجِدُ في مواقفه رحمته مع العالمين، من النساء والأطفال والخَدم وسائر الخَلق، فكان يمسحُ على رؤوس الصبيان ويدعوا لهم، ومن رحمته في تعامله مع الحيوانات كان يحذّر من إيذائهم، ويدعو إلى الرفق والرحمة بهم. فمن رحمته بالخدم: قال أنس بن مالك رضي الله عنه: «فخدمت النبي تسع سنين، فما قال لي لشيء فعلته: لم فعلت كذا وكذا، وما قال لي لشيء لم أفعله: ألا فعلت كذا وكذا». أخرجه أحمد (12784)، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تخريجه على المسند: «حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف، مؤمل -وهو ابن إسماعيل- سيئ الحفظ، لكنه قد توبع». ومن رحمته مع النساء قوله : «فاستوصوا بالنساء خيرًا». أخرجه البخاري (5185)، ومسلم (1468). ومن أهم مكارم الأخلاق التي اتصفَ بها نبينا محمد الصِدق. بَلَغَ نبينا محمد الغاية في الصدق، فهو الصادق المصدوق، الموصوف بالصدق في غير آية من كتاب الله، قال تعالى: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ سورة الزمر: 33. وكانت قريش تتيقن من صدق الرسول قبل الإسلام، فعندما سألَ الأخنس بن شريق أبا جَهل يوم بدرٍ قائلًا: يا أبت الحكم أخبرني عن محمدٍ أَصادِقٌ هو أَم كاذب، فإنه ليسَ هنا غيري وغيرك يسمع كلامنا، فقال أبو جَهل: «والله إن محمدًا لصادق، وما كذَّب محمدٌ قَط!! ولكن إذا ذهبت بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والنبوة، فماذا سيكون لسائر قريش؟». "تفسير الطبري" (11 /333)، و"تفسير ابن كثير" (3 /252). ومن أهم مكارم الأخلاق التي اتصفَ بها نبينا محمد كذلك الأمانة. إنَّ أعظمَ من قام بأداء الأمانة هو النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، فقد استأمنه الله تعالى على أعظم الأمانات، وهي أمانة الوحي والرسالة، وكانَ يُلَّقب بالصادق الأمين لاشتهاره بالأمانة قبل النبوة. ومن شدة أمانته كانت قريش والكفار يستأمنونه على مالهم، واختارته خديجة رضي الله عنها ليتجر بأموالها لما اشتهر فيه من الصدق والأمانة، وأمر النبي بأداء الأمانة ونهى عن خيانتها. ومن مكارم الأخلاق التي اتصفَ بها نبينا محمد العفو. كان النبي يحب العفو ويميل إليه، وكان يقول: «ما زادَ الله عبدًا بعفو إلا عِزًا». أخرجه مسلم (2588). وفي غزوة بدر لما هزم الله تعالى المشركين وقتل المسلمون منهم سبعين رجلًا وأسروا سبعين اخرين استشارَ رسول الله أبا بكر وعمر وعليًا رضي الله عنهم جميعًا في أمرهم. فقال أبو بكر: «يا نبي الله، هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، فإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذنا منهم قوة لنا على الكفار، وعسى الله أن يهديهم فيكونون لنا عضدا، فقال رسول الله : ما ترى يا ابن الخطاب؟ قال: قلت: والله ما أرى ما رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكنني من فلان - قريبا لعمر - فأضرب عنقه، وتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان، أخيه فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أنه ليس في قلوبنا هوادة للمشركين، هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم، فهوي رسول الله ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت، فأخذ منهم الفداء. فلما أن كان من الغد، قال عمر: غدوت إلى النبي ، فإذا هو قاعد وأبو بكر وإذا هما يبكيان، فقلت: يا رسول الله، أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، قال: فقال النبي : الذي عرض علي أصحابك من الفداء، لقد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة - لشجرة قريبة - وأنزل الله عز وجل: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ﴾ إلى: ﴿لَوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ﴾ الأنفال: 67- 68، من الفداء، ثم أحل لهم الغنائم». أخرجه أحمد (208)، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تخريجه على المسند: «إسناده حسن، رجاله رجال الصحيح». ومن نماذج عفو النبي عفوه عن أهل مكة بعد الفتح، وعفوه عن المرأة اليهودية التي وضعت له السُمَّ في الشاةِ، وعفوه عن الأعرابيٌ الذي اخترط سيفه وهو نائم، تحت الشجرة في غزوة من الغزوات. وكانَ عادلًا وفيًا كريمًا حليمًا.

قصصه

حياة محمد قبل البعثة.

في هذه الفترة وقعت الأحداث التالية: ولد محمد في أشرف بيت من بيوت العرب، فهو من أشرف فروع قريش، وهم بنو هاشم، وقريش أشرف قبيلة في العرب، وأزكاها نسبا وأعلاها مكانة. روى العباس رضي الله عنه، عن رسول الله أنه قال: «إن الله خلق الخلق فجعلني في خيرهم فرقة، ثم جعلهم فرقتين فجعلني في خيرهم فرقة، ثم جعلهم قبائل، فجعلني في خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتا، فجعلني في خيرهم بيتا وخيرهم نسبا». أخرجه الترمذي (3532)، وقال فيه: «هذا حديث حسن». أنه نشأ يتيما، فقد مات أبوه عبد الله وأمه حامل به لشهرين فحسب، ولما أصبح له من العمر ست سنوات ماتت أمه آمنة، فكفله بعد ذلك جده عبد المطلب، ثم توفي ورسول الله ابن ثمان سنوات، فكفله بعد ذلك عمه أبو طالب حتى نشأ واشتد ساعده. وإلى يتمه أشار القرآن الكريم بقوله: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى﴾ سورة الضحى: 6. أمضى رسول الله السنوات الأربع الأولى من طفولته في الصحراء في بني سعد، فنشأ قوي البنية، سليم الجسم، فصيح اللسان، يحسن ركوب الخيل على صغر سنه قد تفتحت مواهبه على صفاء الصحراء وهدوئها. كانت تعرف فيه النجابة من صغره، وتلوح على محياه مخايل الذكاء الذي يحببه إلى كل من رآه. وكان رسول الله يرعى في أوائل شبابه لأهل مكة أغنامهم بقراريط يأخذها أجرا على ذلك. قال رسول الله : «ما من نبي إلا قد رعى الغنم. قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: وأنا». أخرجه مالك (2045). لم يشارك أقرانه من شباب مكة في لهوهم ولا عبثهم، وقد عصمه الله من ذلك. وعرف عنه منذ إدراكه رجحان العقل وأصالة الرأي، وفي حادثة وضع الحجر الأسود في مكانه من الكعبة دليل واضح على هذا. وعرف في شبابه بين قومه بالصادق الأمين، واشتهر بينهم بحسن المعاملة، والوفاء بالوعد، واستقامة السيرة، وحسن السمعة، مما رغب خديجة في أن تعرض عليه الاتجار بمالها في القافلة التي تذهب إلى مدينة بصرى. سافر مرتين خارج مكة، أولاهما مع عمه أبي طالب حين كان عمره اثنتي عشرة سنة، وثانيتهما حين كان عمره خمسا وعشرين سنة، متاجرا لخديجة بمالها، وكانت كلتا الرحلتين إلى مدينة بصرى. حبب الله إليه قبل البعثة بسنوات أن يخرج إلى غار حراء يخلو فيه، يفكر في آلاء الله، وعظيم قدرته، واستمر على ذلك حتى جاءه الوحي. انظر: "السيرة النبوية" للسباعي (ص 33- 37)، "السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة" لأبي شهبة (1 /235- 256)، "السيرة النبوية" لأبي الحسن الندوي (ص 153- 180).

حياة محمد من البعثة حتى الهجرة إلى الحبشة.

في هذه الفترة وقعت الأحداث التالية: نزلت الوحي على الرسول : لما تم للنبي أربعون سنة، نزل عليه جبريل بالوحي في يوم الإثنين لسبع عشر خلت من رمضان. روى البخاري عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عن كيفية نزول الوحي عليه، قالت: «أول ما بدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني، فقال: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ﴾ العلق: 1- 3، فرجع بها رسول الله يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، فقال: زملوني زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي. فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله : أو مخرجي هم، قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا. ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي». أخرجه البخاري (3). كان أول من آمن به ودخل في الإسلام زوجته خديجة رضي الله عنها، ثم ابن عمه علي رضي الله عنه وهو ابن عشر سنين، ثم مولاه زيد بن حارثة، ثم أبو بكر الصديق رضي الله عنه. ثم فتر الوحي بعد ذلك فترة من الزمن، اختلفت الروايات في تقديرها، فأقصاها ثلاث سنوات، وأدناها ستة أشهر، وهو الصحيح، وقد شق انقطاع الوحي على الرسول ، وأحزنه ذلك كثيرا، حتى كاد يخرج إلى الجبال فَيَهُمُّ بأن يترى من رؤوسها، ظنا منه أن الله قد قلاه بعد أن اختاره لشرف الرسالة، ثم عاد إليه الوحي بعد ذلك. روى البخاري عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن النبي : «بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء، فرفعت بصري، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فرعبت منه، فرجعت فقلت: زملوني زملوني، فأنزل الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ﴾ المدثر: 1- 2 إلى ص: 8 قوله: ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾ المدثر: 5، فحمي الوحي وتتابع». أخرجه البخاري (4). بدأ رسول الله بعد ذلك يدعو إلى الإسلام بمن وَثِق بعقله من الأفراد ثلاث سنوات كاملة، حتى أسلم عدد من الرجال والنساء ممن عرفوا برجحان الرأي وسلامة النفس. أمر رسول الله بعد أن بلغ عدد الداخلين في الإسلام نحوا من ثلاثين أن يبلغ الدعوة جهرا، وذلك في قوله تعالى: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ الحجر: 94. ابتدأت بذلك مرحلة الإيذاء للمؤمنين الجدد ولرسول الله . كان رسول الله في هذه الفترة يجتمع بالمؤمنين سرا في دار الأرقم بن أبي الأرقم الذي دخل في الإسلام أيضا، وكان الرسول يتلو عليهم ما ينزل عليه من آيات القرآن الكريم، ويعلمهم من أحكام الدين وشرائعه. أمر الله عز وجل رسوله محمد يومئذ أن ينذر عشيرته الأقربين، فوقف على الصفا، ونادى بطون قريش بطنا بطنا، ودعاهم إلى الإسلام وترك عبادة الأوثان، ورغبهم في الجنة وحذرهم من النار. رغبت قريش في أن تنال من رسول الله ، فحماه عمه أبو طالب، وامتنع عن تسليمه إليهم، ثم طلب بعد ذهابهم أن يخفف من دعوته. لما رأت قريش ثبات المؤمنين على عقيدتهم، قررت مفاوضة رسول الله على أن تعطيه من المال ما يشاء، أو تملكه عليها، فأبى ذلك كله. لما رأى رسول الله تعنت قريش واستمرارها في تعذيب أصحابه رغّبهم في الهجرة إلى الحبشة، وان فيها ملكا لا يظلم أحد عنده، فهاجروا للمرة الأولى اثنا عشر رجلا وأربع نسوة، ثم عادوا بعد أن علموا بإسلام عمر وإظهار الإسلام، لكنهم ما لبثوا أن عادوا ومعهم آخرون من المؤمنين، وقد بلغ عددهم في الهجرة الثانية إلى الحبشة ثلاثة وثمانين رجلا، ومن النساء إحدى عشرة. ثم قاطع المشركون رسول الله وبني هاشم وبني المطلب، وعاهدوا على ألا يبايعوهم ولا يناكحوهم ولا يخالطوهم، ولا يقبلوا منهم صلحا أبدا، وكتبوا في ذلك صحيفة، واستمرت المقاطعة سنتين أو ثلاثا، لقي فيها الرسول ومن معه في هذه المقاطعة جهدا شديدا، ثم انتهت المقاطعة بمسعى عقلاء قريش. انظر: "السيرة النبوية" للسباعي (ص 43- 48)، "السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة" لأبي شهبة (1 /257- 390)، "السيرة النبوية" لأبي الحسن الندوي (ص 180- 207).

حياة محمد بعد هجرة الحبشة إلى الهجرة للمدينة.

في هذه الفترة وقعت الأحداث التالية: مات أبو طالب عم رسول الله في السنة العاشرة من البعثة، وكان في حياته شديد الدفاع عن ابن أخيه رسول الله ، وكانت قريش لا تستطيع أن تنال النبي بأذى في نفسه طيلة حياة أبي طالب احتراما له وهيبة، فلما مات أبو طالب اجترات قريش على تشديد الأذى للنبي ، ثم ماتت بعده خديجة رضي الله عنها في نفس السنة، وقد كانت خديجة تخفف عن الرسول همومه وأحزانه لما يلقاه من عداء قريش. ولما اشتد على الرسول كيد قريش وأذاها بعد وفاة عمه وزوجه، توجه إلى الطائف لعله يجد في ثقيف حسن الإصغاء لدعوته والانتصار لها، ولكنهم ردوه ردا غير جميل، وأغروا به صبيانهم فقذفوه بالحجارة حتى سال الدم من قدميه الطاهرتين، وعاد رسول الله من الطائف دون أن تستجيب ثقيف لدعوته، اللهم إلا ما كان من إسلام عدَّاس، غلام عتبة وشيبة ابني ربيعة، وكان غلاما نصرانيا. ووقعت معجزة الإسراء والمعراج، وقد اختلف في تاريخ وقوعها، والمؤكد أنها وقعت قبل الهجرة في السنة العاشرة من بعثته أو بعدها، والصحيح الذي عليه جماهير العلماء أنهما وقعا في ليلة واحدة يقظة بالجسد والروح، أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السماوات العلى، ثم عاد إلى بيته في مكة تلك الليلة، وفي هذه الليلة فرضت الصلوات خمسا على كل مسلم بالغ عاقل. وأثناء مرور رسول الله على القبائل في موسم الحج -كعادته في كل عام- لدعوتهم إلى الإسلام وترك عبادة الأوثان، وبينما هو عند العقبة التي ترمى عندها الجمار، لقي رهطا من الأوس والخزرج، فدعاهم إلى الإسلام فأسلموا، وكان عددهم سبعة، ثم عادوا إلى المدينة، فذكروا لقومهم لقياهم النبي ، وما دانوا به من الإسلام، وفي العام التالي لاثنتي عشرة سنة من البعثة وافى موسم الحج اثنا عشر رجلا من الأنصار، فاجتمعوا بالنبي وبايعوه، فكانت بيعة العقبة الأولى، وأرسل رسول الله معهم مصعب بن عمير إلى المدينة ليقرئ المسلمين فيها القرآن، ويعلمهم الإسلام، فانتشر الإسلام في المدينة انتشارا كبيرا، وفي العام الذي يليه حضر من الأنصار جماعة في موسم الحج، فاجتمعوا بالنبي مستخفين، وكانوا سبعين رجلا وامرأتين، وبايعوه على النصرة والتأييد، وعلى أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم، وعادوا إلى المدينة بعد أن اختار منهم اثني عشر نقيبا يكونون على قومهم، وهي بيعة العقبة الثانية. انظر: "السيرة النبوية" للسباعي (ص 53- 56)، "السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة" لأبي شهبة (1 /391- 455)، "السيرة النبوية" لأبي الحسن الندوي (ص 207- 232).

هجرة رسول الله إلى المدينة.

علمت قريش بإسلام فريق من أهل يثرب، فاشتد أذاها للمؤمنين بمكة، فأمرهم النبي بالهجرة إلى المدينة، فهاجروا مستخفين، إلا عمر رضي الله عنه، فإنه أعلم مشركي قريش بهجرته. ولما أيقنت قريش أن المسلمين قد أصبحوا في المدينة في عزة ومنعة، عقدت مؤتمرا في دار الندوة للتفكير في القضاء على الرسول نفسه، فقرَّ رأيهم على أن يتخيروا من كل قبيلة منهم فتى جلدا، فيقتلوه جميعا، فيتفرق دمه في القبائل، ولا يقدر بنو مناف على حربهم جميعا، فيرضوا بالدية، وهكذا اجتمع الفتيان الموكلون بقتل الرسول على بابه ليلة الهجرة ينتظرون خروجه ليقتلوه، وطلب رسول الله من علي رضي الله عنه أن ينام مكانه، وأمره إذا أصبح أن يرد الودائع التي كان أودعها كفار قريش عنده إلى أصحابها، وغادر الرسول بيته دون أن يشاهده احد، وذهب إلى بيت أبي بكر واستعدا للخروج، وكان أبو بكر قد جهز راحلتين واستأجر عبد الله بن أريقط الدِّيلي وكان مشركا ليدلهما على طريق المدينة، ولم يعلم بأمر هجرة رسول الله إلا علي رضي الله عنه وآل أبي بكر رضي الله عنه، وعملت عائشة وأسماء بنتا أبي بكر في تهيئة الزاد لهما، وقطعت أسماء قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب، فسميت لذلك: ذات النطاقين، واتجها مع دليلهما عن طريق اليمن حتى وصلا إلى غار ثور، فكمنا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما ابن لأبي بكر عبد الله، وهو غلام شاب حاذق سريع الفهم، فيخرج من عندهما بالسَحَر، فلا يسمع من قريش أمرا يبيّتونه لهما إلا وعاه حتى يأتيهما في المساء بخبره. قامت قيامة قريش لنجاة الرسول من القتل، وخرجوا يطلبونه من طريق مكة المعتاد، فلم يجدوه واتجهوا إلى طريق اليمن، ووقفوا عند فم غار ثور، وأبو بكر رضي الله عنه يرى أقدامهم وهم واقفون على فم الغار، فيرتعد خوفا على حياة الرسول . قال أبو بكر: «نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار، فقلت: يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه، فقال: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما». أخرجه البخاري (4663)، ومسلم (2381). أرسلت قريش في القبائل تطمع كل من عثر على الرسول وصاحبه أو قتله أو أسره، في دفع مبلغ ضخم من المال يغري الطامعين، فانتدب لذلك سراقة بن جعشم، وأخذ على نفسه أن يتفقدهما ليظفر وحده بالجائزة، فبعد أن خرج رسول الله وصاحبه من الغار مع دليلهما وأخذا طريق الساحل وقطعا مسافة بعيدة أدركهما سراقة، فلما اقترب منهما ساخت قوائم فرسه في الرمل، فلم تقدر على السير، وحاول ثلاث مرات أن يحملها على السير جهة الرسول ، عندئذ أيقن أنه أمام رسول كريم، فطلب من الرسول أن يعده بشيء إن نصره، فوعده بسواري كسرى يلبسهما، ثم عاد سراقة إلى مكة فتظاهر بأنه لم يعثر على أحد. وصل الرسول وصاحبه المدينة في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول وبعد أن طال انتظار أصحابه له خرجوا لاستقباله ينشدون له: طلع البدر علينا. .. من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا. .. ما دعا لله داع أيها المبعوث فينا. .. جئت بالأمر المطاع انظر: "السيرة النبوية" للسباعي (ص 61- 67)، "السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة" لأبي شهبة (1 /457- 498)، "السيرة النبوية" لأبي الحسن الندوي (ص 235- 248).

أعمال رسول الله بعد وصوله المدينة.

ومن الأعمال التي قام بها رسول الله لما قدم المدينة: كان الرسول وهو في طريقه إلى المدينة قد وصل إلى قباء، وهي قرية جنوب المدينة على بعد ميلين منها، فأسس فيها أول مسجد بني في الإسلام، وأقام فيها أربعة أيام، ثم سار صباح الجمعة إلى المدينة، فأدركته صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف، فبنى مسجدا هناك، وأقام أول جمعة في الإسلام، وأول خطبة خطبها في الإسلام، ثم سار إلى المدينة، فلما وصلها كان أول عمل عمله بعد وصوله أن اختار المكان الذي بركت فيه ناقته ليكون مسجدا له، وكان المكان لغلامين يتيمين من الأنصار، فساومهما على ثمنه، فقالا: بل نهبه لك يا رسول الله، فأبى إلا أن يبتاعه منهما بعشرة دنانير ذهبا أداها من مال أبي بكر، ثم ندب المسلمين للاشتراك في بناء المسجد، فأسرعوا إلى ذلك، وكان رسول الله ينقل معهم اللَّبِن حتى تم بناء المسجد، جدرانه من لَبِن وسقفه من جريد النخل مقاما على الجذوع. ثم آخى رسول الله بين المهاجرين والأنصار، فجعل لكل أنصاري أخا من المهاجرين، فكان الأنصاري يذهب بأخيه المهاجر إلى بيته، فيعرض عليه أن يقتسم معه كل شيء في بيته. ثم كتب رسول الله كتابا بين المهاجرين والأنصار، تتضمن المبادئ التي قامت عليها أول دولة في الإسلام، ووادع فيه اليهود، وأقرهم على دينهم وأموالهم. انظر: "السيرة النبوية" للسباعي (ص 65.- 67)، "السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة" لأبي شهبة (1 /17- 66)، "السيرة النبوية" لأبي الحسن الندوي (ص 275- 283).

غزوات رسول الله .

ما كاد يستقر النبي في المدينة حتى بدأت المعارك الحربية بينه وبين قريش ومن والاها من قبائل العرب، وقد اصطلح المؤرخون والمسلمون على أن يسموا كل معركة بين المسلمين والمشركين وحضرها النبي بنفسه: غزوة، وكل مناوشة حصلت بين الفريقين ولم يحضرها الرسول : سرية، وقد بلغ عدد غزوات الرسول ستا وعشرين غزوة، وبلغ عدد سراياه ثمانيا وثلاثين سرية. ومن أشهر غزواته، وهي إحدى عشرة غزوة: بدر وأحد والخندق وبني قريظة وبني المصطلق وصلح الحديبية وغزوة خيبر ومؤتة ثم كانت فتح مكة. انظر: "السيرة النبوية" للسباعي (ص 79- 103)، "السيرة النبوية" لأبي الحسن الندوي (ص 299- 443).

الأحداث التي وقعت بعد فتح مكة إلى وفاة الرسول .

ومن أهم الأحداث التي وقعت بعد فتح مكة هي التالية: بعد أن فتح الله مكة على رسوله والمسلمين تجمعت هوازن لقتال الرسول ، فكانت معركة حنين. بعد فتح مكة قام رسول الله بتحطيم الاصنام، وكانت للعرب ثلاثة أصنام كبرى تعظمها وتحج إليها وتنحر لها الذبائح، أقدمها مناة، أرسل رسول الله إليه في السنة الثامنة للهجرة عليَّاً رضي الله عنه، فهدمه، وثانيهما اللات وكانت بالطائف، وثالثتها العزى، فلما كان دعا، وأمر النبي خالد بن الوليد عام الفتح أن ينطلق اليها يهدمها، فهدمها، ولما دخل رسول الله يوم فتح مكة البيت الحرام رأى صور الملائكة وغيرهم، فرأى ابراهيم عليه السلام مصوراً في يده الأزلام يستقسم بها، فأمر بتلك الصور كلها فطمست. قال ابن عباس رضي الله عنه: «دخل النبي مكة يوم الفتح، وحول البيت ستون وثلاث مائة نصب فجعل يطعنها بعود في يده، ويقول: جاء الحق وزهق الباطل، جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد». أخرجه البخاري (4287)، ومسلم (1780). ثم جمعت الروم جموعاً كثيرة بالشام، وسمع رسول الله والمسلمون أن هرقل قد رزق أصحابه سنة، وانضمت إليه من القبائل العربية لخم وجذام وغسان وعاملة، ثم قدموا طلائعهم إلى البلقاء، فلما بلغ ذلك رسول الله ، ندب الناس للخروج إلى تبوك، فكانت غزوة تبوك. ثم كانت حجة الوداع، وهي الحجة الوحيدة التي أداها رسول الله بعد البعثة، ولما سمع الناس بحجة رسول الله توافدوا إلى الحج من مختلف أنحاء الجزيرة العربية حتى بلغوا مائة وأربعة عشر ألفاً، وخطب رسول الله في حجته هذه خطتبه الشهيرة. ثم جهز رسول الله جيشاً قبل الشام تحت قيادة أسامة بن زيد، وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين، وقد كان في الجيش جميع المهاجرين والأنصار، ومن كان حول المدينة من المسلمين، لم يتخلف منهم أحد، ولما كان الجيش في ظاهر المدينة يتأهب للمسير ابتدأ مرض رسول الله الذي توفي فيه، فتوقف الجيش عن السير انتظاراً لشفاء الرسول، ورغبة في تلقي تعاليمه وهديه، فتوفي رسول الله بعده أيام. توفي رسول الله بعد أن كان قد علم من طريق الوحي بقرب أجله، فودع الناس في حجة الوداع، وكانت قلوب الصحابة واجفة هلعة خشية أن يكون أجل رسول الله قد اقترب، ولكن أجل الله إذا جاء لا يؤخر. انظر: "السيرة النبوية" للسباعي (ص 129- 172)، "السيرة النبوية" لأبي الحسن الندوي (ص 443- 544).

زواج محمد من خديجة.

كانت خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ذاتَ شرفٍ ومال، وكانت تستأجر الرجال ليتجروا بمالها، فلما بُلغت عن محمد وعن أمانته وصدقه وأخلاقه عرضت عليه أن يعمل معها تاجرًا، فقبل محمد ذلك، فأعجبت خديجة بتعامل الرسول وأخلاقه، وأخبرت صديقتها نفيسة بذلك، وعرضت عليه الزواج منها، فتزوجها وعمره خمسةُ وعشرون سنة، وهي تكبرُهُ بخمسة عشر سنة، وكانت خديجة مؤازرة للرسول ومساندة له، ولم يتزوج الرسول عليها إلا بعدَ أن توفيت. روى ابن عباس رضي الله عنه: «أن رسول الله ذكر خديجة، وكان أبوها يرغب أن يزوجه، فصنعت طعاما وشرابا، فدعت أباها ونفرا من قريش، فطعموا وشربوا حتى ثملوا، فقالت خديجة لأبيها: إن محمد بن عبد الله يخطبني، فزوجني إياه. فزوجها إياه فخلقته وألبسته حلة، وكذلك كانوا يفعلون بالآباء، فلما سري عنه سكره، نظر فإذا هو مخلق وعليه حلة، فقال: ما شأني، ما هذا؟ قالت: زوجتني محمد بن عبد الله. قال: أنا أزوج يتيم أبي طالب لا، لعمري. فقالت خديجة: أما تستحي تريد أن تسفه نفسك عند قريش؟ تخبر الناس أنك كنت سكران؟ فلم تزل به حتى رضي». أخرجه أحمد (2849)، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تخريجه على المسند: «إسناده ضعيف، فقد شك حماد بن سلمة في وصله إذ قال الرواة عنه: "فيما يحسب حماد" ولم يجزم، ثم إن حماد بن سلمة قد دلسه، فقد أخرجه البيهقي في "الدلائل" 2/73 من طريق مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس: أن أبا خديجة زوج النبي وهو- أظنه قال: - سكران، فعاد الحديث إلى علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف». انظر: "السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة" لأبي شهبة (1 /219- 226)، "السيرة النبوية" لأبي الحسن الندوي (ص 171- 172).

بنيان الكعبة ورفع رسول الله الحجر الأسود.

لما بلغ الرسول خمسًا وثلاثين سنةً قبل البعثة بخمس سنوات، اجتمعت قريش حتى تجدد بناء الكعبة، بسبب ما أصاب جدرانها من تصدعٍ وتلف، فكانت الكعبة لا تزال كما بناها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، فأرادوا أن يهدموها ليرفعوها، ولكنهم هابوا هدمها، حتى بدأ الوليد بن المغيرة الهدم فتبعه الناس، وشارك كل السادة من قريش وشيوخها في نقل الحجارة ورفعها، وشارك الرسول في بناء الكعبة فأخذ ينقل الحجارة هو وعمه العباس رضي الله عنه. َولما كانت القبائل تقسم العمل بينهم، حدث اقتتالٌ بينهم بسبب أنَّ كلًا منهم يريد أن ينالَ شرف رفع الحجر إلى موضعه، حتى اقترح أبو أمية المخزومي بأنَ من سيرفع الحجر هو أول من يدخل عليهم من باب المسجد الحرام، فقبلوا اقتراحه، وكانَ أول من دخل عليهم من المسجد الحرام هو رسول الله ، حتى هتفوا لما رأوه: هذا الأمين، رضينا هذا محمد، أخذ رسول الله الحجر بيديه الشريفتين، ورفعه إلى موضعه، فكانت الرسول حصل على شرف رفع الحجر الأسود بين يديه الشريفتين، ومنع الخلاف والنزال من الحدوث بين سادات قريش. روى علي رضي الله عنه قال: «لما أرادوا أن يرفعوا الحجر الأسود اختصموا فيه فقالوا: «نحن نحكم بيننا أول رجل يخرج من هذه السكة، قال: فكان رسول الله أول من خرج عليهم، فجعلوه في مرط، ثم رفعه جميع القبائل كلها، ورسول الله يومئذ رجل شاب. يعني قبل البعثة». "المطالب العالية" لابن حجر (17 /231). وروى جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : «إني لأعرف حجرًا بمكة كان يسلم علي قبل أن أُبعث، إني لأعرفه الآن». أخرجه مسلم (2277). انظر: "السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة" لأبي شهبة (1 /227- 235)، "السيرة النبوية" لأبي الحسن الندوي (ص 172- 173).

المقاطعة.

بعد أَن دخلَ الناس في إلاسلام استمرت قريش بحملتها للصد في وجه الدعوة الإسلامية، والوقوف ضد المسلمين، حتى أسلم عمر بن الخطاب وحمزة بن عبد المطلب فارتفع شأن الإسلام بهم، فأمرت قريش إلى أسلوبٍ أشد وأكثر ضررًا، وهو مقاطعة المسلمين، فكتبوا قرارات المقاطعة على الصحيفة، وقاموا بتعليقها داخل الكعبة، فقد أغلقت قريش الطريق الدعوي في مكة، وتعرضت لهم بالإيذاء والتضييق عليهم، وتعاقدت على ألا يبايعوهم، ولا يناكحوهم ولا يكلموهم حتى يسلموا الرسول ، ولكن هذه المقاطعة كانت سببًا في خدمة الإسلام، فقد انتشر خبر المقاطعة بين قبائل العرب، فأثار ذلك سخط العرب على مكة، فوقفوا مع النبي حتى أقبلَ الناس في الإسلام، وكان هذا الصمود والصبر سبباً في انتشار الإسلام. روى أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: «قلت يا رسول الله أين تنزل غدًا؟ في حجته، قال: وهل ترك لنا عقيل منزلًا، ثم قال: نحن نازلون غدًا إن شاء الله بخيف في بني كنانة -يعني المحصب-، حيث قاسمت قريش على الكفر، وذلك أن بني كنانة حالفت قريشا على بني هاشم، أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يؤووهم، ثم قال عند ذلك: لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر. قال الزهري: والخيف: الوادي». أخرجه البخاري (3058)، وأحمد (21766)، واللفظ له، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تخريجه على المسند: «إسناده صحيح على شرط الشيخين». انظر: "السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة" لأبي شهبة (1 /359- 364)، "السيرة النبوية" لأبي الحسن الندوي (ص 205- 207).

عام الحزن.

بعد أن مكث المسلمونَ في الحصار والمقاطعة ثلاثَ سنين وانتهى الحصار حتى أصيب الرسول بمصيبتين، الأولى: وفاة عمه أبي طالب، وكان أبو طالب هو الحصن الذي تحتمي به الدعوة الإسلامية من هجمات السفهاء على قومه، ومن ثم ماتت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضى الله عنها، وكان لموتها وقعٌ شديد على رسول الله ، فهي التي أعانته على إبلاغ الرسالة، ووقفت معه في أحرج الأوقات، ومن شده الأحزان والمكابد التي أصيب بها رسول الله سمي هذا العام العاشر من البعثة بعام الحزن، لكن بالرغم من محنته وحزنه إلا أنه استمرَ اهتمامه بشؤون الدعوة الإسلامية وشؤون أصحابه. روى سعيد بن المسيب عن أبيه، قال: «لما حضرت أبا طالب الوفاة، جاءه رسول الله فوجد عنده أبا جهل، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال: أي عم قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله يعرضها عليه، ويعيدانه بتلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، قال: قال رسول الله : والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك. فأنزل الله: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ سورة التوبة: 113، وأنزل الله في أبي طالب، فقال لرسول الله : ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ سورة القصص: 56». أخرجه البخاري (4772). وروى هشام بن عروة عن أبيه قال: «توفيت خديجة قبل مخرج النبي إلى المدينة بثلاث سنين، فلبث سنتين أو قريبا من ذلك، ونكح عائشة وهي بنت ست سنين، ثم بنى بها وهي بنت تسع سنين». أخرجه البخاري (3896). انظر: "السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة" لأبي شهبة (1 /391-400)، "السيرة النبوية" لأبي الحسن الندوي (ص 207).

أحاديث عن محمد صلى الله عليه وسلم

المواد الدعوية