موسى عليه السلام هو: ابنُ عِمْرانَ، مِن نَسْلِ يعقوبَ عليه السلام؛ ودليلُ ذلك:
ما جاء عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما، عن رسولِ الله ﷺ، قال : «مرَرْتُ ليلةَ أُسرِيَ بي على موسى بنِ عِمْرانَ عليه السلام: رَجُلٍ آدَمَ، طُوَالٍ، جَعْدٍ، كأنَّه مِن رجالِ شَنُوءةَ، ورأيتُ عيسى ابنَ مَرْيمَ: مَرْبوعَ الخَلْقِ، إلى الحُمْرةِ والبياضِ، سَبْطَ الرأسِ». أخرجه مسلم (267).
ينظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (2 /279)، "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 326).
(موسى): اسمُ علمٍ أعجمي، ليس عربيًّا ولا مشتقًّا. انظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (2 /280).
قصةُ موسى عليه السلام من أكثَرِ القِصص ورودًا في القرآن؛ فقد ورَد ذكرُه عليه السلام في القرآن مائةً وستًّا وثلاثين مرة، والسُّوَرُ التي ذُكِرَ فيها عليه السلام أكثَرَ من غيرها هي: «البقرة»، و«الأعراف»، و«القَصَص»، و«يونس»، و«طه»، و«الشُّعراء».
وقد مَرَّ موسى عليه السلام بعِدَّة مراحلَ:
* المرحلة الأولى: حياتُه عليه السلام من الميلاد إلى البعثة.
* المرحلة الثانية: موسى وهارونُ أمام فرعون.
* المرحلة الثالثة: خروج موسى ببني إسرائيلَ، وغَرَقُ فرعون وجنده.
* المرحلة الرابعة: موسى مع بني إسرائيل في سيناء.
* المرحلة الخامسة: موسى والخَضِر.
ومِن الآيات التي ذُكِرَ فيها موسى عليه السلام:
* من سورة (البقرة): قوله تعالى: ﴿وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ * وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ * وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ * ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ ۖ كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ۖ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ۚ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ * فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * ۞ وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ۖ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ۖ قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ۚ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ۗ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ ۖ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ * فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ * وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَٰلِكَ ۖ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَّا شِيَةَ فِيهَا ۚ قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ۚ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ * وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ۖ وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ۚ كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: 49-74].
* من سورة (الأنعام): قوله تعالى: ﴿ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: 154].
* من سورة (الأعراف): قوله تعالى: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ * وَقَالَ مُوسَىٰ يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ * حَقِيقٌ عَلَىٰ أَن لَّا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ * قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ ۖ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ * قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ * وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ * قَالَ أَلْقُوا ۖ فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ * ۞ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ * قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ * قَالُوا إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ * وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا ۚ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ * وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ * قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ۖ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ * وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَٰذِهِ ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ ۗ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ * وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ ۖ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ * فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ * وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ۖ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ * وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ ۚ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * إِنَّ هَٰؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ * قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَٰهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۖ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ * ۞ وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ * وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ * قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ * وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ۚ سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ * سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ۚ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ ۚ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا ۘ اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ * وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي ۖ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ۖ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ۚ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ ۖ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ * وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِن بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ ۖ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ * وَاخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِّمِيقَاتِنَا ۖ فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ ۖ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا ۖ إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاءُ وَتَهْدِي مَن تَشَاءُ ۖ أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۖ وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ * ۞ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ۚ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ۖ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ * وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ۚ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ ۖ كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ ۚ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ * فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ * وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [الأعراف: 103-163].
* من سورة (يونس): قوله تعالى: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ وَهَارُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ * فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا إِنَّ هَٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ * قَالَ مُوسَىٰ أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ ۖ أَسِحْرٌ هَٰذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ * قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ * وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ * فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ * فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ ۖ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ * فَمَا آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ ۚ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ * وَقَالَ مُوسَىٰ يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ * فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ * وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * ۞ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ * وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّىٰ جَاءَهُمُ الْعِلْمُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [يونس: 75-93].
* من سورة (مريم): قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىٰ ۚ إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا * وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا * وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا﴾ [مريم: 51-53].
* من سورة (طه): قوله تعالى: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ * إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي * إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ * فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لَّا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىٰ * وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ * قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَىٰ * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ * قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ ۖ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَىٰ * وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَىٰ * لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى * اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ * قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا * قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ * وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ * إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ * أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي * إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ ۖ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ ۚ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ۚ فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يَا مُوسَىٰ * وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي * اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي * اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ * قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَىٰ * قَالَ لَا تَخَافَا ۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ * فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ ۖ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ ۖ وَالسَّلَامُ عَلَىٰ مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَىٰ * إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ * قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَىٰ * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ * قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَىٰ * قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ ۖ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ * كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِي النُّهَىٰ * ۞ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ * وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ * قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَىٰ * فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَانًا سُوًى * قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى * فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ * قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىٰ * فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَىٰ * قَالُوا إِنْ هَٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَىٰ * فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا ۚ وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَىٰ * قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ * قَالَ بَلْ أَلْقُوا ۖ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ * قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَىٰ * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ۖ إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ۖ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ * قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ * قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ۗ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ * إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ * وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ مَن تَزَكَّىٰ * وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَىٰ * فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ * وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَىٰ * يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ * كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ۖ وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ * وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ * ۞ وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَىٰ * قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَىٰ أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ * قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ * فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا ۚ أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي * قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَٰكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَٰلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ * فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَٰذَا إِلَٰهُكُمْ وَإِلَٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ * أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا * وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ ۖ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَٰنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي * قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ * قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبِعَنِ ۖ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي * قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي ۖ إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي * قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ * قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي * قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ ۖ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّن تُخْلَفَهُ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا * إِنَّمَا إِلَٰهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [طه: 9-98].
* من سورة (الشُّعَراء): قوله تعالى: ﴿وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * قَوْمَ فِرْعَوْنَ ۚ أَلَا يَتَّقُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ * وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ * وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ * قَالَ كَلَّا ۖ فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا ۖ إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ * فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ * قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ * فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ * وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ * قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ * قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ * قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَٰهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ * قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ * قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ * قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ * فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ * وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ * لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ * فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ * فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ * فَأَلْقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ * قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ۚ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ * قَالُوا لَا ضَيْرَ ۖ إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ * إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ * ۞ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ * فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ * فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَٰلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ * فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً ۖ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ [الشعراء: 10-68].
* من سورة (القَصَص): قوله تعالى: ﴿طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * نَتْلُو عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ * وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ۗ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ * وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ۖ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ ۖ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * ۞ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ * فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ * قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ * فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ ۚ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ * فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ۖ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ * وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ * فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ * وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ * فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ * قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ ۖ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ۚ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ ذَٰلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ۖ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ ۖ وَاللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ * ۞ فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ ۖ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ * اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ۖ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ * وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ * قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ۚ بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ * فَلَمَّا جَاءَهُم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ * وَقَالَ مُوسَىٰ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَن جَاءَ بِالْهُدَىٰ مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ * وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَىٰ بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَىٰ مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ * وَلَٰكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ۚ وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَٰكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَٰكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَىٰ ۚ أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ ۖ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ * قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص: 1-50].
* من سورة (غافر): قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ ۚ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ * وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ * وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ * وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ ۖ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ * يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِن جَاءَنَا ۚ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ * وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ ۚ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ * وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ۗ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ * الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ۖ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ * وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا ۚ وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ ۚ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ * وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ * يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا ۖ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ * ۞ وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ * لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ * فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ۖ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ [غافر: 23-46].
* من سورة (الدُّخَان): قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ * أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ ۖ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * وَأَن لَّا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ ۖ إِنِّي آتِيكُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ * وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَٰؤُلَاءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ * فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ * وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا ۖ إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ * كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَٰلِكَ ۖ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ * وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ * مِن فِرْعَوْنَ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِّنَ الْمُسْرِفِينَ * وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَآتَيْنَاهُم مِّنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُّبِينٌ﴾ [الدخان: 17- 33].
* من سورة (النازعات): قوله تعالى: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى *اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ * فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ * وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ * فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَىٰ * فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَىٰ * فَحَشَرَ فَنَادَىٰ * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَىٰ * إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ﴾ [النازعات: 15-26].
ينظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (2 /270-274)، "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 326).
تعدَّدتِ الأحاديثُ التي ورَدتْ في ذكرِ أخبارِ نبيِّ الله موسى عليه السلام، وبيانِ فضائلِه ومنزلتِه؛ ومن ذلك:
* اليوم الذي نجَّى اللهُ فيه موسى عليه السلام:
عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما، قال: «قَدِمَ النبيُّ ﷺ المدينةَ، فرأى اليهودَ تصُومُ يومَ عاشوراءَ، فقال: «ما هذا؟»، قالوا: هذا يومٌ صالحٌ؛ هذا يومُ نجَّى اللهُ بني إسرائيلَ مِن عدوِّهم؛ فصامَهُ موسى، قال: «فأنا أحَقُّ بموسى منكم»؛ فصامَهُ، وأمَرَ بصيامِهِ». أخرجه البخاري (2004)، ومسلم (1130).
* سؤال موسى عليه السلام عن أدنى أهلِ الجنَّةِ منزلةً وأعلاهم:
عن المغيرةِ بن شُعْبةَ، عن النبيِّ ﷺ، قال: «سألَ موسى رَبَّهُ: ما أدنى أهلِ الجنَّةِ منزلةً؟ قال: هو رَجُلٌ يَجيءُ بعدما أُدخِلَ أهلُ الجنَّةِ الجنَّةَ، فيقالُ له: ادخُلِ الجنَّةَ، فيقولُ: أيْ رَبِّ، كيف وقد نزَلَ الناسُ مَنازِلَهم، وأخَذوا أخَذَاتِهم؟! فيقالُ له: أتَرضَى أن يكونَ لك مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِن ملوكِ الدنيا؟ فيقولُ: رَضِيتُ رَبِّ، فيقولُ: لك ذلك، ومِثْلُهُ، ومِثْلُهُ، ومِثْلُهُ، ومِثْلُهُ، فقال في الخامسةِ: رَضِيتُ رَبِّ، فيقولُ: هذا لك وعشَرةُ أمثالِهِ، ولك ما اشتَهتْ نفسُك، ولَذَّتْ عينُك، فيقولُ: رَضِيتُ رَبِّ، قال: رَبِّ، فأعلاهم منزلةً؟ قال: أولئك الذين أرَدتُّ؛ غرَسْتُ كرامتَهم بيدي، وختَمْتُ عليها؛ فلَمْ تَرَ عينٌ، ولم تَسمَعْ أُذُنٌ، ولم يخطُرْ على قلبِ بَشَرٍ، قال: ومصداقُهُ في كتابِ اللهِ عز وجل: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ [السجدة: 17]». أخرجه مسلم (189).
* موسى عليه السلام مُمسِكٌ بقائمةٍ من قوائمِ العرش يومَ القيامة:
عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، قال: «استَبَّ رَجُلانِ: رَجُلٌ مِن المسلمين، ورَجُلٌ مِن اليهودِ؛ قال المسلمُ: والذي اصطفى مُحمَّدًا على العالَمِينَ، فقال اليهوديُّ: والذي اصطفى موسى على العالَمِينَ، فرفَعَ المسلمُ يَدَهُ عند ذلك، فلطَمَ وَجْهَ اليهوديِّ، فذهَبَ اليهوديُّ إلى النبيِّ ﷺ، فأخبَرَهُ بما كان مِن أمرِهِ وأمرِ المسلمِ، فدعا النبيُّ ﷺ المسلمَ، فسأله عن ذلك، فأخبَرَهُ، فقال النبيُّ ﷺ: «لا تُخيِّروني على موسى؛ فإنَّ الناسَ يَصعَقون يومَ القيامةِ، فأَصعَقُ معهم، فأكونُ أوَّلَ مَن يُفِيقُ، فإذا موسى باطشٌ جانبَ العرشِ؛ فلا أدري أكان فيمَن صَعِقَ فأفاقَ قبلي أو كان ممَّنِ استثنى اللهُ؟!»». أخرجه البخاري (2411)، ومسلم (2373).
وعن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه، قال: «بينما رسولُ اللهِ ﷺ جالسٌ جاء يهوديٌّ، فقال: يا أبا القاسمِ، ضرَبَ وجهي رَجُلٌ مِن أصحابِك، فقال: «مَن؟»، قال: رَجُلٌ مِن الأنصارِ، قال: «ادعُوهُ»، فقال: «أضرَبْتَهُ؟»، قال: سَمِعْتُهُ بالسُّوقِ يَحلِفُ: والذي اصطفى موسى على البَشَرِ، قلتُ: أيْ خبيثُ، على مُحمَّدٍ ﷺ؟! فأخَذتْني غَضْبةٌ، ضرَبْتُ وَجْهَهُ، فقال النبيُّ ﷺ: «لا تُخيِّروا بين الأنبياءِ؛ فإنَّ الناسَ يَصعَقون يومَ القيامةِ، فأكونُ أوَّلَ مَن تَنشقُّ عنه الأرضُ، فإذا أنا بموسى آخِذٌ بقائمةٍ مِن قوائمِ العرشِ؛ فلا أدري أكان فيمَن صَعِقَ أم حُوسِبَ بصَعْقةِ الأُولى؟!»». أخرجه البخاري (2412)، ومسلم (2374).
* موسى عليه السلام في السماءِ السادسة:
عن مالكِ بن صَعْصعةَ رضي الله عنهما، قال: قال النبيُّ ﷺ: «بَيْنا أنا عند البيتِ بَيْنَ النائمِ واليقظانِ -وذكَرَ: يَعني: رَجُلًا بَيْنَ الرَّجُلَينِ-، فأُتِيتُ بطَسْتٍ مِن ذَهَبٍ، مُلِئَ حِكْمةً وإيمانًا، فشَقَّ مِن النَّحْرِ إلى مَرَاقِّ البطنِ، ثم غُسِلَ البطنُ بماءِ زَمْزمَ، ثم مُلِئَ حِكْمةً وإيمانًا، وأُتِيتُ بدابَّةٍ أبيضَ، دُونَ البَغْلِ وفَوْقَ الحِمارِ: البُرَاقُ، فانطلَقْتُ مع جِبْريلَ... فأتَيْنا على السماءِ السادسةِ، قيل: مَن هذا؟ قيل: جِبْريلُ، قيل: مَن معك؟ قيل: مُحمَّدٌ، قيل: وقد أُرسِلَ إليه؟ مرحبًا به، ولَنِعْمَ المجيءُ جاءَ، فأتَيْتُ على موسى، فسلَّمْتُ عليه، فقال: مرحبًا بك مِن أخٍ ونبيٍّ، فلمَّا جاوَزْتُ بكى، فقيل: ما أبكاك؟ قال: يا رَبِّ، هذا الغلامُ الذي بُعِثَ بعدي يدخُلُ الجنَّةَ مِن أُمَّتِهِ أفضَلُ ممَّا يدخُلُ مِن أُمَّتي! فأتَيْنا السماءَ السابعةَ، قيل: مَن هذا؟ قيل: جِبْريلُ، قيل: مَن معك؟ قيل: مُحمَّدٌ، قيل: وقد أُرسِلَ إليه، مرحبًا به، ولَنِعْمَ المجيءُ جاءَ، فأتَيْتُ على إبراهيمَ، فسلَّمْتُ عليه، فقال: مرحبًا بك مِنِ ابنٍ ونبيٍّ، فرُفِعَ لي البيتُ المعمورُ، فسألتُ جِبْريلَ، فقال: هذا البيتُ المعمورُ، يُصلِّي فيه كلَّ يومٍ سبعون ألفَ مَلَكٍ، إذا خرَجوا لم يعُودُوا إليه آخِرَ ما عليهم، ورُفِعتْ لي سِدْرةُ المنتهى، فإذا نَبِقُها كأنَّه قِلالُ هَجَرَ، ووَرَقُها كأنَّه آذانُ الفُيُولِ، في أصلِها أربعةُ أنهارٍ: نَهْرانِ باطنانِ، ونَهْرانِ ظاهرانِ، فسألتُ جِبْريلَ، فقال: أمَّا الباطنانِ: ففي الجنَّةِ، وأمَّا الظاهرانِ: النِّيلُ والفُرَاتُ، ثم فُرِضتْ عليَّ خمسون صلاةً، فأقبَلْتُ حتى جئتُ موسى، فقال: ما صنَعْتَ؟ قلتُ: فُرِضتْ عليَّ خمسون صلاةً، قال: أنا أعلَمُ بالناسِ منك؛ عالَجْتُ بني إسرائيلَ أشَدَّ المعالَجةِ، وإنَّ أُمَّتَك لا تُطِيقُ؛ فارجِعْ إلى رَبِّك فسَلْهُ، فرجَعْتُ، فسألتُهُ، فجعَلَها أربعين، ثم مِثْلَهُ، ثم ثلاثين، ثم مِثْلَهُ، فجعَلَ عِشْرين، ثم مِثْلَهُ، فجعَلَ عَشْرًا، فأتَيْتُ موسى، فقال مِثْلَه، فجعَلَها خَمْسًا، فأتَيْتُ موسى، فقال: ما صنَعْتَ؟ قلتُ: جعَلَها خَمْسًا، فقال مِثْلَهُ، قلتُ: سلَّمْتُ بخيرٍ، فنُودِيَ: إنِّي قد أمضَيْتُ فريضتي، وخفَّفْتُ عن عبادي، وأَجزِي الحسنةَ عَشْرًا». أخرجه البخاري (3207)، ومسلم (164)، واللفظُ للبخاري.
* استشفاعُ الناس بموسى عليه السلام يومَ القيامة:
عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، قال: «أُتِيَ رسولُ اللهِ ﷺ يومًا بلَحْمٍ، فرُفِعَ إليه الذِّراعُ، وكانت تُعجِبُهُ، فنهَسَ منها نَهْسةً، فقال: «أنا سيِّدُ الناسِ يومَ القيامةِ؛ وهل تَدرون بمَ ذاك؟ يَجمَعُ اللهُ يومَ القيامةِ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ في صعيدٍ واحدٍ، فيُسمِعُهم الداعي، ويُنفِذُهم البَصَرُ، وتدنو الشمسُ؛ فيبلُغُ الناسَ مِن الغَمِّ والكَرْبِ ما لا يُطِيقون، وما لا يَحتمِلون… فيأتون موسى ﷺ، فيقولون: يا موسى، أنت رسولُ اللهِ، فضَّلَك اللهُ برسالاتِهِ وبتكليمِهِ على الناسِ، اشفَعْ لنا إلى رَبِّك؛ ألَا تَرى إلى ما نحن فيه؟ ألَا تَرى ما قد بلَغَنا؟! فيقولُ لهم موسى ﷺ: إنَّ رَبِّي قد غَضِبَ اليومَ غَضَبًا لم يَغضَبْ قبله مِثْلَهُ، ولن يَغضَبَ بعده مِثْلَهُ، وإنِّي قتَلْتُ نَفْسًا لم أُومَرْ بقتلِها؛ نَفْسي نَفْسي، اذهَبوا إلى عيسى ﷺ…». أخرجه البخاري (3340)، ومسلم (194)، واللفظُ لمسلم.
* كثرةُ أمَّةِ موسى عليه السلام يومَ القيامة:
عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: «عُرِضتْ عليَّ الأُمَمُ، فجعَلَ النبيُّ والنبيَّانِ يمُرُّون معهم الرَّهْطُ، والنبيُّ ليس معه أحدٌ، حتى رُفِعَ لي سوادٌ عظيمٌ، قلتُ: ما هذا؟ أُمَّتي هذه؟ قيل: بل هذا موسى وقومُهُ، قيل: انظُرْ إلى الأُفُقِ، فإذا سوادٌ يَملأُ الأُفُقَ، ثم قيل لي: انظُرْ هاهنا وهاهنا في آفاقِ السماءِ، فإذا سوادٌ قد ملأَ الأُفُقَ، قيل: هذه أُمَّتُك، ويدخُلُ الجنَّةَ مِن هؤلاء سبعون ألفًا بغيرِ حسابٍ…». أخرجه البخاري (3410)، ومسلم (220)، واللفظُ للبخاري.
ينظر: "الأحاديث الصحيحة من أخبار وقصص الأنبياء" لإبراهيم العلي (ص 125-165).
وصَفَ النبيُّ ﷺ هيئةَ موسى عليه السلام في غيرِ ما حديثٍ؛ من ذلك:
* عن مُجاهدٍ رحمه الله، قال: «كنَّا عند ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما، فذكَروا الدَّجَّالَ، فقال [قائلٌ]: إنَّه مكتوبٌ بَيْنَ عينَيهِ: كافرٌ، وقال ابنُ عبَّاسٍ: لم أسمَعْهُ قال ذاك، ولكنَّه قال: أمَّا إبراهيمُ فانظُروا إلى صاحبِكم، وأمَّا موسى فرَجُلٌ آدَمُ جَعْدٌ، على جَمَلٍ أحمَرَ، مخطومٍ بخُلْبةٍ، كأنِّي أنظُرُ إليه إذِ انحدَرَ في الوادي يُلبِّي». أخرجه البخاري (5913)، ومسلم (270).
(آدَمُ): أي: أسمَرُ اللَّون. (جَعْدٌ): أي: إنَّ شَعَرَه أجعَدُ قَطَطٌ، وليس سَبْطًا مسترسِلًا. و(مخطوم بخُلْبة): أي: كان الجملُ الذي يَركَبُه موسى أحمَرَ اللون، مربوطًا بحَبْلٍ مِن لِيفٍ يقُودُه به.
* وفي روايةٍ لمسلم: عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: «مرَرْتُ ليلةَ أُسرِيَ بي على موسى بنِ عِمْرانَ عليه السلام: رَجُلٍ آدَمَ، طُوَالٍ، جَعْدٍ، كأنَّه مِن رجالِ شَنُوءةَ، ورأيتُ عيسى ابنَ مَرْيمَ: مربوعَ الخَلْقِ، إلى الحُمْرةِ والبياضِ، سَبْطَ الرأسِ». أخرجه مسلم (267).
(طُوَال): أي: طويل الجسم. و(شَنُوءة): هي قبيلةٌ يَمَنيَّةٌ معروفة، مِن الأزد، فيهم طُولٌ، وضِخام الجُثَّة، وفيهم قِلَّة اللحم.
* عن جابرِ بنِ عبدِ الله رضي الله عنهما، أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: «عُرِضَ عليَّ الأنبياءُ؛ فإذا موسى ضَرْبٌ مِن الرِّجالِ، كأنَّه مِن رجالِ شَنُوءةَ...». أخرجه مسلم (271).
رجُلٌ ضَرْبٌ: أي: رجُلٌ متوسِّط في جسمه؛ فلا هو سمين، ولا هو نحيف، وقيل: هو الخفيفُ اللحمِ، وهي صفةٌ محمودةٌ عند العرب، وتحتمل لفظةُ (ضَرْب) معنى الجَعْدِ؛ أي: قد يكون جَعْدَ الشَّعر، أو أنَّ لَحْمَهُ مجتمِعٌ بعضُه إلى بعض.
* عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، قال: قال النبيُّ ﷺ: «حين أُسرِيَ بي لَقِيتُ موسى عليه السلام، فنَعَتَهُ النبيُّ ﷺ، فإذا رَجُلٌ - حَسِبْتُهُ قال - مضطرِبٌ، رَجِلُ الرأسِ، كأنَّه مِن رجالِ شَنُوءةَ». أخرجه البخاري (3394)، ومسلم (168)، واللفظ لمسلم.
(رَجِل الرأس): صاحبُ شَعَرٍ مُرجَّل.
#فكان موسى عليه السلام مجتمِعَ اللحم، @متوسطها@، فيه طُولٌ، وأجعَدَ الشَّعر، أسمَرَ البَشَرة.#
@وخلاصةُ وصفِه عليه السلام من هذه الأحاديثِ: أنه كان أسمَرَ اللَّون، متوسِّطَ الطُّول، ليس بالسمينِ ولا النحيف، ولا الطويلِ ولا القصير، ويُشبِه في تناسقِ جسمه واعتداله رجالَ شَنُوءةَ اليَمَنيِّين.@
@* عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ مَرَّ بوادي الأزرَقِ، فقال: «أيُّ وادٍ هذا؟»، فقالوا: هذا وادي الأزرَقِ، قال: «كأنِّي أنظُرُ إلى موسى عليه السلام هابطًا مِن الثَّنيَّةِ، وله جُؤَارٌ إلى اللهِ بالتَّلْبيَةِ»». أخرجه مسلم (166). @
ينظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (2 /368-369، 3 /342-344).
اتصَف نبيُّ الله موسى عليه السلام بالعديد من الصفات الحسنة، والأخلاق الفضيلة؛ من ذلك:
* كان عليه السلام نبيًّا موقنًا بموعود الله تعالى، حتى في أشدِّ اللحظات وأصعَبِها؛ فحينما لَحِقَه فرعونُ وجنوده، قال أصحابه: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ [الشعراء: 61]، فرد عليهم قائلًا: ﴿كَلَّآ إِنَّ مَعىَ رَبِّى سَيَهْدِينِ﴾ [الشعراء: 62].
* كان عليه السلام قويًّا في حُجَّتِه ومنطقه في الدعوة.
* كان عليه السلام صابرًا على أذيَّةِ بني إسرائيلَ له:
عن ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا كان يومُ حُنَينٍ، آثَرَ النبيُّ ﷺ أُناسًا في القِسْمةِ، فأعطى الأقرَعَ بنَ حابسٍ مائةً مِن الإبلِ، وأعطى عُيَينةَ مِثْلَ ذلك، وأعطى أُناسًا مِن أشرافِ العَرَبِ، فآثَرَهم يومئذٍ في القِسْمةِ، قال رَجُلٌ: واللهِ، إنَّ هذه القِسْمةَ ما عُدِلَ فيها، وما أُريدَ بها وجهُ اللهِ، فقلتُ: واللهِ، لَأُخبِرَنَّ النبيَّ ﷺ، فأتَيْتُهُ، فأخبَرْتُهُ، فقال: «فمَن يَعدِلُ إذا لم يَعدِلِ اللهُ ورسولُهُ؟! رَحِمَ اللهُ موسى؛ قد أُوذيَ بأكثَرَ مِن هذا فصبَرَ»». أخرجه البخاري (3150)، ومسلم (1062)، واللفظُ للبخاري.
* كان عليه السلام قويًّا أمينًا، يتصف بقوَّةِ القلب وثباتِه، ولا يقتصر على ذلك فقط؛ بل كان يتمتع أيضًا بالقوَّةِ البَدَنية.
* كان عليه السلام وافيًا بالعهودِ بينه وبين الناس.
* كان عليه السلام حَيِيًّا سِتِّيرًا:
عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ موسى كان رَجُلًا حَيِيًّا سِتِّيرًا، لا يُرَى مِن جِلْدِهِ شيءٌ؛ استحياءً منه، فآذاه مَن آذاه مِن بني إسرائيلَ، فقالوا: ما يستتِرُ هذا التستُّرَ إلا مِن عيبٍ بجِلْدِهِ: إمَّا بَرَصٍ، وإمَّا أُدْرةٍ، وإمَّا آفةٍ، وإنَّ اللهَ أراد أن يُبرِّئَهُ ممَّا قالوا لموسى، فخَلَا يومًا وَحْدَهُ، فوضَعَ ثيابَهُ على الحَجَرِ، ثم اغتسَلَ، فلمَّا فرَغَ أقبَلَ إلى ثيابِهِ ليأخذَها، وإنَّ الحَجَرَ عَدَا بثَوْبِه، فأخَذَ موسى عصاه وطلَبَ الحَجَرَ، فجعَلَ يقولُ: ثَوْبي حَجَرُ، ثَوْبي حَجَرُ، حتى انتهى إلى ملإٍ مِن بني إسرائيلَ، فرأَوْهُ عُرْيانًا أحسَنَ ما خلَقَ اللهُ، وأبرَأَهُ ممَّا يقولون، وقامَ الحَجَرُ، فأخَذَ ثَوْبَهُ فلَبِسَهُ، وطَفِقَ بالحَجَرِ ضربًا بعصاه، فواللهِ، إنَّ بالحَجَرِ لَنَدَبًا مِن أثَرِ ضَرْبِهِ: ثلاثًا، أو أربعًا، أو خَمْسًا؛ فذلك قولُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا﴾ [الأحزاب: 69]». أخرجه البخاري (3004)، ومسلم (339)، واللفظُ للبخاري.
* اختَص اللهُ تعالى نبيَّه موسى عليه السلام بأنِ اتخَذه كليمًا، فكلَّمه مباشرة؛ قال تعالى: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا﴾ [النساء: 164].
@موسى عليه السلام هو ابنُ عِمْرانَ؛ بدليلِ قول النبيِّ ﷺ في الحديث الذي رواه ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما، عن رسولِ اللهِ ﷺ، قال: «مرَرْتُ ليلةَ أُسرِيَ بي على موسى بنِ عِمْرانَ عليه السلام: رَجُلٍ آدَمَ، طُوَالٍ، جَعْدٍ، كأنَّه مِن رجالِ شَنُوءةَ، ورأيتُ عيسى ابنَ مَرْيمَ: مربوعَ الخَلْقِ، إلى الحُمْرةِ والبياضِ، سَبْطَ الرأسِ». أخرجه مسلم (267).
وقد كانت أمُّ موسى عليه السلام امرأةً صالحة مؤمنةً تقيَّة، وكذلك أختُه كانت فتاةً صالحة فَطِنةً ذكيَّة، وأخوه هارونُ رجُلٌ صالح فصيح، أفصَحُ من موسى.@
@وقد@ وُلِد موسى عليه السلام في الوقت الذي كان يحكُمُ فيه فِرْعونُ المتكبِّر، المستعلي في الأرض، الذي فرَّقَ شعبَه، وجعَله شِيَعًا، واضطهَد المخالِفين، واستضعَف الإسرائيليِّين؛ فكان بلاءً عظيمًا؛ قال الله تعالى ممتنًّا على بني إسرائيل: ﴿وَإِذْ نَجَّيْنَٰكُم مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوٓءَ اْلْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٞ﴾ [البقرة: 49]؛ كانت هذا أجواءَ الاضطهاد، والاستعباد، والتعذيب الواقع على بني إسرائيلَ.
@إذن@ فقد أراد فرعونُ استعبادَ بني إسرائيل، وأن يُبقِيَهم عبيدًا يخدُمونه وقومَه؛ لكنَّ الله عز وجل أراد أن يمُنَّ على بني إسرائيل، ويُخلِّصهم من بأس فرعونَ وطغيانه، ويُمكِّنهم في الأرض؛ ليكونوا أئمةً في الدِّين، وقادةً إلى الخير؛ ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ [القصص: 4-6].
ولمَّا اقترَب موعدُ ولادة موسى عليه السلام، سيطَر القلقُ على أمِّ موسى؛ لأن فرعونَ كان يأمر بذبحِ ذكور بني إسرائيل ويُبقِي على بناتهم، فلم تكُنْ تعرف جنسه، فلما وضَعتْهُ ورأته ذَكَرًا، أوحى اللهُ إليها أن ترضعه، وأن تُجهِّز له تابوتًا خشبيًّا تضعُه فيه، وأن تقذفَ هذا التابوتَ في اليَمِّ، وهو البحر أو النهر، ولا تُفكِّر فيه بعد ذلك، ولا تخاف ولا تحزن؛ فإن اللهَ يتولى أمره، وسينجيه، ويأخذُه اليمُّ بعيدًا ويُلقِيه بالساحل، ساحلِ قصرِ فرعونَ، عدوِّه اللدود، ثم طَمْأنها اللهُ عز وجل بأن فرعونَ لن يقتله، وأخبرها أنه سيعيد ابنَها إليها؛ بل سيحفظه حتى يَكبَرَ ويجعلُه رسولًا؛ ﴿إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ * أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي﴾ [طه: 38- 39]، ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص: 7].
وفعَلتْ أمُّ موسى ما أمرها اللهُ عز وجل به، وتوكلت عليه سبحانه، وحتى تطمئنَّ على مصير ابنها كلَّفتْ أختَه أن تراقب سَيْرَه وتتابعه، وكانت لبيبةً حكيمة، فأخذت تراقبه خُفْيةً دون أن تَلفِتَ أنظارَ المراقِبين من آل فرعون؛ ﴿وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ ۖ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [القصص: 11].
وبعد أن أخَذ اليمُّ التابوت ومشى به، سيطرت الهواجسُ والخواطر على قلبِ أمِّ موسى، حتى كادت أن تُبدِيَ أمرها وتُظهِره، لولا أن ملأ اللهُ قلبها سكينة وهدوءًا، ويقينًا وإيمانًا؛ ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ۖ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [القصص: 10].
وتوقَّف تابوتُ موسى أمام قصرِ فرعون، فشاهَده بعضُ آل فرعون، وحمَلوه إلى القصر، فلما رأت امرأةُ فرعون التابوتَ أمرت بفتحه، وفوجئت بالوليد، وأُعجِبتْ به، وقذَف اللهُ حُبَّه في قلبها، ورَغِبتْ أن تتخذه ولدًا، وقالت: ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ [القصص: 9]؛ فاستجاب فرعونُ لطلب امرأته، فاحتفَظ لها بالولد، وأبقاه عندها في القصر؛ وهذا من تقدير الله سبحانه، الذي يسَّر الأمور وَفْقَ إرادته وحِكْمته ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [القصص: 9].
وكانت أختُه تتابع الأمور عن بُعْدٍ، وما إن عَلِمتِ النساءُ أن الوليد بحاجة إلى رَضاعٍ حتى سارعت المَرَاضعُ، وتطوَّعْنَ لإرضاعه، وكان الرضيعُ يرفض جميعَ المرضعات، ولم يَقبَل بأيِّ مرضعة منهن؛ ﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ﴾ [القصص: 12]، فأشارت عليهم أختُ موسى بأنها تعرف مرضعةً سيَقبَل الرضيعُ ثَدْيَها، وأنهم سيكونون ناصحين له، حريصين عليه؛ قالت: ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ﴾ [القصص: 12]، ﴿فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ﴾ [طه: 40].
وهكذا أحضروا الرضيعَ إلى أمِّ موسى وهم لا يعرفون أنه ابنُها، وعيَّنوها مرضعةً له؛ وَفْقَ حكمةِ الله وتقديره وتدبيره؛ فزاد يقينُ المرأة وإيمانها بربِّها، وتسليمُها لأمره؛ ﴿إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ ۖ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ﴾ [طه: 40]، ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [القصص: 13].
وأنهى موسى رَضاعَه من أمِّه، وأعيدَ إلى فرعون في قصره، يقضي فُتوَّتَه وشبابه، ولا نعرف تفاصيلَ حياته في هذه المدة، وقد تولَّى اللهُ رعايته في القصر؛ فلم يُفسِدْهُ ظلمُ فرعونَ ولا طغيانُه؛ بل بقيَ في حصانةٍ ومناعة بحفظِ الله له ورعايته؛ ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي﴾ [طه: 39]، ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾ [طه: 41].
وامتد العمرُ بموسى عليه السلام حتى بلَغَ أشُدَّه واستوى؛ فعند ذلك آتاه اللهُ العلمَ والحكمة؛ ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ [القصص: 14].
ينظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (2 /279-310)، "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 329-335)، "قصص القرآن الكريم" فضل عباس (ص 448-490).
دخَل موسى عليه السلام المدينةَ مَقَرَّ فرعونَ وعاصمةَ مصر في وقتٍ لم يكُنْ أحدٌ في شوارعها؛ إذ الناسُ في البيوت، وشوارعُ المدينة مهجورة؛ ﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا﴾ [القصص: 15].
وبعدما سارَ مسافةً، رأى رجُلَينِ يقتتلان ﴿فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ﴾ [القصص: 15]، فنظَر فيهما، فإذا أحدُهما إسرائيليٌّ من شيعةِ موسى؛ أي: من قومه، والآخَر قبطيٌّ فرعونيٌّ مِن عدوه؛ ﴿هَٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ﴾ [القصص: 15].
فاستنصَر به الإسرائيليُّ ليساعده على القِبْطيِّ ﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ﴾ [القصص: 15]، فتوجَّه موسى إليهما، ودون أن يَسمَعَ منهما أو يسألهما أو يُكلِّمَهما ضرَب القِبْطيَّ المعتدِيَ بمَجمَع يده، وكانت ضربةُ موسى قاتلةً ﴿فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ﴾ [القصص: 15]، ولم يَقصِدْ موسى قتلَ القِبْطيِّ، ولم يَتعمَّدْ ذلك؛ كلُّ ما أراده هو أن يوقف عدوانَه على المظلوم، لكنها إرادةُ الله وحِكْمته، وبعد قتلِه شعَر بأنه تسرَّع في فعلِه، وفعَل ما لا يناسب، أو خالَف الأَولى، فشعَر بالندم، فقال: ﴿هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ * قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ﴾ [القصص: 15-17].
ولم يكُنْ موسى عليه السلام في هذا الوقت نبيًّا، ولكنه في حفظِ الله ورعايته.
ولمَّا أصبَح موسى، ذهب إلى وسطِ المدينة وشوارعها، وكان في حالةِ خوفٍ شديد، وكان حَذِرًا يَتلفَّت يَمْنةً ويَسْرة، يخشى أن يعرفه أحدٌ؛ ﴿فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾ [القصص: 18]، وبينما هو كذلك إذا به يشاهِدُ الإسرائيليَّ الذي نصَره بالأمسِ في عراكٍ مع قِبْطي آخَرَ، فلما رآه الإسرئيليُّ سُرَّ بذلك، واستنجَد به مرة أخرى ﴿فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ﴾ [القصص: 18]، وهذه المرةَ لم يطمئنَّ موسى للإسرائيلي، و﴿قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ﴾ [القصص: 18]؛ أي: حريصٌ على الغَواية، صاحبُ مشكلات، لا تكاد تنتهي من واحدة حتى تبدأ بأخرى، ومع ذلك أراد أن ينصُرَه من آلِ فرعون الظالم، فلما توجَّه إلى القِبْطيِّ ليضربه، ظن الإسرائيليُّ أنه قادم إليه؛ لأنه قال له ﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ﴾، وهو يعرف قوةَ موسى من حادثة الأمس، فقال لموسى من خوفه على نفسه: ﴿أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ۖ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ﴾ [القصص: 19]، وهكذا أذاع هذا الإسرائيليُّ السرَّ، وسمع به القِبْطيُّ، فأخبَر بذلك آلَ فرعون، وفوجئ القوم بالخبر، حتى أخبروا فرعون، فجمع الملأَ من قومه ليتدارسوا القضية، ويفكروا في كيفيةِ قتله.
ولم يكن موسى يعرف أن السرَّ قد انكشَف، لكنه كان يسير في المدنة خائفًا يَترقَّب.
وبينما هو كذلك، جاءه رجلٌ يسعى سعيًا حثيثًا؛ ليُحذِّره من الخطر القادم، وأن جنودَ فرعون خلفه، ولا بد أن يُسرِعَ بالخروج من المدينة؛ فخرَج موسى من المدينة سريعًا يترقب ﴿وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ * فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾ [القصص: 20-21]، ودعا اللهَ ممتلئًا يقينًا به وتوكُّلًا عليه: ﴿قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص: 21]، وأنجى اللهُ موسى من القوم الظالمين فلم يدركوه، وتوجَّه موسى إلى مَدْيَنَ.
ينظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (2 /311- 324)، "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 335- 338)، "قصص القرآن الكريم" فضل عباس (ص 491-495).
لمَّا أنجى اللهُ موسى عليه السلام من القوم الظالمين، توجَّه إلى (مَدْيَنَ)، وسأل اللهَ عز وجل أن يَهدِيَه سواءَ السبيل؛ ﴿وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّيٓ أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ اْلسَّبِيلِ﴾ [القصص: 22].
@و(مَدْيَنُ): منطقةٌ تقع شرقَ (مِصْرَ)، وهي تُطلَق على الأرضِ الواقعة شمالَ وشرق (خليجِ العقبة)@.
ولمَّا وصَل موسى عليه السلام أرضَ (مَدْيَنَ)، قصَد عينًا للماء، يريد أن يشرب منها، ووجد عند الماء جماعةً من الرعاة يسقون أغنامهم ومواشيهم؛ ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ﴾ [القصص: 23]، ونظَر فوجد منظرًا عجيبًا ﴿وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ﴾ [القصص: 23]؛ بينما الرعاةُ الرجال منهمِكون في سقيِ مواشيهم هناك امرأتان بعيدتان، معهما مواشيهما، حريصتان على ألا تقتربا من العين في أثناء تجمُّع الرحال، وتُبعِدان مواشيَهما كلما أرادت الماشية أن تقترب، فلفَتَ موسى عليه السلام حرصُهما، وتحمُّلُهما المشقةَ من أجل ذلك، وتوجَّه نحوَهما وسألهما: ﴿مَا خَطْبُكُمَا﴾ [القصص: 23]؛ أي: ما شأنُكما؟ لماذا تبتعدانِ ولا تَرعيانِ أغنامكما؟ قالت المرأتان: ﴿لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ﴾ [القصص: 23]، فأجابت المرأتان عن سببِ ابتعادهما عن الماشية، ثم عن سببِ قيامهما بهذه المهمة الشاقَّة في رعيِ الغنم، فلما سَمِعَ موسى عليه السلام مسوِّغَهما وصدَّقهما، سقى لهما أغنامَهما، ثم ذهب إلى ظلِّ شجرة قريبة، وسأل اللهَ من فضله؛ ﴿فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص: 24].
وساقَ اللهُ عز وجل إليه الفضلَ والخير الذي يرجوه، فتكلمت الفتاتان مع أبيهما الرجلِ الصالح، وأخبرتاه بخبرِ ذلك الرجل الشَّهم الغريب الذي خدَمهما دون مقابل، ودون أن يَعرِفَهما أو أهلهما، وأحَبَّ الرجلُ العجوز أن يجزيَ الإحسانَ بالإحسان، وأن يكافئَ الرجلَ الغريب خيرًا؛ فطلَب من ابنته أن تذهب إليه لتدعوَه إلى أبيها، وهي فتاةٌ مؤمنة صالحة، تقوم بذلك ضرورةً لكِبَرِ سِنِّ أبيها؛ ﴿فَجَآءَتْهُ إِحْدَىٰهُمَا تَمْشِي عَلَى اْسْتِحْيَآءٖ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَاۚ﴾ [القصص: 25]، وصَلَا البيت، واستقبَل الرجلُ العجوز موسى الشهمَ القويَّ، وأَنِسَ موسى وارتاح إليه، وعرَّفه نفسَه وقِصَّتَه، فطمأنه الرجل وبشَّره بالنجاة؛ ﴿فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص: 25].
وأُعجِبت ابنةُ الرجل الصالح بأخلاق موسى وقُوَّتِه وأمانته، ورَغِبتْ في أن يعمل عندهم، وقالت: ﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص: 26]، فلما اطمأنَّ الرجل الصالح إلى موسى، عرَض عليه أن يعمل عنده أجيرًا في رعيِ الغنم مقابل أن يُزوِّجَه إحدى ابنتيه؛ ﴿قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ ۖ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ۚ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [القصص: 27]، فقَبِلَ موسى عليه السلام العرضَ، وتم الاتفاقُ بينهما؛ ﴿قَالَ ذَٰلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ۖ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ ۖ وَاللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾ [القصص: 28].
وهكذا أتم موسى ما قدَّره اللهُ له في هذه المرحلة في ظلالِ رعاية الله وحفظه.
عن سعيدِ بن جُبَيرٍ رحمه الله، قال: «سأَلَني يهوديٌّ مِن أهلِ الحِيرةِ: أيَّ الأجَلَينِ قضى موسى؟ قلتُ: لا أدري، حتى أقدَمَ على حَبْرِ العَرَبِ فأسأَلَهُ، فقَدِمْتُ، فسألتُ ابنَ عباسٍ، فقال: قضى أكثَرَهما وأطيَبَهما؛ إنَّ رسولَ اللهِ ﷺ إذا قالَ، فعَلَ». أخرجه البخاري (187).
وجماعُ هذه الآيات قولُ الله تعالى: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ * فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ * قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ ۖ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ۚ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ ذَٰلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ۖ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ ۖ وَاللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾ [القصص: 23-28].
ينظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (2 /324-346)، "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 338-345)، "قصص القرآن الكريم" فضل عباس (ص 495-498).
بعد قتلِ فرعونَ السَّحَرةَ المؤمنين اشتَدَّ تعذيبُ فرعون لأتباع موسى عليه السلام، وطغى وتجبَّرَ حتى أراد قتلَ موسى عليه السلام نفسِه، فوقَف له رجلٌ مؤمن من آلِه، وتصدَّى له، وانتصَر لموسى ودافَع عنه؛ قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ ۖ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ * يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِن جَاءَنَا ۚ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ * وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ ۚ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ * وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ۗ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ * الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ۖ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴾ [غافر: 28-35].
وعندما رأى فرعونُ معارضةَ رجالٍ من آله له، قام بحركةٍ @مسرحية@ خبيثة؛ فطلب من وزيرِه هامانَ أن يبنيَ له صرحًا ليبحثَ عن إله موسى في السماء؛ يريد بذلك أن يطغى على حُجَجِ الرجلِ المؤمن المنطقية؛ قال تعالى: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا ۚ وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ ۚ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ﴾ [غافر: 36-37].
فلما رأى الرجلُ المؤمن أن فرعونَ هُزِم أمام حُجَجِه العقلية المنطقية، رأى أن الوقتَ حانَ للجهر بإيمانه، ودعوةِ قومه إلى اتباعِه بصراحة دون تلميح؛ قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ * يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا ۖ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ * وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ * لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ * فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ [غافر: 38-44].
وقد دافَع أبو بكرٍ عن رسول الله ﷺ في مكَّةَ كما دافع مؤمنُ آل فرعون عن موسى عليه السلام؛ عن عُرْوةَ بن الزُّبَيرِ رحمه الله، قال: «سألتُ عبدَ اللهِ بنَ عمرٍو عن أشَدِّ ما صنَعَ المشركون برسولِ اللهِ ﷺ، قال: رأيتُ عُقْبةَ بنَ أبي مُعَيطٍ جاءَ إلى النبيِّ ﷺ وهو يُصلِّي، فوضَعَ رداءَهُ في عُنُقِهِ، فخنَقَهُ به خَنْقًا شديدًا، فجاءَ أبو بكرٍ حتى دفَعَهُ عنه، فقال: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اْللَّهُ وَقَدْ جَآءَكُم بِاْلْبَيِّنَٰتِ مِن رَّبِّكُمْۖ﴾ [غافر: 28]». أخرجه البخاري (3678).
ينظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (2 /480-511)، "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 367-372).
لمَّا رأى الملأُ من قوم موسى الظالمين المفسدين أن دعوةَ موسى عليه السلام تنتشر، وأمرَه يشتدُّ؛ هيَّجوا فرعونَ ضد موسى عليه السلام وأتباعه، وحرَّضوه عليهم؛ ﴿وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ﴾ [الأعراف: 127].
وكان موسى عليه السلام يوصي أتباعَه بالصبر والثبات؛ ﴿قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ۖ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الأعراف: 128].
ولم يؤمِنْ بموسى عليه السلام إلا عددٌ قليل من الناس من الفتيان والشبان؛ ﴿فَمَا آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ ۚ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ﴾ [يونس: 83]، وأما الآخَرون فأصبحوا يلُومونه ويَتعذَّرون له؛ ﴿قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: 129].
ثم عرَض موسى عليه السلام الموادَعةَ مع فرعون، وطلَب منه أن يترُكَ له بني إسرائيلَ يدعوهم إلى الله، وألا يَستكبِرَ ولا يعلوَ، لكنه لم يستجِبْ لطلبِه؛ ﴿أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ ۖ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * وَأَن لَّا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ ۖ إِنِّي آتِيكُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ * وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ﴾ [الدخان: 18-21].
وأمام ازديادِ بطشِ وتعذيب فرعونَ ومَلَئِه للمؤمنين بموسى، أخَذ اللهُ آلَ فرعون بالسِّنين ونقصِ الثمرات آيةً لهم؛ لعلَّهم يرجعون عن غَيِّهم وطغيانهم، ويَعلَمون أن دعوةَ موسى حقٌّ، لكنهم لم يفعلوا؛ ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ [الأعراف: 130]، وأصبَحوا يتطيرون بموسى ومَن معه، ويرَونهم سبب ما حلَّ بهم من المصائب والنَّكبات؛ ﴿فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَٰذِهِ ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ ۗ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: 131].
وازداد طغيانُ فرعون في الأرض واستكباره وعلوُّه، واستخَف قومه، فلما أعلَمَ اللهُ موسى عليه السلام أنهم لن يؤمنوا، وأنهم اختاروا الكفرَ وأصَرُّوا عليه أمام كلِّ أنواع الدعوة والحُجَجِ والبراهين؛ عند ذلك دعا موسى عليه السلام عليهم؛ ﴿وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يونس: 88-89]. انظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (3 /5-41).
واستمَرَّ موسى عليه السلام في دعوةِ قومه حتى جاء الإذنُ من الله عز وجل أن يغادرَ من مِصْرَ إلى بلاد الشام، وأن يخرُجَ بقومه ليلًا دون علمِ المِصريِّين؛ ﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَىٰ﴾ [طه: 77]، ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ﴾ [الشعراء: 52]، فلما عَلِمَ فرعونُ بخروجهم، حشَد جنودَه من مختلِفِ المدائنِ ولَحِقَهم؛ ﴿فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ﴾ [الشعراء: 53- 56].
ولما أشرَقتْ شمسُ الصبح، اقترَب فرعونُ وجنوده من المؤمنين؛ ﴿فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ﴾ [الشعراء: 60]، ونظَر بنو إسرائيلَ خلفهم، فرأوا فرعونَ وجنوده العظيمة مقبلين، فسيطَر الخوفُ عليهم ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ [الشعراء: 61]، فطمأنهم موسى عليه السلام ﴿قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الشعراء: 62]؛ فأظهَرَ اللهُ آياتِه العجيبةَ في إنجاء المومنين؛ فأمَر سبحانه نبيَّه موسى عليه السلام أن يضربَ بعصاه البحرَ؛ لينفلقَ البحرُ وتتكون طرقٌ يابسة ممهَّدة، يسلُكُها بنو إسرائيل، ويعبُرونها إلى الأرض المقدسة.
ونفَّذ موسى عليه السلام أمرَ اللهِ؛ فانفلَق البحرُ، وسار موسى ومَن معه في الطريق اليابس آمنين مطمئنين، وعبَروا، فلما رأى فرعونُ نجاتَهم وعبورهم، أتبَعَهم بجنوده حتى دخلوا البحر، وهم يرون الطريقَ اليابس فيه، فأوقَع اللهُ بهم عذابه، وألقاهم في البحر، وأغرَقهم في مياهه جميعًا، وجعَلهم عبرةً لمن يعتبر؛ ﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَىٰ * فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ * وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَىٰ﴾ [طه: 77-79]، ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ﴾ [الشعراء: 63-66].
وفي هذه اللحظةِ الأخيرة أعلَن فرعونُ إيمانَه، وهو إيمانُ المضطرِّ الذي لا يُقبَل إيمانُه؛ فأنكَر اللهُ عليه ذلك، وذكَّره بطول إمهاله له وإفساده الكبير، ونجَّى اللهُ جثَّتَه لتكون آيةً لمن خلفه؛ ﴿حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ﴾ [يونس: 90- 92]. انظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (3 /72- 115)، "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 375-376).
ورَد ذكرُ (قارونَ) في القرآن الكريم أربعَ مرات:
الأولى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ﴾ [غافر: 23-24].
الثانية: ﴿وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُم مُّوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ * فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ العنكبوت: [39-40].
الثالثة: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ﴾ [القصص: 76].
الرابعة: ﴿فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِۦ فِي زِينَتِهِۦۖ قَالَ اْلَّذِينَ يُرِيدُونَ اْلْحَيَوٰةَ اْلدُّنْيَا يَٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَٰرُونُ إِنَّهُۥ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٖ﴾ [القصص: 79].
وتُخبِرنا هذه الآياتُ الكريمات ببعضِ ملامحِ شخصية (قارونَ) وحياته إلى أن انتهى به الأمرُ بالخسف - عياذًا بالله -:
* كان (قارونُ) إسرائيليًّا، ولم يكن قِبْطيًّا: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ﴾ [القصص: 76].
* كان (قارونُ) أحدَ الطُّغاة الثلاثة الذين أُرسِلَ إليهم موسى عليه السلام: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ﴾ [غافر: 23-24]، ﴿وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُم مُّوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ * فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ العنكبوت: [39-40].
* كان (قارونُ) يُمثِّل القوةَ المادية الاقتصادية لفرعونَ.
* كان (قارونُ) فتنةً طاغيةً؛ بسبب ما آتاه اللهُ من الكنوزِ والخزائن الكثيرة التي تُتعِب مَن يَحمِلها من الرجال الأقوياء، وتُثقِل كاهلَهم، وبسبب استخدامِها في الصدِّ عن سبيل الله، فنصَحه المؤمنون من أتباع موسى عليه السلام، وذكَّروه بأن النِّعَمَ تدوم بالشكر والعرفان، وليس بالغرورِ والتباهي والإفساد، لكنه رفَض دعوتهم، واستكبَر واستعلى، وعلى الطرف الآخَر كان هناك عُصْبةٌ من ضعافِ الإيمان المغرورين بقُوَّتِهِ وماله، يَتمنَّوْنَ حظًّا مثلَ حظِّه، ولكن ما لَبِثَ أن انتهى إمهالُ الله لقارونَ؛ فأهلَكه اللهُ، وخسَف به وبماله وبداره الأرضَ، وجعله عبرةً للمفتونين من الناس: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ * فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ۖ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ۖ وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [القصص: 76-83].
عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، عن النبيِّ ﷺ، قال: «بينما رَجُلٌ يمشي قد أعجَبتْهُ جُمَّتُهُ وبُرْداه، إذ خُسِفَ به الأرضُ؛ فهو يَتجلجلُ في الأرضِ حتى تقُومَ الساعةُ». أخرجه مسلم (2088).
ينظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (3 /42-71)، "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 397-399).
سارَ موسى عليه السلام مع بني إسرائيلَ إلى سيناءَ تمهيدًا لتوجُّههم إلى الأرض المقدَّسة، وبينما هم يَتنقَّلون مع موسى، أتَوْا على قومٍ من المشركين، ووجَدوهم عاكفين على أصنامٍ لهم يعبُدونها من دون الله، فتأثَّروا بهم، وأُعجِبوا بأصنامهم، وطلبوا من نبيِّهم طلبًا غريبًا وَقِحًا؛ أن يَجعَلَ لهم أصنامًا مثلَ تلك الأصنام، فتعجَّبَ نبيُّ الله من طلبِهم ومن جهلِهم، وأنكَر عليهم ذلك، وذكَّرهم بفضلِ الله وإنعامه عليهم، قال تعالى: ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ ۚ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * إِنَّ هَٰؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ * قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَٰهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۖ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾ [الأعراف: 138-141].
وقد وقَع مثلُ هذه الحادثةِ في زمن رسول الله ﷺ أيضًا؛ فعن أبي واقدٍ اللَّيْثيِّ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ لمَّا خرَجَ إلى حُنَينٍ، مَرَّ بشجرةٍ للمشركين يقالُ لها: ذاتُ أنواطٍ، يُعلِّقون عليها أسلحتَهم، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، اجعَلْ لنا ذاتَ أنواطٍ كما لهم ذاتُ أنواطٍ؛ فقال النبيُّ ﷺ: «سُبْحانَ اللهِ! هذا كما قال قومُ موسى: ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً﴾ [الأعراف: 138]، والذي نفسي بيدِهِ، لَتَركَبُنَّ سُنَّةَ مَن كان قبلكم». أخرجه الترمذي (2180)، والنسائي في "الكبرى" (11121)، وأحمد (21900).
ينظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (3 /119-125)، "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 359-381).
أمَر اللهُ عز وجل نبيَّه موسى عليه السلام أن ينتخِبَ سَبْعِينَ رجُلًا من خيارِ قومه وصالحِيهم، ويأتيَ بهم إلى جبلِ (الطُّور)؛ لِينُوبُوا عن باقي قومهم في صدقِ التوبة، والندمِ على عبادة العِجل، والمعاهدة على الاستقامة؛ ﴿وَاخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِّمِيقَاتِنَا﴾ [الأعراف: 155]، لكنهم رفَضوا ذلك وتخلَّفوا، وكانوا أصلَحَ القوم وأفضلهم وأعلمهم، وإذا كان هذا حالَهم وهم خيار بني إسرائيلَ، فكيف ببقيَّتِهم؟! فعند ذلك أجرى اللهُ أمامهم آيةً عظيمة؛ حيث رفَع فوقهم جبلَ (الطُّور)، ونظَروا إليه خائفين مندهشين مرعوبين، وظنُّوا أنه سيقع عليهم ويدمرهم، فقال لهم موسى: إما أن تبايعوا، وإما أن يُسقِطَ اللهُ الجبلَ عليكم، فعند ذلك بايَعوا وعاهَدوا، وأحدَثَ رفعُ الجبلِ وَجْفةً وزلزلة نتَج عنها صاعقةٌ وصوت شديد، لم يتمالك السبعون أنفسَهم مِن هولِ الموقف، وسقَطوا مغشيًّا عليهم، فلما رآهم موسى عليه السلام، تضرَّعَ إلى اللهِ وظَنَّهم أمواتًا، ودعاه وسبَّحه، وطلب منه أن يَغفِرَ له ولقومه ويرحمَهم؛ ﴿فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ ۖ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا ۖ إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاءُ وَتَهْدِي مَن تَشَاءُ ۖ أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۖ وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ * وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ۚ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ۖ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: 155-157].
واستجاب اللهُ لموسى عليه السلام، وأفاقَ السبعون رجلًا، وشاهَدوا جبلَ (الطُّور) فوقهم مرفوعًا، وهكذا أعطى السبعون رجلًا العهدَ والميثاق، وأعلَنوا الندمَ والتوبة بالتخويف والتهديد؛ ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ ۖ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [البقرة: 63-64].
ينظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (3 /197-210).
طلَب بنو إسرائيلَ من موسى عليه السلام أن يَرَوُا اللهَ جهرةً، وعلَّقوا إيمانَهم بموسى واستسلامَهم له برؤيتِهم لله عِيانًا؛ ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [البقرة: 55].
ويدل طلبُهم هذا على جلافتِهم ووقاحتِهم وغِلَظِ قلوبهم، وسُوءِ أدبهم مع موسى عليه السلام، كما يدل أيضًا على جهلِهم بالله، وعدم تقديرهم له سبحانه حقَّ قدرِه، وقد عاقبهم اللهُ فورًا على طلبِهم العجيب هذا؛ قال تعالى: ﴿فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ﴾ [البقرة: 55]، وقد بيَّن اللهُ عز وجل عِظَمِ مسألتهم هذه في آيةٍ أخرى؛ قال: ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاءِ ۚ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذَٰلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ﴾ [النساء: 153]، ثم بعَثهم اللهُ بعد موتهم من الصاعقة؛ ليكونَ آيةً وعبرة لهم؛ قال تعالى: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: 56].
ينظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (3 /210-218).
لمَّا كان بنو إسرائيل يَتنقَّلون في صحراءِ سيناءَ، وكانت حارَّةً مُحرِقة ليس فيها أشجارٌ تَقِيهم الحَرَّ: أنعَم اللهُ عليهم بالغَمام يُظلِّلهم، وتكفَّل بطعامِهم، ويسَّر لهم تناوُلَه دون كَدٍّ أو سعيٍ أو مشقة؛ فأنزَلَ عليهم (المَنَّ)؛ وهو: الطعامُ أو الشراب الذي في متناوَلهم، و(السَّلْوى)؛ وهو: طائرٌ يُشبِه السُّمَانَى كانوا يأكلون منه، وكان هذا إنعامًا خاصًّا من الله عليهم، لكنهم عصَوْا أمرَ الله، وقابَلوا إحسانه بالإساءة؛ ﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ اْلْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ اْلْمَنَّ وَاْلسَّلْوَىٰۖ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقْنَٰكُمْۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [البقرة: 57]، ﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ اْلْغَمَٰمَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ اْلْمَنَّ وَاْلسَّلْوَىٰۖ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقْنَٰكُمْۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [الأعراف: 160].
ثم أخبَر اللهُ عن نعمةِ الماء الذي فجَّر لهم عيونَه في الصحراء؛ فقد استسقى بنو إسرائيلَ موسى عليه السلام لمَّا أصابهم العطش، وطلبوا منه أن يَتضرَّعَ إلى الله ليسقيَهم؛ فأمَر اللهُ موسى عليه السلام أن يضربَ الحَجَرَ بعصاه؛ فانشَق الحجرُ، وانفجرت منه اثنتا عَشْرةَ عينًا، على عددِ أسباط بني إسرائيلَ، لكلِّ سِبْطٍ عينٌ خاصة؛ ﴿وَإِذِ اْسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِۦ فَقُلْنَا اْضْرِب بِّعَصَاكَ اْلْحَجَرَۖ فَاْنفَجَرَتْ مِنْهُ اْثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنٗاۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٖ مَّشْرَبَهُمْۖ كُلُواْ وَاْشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اْللَّهِ وَلَا تَعْثَوْاْ فِي اْلْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [البقرة: 60]، ﴿وَقَطَّعْنَٰهُمُ اْثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمٗاۚ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ إِذِ اْسْتَسْقَىٰهُ قَوْمُهُۥٓ أَنِ اْضْرِب بِّعَصَاكَ اْلْحَجَرَۖ فَاْنۢبَجَسَتْ مِنْهُ اْثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنٗاۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٖ مَّشْرَبَهُمْۚ﴾ [الأعراف: 160].
ولم يَقبَلْ بنو إسرائيلَ الاستمرارَ في أكلِ المَنِّ والسَّلوى، وطالَبوا بتغيير ذلك الطعامِ، والإتيانِ بأصناف الطعام المختلِفة؛ من البُقُول والخَضْروات، فذَمَّهم موسى عليه السلام على سُوءِ اختيارهم، وأنكَرَ عليهم هذا التدنِّيَ والهبوطَ في طلب الطعام، وقال لهم: اهبِطوا ما شئتم من الأمصار تجدوا فيه ما سألتم، ثم كان جزاءُ عصيانِهم وجحودهم وإنكارهم أن ضُرِبت عليهم الذِّلَّةُ والمسكنة أين ما كانوا؛ ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَٰمُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٖ وَٰحِدٖ فَاْدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنۢبِتُ اْلْأَرْضُ مِنۢ بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَاۖ قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ اْلَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِاْلَّذِي هُوَ خَيْرٌۚ اْهْبِطُواْ مِصْرٗا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْۗ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ اْلذِّلَّةُ وَاْلْمَسْكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ اْللَّهِۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ اْللَّهِ وَيَقْتُلُونَ اْلنَّبِيِّـۧنَ بِغَيْرِ اْلْحَقِّۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ﴾ [البقرة: 61].
ينظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (3 /218-242)، "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 395-396).
وقَعتْ حادثةُ قتلٍ في بني إسرائيلَ، ولم يُعرَفِ القاتلُ؛ فجاء أهلُ القتيل إلى موسى عليه السلام لمعرفة القاتل، فبلَّغهم موسى عليه السلام أمرَ اللهِ تعالى، وأمَرهم أن يذبحوا بقرةً، أيَّ بقرةٍ من البقر، فتعجَّبوا من كلامه، وظنُّوا أنه يَسخَرُ منهم، فاعتبَر موسى عليه السلام الهُزْءَ والسُّخْريَّة من الآخرين جهلًا، ونزَّهَ نفسَه عن ذلك؛ ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِۦٓ إِنَّ اْللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُواْ بَقَرَةٗۖ قَالُوٓاْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوٗاۖ قَالَ أَعُوذُ بِاْللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ اْلْجَٰهِلِينَ﴾ [البقرة: 67].
فبدَؤوا يسألون عن صفاتِ البقرة، فأخبَرهم موسى عليه السلام أنها بقرةٌ وَسَطٌ في العمر، وأنَّ لونها أصفر، وأنها ليست ذَلُولًا تُستخدم في الحراثة والسَّقي، وأنها سالمةٌ من العيوب والنقائص، ضيَّقوا على أنفسهم فضيَّقَ اللهُ عليهم؛ ﴿قَالُواْ اْدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَۚ قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ لَّا فَارِضٞ وَلَا بِكْرٌ عَوَانُۢ بَيْنَ ذَٰلِكَۖ فَاْفْعَلُواْ مَا تُؤْمَرُونَ * قَالُواْ اْدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَاۚ قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ صَفْرَآءُ فَاقِعٞ لَّوْنُهَا تَسُرُّ اْلنَّٰظِرِينَ * قَالُواْ اْدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ اْلْبَقَرَ تَشَٰبَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ اْللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ لَّا ذَلُولٞ تُثِيرُ اْلْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي اْلْحَرْثَ مُسَلَّمَةٞ لَّا شِيَةَ فِيهَاۚ﴾ [البقرة: 68-71].
وأخيرًا وجَدوا البقرة، وذبَحوها، ونفَّذوا أمرَ الله تعالى؛ ﴿قَالُواْ اْلْـَٰٔنَ جِئْتَ بِاْلْحَقِّۚ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ﴾ [البقرة: 71].
فلما ذبَحوا البقرةَ، أمَرهم موسى عليه السلام أن يأخذوا بعضَها وجزءًا من أجزائها، وأن يضربوا به القتيلَ، فلما ضرَبوه ببعضِها، أحياه اللهُ سبحانه، فنطَق وتكلَّم، ثم مات، ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسٗا فَاْدَّٰرَٰٔتُمْ فِيهَاۖ وَاْللَّهُ مُخْرِجٞ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اْضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَاۚ كَذَٰلِكَ يُحْيِ اْللَّهُ اْلْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 72-73].
ولم تَرِقَّ قلوبُهم ولم تُذعِنْ صدورُهم لِما حصَل أمامهم من المعجزة الباهرة، وإنما ازدادوا قسوةً، حتى صارت قلوبُهم كالحجارة، بل أشَدَّ قسوةً؛ ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَاْلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةٗۚ وَإِنَّ مِنَ اْلْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ اْلْأَنْهَٰرُۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ اْلْمَآءُۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اْللَّهِۗ وَمَا اْللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: 74].
ينظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (3 /242-266)، "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 388-391).
وقَف موسى عليه السلام ذاتَ يوم خطيبًا في بني إسرائيلَ، يُعلِّمهم ما أمرهم اللهُ به، ويُذكِّرهم بأيام الله، فأُعجِبَ بنو إسرائيل بعلمِه، وسأله أحدهم عن أعلَمِ أهلِ الأرض، فأجاب موسى عليه السلام بأنه هو أعلَمُ مَن في الأرض، وكان موسى عليه السلام على صواب في جوابه؛ فهو الرسولُ النبيُّ كليم الله، وهارون عليه السلام نبي وليس رسولًا، وبما أنه رسول نبيٌّ وليس هناك رسول نبيٌّ غيرُه - حسب علمه - فهو أعلم الناس؛ عندئذٍ عاتَبه الله تعالى؛ لأنه لم يرُدَّ العلمَ إليه سبحانه، وكان عليه أن يقول: اللهُ أعلم، وأخبَره اللهُ عز وجل أن هناك مَن هو أعلَمُ منه، وهو الخَضِرُ.
ولمَّا عَلِمَ موسى عليه السلام ذلك، شعَر بتسرُّعه، وندم على كلامه، ورَغِبَ في الذَّهاب إلى الخضر ليَتعلَّمَ منه، فأخبَر اللهُ عز وجل موسى عليه السلام أن الخَضِرَ بمَجمَع البحرين، فسأل اللهَ أن يدُلَّه على سبيل الوصول إليه.
فأمَر اللهُ نبيَّه موسى عليه السلام أن يأخذَ حوتًا ويضعه في سلة، وأن يَصحَبَ معه فتاه يُوشَعَ، وأن ينطلقا نحوَ مَجمَع البحرين، ونفَّذ موسى عليه السلام ما أمَره الله به.
وصَلَا إلى مجمع البحرين، وجلسا عند صخرة ليستريحا، وكان موسى عليه السلام قد طلب من يوشع أن ينتبهَ للحوت، وبينما هما نائمان أعاد اللهُ الحياةَ للحوت الميت، ثم خرج الحوتُ من السلة وعاد للبحر؛ ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَىٰهُ لَآ أَبْرَحُ حَتَّىٰٓ أَبْلُغَ مَجْمَعَ اْلْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبٗا * فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاْتَّخَذَ سَبِيلَهُۥ فِي اْلْبَحْرِ سَرَبٗا * فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَىٰهُ ءَاتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبٗا﴾ [الكهف: 60-62].
استيقَظ موسى عليه السلام وفتاه من النوم، وعادَا للمسير دون أن يتفقدَا الحوت، وسارَا مسافة طويلة، فلما شعَرَا بالتعب بعد طول المسير، أرادا أن يرتاحا ويأكلا، فقام يوشع ليُعِدَّ الطعام، فلم يجدِ الحوتَ، فأخبر موسى عليه السلام أنه فقَدَ الحوتَ، فقال له: ذلك ما كنا نبغي، ولا بد أن يكون الخضر موجودًا في مكانِ فَقْدِ الحوت، وعادَا للصخرة، فوجد موسى الخَضِرَ مستلقيًا مغطِّيًا جسمه، فسلَّم عليه موسى، وعرَّفه بنفسه، وأخبَره أنه قد أتاه ليتعلم منه؛ ﴿قَالَ أَرَءَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى اْلصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ اْلْحُوتَ وَمَآ أَنسَىٰنِيهُ إِلَّا اْلشَّيْطَٰنُ أَنْ أَذْكُرَهُۥۚ وَاْتَّخَذَ سَبِيلَهُۥ فِي اْلْبَحْرِ عَجَبٗا * قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِۚ فَاْرْتَدَّا عَلَىٰٓ ءَاثَارِهِمَا قَصَصٗا * فَوَجَدَا عَبْدٗا مِّنْ عِبَادِنَآ ءَاتَيْنَٰهُ رَحْمَةٗ مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَٰهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمٗا﴾ [الكهف: 63-65].
ولما التقى الخَضِرُ وموسى عليهما السلام، وتعارَفَا؛ قال له الخضر: أنت يا موسى علَّمك اللهُ علمًا لم يُعلِّمْني إياه، وأنا علَّمني الله علمًا لم يُعلِّمْك إياه، لكنَّ موسى عليه السلام أراد أن يزدادَ علمًا، وطلب من الخضر أن يتَّبِعَه ليتعلم مما علَّمه الله، فقال الخضرُ لموسى: إنك لن تصبرَ على السير معي، وستسألني عن الظواهر والأفعال التي سأفعلها، وأصَرَّ موسى عليه السلام على التعلم منه، وعاهَده أنه سيجاهد نفسه ويصبر ولن يسأله عما يراه؛ ﴿قَالَ لَهُۥ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰٓ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدٗا * قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرٗا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِۦ خُبْرٗا * قَالَ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ اْللَّهُ صَابِرٗا وَلَآ أَعْصِي لَكَ أَمْرٗا * قَالَ فَإِنِ اْتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْـَٔلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّىٰٓ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرٗا﴾ [الكهف: 66-70].
سارَ موسى والخَضِرُ عليهما السلام على شاطئ البحر، ومرَّتْ أمامهم سفينة، فرَكِبوها، ولم يَقبَلْ أصحابُ السفينة أيَّ أجر منهم لمعرفتهم بالخضر، وبينما كانا راكبين في السفينة وجد موسى الخَضِرَ يَقلَعُ لوحًا من السفينة، فاستغرب موسى ذلك، وسارَع بالاعتراض، فذكَّره الخضرُ بوعده له بعدم السؤال، فتذكَّر موسى عليه السلام وعده، واعتذَر من تسرُّعه بالاعتراض؛ ﴿فَاْنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَا رَكِبَا فِي اْلسَّفِينَةِ خَرَقَهَاۖ قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْـًٔا إِمْرٗا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرٗا * قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرٗا﴾ [الكهف: 71-73].
ثم نزَل موسى والخَضِرُ من السفينة، وسارَا في قرية، وكان هنالك غلام يلعب مع الغِلْمان، فأقبل الخَضِرُ عليه واقتلَع رأسه بيده، فاعترض موسى عليه السلام، فذكَّره الخضرُ مرة أخرى بوعده ألا يسأل عما سيراه، فاعتذر موسى عليه السلام من سرعة اعتراضه، وقال: إذا سألتُك عن أمر آخرَ فلا تصاحبني؛ ﴿فَاْنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَا لَقِيَا غُلَٰمٗا فَقَتَلَهُۥ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسٗا زَكِيَّةَۢ بِغَيْرِ نَفْسٖ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْـٔٗا نُّكْرٗا * قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرٗا * قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءِۭ بَعْدَهَا فَلَا تُصَٰحِبْنِيۖ قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرٗا﴾ [الكهف: 74-76].
وتابَعَا السير، فأتيَا قريةً ودخلاها، ولم يعرفا أحدًا فيها، وكانا بحاجة إلى طعام، فاضطُرَّا أن يستطعما أهل القرية، ولكن أهل القرية كانوا بخلاء، وأبَوْا أن يضيفوهما، فاستغرب موسى والخضر عليه السلام من أهل القرية، وتابعا المسير حتى وجدا جدارًا على وشك السقوط، فأقبل الخَضِرُ على الجدار وأقامه، فاستغرب موسى عليه السلام، وأقبل على الخضر لائمًا، وقال له: إن أصحابَ القرية لا يستحقون منك التكريمَ والتفضل، أتيناهم ضيوفًا فلم يضيفونا، واستطعمناهم فلم يطعمونا، وأنت تقيم لهم الجدار بلا مقابل؛ ﴿فَاْنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ اْسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارٗا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُۥۖ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرٗا﴾ [الكهف: 77].
وقد نَسِيَ موسى عليه السلام باعتراضه الثالث أنه أنهى رحلتَه العلمية مع الخضر؛ عن أُبَيِّ بن كعب رضي الله عنه، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ إذا دعا بدأَ بنفسِهِ، وقال: رحمةُ اللهِ علينا وعلى موسى؛ لو صبَرَ لرأى مِن صاحبِهِ العَجَبَ، ولكنَّه قال: ﴿إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءِۭ بَعْدَهَا فَلَا تُصَٰحِبْنِيۖ قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرٗا﴾ [الكهف: 76]». أخرجه أبو داود (3984).
وقبل أن يفترقا فسَّر الخَضِرُ لموسى عليه السلام حقيقةَ أفعاله الثلاثة، وقال: أنت يا موسى أنكرتَ عليَّ هذه الأفعال الثلاثة؛ لأنك لا تَعلَم حقائقها:
فأما السفينةُ: فكانت مملوكةً لمساكينَ، وكان هنالك مَلِكٌ ظالم أراد أن يستوليَ عليها، فخرَقْتُها حتى لا يأخذها الملك، وأنا أعلم أن أهلها قادرون على إصلاحها؛ ﴿قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا * أَمَّا اْلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَٰكِينَ يَعْمَلُونَ فِي اْلْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٞ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبٗا﴾ [الكهف: 78-79].
وأما الغلام: فكان أبواه مؤمنَينِ صالحَينِ، وهذا الغلام كان سيكون طاغيًا ظالمًا، وبقتلِه لن يَخسَرَ والداه؛ بل سيُرزَقان بولدٍ أفضل منه، فقتلتُه حتى لا يَظلِمَ أبويه؛ ﴿وَأَمَّا اْلْغُلَٰمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَٰنٗا وَكُفْرٗا * فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرٗا مِّنْهُ زَكَوٰةٗ وَأَقْرَبَ رُحْمٗا﴾ [الكهف: 80-81].
وأما الجدار: فكان لغلامَينِ يتيمين صغيرين لا يُحسِنان التصرف، وكان تحته كنزٌ لهما، ترَكَه أبوهما لهما قبل وفاته، ولأني أخاف على الكنز من السرقة، بنيتُ الجدارَ للحفظ؛ ﴿وَأَمَّا اْلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَٰمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي اْلْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُۥ كَنزٞ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَٰلِحٗا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةٗ مِّن رَّبِّكَۚ وَمَا فَعَلْتُهُۥ عَنْ أَمْرِيۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرٗا﴾ [الكهف: 82].
فبذلك عَلِمَ موسى عليه السلام أنه ليس أعلَمَ الناس.
وقد أخرَج البخاريُّ ومسلم ذلك في "الصحيحين":
عن سعيدِ بنِ جُبَيرٍ، قال: قلتُ لابنِ عبَّاسٍ: إنَّ نَوْفًا البِكَاليَّ يزعُمُ أنَّ موسى عليه السلام صاحِبَ بني إسرائيلَ ليس هو موسى صاحِبَ الخَضِرِ عليه السلام، فقال: «كذَبَ عدوُّ اللهِ؛ سَمِعْتُ أُبَيَّ بنَ كعبٍ يقولُ: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: «قامَ موسى عليه السلام خطيبًا في بني إسرائيلَ، فسُئِلَ: أيُّ الناسِ أعلَمُ؟ فقال: أنا أعلَمُ، قال: فعتَبَ اللهُ عليه إذ لم يرُدَّ العِلْمَ إليه، فأوحى اللهُ إليه: أنَّ عبدًا مِن عبادي بمَجمَعِ البحرَينِ هو أعلَمُ منك، قال موسى: أيْ رَبِّ، كيف لي به؟ فقيل له: احمِلْ حُوتًا في مِكتَلٍ، فحيثُ تَفقِدُ الحوتَ فهو ثَمَّ، فانطلَقَ وانطلَقَ معه فتاهُ، وهو يُوشَعُ بنُ نُونٍ، فحمَلَ موسى عليه السلام حُوتًا في مِكتَلٍ، وانطلَقَ هو وفتاهُ يمشيانِ حتى أتَيَا الصخرةَ، فرقَدَ موسى عليه السلام وفتاهُ، فاضطرَبَ الحوتُ في المِكتَلِ، حتى خرَجَ مِن المِكتَلِ، فسقَطَ في البحرِ، قال: وأمسَكَ اللهُ عنه جِرْيةَ الماءِ حتى كان مِثْلَ الطَّاقِ، فكان للحوتِ سَرَبًا، وكان لموسى وفتاهُ عَجَبًا، فانطلَقَا بقيَّةَ يومِهما وليلتَهما، ونَسِيَ صاحبُ موسى أن يُخبِرَهُ، فلمَّا أصبَحَ موسى عليه السلام، قال لفتاهُ: ﴿ءَاتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبٗا﴾ [الكهف: 62]، قال: ولم يَنصَبْ حتى جاوَزَ المكانَ الذي أُمِرَ به، قال: ﴿أَرَءَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى اْلصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ اْلْحُوتَ وَمَآ أَنسَىٰنِيهُ إِلَّا اْلشَّيْطَٰنُ أَنْ أَذْكُرَهُۥۚ وَاْتَّخَذَ سَبِيلَهُۥ فِي اْلْبَحْرِ عَجَبٗا﴾ [الكهف: 63]، قال موسى: ﴿ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِۚ فَاْرْتَدَّا عَلَىٰٓ ءَاثَارِهِمَا قَصَصٗا﴾ [الكهف: 64]، قال: يقُصَّانِ آثارَهما، حتى أتَيَا الصَّخْرةَ، فرأى رَجُلًا مُسجًّى عليه بثَوْبٍ، فسلَّمَ عليه موسى، فقال له الخَضِرُ: أنَّى بأرضِك السلامُ؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيلَ؟ قال: نَعم، قال: إنَّك على عِلْمٍ مِن عِلْمِ اللهِ علَّمَكَهُ اللهُ لا أعلَمُهُ، وأنا على عِلْمٍ مِن عِلْمِ اللهِ علَّمَنِيهِ لا تَعلَمُهُ، قال له موسى عليه السلام: ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰٓ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدٗا﴾ [الكهف: 66]،
قال: ﴿إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرٗا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِۦ خُبْرٗا﴾ [الكهف: 67-68]،
قال: ﴿سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ اْللَّهُ صَابِرٗا وَلَآ أَعْصِي لَكَ أَمْرٗا﴾ [الكهف: 69]،
قال له الخَضِرُ: ﴿فَإِنِ اْتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْـَٔلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّىٰٓ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرٗا﴾ [الكهف: 70]، قال: نَعم، فانطلَقَ الخَضِرُ وموسى يمشيانِ على ساحلِ البحرِ، فمَرَّتْ بهما سفينةٌ، فكلَّماهم أن يَحمِلوهما، فعرَفوا الخَضِرَ، فحمَلوهما بغيرِ نَوْلٍ، فعمَدَ الخَضِرُ إلى لَوْحٍ مِن ألواحِ السفينةِ فنزَعَهُ، فقال له موسى: قومٌ حمَلونا بغيرِ نَوْلٍ، عمَدتَّ إلى سفينتِهم فخرَقْتَها ﴿لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْـًٔا إِمْرٗا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرٗا * قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرٗا﴾ [الكهف: 71-73]، ثم خرَجَا مِن السفينةِ، فبَيْنما هما يمشيانِ على الساحلِ، إذا غلامٌ يَلعَبُ مع الغِلْمانِ، فأخَذَ الخَضِرُ برأسِهِ، فاقتلَعَهُ بيدِهِ، فقتَلَهُ، فقال موسى: ﴿فَاْنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَا لَقِيَا غُلَٰمٗا فَقَتَلَهُۥ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسٗا زَكِيَّةَۢ بِغَيْرِ نَفْسٖ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْـٔٗا نُّكْرٗا * قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرٗا﴾ [الكهف: 74-75]،
قال: وهذه أشَدُّ مِن الأُولى، قال: ﴿إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءِۭ بَعْدَهَا فَلَا تُصَٰحِبْنِيۖ قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرٗا * فَاْنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ اْسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارٗا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُۥۖ﴾ [الكهف: 76-77]، يقول: مائل، قال الخَضِرُ بيدِهِ هكذا فأقامه، قال له موسى: قومٌ أتَيْناهم فلم يُضيِّفونا ولم يُطعِمونا ﴿لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرٗا﴾ [الكهف: 77]، قال: ﴿هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا﴾ [الكهف: 78]»،
قال رسولُ اللهِ ﷺ: «يَرحَمُ اللهُ موسى! لَوَدِدتُّ أنَّه كان صبَرَ حتى يُقَصَّ علينا مِن أخبارِهما»، قال: وقال رسولُ اللهِ ﷺ: «كانت الأُولى مِن موسى نسيانًا»، قال: وجاءَ عصفورٌ حتى وقَعَ على حرفِ السفينةِ، ثم نقَرَ في البحرِ، فقال له الخَضِرُ: ما نقَصَ عِلْمي وعِلْمُك مِن عِلْمِ اللهِ إلا مِثْلَ ما نقَصَ هذا العصفورُ مِن البحرِ».
قال سعيدُ بنُ جُبَيرٍ: «وكان يَقرأُ: وكان أمامَهم مَلِكٌ يأخُذُ كلَّ سفينةٍ صالحةٍ غَصْبًا، وكان يَقرأُ: وأمَّا الغلامُ فكان كافرًا». أخرجه البخاري (122)، ومسلم (2380)، واللفظ لمسلم.
ينظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (3 /295-330)، "صحيح القصص النبوي" لعمر الأشقر (ص 75-90)، "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 399-410).
بعد أن أقام بنو إسرائيلَ مدةً من الزمن في صحراءِ سيناء، وموسى عليه السلام معهم، ورأوا الكثيرَ من الآيات: انتقَلوا إلى مرحلة تالية؛ فقد أوحى اللهُ إلى موسى عليه السلام وقومِه أن يجاهدوا الأعداءَ في الأرض المقدسة؛ ليُمكِّنَهم فيها، ونهاهم عن النُّكوص والتراجع، وذكَّرهم بنِعَمِ الله عليهم، ولكنهم جَبُنوا وخافوا، ونكَصوا عن القتال، وتمرَّدوا على موسى عليه السلام، ورفَضوا أمره، وأخبَروه أن أهل الأرض المقدسة قومٌ جبَّارون، وأنهم لا يَقدِرون على قتالهم، وأنهم لن يدخلوا هذه الأرضَ حتى يخرُجَ هؤلاء الجبَّارون منها؛ ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِۦ يَٰقَوْمِ اْذْكُرُواْ نِعْمَةَ اْللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنۢبِيَآءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكٗا وَءَاتَىٰكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدٗا مِّنَ اْلْعَٰلَمِينَ * يَٰقَوْمِ اْدْخُلُواْ اْلْأَرْضَ اْلْمُقَدَّسَةَ اْلَّتِي كَتَبَ اْللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَٰسِرِينَ * قَالُواْ يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّ فِيهَا قَوْمٗا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَٰخِلُونَ﴾ [المائدة: 20-22].
وكان هناك رجلانِ مؤمنان من بني إسرائيلَ، أنعَم اللهُ عليهما بالإيمان والشجاعة، فرغَّبَا قومَهما في الجهاد، وأخبَروهم أن الأمر سهلٌ، وأنهم ما عليهم إلا الاستعدادُ والحشد، ثم التوكُّلُ على الله عز وجل؛ ﴿قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: 23].
بعد كلام الرَّجُلَينِ أُحرِجَ بنو إسرائيل، وأرادوا إنهاءَ الحوار، فأعلَنوا صراحةً لموسى عليه السلام أنهم لن يدخُلوا الأرضَ المقدسة ما دام أهلها فيها، ثم زادوا وقاحةً وسُوءَ أدب، فقالوا: إذا كان اللهُ كتَبها الله لنا كما تقول، فاذهَبْ أنت وربُّك وقاتِلَا، وأخرِجوهم منها، فيَئِسَ موسى عليه السلام من هذا الجيلِ الجبان من قومه، ورأى أنه لا تَنفَع معهم أساليبُ التربية والدعوة، فدعا اللهَ عليهم، فعاقَبهم اللهُ بالتِّيهِ في سيناءَ أربعين سنة، فبَقُوا تائهين في الصحراء جزاءً على ما صنَعوا، وحرَمهم اللهُ من شرفِ الجهاد والنصر والتمكين؛ ﴿قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ۖ فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ * قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ [المائدة: 24-26].
ينظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (3 /266-292)، "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 391-395).
سارَ موسى عليه السلام وأهلُه إلى مِصْرَ، فضَلَّ الطريق، فلم يَعرِفْ أين يسير ولا أين يتوجه، فنظَر أمامه إلى سَفْحِ جبل (الطُّور)، فوجَد نارًا مشتعلة، فاستبشَر بها خيرًا، وأَنِسَ بها، لعله يجد عندها مَن يسأله عن الطريق، أو يأتي بجَذْوةٍ من النار إلى أهله يصطلون بها، وطلَب من أهله أن يمكثوا مكانهم، وذهب إلى النار وحده؛ ﴿فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى اْلْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِۦٓ ءَانَسَ مِن جَانِبِ اْلطُّورِ نَارٗاۖ قَالَ لِأَهْلِهِ اْمْكُثُوٓاْ إِنِّيٓ ءَانَسْتُ نَارٗا لَّعَلِّيٓ ءَاتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٖ مِّنَ اْلنَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ [القصص: 29]، ﴿إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾ [طه: 10].
حمَلَ موسى عليه السلام عصاه وتوجَّه نحو النار، فلما وصَل إليها ناداه ربُّه عز وجلَّ؛ ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ﴾ [طه: 11]، وأمَره أن يخلع نعليه؛ لأنه في مكان مقدَّس؛ ﴿إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ [طه: 12]، ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [القصص: 30].
وهذا المكان الذي نادى اللهُ فيه موسى عليه السلام هو الوادي المقدَّس (طوى)؛ ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ [النازعات: 15-16]، فكان الوادي جانبَ جبلِ (الطور)؛ ﴿آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا﴾ [القصص: 29]، وجانبُ جبل (الطور) هو الجانبُ الأيمن منه؛ ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾ [مريم: ]52، ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [القصص: 30]، والجانبُ الأيمن من جبل (الطور) هو الجانبُ الغربي؛ ﴿وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَىٰ مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [القصص: 44].
وبعدما خلَعَ موسى عليه السلام نعلَيهِ أخبَره اللهُ عز وجل بأنه اصطفاه نبيًّا؛ ﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ﴾ [طه: 13]، وأخبَره اللهُ عن نفسه وعن حقيقة الآخرة؛ ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي * إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ * فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لَّا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىٰ﴾ [طه: 14-16]، وأمَره اللهُ عز وجل بإلقاء عصاه، فتحولت العصا إلى حيةٍ تسعى، فلما رآها موسى عليه السلام خافَ منها، وولَّى هاربًا، فطمأنه اللهُ عز وجل وأزال عنه خوفَه، وأخبَره أنه سيُعيدها كما كانت؛ ﴿وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ ۖ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ﴾ [القصص: 31]، ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ * قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَىٰ * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ * قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ ۖ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَىٰ﴾ [طه: 17-21].
ثم أعطاه اللهُ عز وجل آيةً أخرى؛ وهي يدُه السمراء، إذا أدخَلها في جيبِه فإنها تخرج بيضاءَ من غير سُوء؛ ﴿وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَىٰ﴾ [طه: 22]، ﴿اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ﴾ [القصص: 32].
وفي هذه الليلةِ اختار اللهُ موسى عليه السلام ليكون نبيًّا رسولًا؛ ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىٰ ۚ إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا﴾ [مريم: 51]، وسنواتُ عمرِه السابقة كانت إعدادًا من الله له دون أن يشعُرَ هو بذلك؛ فاللهُ قد اصطنَعه لنفسه، وأضفى عليه رعايتَه وعنايته، وأوصَله إلى هذه البقعة المباركة، وناداه في هذه الليلة المباركة، وبعثه نبيًّا رسولًا عليه الصلاة والسلام.
وبعد أن آتاه اللهُ هاتينِ الآيتينِ أمره بالذهاب إلى فرعون؛ لدعوتِه إلى الله؛ ﴿فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾ [القصص: 32]، ﴿لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى * اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ﴾ [طه: 23-24]. انظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (2 /347-372)، "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 345-357)، "قصص القرآن الكريم" فضل عباس (ص 499- 509).
* المعجِزات:
وقد آتى اللهُ تعالى موسى عليه السلام تِسْعَ آياتٍ بينات؛ ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ۖ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَىٰ مَسْحُورًا﴾ [الإسراء: 101]، ﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ۖ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾ [النمل: 12]؛ منها: اليدُ والعصا اللتان تقدم ذكرُهما، وهما اللتان وقَع بهما التحدِّي لآل فرعون، وأما باقي الآيات فلم يقعِ التحدي بها؛ وهي: السِّنونَ - أي: الابتلاء بسنوات القَحْطِ والجفاف -، ونقصُ الثمرات، والطُّوفان، والجراد، والقُمَّل، والضفادع، والدَّمُ؛ ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَٰذِهِ ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ ۗ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ * وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ ۖ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ﴾ [الأعراف: 130-135]. انظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (3 /23-32)، "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 373).
* إنزالُ الكتاب على موسى عليه السلام:
بعدما أقام بنو إسرائيلَ في سيناءَ مع موسى عليه السلام أراد اللهُ إنزالَ كتابه على نبيِّه موسى؛ فواعَده جبلَ (الطُّور)؛ ليُكلِّمَه ويُنزِلَ عليه كتابَه؛ ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ [الأعراف: 142]، وأخبَر موسى عليه السلام قومَه بمدةِ غيابه عنهم، وكلَّف أخاه هارونَ أن يكونَ خليفةً عنه في مدة غيابه، وأوصاه بما يفعلُه؛ ﴿وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف: 142].
فلمَّا انقضت الأربعون يومًا، وجاء موسى عليه السلام لميقات رَبِّه؛ كلَّمه اللهُ سبحانه وتعالى تكليمًا دون واسطةٍ، وسَمِع موسى عليه السلام كلامَ ربِّه سبحانه ووعَاه، وأدرَك ما خصَّه اللهُ به مِن الفضل والكرامة، وهنا تاقت نفسُه إلى مزيدٍ من فضلِ الله وكرامته؛ فطلَب رؤيةَ ربِّه سبحانه، فأخبَره اللهُ عز وجل أنه لا يُمكِنه رؤيتُه، وأمَره أن ينظُرَ إلى الجبل؛ فإن استقَر مكانَه فسوف يراه سبحانه، فنظر موسى إلى الجبل الراسخ، وما هي إلا لحظةٌ حتى تجلَّى اللهُ - وهو تَجَلٍّ يَلِيقُ بعظمةِ الله وجلاله - للجبل، فإذا بالجبل يُدَكُّ دكًّا، وإذا بموسى عليه السلام يَخِرُّ صَعِقًا مغشيًّا عليه، وبعدما أفاقَ موسى عليه السلام سبَّح اللهَ عز وجل، وأعلن توبته، وصرَّح بأنه أول المؤمنين؛ ﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: 143].
وأخبَر اللهُ سبحانه موسى عليه السلام أنه اصطفاه برسالاتِه وبكلامه، ورتَّب على هذا الاصطفاءِ أمرين: أخذُ ما أُنزِلَ عليه والالتزامُ به، والشكرُ له سبحانه؛ ﴿قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ﴾ [الأعراف: 144].
وفي ذلك المكانِ المبارك أنزل اللهُ الألواحَ (التوراة) على نبيِّه موسى عليه السلام، وكتَب له فيها من كل شيءٍ، وجعلها موعظةً لهم، وفصَّل فيها ما يريد منهم، وأمَرهم أن يأخذوها بقوَّة، وبيَّن لهم عاقبةَ الفاسقين، وما أوقَع بهم من عقاب، ثم بيَّن لهم صفةَ هؤلاء الخارجين عن طاعته سبحانه؛ ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ۚ سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ * سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ۚ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: 145-147].
* بعضُ ما جاء في (التوراة):
- وُصِفت في القرآن الكريم بأنها: كتابٌ وفُرْقان وذِكْرٌ؛ قال تعالى: ﴿وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [البقرة: 53]، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ﴾ [الأنبياء: 48]. وبأنها: بصائرُ وهدًى ورحمةٌ؛ قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَىٰ بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [القصص: 43].
أما بعد التحريف فلم تعُدْ كتابًا لله، ولا فرقانًا، ولا هدًى.
- وقت نزولها: عن واثلةَ بنِ الأسقَعِ رضي الله عنه، أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: «أُنزِلتْ صُحُفُ إبراهيمَ عليه السلام في أوَّلِ ليلةٍ مِن رمضانَ، وأُنزِلتِ التَّوْراةُ لِسِتٍّ مضَيْنَ مِن رمضانَ، والإنجيلُ لثلاثَ عَشْرةَ خلَتْ مِن رمضانَ، وأُنزِلَ الفُرْقانُ لأربعٍ وعشرين خلَتْ مِن رمضانَ». أخرجه أحمد (16984).
- ورَد فيها صفةُ النبيِّ مُحمَّدٍ ﷺ: عن عطاءِ بنِ يسارٍ رحمه الله، قال: «لَقِيتُ عبدَ اللهِ بنَ عمرِو بنِ العاصِ رضي الله عنهما، قلتُ: أخبِرْني عن صفةِ رسولِ اللهِ ﷺ في التَّوْراةِ، قال: أجَلْ، واللهِ، إنَّه لَموصوفٌ في التَّوْراةِ ببعضِ صِفَتِهِ في القرآنِ: يا أيُّها النبيُّ إنَّا أرسلناك شاهدًا، ومُبشِّرًا، ونذيرًا، وحِرْزًا للأُميِّينَ، أنتَ عبدي ورسولي، سمَّيْتُك المتوكِّلَ، ليس بفَظٍّ ولا غليظٍ، ولا سَخَّابٍ في الأسواقِ، ولا يَدفَعُ بالسيِّئةِ السيِّئةَ، ولكن يعفو ويَغفِرُ، ولن يَقبِضَهُ اللهُ حتى يُقِيمَ به المِلَّةَ العَوْجاءَ؛ بأن يقولوا: لا إلهَ إلا اللهُ، ويَفتَحُ بها أعيُنًا عُمْيًا، وآذانًا صُمًّا، وقلوبًا غُلْفًا». أخرجه البخاري (2125).
- بعضُ الأوامر التي تلقَّاها بنو إسرائيلَ في (التوراة): عن صَفْوانَ بنِ عسَّالٍ رضي الله عنه، قال: «قال يهوديٌّ لصاحبِهِ: اذهَبْ بنا إلى هذا النبيِّ، فقال صاحبُهُ: لا تقُلْ: نبيٌّ؛ إنَّه لو سَمِعَك كان له أربعةُ أعيُنٍ، فأتَيَا رسولَ اللهِ ﷺ، فسألاه عن تِسْعِ آياتٍ بيِّناتٍ، فقال لهم: «لا تُشرِكوا باللهِ شيئًا، ولا تَسرِقوا، ولا تَزْنُوا، ولا تقتُلوا النَّفْسَ التي حرَّمَ اللهُ إلا بالحقِّ، ولا تَمشوا ببريءٍ إلى ذي سلطانٍ ليقتُلَهُ، ولا تَسحَروا، ولا تأكلوا الرِّبا، ولا تَقذِفوا مُحصَنةً، ولا تُوَلُّوا الفرارَ يومَ الزحفِ، وعليكم خاصَّةً اليهودَ ألَّا تَعتَدُوا في السَّبْتِ»، قال: فقبَّلوا يدَيهِ ورِجْلَيهِ، فقالا: نَشهَدُ أنَّك نبيٌّ، قال: «فما يَمنَعُكم أن تَتَّبِعوني؟»، قالوا: إنَّ داودَ دعَا رَبَّهُ ألَّا يَزالَ مِن ذُرِّيَّتِهِ نبيٌّ، وإنَّا نخافُ إن تَبِعْناك أن تقتُلَنا اليهودُ». أخرجه الترمذي (2733)، والنسائي (4078)، وأحمد (18092). انظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (3 /133-155)، "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 381-383).
كان فرعونُ طاغية جبارًا؛ ظلَم واعتدى، واستكبَر واستعلى، وأفسَد في الأرض، وبلَغ طغيانُه مَداه فادعى الألوهيَّةَ، ودعا قومَه لعبادتِه؛ فأرسل اللهُ إليه نبيَّهُ موسى عليه السلام؛ ليدعوَه وقومَه إلى الإيمان بالله تعالى، وأن يُطهِّرَ نفسَه ويُزكِّيَها؛ ﴿اْذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُۥ طَغَىٰ﴾ [طه: 24]، ﴿اْذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُۥ طَغَىٰ * فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰٓ أَن تَزَكَّىٰ * وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ﴾ [النازعات: 17-19]، ﴿وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰٓ أَنِ اْئْتِ اْلْقَوْمَ اْلظَّٰلِمِينَ * قَوْمَ فِرْعَوْنَۚ أَلَا يَتَّقُونَ﴾ [الشعراء: 10-11].
فسأل موسى عليه السلام ربَّه عز وجل أمورًا يُعِينُه بها على أداءِ هذه المهمَّةِ الشاقَّة؛ لأنه يعلم أنه لن يتمكَّنَ من أدائها إلا بتوفيقِ الله وإعانته؛ ﴿قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا﴾ [طه: 25-34].
وقد استجاب اللهُ لموسى عليه السلام، وأعطاه سؤله؛ ﴿قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَٰمُوسَىٰ﴾ [طه: 36]، ﴿قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَٰنٗا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِـَٔايَٰتِنَآۚ أَنتُمَا وَمَنِ اْتَّبَعَكُمَا اْلْغَٰلِبُونَ﴾ [القصص: 35].
وبعدما آتاه اللهُ تعالى سُؤْلَه ذكَّره تعالى بنِعَمِه عليه، ورعايتِه له في حياته منذ ولادته، وأخبَره بأنه ابتلاه ابتلاءاتٍ كثيرةً، وامتحَنه، وأنه اصطنَعه لنفسه؛ لينشطَ في دعوتِه؛ ﴿وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰٓ * إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰٓ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰٓ * أَنِ اْقْذِفِيهِ فِي اْلتَّابُوتِ فَاْقْذِفِيهِ فِي اْلْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ اْلْيَمُّ بِاْلسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوّٞ لِّي وَعَدُوّٞ لَّهُۥۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةٗ مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيٓ * إِذْ تَمْشِيٓ أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُۥۖ فَرَجَعْنَٰكَ إِلَىٰٓ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَۚ وَقَتَلْتَ نَفْسٗا فَنَجَّيْنَٰكَ مِنَ اْلْغَمِّ وَفَتَنَّٰكَ فُتُونٗاۚ فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِيٓ أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٖ يَٰمُوسَىٰ * وَاْصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي * اْذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِـَٔايَٰتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي * اْذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُۥ طَغَىٰ﴾ [طه: 37-43].
وقبل أن يذهبَ موسى وهارونُ عليهما السلام إلى فرعونَ ومَلَئِهِ طمأنهما اللهُ تعالى بأنه معهما، وأزال خوفَهما، ووجَّهما إلى حسنِ مخاطبته، وإلانة القول له، وإقامة الحجة عليه؛ ﴿اْذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِـَٔايَٰتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي * اْذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُۥ طَغَىٰ * فَقُولَا لَهُۥ قَوْلٗا لَّيِّنٗا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ * قَالَا رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ أَوْ أَن يَطْغَىٰ * قَالَ لَا تَخَافَآۖ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىٰ﴾ [طه: 42-46].
ونفَّذ موسى وهارونُ عليهما السلام ما أمَرهما اللهُ به، وتوجَّها إلى فرعون ليُبلِّغاه أمر ربِّهما، ويُقِيما عليه الحُجَّة، ويطلبا منه أن يُرسِلَ معهما بني إسرائيل؛ فقالا: ﴿إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيٓ إِسْرَٰٓءِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْۖ قَدْ جِئْنَٰكَ بِـَٔايَةٖ مِّن رَّبِّكَۖ وَاْلسَّلَٰمُ عَلَىٰ مَنِ اْتَّبَعَ اْلْهُدَىٰٓ﴾ [طه: 47]، ﴿إِنَّا رَسُولُ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ * أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيٓ إِسْرَٰٓءِيلَ﴾ [الشعراء: 16-17].
وجرى حوارٌ مفصَّل بين موسى عليه السلام وفرعونَ؛ حوارٌ حول الإيمان والوَحْدانية، والأدلةِ على وحدانية الله تعالى؛ ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِنۢ بَعْدِهِم مُّوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَإِيْهِۦ فَظَلَمُواْ بِهَاۖ فَاْنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ اْلْمُفْسِدِينَ * وَقَالَ مُوسَىٰ يَٰفِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٞ مِّن رَّبِّ اْلْعَٰلَمِينَ * حَقِيقٌ عَلَىٰٓ أَن لَّآ أَقُولَ عَلَى اْللَّهِ إِلَّا اْلْحَقَّۚ قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِيٓ إِسْرَٰٓءِيلَ﴾ [الأعراف: 103-105].
وفوجئ فرعونُ بما سَمِع، وأدرَك ما فيه من خطورةٍ عليه وعلى منصبه؛ فقد سقَطتْ عنه ألوهيَّتُه المزعومة، فلم يكُنْ أمامه من سبيلٍ سوى إنكارِ هذه النبوَّة، ورفضِ هذه الدعوة؛ فذهب بالحوار إلى موضوعٍ آخرَ ليُشغِّبَ على موسى ودعوتِه، وخاطبه ممتنًّا عليه بتربيته له في الصِّغر، وذكَّره بقتله للقِبْطي؛ ﴿قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدٗا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ اْلَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ اْلْكَٰفِرِينَ﴾ [الشعراء: 18-19].
وقد أراد فرعونُ بهذا تكبيرَ تلك الفَعْلة، والمبالغةَ في تشنيعها، وتذكيرَ موسى بعِظَم جُرْمِها؛ ليشعُرَ بالحرج، لكنَّ موسى عليه السلام فوَّت عليه قصده، وردَّ عليه بحكمة، وأخبره بأن اللهَ آتاه العلم والحكمة، ومَنَّ عليه بالنبوة والرسالة؛ ﴿قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذٗا وَأَنَا۠ مِنَ اْلضَّآلِّينَ * فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمٗا وَجَعَلَنِي مِنَ اْلْمُرْسَلِينَ * وَتِلْكَ نِعْمَةٞ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِيٓ إِسْرَٰٓءِيلَ﴾ [الشعراء: 20-22].
وبعدما ردَّ موسى على فرعون استصغارَه له، وأنكر عليه تعبيدَ بني إسرائيل؛ سأله فرعونُ عن ربِّه؛ ﴿قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَٰمُوسَىٰ * قَالَ رَبُّنَا اْلَّذِيٓ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُۥ ثُمَّ هَدَىٰ * قَالَ فَمَا بَالُ اْلْقُرُونِ اْلْأُولَىٰ * قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَٰبٖۖ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى * اْلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اْلْأَرْضَ مَهْدٗا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلٗا وَأَنزَلَ مِنَ اْلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخْرَجْنَا بِهِۦٓ أَزْوَٰجٗا مِّن نَّبَاتٖ شَتَّىٰ * كُلُواْ وَاْرْعَوْاْ أَنْعَٰمَكُمْۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي اْلنُّهَىٰ * مِنْهَا خَلَقْنَٰكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰﵞ [طه: 49-55].
ولعلَّ ما ورَد في سورة (طه) كان موجَزًا للحوار الذي دار بينهما، أو جانبًا واحدًا منه، وجاء تفصيله في سورة (الشعراء)؛ قال تعالى: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ اْلْعَٰلَمِينَ * قَالَ رَبُّ اْلسَّمَٰوَٰتِ وَاْلْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآۖ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ * قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُۥٓ أَلَا تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءَابَآئِكُمُ اْلْأَوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ اْلَّذِيٓ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٞ * قَالَ رَبُّ اْلْمَشْرِقِ وَاْلْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ * قَالَ لَئِنِ اْتَّخَذْتَ إِلَٰهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ اْلْمَسْجُونِينَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٖ مُّبِينٖ * قَالَ فَأْتِ بِهِۦٓ إِن كُنتَ مِنَ اْلصَّٰدِقِينَ * فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٞ مُّبِينٞ * وَنَزَعَ يَدَهُۥ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّٰظِرِينَ * قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُۥٓ إِنَّ هَٰذَا لَسَٰحِرٌ عَلِيمٞ * يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِۦ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ * قَالُوٓاْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَاْبْعَثْ فِي اْلْمَدَآئِنِ حَٰشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٖ﴾ [الشعراء: 23-37].
وتوحي هذه الآياتُ أن هذا الحوارَ كان في جلسة موسَّعة، حضرها الملأ، وفيه تخلَّى فرعونُ عن هدوئه المصطنع في حواره الأول، وعَلَتْ نبرتُه، وأخذ يُهيِّج ملأَه على موسى عليه السلام، ولجأ إلى أسلوب البطش والتهديد والوعيد، ولكن ذلك لم يُخرِجْ نبيَّ الله موسى عليه السلام عن موضوعيته وحِكْمته، ولم يُضعِفْهُ؛ بل واجهه بعزة وشجاعة، وقوة وحكمة، وأظهَر الآيتينِ اللتين أيده اللهُ بهما، وفوجئ فرعونُ ومن معه بما رأوا، وحتى يقضيَ فرعونُ على أثر الآيتين اتهم موسى بالسِّحر، ولم يكتفِ بهذا؛ بل سعى إلى تهييج الملإ عليه؛ بأن اتهمه بأنه يريد أن يخرجَهم من أرضهم، وتظاهر بأنه يشاركهم في الحكم والقرار الذي سيتخذونه، وفكَّر الملأ مع فرعون، وانتهَوا إلى إرجاء موسى وأخيه حتى يَجمَعوا السَّحرةَ لمواجهته.
وبعدما اتفق الملأُ من قوم فرعونَ على الكفر بموسى عليه السلام، ورفضِ دعوته، واستدعاء السَّحرة لمواجهته؛ خرَجوا يرددون اتهام فرعونَ لموسى بأنه ساحرٌ مبين، وأخذوا يُهيِّئون الناسَ للمباراة القادمة الحاسمة، وقاموا بحملة إعلانية من أجل ذلك؛ ﴿فَجُمِعَ اْلسَّحَرَةُ لِمِيقَٰتِ يَوْمٖ مَّعْلُومٖ * وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ * لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ اْلسَّحَرَةَ إِن كَانُواْ هُمُ اْلْغَٰلِبِينَ﴾ [الشعراء: 38-40].
جاء السَّحرةُ، وكانوا ذَوِي فطنةٍ وذكاء، وشعَروا بحاجة فرعون إليهم، فأرادوا استغلالَ هذه الفرصة، وساوَموه على الثَّمن، ووافقهم فرعونُ على ما يريدون وزيادة؛ ﴿وَجَآءَ اْلسَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوٓاْ إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ اْلْغَٰلِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ اْلْمُقَرَّبِينَ﴾ [الأعراف: 113-114]، ﴿فَلَمَّا جَآءَ اْلسَّحَرَةُ قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ اْلْغَٰلِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذٗا لَّمِنَ اْلْمُقَرَّبِينَ﴾ [الشعراء: 41-42].
حُدِّد الموعد، وجمَع فرعونُ كيدَه، وحُشِر الناس، وبدأ موسى عليه السلام بالتعامل مع هذا الحشدِ بحكمة وفطنة؛ فبدأ بالسَّحرة؛ يُحذِّرهم غضبَ الله، ويزعزع ثقتهم بأنفسهم، وحصل له مرادُه؛ فوقع النزاع بينهم، وانقسموا فريقين، ولكن ما لبثوا أن تجمَّعوا، وشد بعضُهم من أَزْرِ بعض لينالوا مكافأتهم؛ ﴿فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُۥ ثُمَّ أَتَىٰ * قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُواْ عَلَى اْللَّهِ كَذِبٗا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٖۖ وَقَدْ خَابَ مَنِ اْفْتَرَىٰ * فَتَنَٰزَعُوٓاْ أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّواْ اْلنَّجْوَىٰ * قَالُوٓاْ إِنْ هَٰذَٰنِ لَسَٰحِرَٰنِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ اْلْمُثْلَىٰ * فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ثُمَّ اْئْتُواْ صَفّٗاۚ وَقَدْ أَفْلَحَ اْلْيَوْمَ مَنِ اْسْتَعْلَىٰ﴾ [طه: 60-64].
وخيَّر السَّحرةُ موسى فيمن يكون البادئ، فدعاهم عليه السلام أن يبدؤوا، وقدَّم كلُّ طرفٍ ما بيده، وانتصَر الحقُّ، وأقبَل السَّحرةُ ساجدين، وآمَنوا بربِّ موسى وهارون عليهما السلام، وهُزِم فرعونُ أمام الملأ والجمعِ العظيم؛ فانزَعج لهذا، وتوعَّد السَّحرةَ بالتعذيب والقتل؛ فثبَت السَّحرةُ على موقفهم الإيماني، وبيَّنوا التجاءهم إلى الله بعزةٍ واستعلاء؛ ﴿قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ * قَالَ بَلْ أَلْقُوا ۖ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ * قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَىٰ * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ۖ إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ۖ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ * قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ * قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ۗ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ * إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ * وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ مَن تَزَكَّىٰ﴾ [طه: 65-76]، وقال تعالى: ﴿قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ * فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ * فَأَلْقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ * قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ۚ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ * قَالُوا لَا ضَيْرَ ۖ إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ * إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: 43-51].
ينظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (2 /372-480)، "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 353-367)، "قصص القرآن الكريم" فضل عباس (ص 510-521).
حانَ أجلُ موسى عليه السلام بعدما أقام مع بني إسرائيلَ في التِّيهِ أربعين سنة، ولما جاءه الأجلُ بعَث اللهُ إليه مَلَكَ الموتِ، وخيَّره؛ وتخييرُ الأنبياء عند الموت ثابت في السُّنة:
عن عائشةَ رضي الله عنها، قالت: «كنتُ أسمَعُ أنَّه لا يموتُ نبيٌّ حتى يُخيَّرَ بين الدُّنيا والآخرةِ، فسَمِعْتُ النبيَّ ﷺ يقولُ في مَرَضِهِ الذي ماتَ فيه - وأخَذتْهُ بُحَّةٌ - يقولُ: ﴿مَعَ اْلَّذِينَ أَنْعَمَ اْللَّهُ عَلَيْهِم﴾ [النساء: 69]؛ فظنَنْتُ أنَّه خُيِّرَ». أخرجه البخاري (4435)، ومسلم (2444)، واللفظُ للبخاري.
جاءه المَلَكُ وخيَّره بين الدُّنيا والآخرة.. بين الموت والحياة.. بين الرَّفيق الأعلى أو البقاءِ بين أهله وأصحابه؛ فاختار الرفيقَ الأعلى، وسأل اللهَ أن يُقرِّبَه من الأرضِ المقدسة:
عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، قال: «أُرسِلَ مَلَكُ الموتِ إلى موسى عليهما السلام، فلمَّا جاءَهُ صَكَّهُ، فرجَعَ إلى رَبِّهِ، فقال: أرسَلْتَني إلى عبدٍ لا يريدُ الموتَ، فرَدَّ اللهُ عليه عَيْنَهُ، وقال: ارجِعْ، فقُلْ له: يَضَعُ يَدَهُ على مَتْنِ ثَوْرٍ، فله بكلِّ ما غَطَّتْ به يدُهُ بكلِّ شَعَرةٍ سنةٌ، قال: أيْ رَبِّ، ثم ماذا؟ قال: ثم الموتُ، قال: فالآنَ، فسألَ اللهَ أن يُدْنِيَهُ مِن الأرضِ المقدَّسةِ رَمْيةً بحَجَرٍ»، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: «فلو كنتُ ثَمَّ، لَأرَيْتُكم قبرَهُ، إلى جانبِ الطريقِ، عند الكثيبِ الأحمرِ». أخرجه البخاري (1339)، ومسلم (2372)، واللفظُ للبخاري.
وقد أخبَر الرسولُ ﷺ أنه رآه يوم المعراج قائمًا يصلِّي في قبره عند الكثيب الأحمر:
عن أنسِ بنِ مالكٍ، أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: «أتَيْتُ - وفي روايةٍ: مرَرْتُ - على موسى ليلةَ أُسرِيَ بي عند الكثيبِ الأحمرِ وهو قائمٌ يُصلِّي في قبرِهِ». أخرجه مسلم (2375).
ينظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (3 /331-342)، "صحيح القصص النبوي" لعمر الأشقر (ص 97-101)، "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 410-411).
يستفاد من قصةِ موسى عليه السلام أمورٌ؛ منها:
* أن اللهَ عز وجل لطَفَ بأمِّ موسى عليه السلام لمَّا ألهَمها بسلامةِ ابنها، ورجوعه إليها.
* أن اللهَ عز وجل إذا أراد شيئًا هيَّأ أسبابه.
* أن الأمَّةَ المستضعَفة مهما بلغ بها الضعفُ فلا ينبغي أن تقعُدَ عن السعيِ في حقوقها، ورفعِ الطغيان والظُّلم عنها.
* أن مِن أعظمِ نِعَمِ الله على العبد تثبيتَ اللهِ له عند المخاوف والملمَّات.
* جوازُ خروج المرأة في حوائجها.
* جواز أخذ الأجرة على الكفالة والرَّضاعة.
* أن إخبارَ الغير بما سيقع عليه على وجهِ التحذير ليس من النَّميمة؛ بل قد يكون واجبًا.
* إذا خاف العبدُ على نفسه من القتل في موضعٍ فلا ينبغي له أن يستسلمَ؛ بل يَفِرُّ منه إلى غيره.
* أن الإحسانَ إلى العباد - عرَفَهم أم لم يَعرِفْهم - من أخلاقِ الأنبياء.
* أن اللهَ كما يُحِب من العبد أن يتوسَّلَ إليه بأسمائه وصفاته فإنه يحب منه أن يتوسَّلَ إليه بضَعْفِه، وعَجْزِه، وتذَلُّلِهِ بين يديه.
* أن الحياءَ والمُجازاة على الإحسان دأبُ الصالحين.
* جواز الإجارة على كلِّ عمل معلوم، في نفعٍ معلوم، أو زمنٍ مسمًّى.
* أن اللهَ أيَّد موسى عليه السلام بالآيات البيِّنات.
* أن أعظَمَ العقوبات على العبد أن يكونَ داعيًا إلى الشرِّ، وإمامًا له.
* أن الفصاحةَ والبلاغة مما يُعِينُ على التعليم والدعوة.
وغير ذلك من الفوائد.
ينظر: "مصابيح الضياء" للسعدي (ص 32-41).