البحث

عبارات مقترحة:

الجميل

كلمة (الجميل) في اللغة صفة على وزن (فعيل) من الجمال وهو الحُسن،...

الصمد

كلمة (الصمد) في اللغة صفة من الفعل (صَمَدَ يصمُدُ) والمصدر منها:...

الحق

كلمة (الحَقِّ) في اللغة تعني: الشيءَ الموجود حقيقةً.و(الحَقُّ)...

عيسى عليه السلام

عيسى عليه السلام نبي من أنبياء الله الكرام، وهو المسيح ابن مريم بنت عمران، فهو روحُ الله وكلمته التي ألقاها إلى مريم، وأحد أولي العزم الخمسة من الرُسل، وآخر أنبياء بني إسرائيل، فقد بعث الله عيسى عليه السلام نبيًا إلى بني إسرائيل، يدعوهم الى توحيد الله عز وجل وإفراده بالألوهية، وتقرير أن يؤمنوا بأنه عبد الله ورسوله، وأنه رسولٌ بشرٌ عليه السلام، وأنزل عليه الإنجيل، حفظه الله عز وجل ونجاه من كيد بني إسرائيل ورفعه إليه، وسيعود آخر الزمان قبل يوم القيامة يقتل الدجال ويكسر الصليب، ويقوم بأعمال عظيمة، ويمكث في الأرض أربعين سنة، ثم يتوفاه الله، كان عيسى عليه السلام نبيًا رسولًا وجيهًا في الدنيا والآخرة ، مقربًا عند الله، مكلمًا الناس طفلًا في المهد وكهلًا شيخًا، وصالحًا زكيًّا مباركًا، بارًا بوالدته ولم يكن جبارًا ولا شقيًّا .

اسمه ونسبه

عيسى عليه السلام هو المسيح عيسى بن مريم بنت عمران، نسبه هو نسب أمه، لأنه مولود من غير أب. انظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (4 /204). وسمى الله عز وجل عيسى عليه السلام كلمة الله، في قوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ [آل عمران: 45]. بمعنى: أن عيسى عليه السلام خُلق ووُجِد بكلمة الله كن، حيث أراد أن يخلُقَه خلقًا خاصًّا مُباشرًا، فقال له كن، وهي الكلمة الإلهية فكان ووجد كما أمر الله، ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ يس: 82، فلذلك قال الله عز وجل في سورة آل عمران للمستغربين من خلق عيسى من غير أب: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: 59]، أن الله عز وجل شأنه هو ذاته الذي خلق آدم من غير أب وأم. كما ورد هذه التسمية عن رسول الله . روى البخاري ومسلم عن عبادة رضي الله عنه، عن النبي ، قال: «من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل». أخرجه البخاري (3435)، ومسلم (28)، واللفظ للبخاري. انظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (4 /200- 201). كما سمى الله عز وجل عيسى عليه السلام بالمسيح، وهو لقب له، وقد ورد ذكر لقب المسيح عليه في القرآن الكريم إحدى عشر مرة، والمسيح اسم مشتق من المسح وهو على وزن فعيل، إما بمعنى اسم الفاعل ماسح أو بمعنى اسم المفعول ممسوح، وقد جمع المعنيين فيه، فهو كان ماسحًا بأمر الله بيده على المريض فيبرأ وبشفى، وكان ممسوحًا من الله مسحه بالبركة. انظر: "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 463- 464)، "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (4 /202- 204).

معنى الاسم لغة

عيسى اسمُ علم أعجمي، ممنوعٌ من الصَرف للعلمية والعجمة، وهو ليسَ مُشتقًا. انظر: "القصص القرآني" صلاح الخالدي (4 /202).

ذكره في القرآن الكريم

ورد ذكر اسم عيسى عليه السلام في القرآن الكريم خمسًا وعشرين مرة، في سورة مريم وآل عمران والمائدة والنساء والصف والحديد والزخرف، ومن مواضع ذكر عيسى عليه السلام في القرآن الكريم: قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ * وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ * وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ۚ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۗ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ * فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ * رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ* وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ * إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ * وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * ذَٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ * إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ آل عمران: 45- 59. الدعوة إلى عدم الغلو في عيسى وتأليهه، والدعوة إلى عبادة الله وطاعة رسوله. قال تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۖ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ۚ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ ۚ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ۘ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا * لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِّلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ۚ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ النساء: 171- 173. كفر القائلين بأن الله هو عيسى بن مريم. قال تعالى: ﴿لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ۗ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ المائدة: 17، وقال تعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۖ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ * لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ۖ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ * قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ۚ وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ المائدة: 72- 76. قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ۖ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ۖ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ۖ وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ * وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ * إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ * قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ سورة المائدة: 110- 115. عيسى عليه السلام يتبرأ إلى الله عز وجل من تأليه كفار النصارى له، ويصرح بأنهم كذبوا، ونسبوا له ما لم يقله، ويقرر بأنه دعاهم إلى عبادة الله. قال تعالى: ﴿ذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۚ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ المائدة: 116- 118. قال تعالى: ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا * ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ سورة مريم: 30- 35. النصارى حرفوا دين الله واتبعوا الباطل، وابتدعوا الرهبانية الباطلة. قال تعالى: ﴿ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ سورة الحديد: 27. تبشير عيسى عليه السلام بمحمد . قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ سورة الصف: 6. انظر: "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 439)، "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (4 /164- 167).

ذكره في السنة النبوية

ورد ذكر عيسى عليه السلام في الأحاديث النبويّة، ومن ذلك: يحيى عليه السلام يأمر بني إسرائيل بخمس كلمات وشهادة عيسى عليه السلام على ذلك. روى الحارث الأشعري رضي الله عنه، عن رسول الله قال: «إنَّ اللَّهَ أمرَ يحيى بنَ زَكَريَّا بخمسِ كلماتٍ أن يعملَ بِها ، ويأمرَ بني إسرائيل أن يعمَلوا بِها ، وإنَّهُ كادَ أن يُبْطِئَ بِها ، فقال عيسى: إنَّ اللهَ أمَرَك بخَمسِ كلماتٍ؛ لِتَعمَلَ بها وتَأمُرَ بَني إسرائيلَ أن يَعمَلوا بها، فإمَّا أن تَأمُرَهم، وإمَّا أنْ آمُرَهم، فقال يحيى: أخشى إن سبَقتَني بها أن يُخسَفَ بي أو أُعذَّبَ، فجمَع النَّاسَ في بيتِ المقدِسِ، فامتَلَأ المسجدُ وقعَدوا على الشُّرُفِ، فقال: إنَّ اللهَ أمَرني بخَمسِ كلماتٍ أن أَعمَلَ بِهنَّ، وآمرُكم أن تَعمَلوا بهنَّ: أوَّلُهنَّ أن تَعبُدوا اللهَ ولا تُشرِكوا به شيئًا، وإنَّ مَثلَ مَن أشرَك باللهِ كمثَلِ رجلٍ اشترى عبدًا مِن خالصِ مالِه بذهَبٍ أو ورِقٍ، فقال: هذه داري وهذا عمَلي، فاعمَلْ وأدِّ إليَّ، فكان يعمَلُ ويُؤدِّي إلى غيرِ سيِّدِه، فأيُّكم يَرضى أن يكونَ عبدُه كذلك؟! وإنَّ الله أمركم بالصَّلاة، فإذا صَلَّيتُم فلا تَلتَفِتوا؛ فإنَّ اللهَ يَنصُبُ وجهَه لوجهِ عبدِه في صلاتِه ما لم يَلتفِتْ، وآمرُكم بالصِّيامِ؛ فإنَّ مَثلَ ذلك كمثَلِ رجلٍ في عِصابةٍ معَه صُرَّةٌ فيها مِسكٌ، فكلَّهم يَعجَبُ أو يُعجِبُه ريحُها، وإنَّ ريحَ الصَّائمِ أطيبُ عندَ اللهِ مِن ريحِ المسكِ، وآمرُكم بالصَّدقةِ؛ فإنَّ مثَلَ ذلك كمثَلِ رجلٍ أسَره العدوُّ، فأوثَقوا يدَه إلى عنُقِه، وقدَّموه لِيَضرِبوا عُنقَه، فقال: أنا أَفْديه منكم بالقليلِ والكثيرِ، ففدَى نفسَه منهم، وآمُركم أن تَذكُروا اللهَ؛ فإنَّ مَثلَ ذلك كمَثلِ رجلٍ خرَج العدوُّ في أثَرِه سِراعًا حتَّى إذا أتى على حِصنٍ حَصينٍ، فأحرَز نفسَه منهم، كذلك العبدُ لا يُحرِزُ نفسَه مِن الشَّيطانِ إلَّا بذِكْرِ اللهِ. قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: وأَنا آمرُكُم بخَمسٍ، اللَّهُ أمرَني بِهِنَّ: السَّمعُ والطَّاعةُ والجِهادُ والهجرةُ والجمَاعةُ، فإنَّهُ مَن فارقَ الجماعةَ قيدَ شبرٍ فقد خلَعَ رِبقةَ الإسلامِ من عُنقِهِ إلَّا أن يراجِعَ، ومن ادَّعى دَعوى الجاهليَّةِ فإنَّهُ من جُثى جَهَنَّم، فقالَ رجلٌ: يا رسولَ اللَّهِ وإن صلَّى وصامَ؟ فقالَ: وإن صلَّى وصامَ، فادعوا بدَعوى اللَّهِ الَّذي سمَّاكمُ المسلِمينَ المؤمنينَ، عبادَ اللَّهِ». أخرجه الترمذي (2863)، وقال فيه: «هذا حديث حسن صحيح غريب قال محمد بن إسماعيل: الحارث الأشعري له صحبة وله غير هذا الحديث». يحيى وعيسى عليهما السلام سيدا شباب أهل الجنة. روى أبو سعد الخُدري رضي الله عنه عن رسول الله قال : «الحسنُ و الحُسَينُ سيِّدا شبابِ أهلِ الجنَّةِ ؛ إلا ابنَي الخالةِ عيسى ابنَ مريمَ و يحيي بنَ زكريا ، و فاطمةُ سيدةُ نساءِ أهلِ الجنَّةِ ؛ إلا ما كان من مريمَ بنتِ عِمرانَ». أخرجه النسائي في الكبرى (8113)، وابن حبان في صحيحه (6959). منزلة عيسى عليه السلام يوم القيامة في السماء الثانية. روى أنس بن مالك، أن رسول الله قال: «أتيت بالبراق، وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار، ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه، قال: فركبته حتى أتيت بيت المقدس، قال: فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء، قال: ثم دخلت المسجد، فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر، وإناء من لبن، فاخترت اللبن، فقال جبريل : اخترت الفطرة، ثم عرج بنا إلى السماء، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بآدم، فرحب بي، ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الثانية، فاستفتح جبريل عليه السلام، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بابني الخالة عيسى ابن مريم، ويحيى بن زكرياء، صلوات الله عليهما، فرحبا ودعوا لي بخير، ثم عرج بي إلى السماء الثالثة…». أخرجه البخاري (3207)، مسلم (162)، واللفظ لمسلم. انظر: "الأحاديث الصحيحة من أخبار وقصص الأنبياء" لإبراهيم العلي (ص). استشفاع الناس يوم القيامة بموسى عليه السلام. روى أبو هريرة، قال: «أتي رسول الله يوما بلحم، فرفع إليه الذراع، وكانت تعجبه فنهس منها نهسة فقال: أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون بم ذاك؟ يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد… اذهبوا إلى عيسى ، فيأتون عيسى، فيقولون: يا عيسى أنت رسول الله، وكلمت الناس في المهد، وكلمة منه ألقاها إلى مريم، وروح منه، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم عيسى : إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، ولم يذكر له ذنبا، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد… الحديث». أخرجه البخاري (3340)، ومسلم (194)، واللفظ لمسلم. حماية الله عز وجل مريم ابنة عمران وابنها عيسى عليه السلام من الشيطان ونزعه. روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله يقول: «ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد، فيستهل صارخا من مس الشيطان، غير مريم وابنها، ثم يقول أبو هريرة: ﴿وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ آل عمران: 36». أخرجه البخاري (3431). النهي عن الغلو في عيسى عليه السلام والمبالغة في اطرائه. ابن عباس، سمع عمر رضي الله عنه، يقول على المنبر: سمعت النبي يقول: «لا تطروني، كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا عبد الله، ورسوله». أخرجه البخاري (3445). موقف عيسى عليه السلام من قومه يوم القيامة. روى ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله : «تحشرون حفاة، عراة، غرلا، ثم قرأ: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ الأنبياء: 104، فأول من يكسى إبراهيم، ثم يؤخذ برجال من أصحابي ذات اليمين وذات الشمال، فأقول: أصحابي، فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم، فأقول كما قال العبد الصالح عيسى ابن مريم: ﴿وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ، فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ، إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ المائدة: 118». أخرجه البخاري (3447)، ومسلم (154)، واللفظ للبخاري. أجر الإيمان بعيسى ومحمد عليهما السلام معا. روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله : «إذا أدب الرجل أمته فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها كان له أجران، وإذا آمن بعيسى، ثم آمن بي فله أجران، والعبد إذا اتقى ربه وأطاع مواليه، فله أجران». أخرجه البخاري (3446)، ومسلم (2860)، واللفظ للبخاري. روى البخاري ومسلم عن عبادة رضي الله عنه، عن النبي ، قال: «من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل». أخرجه البخاري (3435)، ومسلم (28)، واللفظ للبخاري. انظر: "الأحاديث الصحيحة من أخبار وقصص الأنبياء" لإبراهيم العلي (ص 195- 242).

صفته الخَلْقِية

أخبرنا الرسول أنَّ عيسى عليه السلام أشبَهُ صحابي به هو عروة بن مسعود الثقفي، وكانَ جميلَ الخَلق. روى جابرِ بنِ عبدِ الله أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «عرض علي الأنبياء، فإذا موسى ضرب من الرجال، كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى ابن مريم عليه السلام، فإذا أقرب من رأيت به شبها عروة بن مسعود…». أخرجه مسلم (167). ووصف لنا الرسول أن عيسى عليه السلام كان أحمر، أي: أبيض به حُمرة، وجعدٌ، أي: أنَّ جسمه مكتنز وعريض الصَدر. روى ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال النبي : «رأيت عيسى وموسى وإبراهيم، فأما عيسى فأحمر جعد عريض الصدر، وأما موسى، فآدم جسيم سبط كأنه من رجال الزط». أخرجه البخاري (3438). وكان عيسى عليه السلام مربوع القامة، فليس بالطويل ولا القصير. روى أبو هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ليلة أسري بي: «رأيت موسى، وإذا هو رجل ضرب رجل، كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى، فإذا هو رجل ربعة أحمر، كأنما خرج من ديماس…». أخرجه البخاري (3394)، مسلم (168)، واللفظ للبخاري. كأنما خرج من ديماس: والديماس: السرب وقيل الكن أو الحمام، أي كأنه لم ير شمسا وهو في غاية الإشراق والنضارة. وكان عيسى عليه السلام شعره سبط مسترسل وناعم. روى ابن عباس رضي الله عنهما، عن رسول الله قال: «رأيت ليلة أسري بي موسى رجلا آدم طوالا جعدا، كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى رجلا مربوعا، مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض، سبط الرأس…». أخرجه البخاري (3239)، مسلم (165)، واللفظ للبخاري. وروى ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال النبي : «وأراني الليلة عند الكعبة في المنام، فإذا رجل آدم، كأحسن ما يرى من أُدْمِ الرجال، تضرب لمته بين منكبيه، رجل الشعر، يقطر رأسه ماء، واضعا يديه على منكبي رجلين وهو يطوف بالبيت، فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا المسيح ابن مريم…». أخرجه البخاري (3439)، مسلم (169)، واللفظ للبخاري. اللمة: الشعر المتدلي الذي جاوز شحمة الأذنين. تقطر ماء: استعارة لجمال عيسى عليه السلام. العاتق: ما بين المنكب والعنق. فكان عيسى عليه السلام في قامة معتدلة، لونهُ أبيض مُشربٌ بالحمرة، وشعرُ رأسهِ سبط ممتد إلى منكبيه، ولونهُ أسود، كأنه يقطرُ ماءً، ولم يُصبهُ بلل، وذلك من بَهائِهِ، وهو متدفقٌ حيويةً، ونضارةً وبهاءً. انظر: "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 464)، "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (4 /399- 401).

صفته الخُلُقيَّة

أخبر الله سبحانه وتعالى عن بعض صفات عيسى عليه السلام، قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [آل عمران: 45- 46]. وصفات عيسى عليه السلام المذكورة في هذه الآية هي: وجيهًا في الدنيا والآخرة، أي ذو وجه ومنزلة عالية وذو شرف وكرامة عند الله. مقربًا عند الله في الدنيا والآخرة، الذين قربهم الله وأعلى منزلتهم. مكلمًا الناس طفلًا في المهد. مكلمًا الناس كهلًا شيخًا. صالحًا من الصالحين. ومن صفات عيسى عليه السلام الوارد في الآيات أنه زكي، أي الطاهر من الذنوب، والمطهر من الخبائث والمعاصي والنقائص، قال تعالى: ﴿قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا﴾ مريم: 19. ومن صفات عيسى عليه السلام الوارد في الآيات قول الله تعالى: ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ مريم: 30- 33. وصفات عيسى عليه السلام المذكورة في هذه الآيات هي: عيسى عليه السلام عبد الله ونبيه. عيسى عليه السلام مبارك، أفاض الله عليه بركته أينما كان وحيث وجد. عيسى عليه السلام بارٌّ بوالدته. عيسى عليه السلام ليس جبارًا وليس شقيًّا، أي ليس مستكبرًا على الله، بل متواضع متذلل له. عيسى عليه السلام أضفى الله عليه السلام والأمان في المواطن الثلاثة التي هي بحاجة إلى السلام أكثر من غيرها، يوم ولادته ويوم موته، ويوم القيامة عند الفزع. انظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (4 /205- 207، 272- 279).

قصصه

مريم بنت عمران أم عيسى عليه السلام وولادة عيسى عليه السلام.

ورد ذكر أم عيسى عليه السلام في القرآن الكريم أربعة وثلاثين مرة، ثلاثة وعشرين مرة مقرونة بعيسى عليه السلام عيسى بن مريم، وإحدى عشرة مرة مجردا عن عيسى. وتحدثت الآيات في سورة آل عمران وسورة مريم الذي سمت باسمها أثناء الحديث عن ولادتها وكفالة زكريا عليه السلام لها، ومخاطبة الملائكة لها وتبشيرها بعيسى عليه السلام، كما تحدثت الآيات عنها في سورة النساء وكذا مريم في سياق ذم اليهود على كفرهم واتهامهم لها وتقرير كون عيسى عليه السلام كلمة الله ألقاها إلى مريم، وورد الحديث عنها في سورة التحريم في مقام الثناء على إيمانها وتصديقها وقنوتها. انظر: "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 440)، "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (4 /163- 164). وقد أخبرت الملائكة أن الله اصطفى مريم وفضلها على نساء العالمين وطالبتها بالصلاة والعبادة، وكان الله أنشأها نشأة حسنة وأسبغ عليها نعمه وتوفيقه ورعايته، والهم امها بنذرها لله وهيأ لها العيش تحت كنف نبي كريم واكرمها ورزقها، ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ آل عمران: 42- 43. وروى البخاري ومسلم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت النبي يقول: «خير نسائها مريم ابنة عمران، وخير نسائها خديجة». أخرجه البخاري (3815)، ومسلم (2430)، واللفظ للبخاري. وشهد الرسول لها بكمالها ورجاحة عقلها. روى البخاري ومسلم عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله : «كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء: إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام». أخرجه البخاري (3411)، ومسلم (2431)، واللفظ للبخاري. وشهد القرآن الكريم بطهارتها وعفتها، وأثنى عليها خيرا، وأخبر أنها من العابدات القانتات. ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾ التحريم: 12. انظر: "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 443- 444)، "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (4 /188- 196). أرسل الله الملائكة إلى مريم ثانية تبشرها بالولد المعجر، فلما علمت أن الله سيهبها الولد من غير زوج استغربت وفوجئت، فأخبرها جبريل أن الله إذا أراد شيئا قال له كن فيوجد كما أراد الله. ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ آل عمران: 45- 47، ﴿ قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ۖ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا ۚ وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا﴾ مريم: 20- 21. بعد ذلك خرجت مريم من عند أهلها وابتعدت عنهم وانفردت من دونهم، ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا﴾ مريم: 16- 17، فشاء الله ان تحقق البشارة وأن ينفذ لها وعدها، فأرسل لها جبريل في صورة بشرية، ﴿فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا﴾ مريم: 17، ففوجئت مريم بهذا الرجل الغريب، فاستعاذت بالله منه واحتمت به، ﴿ قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا﴾ مريم: 18، فأخبرها جبريل أنه جاء لأمر الله ليهبها مولودها، ﴿قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا﴾ مريم: 19، فنفخ فيها جبريل من روح الله فحملت بعيسى بن مريم. ﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ الأنبياء: 91. وبعدما حملت بعيسى عليه السلام ذهبت به إلى المكان القصي فابتعدت عن أهلها مسافة أبعد، ﴿فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا﴾ مريم: 22، ثم أحست بآلام المخاض والوضع، حتى اضطرت إلى أن تستند إلى جذع النخلة وتعتمد عليه، وكانت الآلام شديدة عليها حتى تمنت الموت أو لا تعرف ولا تذكر، ﴿فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا﴾ مريم: 23، فنادها ناد من تحتها: ﴿أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا﴾ مريم: 24- 26. ثم أتت بوليدها إلى أهلها، فدهشوا واتهموا مريم ضمنا، ﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ ۖ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾ مريم: 27- 28، فأشارت إلى عيسى، ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ﴾ مريم: 29، فاستنكروا عليها، وقالوا: ﴿كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا﴾ مريم: 29، فبدأ عيسى عليه السلام بتقديم نفسه، وقال لهم: ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ مريم: 30- 33. فكان عيسى عليه السلام هو أحد الذين تكلموا في المهد آية من الله ومعجزة. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ، قال: «لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى، وكان في بني إسرائيل رجل يقال له جريج، كان يصلي، جاءته أمه فدعته، فقال: أجيبها أو أصلي، فقالت: اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات، وكان جريج في صومعته، فتعرضت له امرأة وكلمته فأبى، فأتت راعيا فأمكنته من نفسها، فولدت غلاما، فقالت: من جريج فأتوه فكسروا صومعته وأنزلوه وسبوه، فتوضأ وصلى ثم أتى الغلام، فقال: من أبوك يا غلام؟ قال: الراعي، قالوا: نبني صومعتك من ذهب؟ قال: لا، إلا من طين. وكانت امرأة ترضع ابنا لها من بني إسرائيل، فمر بها رجل راكب ذو شارة فقالت: اللهم اجعل ابني مثله، فترك ثديها وأقبل على الراكب، فقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديها يمصه، - قال: أبو هريرة كأني أنظر إلى النبي يمص إصبعه - ثم مر بأمة، فقالت: اللهم لا تجعل ابني مثل هذه، فترك ثديها، فقال: اللهم اجعلني مثلها، فقالت: لم ذاك؟ فقال: الراكب جبار من الجبابرة، وهذه الأمة يقولون: سرقت، زنيت، ولم تفعل». أخرجه البخاري (3436)، ومسلم (2550)، واللفظ للبخاري. أخبر الله عز وجل أن هذا هو الحق في قصة عيسى، وليس ما يقوله النصارى أو غيرهم تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. ﴿ذَٰلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ ۖ سُبْحَانَهُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ مريم: 34- 35. انظر: "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 445- 452)، "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (4 /196- 283).

قصة عيسى عليه السلام مع الرجل السارق.

روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله قال: «رأى عيسى ابن مريم رجلاً يَسرِق، فقال له: أَسَرقت؟ قال: كلا والذي لا إله إلا هو، فقال عيسى: آمنت بالله، وَكذّبتُ عيني». أخرجه البخاري (3444). وقصة ذلك أن عيسى عليه السلام مرَّ على رجلٍ، فرآهُ يأخذ مالًا لا يَحِلُ لَه، فخاطبه عليه السلام موبخًا: أَسرَقت؟، فبدلًا من أن يعترف الرجل بذنبه، ويستغفر من زلته، وهو يرى افتضاحَ أمره أمام نبيٍ يَتنزل عليه الوحي، إذا بِهِ يُقسِمُ بأغلَظِ الأَيمان أنه لم يسرق شيئًا: كلا؛ والله الذي لا إله إلا هو، ولأجلِ ما قامَ في قلب النبي عيسى من تعظيمٍ وتقديسٍ لله تعالى، أرجَعَ الخطأَ إلى عينه، فكذّبَ نفسه، وصَدَّق السارق، وذلك لشدة إيمانه بالله عزّ وجلّ. انظر: "صحيح القصص النبوي" لعمر الأشقر (ص 175- 176)، "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (4 /401).

الحواريون وطلبهم نزول المائدة من عيسى عليه السلام.

قامَ عيسى عليه السلام يدعو قومه إلى عبادة الله وتوحيده، فلم يؤمن بِهِ إلا عددٌ من الصالحين، أُطلق عليهم الحواريون، وهم أنصار عيسى عليه السلام، ولما راى واحس عيسى عليه السلام كفر بني إسرائيل دعا أتباعه الحواريين إلى نصرته فاستجابوا له. ﴿ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ * رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ آل عمران: 52- 53. طَلبَ الحواريون من عيسى عليه السلام أن يُنزل عليهم مائدةٍ من السماء، ﴿إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾ المائدة: 112. وقد كره عيسى عليه السلام سؤالهم فقال لهم: ﴿قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ المائدة: 112، لكن الحواريين لم يكونوا يشكّون في قدرة الله، بل طلبوا نزول المائدة رغبةً في أن ينالوا البركة، ولِحاجتهم للطعام وليكونوا شهداء على صدق معجزات عيسى عليه السلام، فقالوا لعيسى جوابا: ﴿قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ المائدة: 113. وبعدما عرف عيسى عليه السلام أنهم مؤمنون، وعرفَ أهدافهم من طلب المائدة اطمأنَ لإيمانهم، وطلب من الله أن يُنزل عليهم مائدةً من السماء، وطلب منهم عيسى عليه أن يقابلوا المعجزة بإيمانهم بالله وشكره والثناء عليه. ﴿قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ المائدة: 114. واستجاب الله لطلبهم، إلا أنه أخبرهم أن من يقابل هذه المعجزة بالكفر فإنه سيعذبه عذابًا شديدًا أليمًا، لم يسبق أن عذب به أحد من العالمين. ﴿قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ المائدة: 115. انظر: "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 454- 457)، "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (4 /312- 333).

نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان.

أخبرنا الله عز وجل ورسوله أن عيسى عليه السلام سينزل آخر الزمان بأمر الله وإرادته، فهو عليه السلام حي لم يمت، ولو مات لم يبعث ثانية إلا عند قيام الساعة، وكما كلم الناس وهو في المهد آية من الله ومعجزة سيكلم الناس في الكهل ويسمعونه معجزة من الله، قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا﴾ سورة المائدة: 110، ﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ آل عمران: 46. روى أبو هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله : «والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها»، ثم يقول أبو هريرة: واقرؤوا إن شئتم: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَيَوْمَ القِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا﴾ النساء: 159». أخرجه البخاري (3448)، ومسلم (155)، واللفظ للبخاري. ونزوله عليه السلام آخر الزمان هو علم من علامات الساعة الكبرى، ودلالة على قرب قيامها. ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ﴾ الزحرف: 51. روى مسلم عن حذيفة بن أسيد الغفاري، قال: اطلع النبي علينا ونحن نتذاكر، فقال: ما تذاكرون؟ قالوا: نذكر الساعة، قال: «إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات - فذكر - الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم ، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن، تطرد الناس إلى محشرهم». أخرجه مسلم (2901). وينزل عيسى عليه السلام على قوم مسلمين مجاهدين حيث تكون الطائفة على الحق، فيصلي معهم خلف إمامهم، ولا يؤمهم. روى مسلم عن جابر بن عبد الله، يقول: سمعت النبي يقول: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى ابن مريم ، فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة». أخرجه مسلم (156). وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم، وإمامكم منكم». أخرجه البخاري (3449)، ومسلم (155)، واللفظ للبخاري. وقد ذكر لنا رسول الله الأحداث التي ترافق نزول عيسى عليه السلام وما يحدث بعده، من قيام المهدي بالأمر بالمسلمين، وخروج الدجال وعوثه الفساد في الأرض، ينظر تفاصيلها في مواضعها، نذكر هنا بعضها. منها: ما رواه مسلم عن النواس بن سمعان، قال: «ذكر رسول الله الدجال ذات غداة، فخفض فيه ورفع، حتى ظنناه في طائفة النخل، فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا، فقال: ما شأنكم؟ قلنا: يا رسول الله ذكرت الدجال غداة، فخفضت فيه ورفعت، حتى ظنناه في طائفة النخل، فقال: غير الدجال أخوفني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم، فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم، فامرؤ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم، إنه شاب قطط، عينه طافئة، كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن، فمن أدركه منكم، فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، إنه خارج خلة بين الشأم والعراق، فعاث يمينا وعاث شمالا، يا عباد الله فاثبتوا. قلنا: يا رسول الله وما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوما، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم قلنا: يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة، أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، اقدروا له قدره. قلنا: يا رسول الله وما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرته الريح، فيأتي على القوم فيدعوهم، فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم، أطول ما كانت ذرا، وأسبغه ضروعا، وأمده خواصر، ثم يأتي القوم، فيدعوهم فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة، فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا، فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض، ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه، يضحك، فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، بين مهرودتين، واضعا كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبه حتى يدركه بباب لد، فيقتله، ثم يأتي عيسى ابن مريم قوم قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى: إني قد أخرجت عبادا لي، لا يدان لأحد بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور ويبعث الله يأجوج ومأجوج، وهم من كل حدب ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماء، ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه، حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه، فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله، فيرسل الله طيرا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة، ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك، وردي بركتك، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرسل، حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس، فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا طيبة، فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم، ويبقى شرار الناس، يتهارجون فيها تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة». أخرجه مسلم (2938). وروى أبو داود وابن ماجه عن أبي أمامة الباهلي، قال: «خطبنا رسول الله ، فكان أكثر خطبته حديثا، حدثناه عن الدجال، وحذرناه، فكان من قوله أن قال: …فقالت أم شريك بنت أبي العكر: يا رسول الله فأين العرب يومئذ؟ قال: هم يومئذ قليل، وجلهم ببيت المقدس، وإمامهم رجل صالح، فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح، إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم الصبح، فرجع ذلك الإمام ينكص، يمشي القهقرى، ليتقدم عيسى يصلي بالناس، فيضع عيسى يده بين كتفيه، ثم يقول له: تقدم فصل، فإنها لك أقيمت، فيصلي بهم إمامهم، فإذا انصرف، قال عيسى عليه السلام: افتحوا الباب، فيفتح، ووراءه الدجال معه سبعون ألف يهودي، كلهم ذو سيف محلى وساج، فإذا نظر إليه الدجال ذاب، كما يذوب الملح في الماء، وينطلق هاربا، ويقول عيسى عليه السلام: إن لي فيك ضربة، لن تسبقني بها، فيدركه عند باب اللد الشرقي، فيقتله، فيهزم الله اليهود، فلا يبقى شيء مما خلق الله يتوارى به يهودي إلا أنطق الله ذلك الشيء، لا حجر، ولا شجر، ولا حائط، ولا دابة، إلا الغرقدة، فإنها من شجرهم، لا تنطق، إلا قال: يا عبد الله المسلم هذا يهودي، فتعال اقتله. قال رسول الله : وإن أيامه أربعون سنة، السنة كنصف السنة، والسنة كالشهر، والشهر كالجمعة، وآخر أيامه كالشررة، يصبح أحدكم على باب المدينة، فلا يبلغ بابها الآخر حتى يمسي، فقيل له: يا رسول الله كيف نصلي في تلك الأيام القصار؟ قال: تقدرون فيها الصلاة كما تقدرونها في هذه الأيام الطوال، ثم صلوا، قال رسول الله : فيكون عيسى ابن مريم عليه السلام في أمتي حكما عدلا، وإماما مقسطا، يدق الصليب، ويذبح الخنزير، ويضع الجزية، ويترك الصدقة، فلا يسعى على شاة، ولا بعير، وترفع الشحناء، والتباغض، وتنزع حمة كل ذات حمة، حتى يدخل الوليد يده في في الحية، فلا تضره، وتفر الوليدة الأسد، فلا يضرها، ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها، وتملأ الأرض من السلم كما يملأ الإناء من الماء، وتكون الكلمة واحدة، فلا يعبد إلا الله، وتضع الحرب أوزارها، وتسلب قريش ملكها، وتكون الأرض كفاثور الفضة، تنبت نباتها بعهد آدم حتى يجتمع النفر على القطف من العنب فيشبعهم، ويجتمع النفر على الرمانة فتشبعهم، ويكون الثور بكذا وكذا من المال، وتكون الفرس بالدريهمات، قالوا: يا رسول الله وما يرخص الفرس؟ قال: لا تركب لحرب أبدا، قيل له: فما يغلي الثور؟ قال تحرث الأرض كلها، وإن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد، يصيب الناس فيها جوع شديد، يأمر الله السماء في السنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها، ويأمر الأرض فتحبس ثلث نباتها، ثم يأمر السماء، في الثانية فتحبس ثلثي مطرها، ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها، ثم يأمر الله السماء، في السنة الثالثة، فتحبس مطرها كله، فلا تقطر قطرة، ويأمر الأرض، فتحبس نباتها كله، فلا تنبت خضراء، فلا تبقى ذات ظلف إلا هلكت، إلا ما شاء الله، قيل: فما يعيش الناس في ذلك الزمان؟ قال: التهليل، والتكبير، والتسبيح، والتحميد، ويجرى ذلك عليهم مجرى الطعام». أخرجه أبو داود (4322)، ابن ماجه (4077)، واللفظ له، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تخريجه على السنن: «إسناده ضعيف لانقطاعه فإن السيباني لم يسمع من أبي أمامة، بينهما في الإسناد عمرو بن عبد الله السيباني الحضرمي كلما رواه ضمرة بن ربيعة وعطاء الخراساني كلما سيأتي، وهو الذي صوبه المزي في "التهذيب" في ترجمة زرعة السيباني، وابن حجر في "النكت الظراف" 4 /175. وإسماعيل بن رافع ضعيف الحديث، ولعل الوهم منه. وقال ابن كثير في "تفسيره" 2 /413: هذا حديث غريب جدا من هذا الوجه، ولبعضه شواهد من أحاديث آخر». وأخبرنا رسول الله أن عيسى عليه السلام بعد نزوله إلى الأرض يمكث فيها أربعين سنة، يعيش فيها ويقوم بالأعمال العظيمة، ثم يتوفى موتا طبيعيا، ويدفنه المسلمون بعد أن يصلوا عليه. روى أبو هريرة، أن النبي قال: «ليس بيني وبينه نبي - يعني عيسى - وإنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه: رجل مربوع إلى الحمرة والبياض، بين ممصرتين، كأن رأسه يقطر، وإن لم يصبه بلل، فيقاتل الناس على الإسلام، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام، ويهلك المسيح الدجال، فيمكث في الأرض أربعين سنة، ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون». أخرجه أبو داود (4324)، حديث صحيح دون قوله: "فيصلي عليه المسلمون"، وهذا إسناد منقطع. فإن قتادة -وهو ابن دعامة السدوسي- لم يسمع من عبد الرحمن بن آدم فيما نص عليه ابن معين، نقله عنه ابن أبي حاتم في "المراسيل" (633)، ومع ذلك فقد صحح هذا الإسناد الحافظ ابن حجر في "الفتح" 6 /493، وقال الحافظ ابن كثير في "النهاية" 1 /188: هذا إسناد جيد قوي. انظر: "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 470- 472)، "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (4 /401- 424).

نبوته

شبَّ عيسى عليه السلام وعاشَ صِباه وشبابه طاهرًا تقيًا، يحفظه الله ويحميه ويرعاه، ويبعده عن الشيطان ووساوسه، حتى أَنزَل عليه الوحي، وجعله نبيًا رسولًا، وبعثَهُ إلى بني إسرائيل، وأنزل عليه كتابه الإنجيل. جاء في كتاب الله تعالى على لسان عيسى عليه السلام: ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾ مريم: 30، ﴿وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ * وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ آل عمران: 48- 49. ولا يُحدد لنا القرآن عمره عندما بعثه الله وأنزلَ عليه كتابه، فلا نخوض في ذلك. انظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (4 /285). إنزال الكتاب على عيسى عليه السلام: أنزل الله سبحانه على عيسى عليه السلام كتابه الإنجيل، والإنجيل كلمة أعجمية غير عربية، وقد وردت في القرآن الكريم اثني عشر مرة، منها قول الله تعالى: ﴿وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ﴾ المائدة: 46. وقد ورد بعض أوصاف الإنجيل في القرآن الكريم، منها: جعل الله الإنجيل مصدقا للتوراة ومكملا لأحكامه. قال تعالى: ﴿وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ﴾ آل عمران: 50. وجعل في الإنجيل غير المحرف هدى ونور. قال تعالى: ﴿وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ * وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ المائدة: 46- 47. روى واثلة بن الأسقع، أن رسول الله قال: «أنزلت صحف إبراهيم عليه السلام في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الفرقان لأربع وعشرين خلت من رمضان». أخرجه أحمد (16984)، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تخريجه على المسند: «حديث ضعيف، تفرد به عمران القطان، وهو ممن لا يحتمل تفرده، وقد ضعفه أبو داود والنسائي والعقيلي وابن معين في رواية، وقال في رواية: صالح الحديث، وقال أحمد: أرجو أن يكون صالح الحديث. وقال البخاري: صدوق يهم. وقال الدارقطني: كان كثير المخالفة والوهم، وقال ابن عدي: هو ممن يكتب حديثه. قلنا: وبقية رجال الإسناد ثقات رجال الشيخين غير شيخ أحمد أبي سعيد مولى بني هاشم- وهو عبد الرحمن بن عبد الله- فقد أخرج له البخاري متابعة، وهو ثقة». وبيّن القرآن الكريم لنا بعض الأوامر التي ألقاها عيسى عليه السلام على بني إسرائيل. قال تعالى: ﴿ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ۚ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۗ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ﴾ آل عمران: 50- 51 وأخبرنا الله عز وجل عن بعض ما أورده في الانجيل، بقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ التوبة: 111. وقد بشر عيسى عليه السلام أتباعه من بني إسرائيل بقدوم النبي محمد . قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ سورة الصف: 6. وروى العرباض بن سارية قال: سمعت رسول الله يقول: «إني عند الله في أم الكتاب لخاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل في طينته، وسأنبئكم بتأويل ذلك، دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى قومه، ورؤيا أمي التي رأت أنه خرج منها نور، أضاءت له قصور الشام». أخرجه أحمد (4 /127- 128)، والبيهقي في الدلائل (1 /80)، والطبراني في الكبير (18 /252)، والبزار في كشف الأستار (2365)، والحاكم (2 /6)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8 /223): «رواه أحمد بأسانيد والطبراني بنحوه والبزار وأحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح غير سعيد بن سويد وقد وثقه ابن حبان وللحديث شواهد من حديث ميسرة الفجر أخرجه أحمد (5 /59)، والحاكم (2 /608- 609)، والبيهقي في الدلائل (1 /84- 85)، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي». وورد وصف النبي محمد في الانجيل. قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ الأعراف: 157- 158. كما ذكر الله بعض صفات المؤمنين أتباع محمد رسول الله في الإنجيل. قال تعالى: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ الفتح: 29. انظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (4 /285- 294، 333- 339). المعجزات: هناك آيات ومعجزات رافقت خلق عيسى عليه السلام وميلاده وطفولته سبقت الإشارة إليها في مواضعها، وبعدما صار عيسى عليه السلام شابا وجعله الله نبيا رسولا أيده بالمعجزات والآيات التي تصدق نبوته، وأقام على بني إسرائيل فيها الحجة. قال تعالى: ﴿وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾ البقرة: 87. فمن هذه المعجزات: تأييد الله له بروح القدس، فكان جبريل عليه السلام يقويه ويؤيده في دعوته إلى الله، وامتن الله على عيسى بذلك. قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾ المائدة: 110. ومنها أيضا: إيجاده الطير الحي من التمثال الجامد، وإبراؤه الأكمه والأبرص، وإحياؤه الموتى، واخبارهم بما يأكلون ويدخرون في بيوتهم. قال تعالى: ﴿وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ آل عمران: 49، ﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ۖ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ۖ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ۖ وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ المائدة: 110. انظر: "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 452- 454)، "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (4 /295- 311).

دعوته

ودعا عيسى عليه السلام قومه إلى عبادة الله عز وجل وتوحيده، وأظهرَ لهم المعجزات التي أَيدهُ الله تعالى بها، ومنها أن ينفخ في الطين فيكونَ طيرًا، وأن يبرئ الأكمة والأبرص، وأنه يُحيي الموتى بإذن الله وغيرهم من المعجزات، واخبارهم بما غاب عنه من أصناف طعامهم ومدخراتهم، لكنَّ قومه لم يصدقوه وكفروا به، ووصفوه بأنه ساحر، وآمنت به طائفة قليلة من بني إسرائيل أُطلِقَ عليهم الحواريون، ولما رأى عيسى عليه السلام كُفر بني إسرائيل، طَلب من الحواريين أن ينصروه، وقد لبّوا دعوته. انظر: "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 454)، "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (4 /312).

وفاته

ولم يكتفِ اليهودُ بالكفر بعيسى عليه السلام، بل وصلوا إلى مستوى أفظع وأرادوا قتله، لكن الله عزّ وجلّ توفاه ورفعهُ إليه، ونجاه الله من هذا القوم، قال تعالى: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ * إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ * وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ آل عمران: 54- 57، واختلف العلماء في إني متوفيك ورافعك إلي على أقوال عدة، والراجح فيها والاقرب إلى الصواب أن التوفي هنا بمعنى النوم، فالله ألقى عليه النوم، ولما نام رفعه إليه، والوفاة الحقيقية لعيسى عليه السلام سيكون بعد عودته إلى الأرض ثانية آخر الزمان. وقد امتن الله على عيسى عليه السلام بان حفظه ووقاه شر قومه. قال تعالى: ﴿وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ المائدة: 110. وذلك بأن ألقى الله عزّ وجلّ على شخص شبه عيسى عليه السلام فقتلوه وصلبوه، وهم يظنون أنهم قتلوا المسيح عليه السلام، قال تعالى: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا * وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا * وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا﴾ النساء: 155- 159. انظر: "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 458- 463)، "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (4 /346- 386).

دروس وعِبَر

ولم يكتفِ اليهودُ بالكفر بعيسى عليه السلام، بل وصلوا إلى مستوى أفظع وأرادوا قتله، لكن الله عزّ وجلّ توفاه ورفعهُ إليه، ونجاه الله من هذا القوم، قال تعالى: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ * إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ * وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ آل عمران: 54- 57، واختلف العلماء في إني متوفيك ورافعك إلي على أقوال عدة، والراجح فيها والاقرب إلى الصواب أن التوفي هنا بمعنى النوم، فالله ألقى عليه النوم، ولما نام رفعه إليه، والوفاة الحقيقية لعيسى عليه السلام سيكون بعد عودته إلى الأرض ثانية آخر الزمان. وقد امتن الله على عيسى عليه السلام بان حفظه ووقاه شر قومه. قال تعالى: ﴿وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ المائدة: 110. وذلك بأن ألقى الله عزّ وجلّ على شخص شبه عيسى عليه السلام فقتلوه وصلبوه، وهم يظنون أنهم قتلوا المسيح عليه السلام، قال تعالى: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا * وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا * وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا﴾ النساء: 155- 159. انظر: "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 458- 463)، "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (4 /346- 386).

المواد الدعوية