البحث

عبارات مقترحة:

الغفار

كلمة (غفّار) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (غَفَرَ يغْفِرُ)،...

المحسن

كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...

الحليم

كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...

التوازن

‌التوازن بين خطاب القلب والعقل في القرآن الكريم: ونظراً لأهمية هذا ‌التوازن في مخاطبة الناس، فقد جاء القرآن الكريم متوازناً توازناً بديعاً في هذا الشأن، فقد تضمن الأسلوب القرآني هذين الأمرين. فانظر إلى هذه النصوص، وهي تطرح البرهان، وتثير العقل. ﴿أم اتخذواءَالِهَةً مّنَ الأَرضِ هُمْ يُنْشِرُونَ * لَوْ كَانَ فِيهِمَآءَالِهَةٌ إِلاّ اللهُ لَفَسَدَتَا. . ﴾ [الأنبياء الآيتان: 21، 22]. ﴿قُلْ لّوْ كَانَ مَعَهُءَالِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاّبْتَغَوْا إِلَىَ ذِى الْعَرْشِ سَبِيلاً﴾ [الإسراء: 42]. ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ [الطور: 35]. فما أبدعها من إلزامات عقلية، وما أصدقها من براهين فكرية. . تخضع لها العقول الصحيحة، ويُسلّم لها الفكر السليم! وانظر إلى الجانب الثاني، جانب النصوص التي تثير وجدان الإنسان، وتحرك عاطفته، بأسلوب رقيق، وعبارات مؤثرة. ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلّذِينَءَامَنُوَا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقّ وَلا يَكُونُوا كَالّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد: 16]. ﴿مّا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وءَامَنْتُمْ. . ﴾ الآية [النساء: 147] ﴿وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الّذِينَ يَتّبِعُونَ الشّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً﴾ [النساء: 27] ﴿وَلَوْ أَنّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبيتَاً﴾ الآية [النساء: 66]. ومن جميل ما تضمنه القرآن الكريم: أن يحوي النص الواحد على مايثير العقل، ويحرك العاطفة، ومن ذلك: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْلّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ﴾ [القصص: 71]. ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَىَ قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ﴾ [الأنعام: 46]. ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مّعِينٍ﴾ [الملك: 30]. فانظر - يا رعاك الله- كيف حرك الله العقل بقوله: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُم. . ﴾ أي: ما رأيكم؟ - وهو تحريك للعقل، وإثارة للفكر - كيما يحمله هذا الأمر على التذكير، ويدفعه إلى التفكير، فيما لو حصل ما نبه الله إليه، من استدامة الليل، أو استدامة النهار. الأمر الذي يدفعه إلى مزيد من الإيمان، ومزيد من شكر الله على نعمه. ثم كان طرح الأمر طرحاً مثيراً للعاطفة. . يدفع إلى الخوف من الله: أن يجعل ﴿الليل سرمداً. . ﴾، ﴿النهار سرمداً﴾. . ﴿أخذُ السمع﴾. . ﴿أخذُ البصر﴾. . ﴿ختمُ القلب﴾ وفي هذا؛ تحريك للوجدان، لخشية الرحمن، والالتجاء إليه، والإيمان بربوبيته، وأنه بيده كل شيء، وهو قادر على كل شيء. . والإيمان بألوهيته. . حتى يُعبدَ وحده. . ولا يُلجأ إلى أحد سواه. . وتأمل قوله تعالى: ﴿أَمّن يُجِيبُ الْمُضْطَرّ إِذَا دَعَاهُ ويَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ الأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ الله. . ﴾ الآية [النمل: 62] كيف جمع بين خطاب العقل، ومناجاة القلب. ففي قوله تعالى: ﴿أمن يجيب المضطر﴾، وقوله: ﴿أإله مع الله﴾، محاكاة عقلية. . وقضية فكرية. . فإذا لم يكن يستطيع ذلك إلا الله، فلِمَ اللجوء إلى غيره. . ؟ ! ؟ فهل لكم عقول تفكر؟ أو قلوب تعقل. . ؟ ! أيكون مع هذا الإله العظيم، الذي هو على كل شيء قدير، آلهة ضعفاء، يردّون ما أخذ الله منكم، أو يجيبونكم إن لم يجبكم الله؟ ! ؟ ومن خلال هذا الطرح العقلاني، يسوق الله ذلك بأسلوب عاطفي، يناجي به القلوب، ويحرك به الوجدان. فَذِكْر الله في خطابه (المضطر)، و (كشف السوء)، و (الدعاء) فيه مخاطبة للأفئدة، ومناجاة للعاطفة، لأن الاضطرار، وكشف الضرر، تتأثر بها القلوب، ويستفيض لها الوجدان. . ﴿أَفَلا يَتَدَبّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىَ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ﴾ [محمد: 24] اللهم اجعلنا من المتدبرين. ولو أردنا تتبع هذا في القرآن الكريم، لطال بنا المقام طولاً بعيداً عن المقصود. التوازن بين العقل والعاطفة عند الرسل: وكذلك نهج الرسل هذا المنهج العظيم، منهج الموازنة في الخطاب بين العقل والعاطفة. فانظر إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهو يجمع بين مخاطبة القلب والعقل إذ يقول: ﴿يَأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يَبْصِرُ. . ﴾ الآية [مريم: 42]. ففي قوله: يا أبت. . مخاطبة للقلب، وإثارة للعاطفة. وفي قوله: ﴿لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يَبْصِرُ. . ﴾ خطاب للعقل، وحض على التفكير. وفي مثل هذا المقام نجد هارون يقول لأخيه موسى عليهما الصلاة والسلام: ﴿يَبْنَؤُمّ. .. ﴾. الآية [طه: 94] ولا يخفى مافي هذا الخطاب الرقيق، من تحريك لوجدان موسى عليهما الصلاة والسلام. ويقول يوسف عليه الصلاة والسلام لمن معه في السجن ﴿يَا صَاحِبَىِ السِّجْنِءَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ القَهَار * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلآ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنْتُمْ وَءَابآؤُكُمْ مَّآ أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَاّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلَاّ تَعْبُدُوا إِلَاّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: 39 - 40] وقد تضمن هذا الأسلوب عاطفة. . وعقلانية. . وتقريراً. . ففي قوله : يا صاحبي السجن: عاطفة؛ إذ لم يجد شيئا آخر يحرك به عاطفتهم تجاهه إلا صحبة السجن. وفي قوله: أرباب متفرقون. .. ، تحريك للعقل، ونجش للتفكير. وفي قوله: ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَاّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنْتُمْ وءَابَآؤُكُمْ﴾ تقرير وحكم. "منهج الدعوة في ضوء الواقع المعاصر" للعرعور.