البحث

عبارات مقترحة:

المجيب

كلمة (المجيب) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أجاب يُجيب) وهو مأخوذ من...

القيوم

كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...

المتعالي

كلمة المتعالي في اللغة اسم فاعل من الفعل (تعالى)، واسم الله...

الشمول

الإنسان في هذا الكون مُتعدِّد العلاقات، متشابك المصالح والمنافع، متصادم الرغبات، بين ما يحمله بين ثنايا نفسه من الأنانية والأثرة وحب الذات، وما تُمليه عليه مصلحته من التعاون مع أفراد مجتمعه من خلال علاقاته الأُسَرية والاجتماعية. وقبل هذا فهو خلْق من مخلوقات الله وأثَر من آثار قُدرته، يجب عليه طاعته وعبادته. والطاعة والعبادة لله يمنعان النفس البشرية من الاندفاع وراء نزواتها وشهواتها، فضلاً عن علاقة الإنسان بكل مظاهر الكون من حوله، من حيوان أو نبات أو جماد. فالبشر في حاجة إلى تشريع متكامل يُحقِّق الرغبات، ويفي بالحاجات، ويحول دون التصادم والتعارض، ويعادل ويوازن بين الدوافع والموانع، بين الأوامر والنواهي، بين الحلال والحرام، بين الحق والباطل، بين الظلم والعدل، بين الإيمان والكفر. وليس غير الإسلام وحده الذي يفي بالغرض. فهو نظام إلهي شامل لجميع شؤون الحياة موجِّه لسلوك الإنسان، منظِّم لعلاقة الإنسان بربّه من خلال العقائد والعبادات، ومنسِّق لعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان من خلال الأخلاق والمعاملات الإسلامية. وشمول الإسلام لشؤون الحياة وسلوك الإنسان هو شمول عام محيط بكل أمور الدِّين والدنيا، لا يقبل تخصيصاً ولا استثناءً؛ فالبشر جميعاً في دائرة أحكامه سواء، كما قال : ((الناس سواسية كأسنان المشط، لا فضْل لعربيّ على أعجمي، ولا لأبيض على أسود، إلاّ بالتقوى والعمل الصالح. كلّكم لآدم، وآدم من تراب. إنّ أكرمَكم عند الله أتقاكم)). وهذا هو الفرق بين الإسلام في شمول تعاليمه، وبين شرائع وقوانين البشَر التي تعالج أمور الإنسان من زاوية خاصّة بهذا التشريع، ولا شأن لها بالأمور الأخرى. والمسلم أمام شرع الله يجب أن يؤمن به كلّه، وأن يلتزم بكلّ ما أمر الله به، وأن يجتنب كلّ ما نهى الله عنه. فليس من كمال الإيمان: أن يأخذ الإنسان من الدِّين ما يُحقِّق منفعته الذاتية ورغباته، ويُبعد ما يحول دون شهواته ورغباته. قال تعالى محذِّراً من تجزئة الأحكام الشرعية وأخْذ البعض وتعطيل البعض الآخر: ﴿أََفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَاّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ (البقرة: 85). كما ليس من صحيح الإيمان أن يُستعاض عن شرع الله بما شرعه البشَر من قوانين ونُظم، قال تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ (المائدة: 50). فالإسلام عبر تشريعاته يهتمّ بالإنسان من حيث تكوينه النفسي والجسدي، فنظَّم الغرائز كغريزة حبّ التملك أو الجنس وغيرهما، فلا يحرمه منها. ولم يترك له الانغماس فيها، والوقوع في براثن شهواتها، ولكنّه يلائم وينسِّق بين رغبات الجسم ومتطلبات الروح، ويوازن بين متطلّبات الفرد ومصلحة المجتمع دون إفراط أو تفريط. ولم يَنْحُ نحو المسيحية في الانخراط في سلك الرهبانية والانعزال عن الدنيا، وفصْل الدِّين عن المجتمع وَفْق مقولة خاطئة: "دعْ ما لقيصر لقيصر، وما لله لله". ولم ينهج نهج اليهودية التي اتّسمت بالمادية المطْلَقة. ولكنه وضع التشريعات التي تتّسم بالإحاطة والشمول، وتتناول حياة الإنسان منذ ولادته، وحتى يخرج من هذه الحياة. فأنّى تلفّت المسلم في حياته اليومية، أو خطا خطوات في جانب من جوانب الحياة -سياسية، أو اقتصادية، أو ثقافية، أو اجتماعية- إلا وجد شرائع الإسلام وأحكامه مِن حوله تحوطه بالعناية والرعاية، وتكبح جماح شهواته في حنو ورحمة، وتأخذ بيده في سهولة ويسر، وتسمو بالإنسان في بساطة وإقناع. والشمول والإحاطة التي اختصّ بها الإسلام نظّمتها التشريعات والأحكام التالية: 1 - كل ما يتعلق بعلاقة الإنسان بخالقه، كالإيمان بوجود الله ووحدانيته، والتصديق بكتبه ورسُله واليوم الآخر، والتسليم بالقضاء والقدَر، والرّضى بما قسم الله من أرزاق، والتزام العبودية والطاعة من خلال ما يؤدّى من عبادات كالصلاة والصوم والزكاة والحج، وغير ذلك من العبادات التطوعية التي توثِّق الصلة بين الخلْق والخالق سبحانه. 2 - الأحكام التي تتعلّق بتنظيم علاقات الأفراد فيما بينهم. وهذه على أنواع منها: أ- أحكام الأسْرة من: نكاح، وطلاق، وميراث، ونفقة، وغيرها. .. وتسمَّى في الاصطلاح الحديث بـ"أحكام الأسرة، أو "قوانين الأحوال الشخصية". ب- أحكام تتعلّق بالقضاء، والدّعوى، وأصول الحُكم، والشهادة، واليمين. وهي تدخل فيما يسمَّى بـ"قانون المرافعات". ج- أحكام تتعلّق بعلاقات الأفراد ومعاملاتهم، كالبيع، والرّهن، والإجارة، والكفالة. وهي تسمَّى في الاصطلاح الحديث بـ"أحكام المعاملات المالية"، أو "القانون المدني". د- أحكام تتعلّق بمعاملات الأجانب غير المسلمين، عند دخولهم إلى أقاليم الدّولة الإسلامية، والحقوق التي يتمتّعون بها، والتكاليف التي يلتزمون بها. وهذه الأحكام تدخل فيما يسمَّى اليوم بـ"القانون الدّولي الخاصّ". هـ- الأحكام التي تتعلّق بتنظيم علاقات الدولة الإسلامية بالدّول الأخرى في السّلم والحرب، وتدخل اليوم فيما يسمّى بـ"القانون الدّولي العامّ". وأحكام تتعلّق بنظام الحُكم وقواعده، وكيفية اختيار رئيس الدولة وشكل الحكومة، وعلاقة الأفراد بها، وحقوقهم إزاءها. وهي ما يُطلق عليه بـ"القانون الدستوري". ز- ما يتعلّق بموارد الدولة ومصارفها، وتنظيم العلاقات المالية بين الأفراد والدولة، وبين الأغنياء والفقراء. وهي تدخل في "القانون المالي" بمختلف فروعه. ح- أحكام تتعلّق بتحديد علاقة الفرد بالدولة، من جهة الأفعال المنهيّ عنها. ومن بين ثنايا هذه التشريعات، يبرز الإسلام كنظام فريد تتضاءل أمامه كلّ تشريعات الشرق والغرب، ولا يقارَن به دِين من الأديان أو شريعة من الشرائع، لأن الله تكفّل بحِفْظه، وضمن له الخلود والبقاء. وصان القرآن الكريم الذي هو مصدر تلك التشريعات، من التحريف والتغيير. قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ (فُصِّلَت: 41، 42). "أصول الدعوة وطرقها".