البحث

عبارات مقترحة:

المجيب

كلمة (المجيب) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أجاب يُجيب) وهو مأخوذ من...

الأول

(الأوَّل) كلمةٌ تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

الرفيق

كلمة (الرفيق) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) من الرفق، وهو...

الربانية

لقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، وأودع بين حنايا نفْسه العقلَ الذي يُفكِّر به واللسان الذي ينطق، وخلَق في كيانه العواطف والمشاعر التي تختلف إدراكاتها وأحاسيسها من شخص لآخر. كما أنّ النفس البشرية تضمّ بين جوانبها العديد من الغرائز التي تتفاعل وتتصادم لإشباع رغباتها، إلى غير ذلك ممّا أبدعه الله في خلْق الإنسان من أسرار كشَفَ العلْم عن القليل منها، وما زال يُجهد نفسه للبحث عن أمور أخرى. قال تعالى: ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ (الذاريات: 21). هذا الخلْق المبدع والتصوير المبهر، لا أحَد من البشَر يعْلم أسراره أو يقف على حِكمة خلْقه، إلاّ الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ (ق: 16). يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: "يُخبر الله عن قُدرته على الإنسان، بأنه خالقُه، وعلْمه محيط بجميع أموره، حتى إنه تعالى يعلم ما توسوس به نفوس بني آدم من الخير والشر" وعن هذه الإحاطة الشاملة بالكون والإنسان، يقول الله تعالى: ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ (طه: 6، 7). فالله سبحانه وتعالى عليم خبير بأحوال العباد، يعلم ما يُحقِّق لهم السعادة وما يجلب لهم الشقاء؛ فجاءت التشريعات من خلال وحي السماء ورسالات الأنبياء، تتوافق وتتلاءم مع فطرة الإنسان التي فطَره الله عليها. فهذه التشريعات توازن بين متطلَّبات الروح والعقل، ورغبات الجسد، وتُراعي مصلحة الفرد في إطار مصلحة الجماعة، وتعمل على تناسق حياة الإنسان مع حركة الكون. هذا، وإنه ممّا تفرّدت به الدعوة إلى الله، واختصّت به عن غيرها من الرسالات السابقة: أن أحكامها وتشريعاتها فيما يخصّ العقائد والعبادات والمعاملات وحْي من الله تعالى، نزل به جبريل الأمين على رسوله ؛ قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ (الشعراء: 192 - 195)، وقال تعالى: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَاّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾ (النجم: 1 - 5). ولقد ترتب على ربّانية الدّعوة إلى الله ما يلي: أ- تناسقها مع فطرة الإنسان، وإشباعها لمتطلّبات الروح والجسد، قال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (الروم: 30) ب- كمال التشريعات وخلوّها من النقائض النقائص؛ فتشريعات الله كاملة سابغة، تُلبِّي حاجات الإنسان السّويّ، ولها صفة الدوام والاستمرار، وتلائم كلّ زمان ومكان، وتناسب كلّ أجناس البشّر، وهم جميعاً أمام شرع الله سواء، ممّا يُحقِّق العدل للإنسانية والأمن والاستقرار في العالَم. قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً﴾ (المائدة: 3). وكوْن هذه العقائد والتشريعات من قِبل المولى سبحانه وتعالى، ومن رسول الله ، فإنّ هذا يُكسبها القداسة والهيبة والتعظيم، وأوجب للالتزام، وأدعى إلى سرعة الامتثال؛ فهي تشمل البشَر جميعاً، ولا يمتنع عن الإذعان لها أيّ إنسان مهما كانت مكانته. وليس لفرد أو هيئة أو جماعة أن تنال من هذه الأحكام، أو تُعطّلها، أو تحول دون تنفيذها. وإن محاولات إبعاد الإسلام بعقائده وتشريعاته عن مجالات الحياة المختلفة ذنْب لا يُغتفر وكفْر صريح. قال تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ (المائدة: 44)، ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (المائدة: 45)، ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (المائدة: 47). فتنوّع الحُكم على من يعمل على تعطيل شرْع الله مِن الكفْر إلى الظّلم إلى الفسق، بحسب موقف المعترِض، ودرجات جحوده وإنكاره وإغفاله؛ بل هناك قَسَمٌ عظيمٌ ونفْي صريح للإيمان عمّن يحول دون ربّانية الدّعوة، ويحول دون تطبيق شرْع الله، أو يجد في نفسه حرجاً أو ضيقاً كلّما انطلقت الدّعوة لتطبيق شرْع الله والتزام أحكامه. قال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ (النساء: 65) بل لا وجه للمقارنة والاختيار بين ما شرعه الله للإنسان من أحكام، وبين ما يشرِّعه البشَر لأنفسهم من قوانين ونُظم وتشريعات، لم تحصد الإنسانية منها سوى استفحال الظّلم، واستعباد الشعوب، واشتعال الحروب، وتحوّل العالَم إلى غابة ضارية تفترس فيها الدّول القويّة الأممَ الضعيفة، وتصادر حقّها في العيش الآمن. قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِيناً﴾ (الأحزاب: 36). إنّ ربانيّة الدعوة الإسلامية تجعل الناس أمام أحكامها سواء، وتُشعِرُ البشَر بالاطمئنان فيما يصدر لهم أو ضدّهم من أحكام، لأنها مُجرّدة عن الهوى، وتبتعد عن الأنانية والأثَرة وحبّ الذات، وتوجب الالتزام بمنهج الله والدعوة إليه وتطبيقه. قال تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ﴾ (المائدة: 49). "أصول الدعوة وطرقها" جامعة المدينة العالمية.