البحث

عبارات مقترحة:

الحفي

كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...

الأعلى

كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...

الرءوف

كلمةُ (الرَّؤُوف) في اللغة صيغةُ مبالغة من (الرأفةِ)، وهي أرَقُّ...

النساء

التعريف: النساء لفظ جمع، لا مفرد له من جنسه، وواحدته امرأة، وهي أنثى الإنسان البالغة، وعادة ما تكون كلمة "امرأة" مخصصة للأنثى البالغة بينما تُطلق كلمة "فتاة" أو "بنت" على الإناث الأطفال غير البالغات. عادًة ما تكون المرأة ذات النمو الطبيعي قادرة على الحمل والإنجاب من سن البلوغ حتى سن اليأس. وقد اهتم الإسلام بالنساء، واعتبرهن شقائق الرجال، وقد شملهن الخطاب الشرعي في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا)، والشريعة الإسلامية لا تختص بالرجال، لا كما كان معظم شريعة التوراة خاصًا بالرجال إلا الأحكام التي لا تتصور في غير النساء، فشريعة الإسلام بعكس ذلك؛ الأصل في شرائعها أن تعم الرجال والنساء إلا ما نص على تخصيصه بأحد الصنفين. قال تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا). (الأحزاب: 35). وإزاء هذا كله: فإن المرأة تحظى بدور كبير واحترام عال في شريعة الإسلام، سواء كانت بنتًا أو زوجة أو أمًا، فهي وإن كانت غير رجل، فهي وإن كانت ليست رجلًا فإنها أم الرجال، وأخت الرجال، وخالة الرجال، وعمة الرجال، إنها مربية الرجال. السمات و الخصائص: أولًا: حب التزين والتحلي: وهذه الصفة تتصل بها آيات كثيرة من القرآن الكريم دلت على ضوابط شرعية تتعلق بزينة المرأة، مثل آيات الحجاب في سورتي النور والأحزاب. قال الله تعالى في وصف النساء: (أوَمَن يُنَشَّأُ فِي الحِلْيَةِ وهُوَ فِي الخِصامِ غَيرُ مُبِينٍ)، [الزخرف 18]، فالأنثى تختص بصفة التزين والاهتمام بالجمال والشكل الخارجي، وهذا الاهتمام مصاحب لها في جميع مراحل عمرها، ومدعوم ومعزز بالتنشئة الاجتماعية، وهذا الاهتمام بالزينة يورث ضعفًا ولينًا عند مخاصمة الآخرين. فتجمل المرأة وزينتها ليس هدفًا في ذاته، وإنما هو وسيلة لتلبية نداء الأنوثة في المرأة، التي تحب بفطرتها أن تكون جميلة مرغوبة. واهتمامها بزينتها متعلق بالرغبة في لفت نظر الرجل، فالمرأة كائن تغلب عليه العاطفة والرقة، وهي تحب المداراة والمدح. ثانيًا: الحياء: فالمرأة ليست في حاجة إلى الخشونة وقلة الحياء، لأن مهمتها تختلف عن مهمة الرجل، وطبيعتها غير طبيعته، والرقة والليونة سواء في بناء جسمها أو بناء نفسها هي المنطقية مع وظيفتها الحيوية، فهي تسهل لها مهمة الحمل والولادة، كما تسهل لها القيام بالأعمال النفسية للأمومة، وقد كان الحياء طابعًا فطريًا فيها يتناسب مع كل ذلك. وقد يكون السبب في حرص النساء على اكتساب خلق الحياء: حاجتهن للحصول على الموافقة الاجتماعية، ورغبتهن في السلوك ضمن إطار المحددات الاجتماعية، والقيم الجمالية والدينية، وخوفهن من الدخول في سلوكيات تسبب لهن الرفض. ثالثًا: الكيد: قال الله تعالى في وصف النساء: (إنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) [يوسف: 28]، والكيد ضرب من الاحتيال، قد يكون مذمومًا، وقد يكون ممدوحًا. إن المرأة على جهة الإجمال يمكن أن يقال: إنها كائن قادر على الإيذاء والمكر، إذا وقف تجاهها موقفًا سلبيًا. وكيد النساء يكون في مواقف الضعف، بقصد الهروب من المواجهة، وهذا يظهر في قصة امرأة العزيز، حيث لجأت للكيد من أجل التغلب على ضعفها في مواجهة صدمة وقوفها أمام زوجها وجهًا لوجه، وهي متلبسة بمراودة يوسف عليه السلام، وهو أضعف موقف يمكن أن تكون فيه، ثم في مواجهة انتشار الخبر، ومعايرة الناس لها، بعد أن ثبتت إدانتها. فعمدت إلى الكيد والالتواء، حذرًا حيث لا تقوى على المواجهة، ولا تطيق المنازلة، وكذلك غيرها من النساء، اللاتي لم تعهد منهن مقارعة الحجة بالحجة، فتستعيض بالكيد عن كل ذلك. رابعًا: النسيان: قد لا يكون النسيان من الصفات التي درج الناس أو المجتمعات على إلصاقها بالمرأة، ولكن ما يدفع لبحثها ضمن الخصائص النفسية للمرأة ما ورد في تفسير بعض العلماء لقوله تعالى: (أنْ تَضِلَّ إحْداهُما فَتُذَكِّرَ إحْداهُما الأُخْرى)، ومعنى حديث: (إنكن ناقصات عقل). فوصف النساء بنقصان العقل في الحديث النبوي، ليس معناه نقص الذكاء والإدراك، ولا نقص الفطنة والنباهة، وليس معناه أن المرأة غبية، بل هو نقص عارض مؤقت نتيجة للتغيرات الطبيعية في حالة الحيض أو الحمل، أو غير ذلك من عوارض النساء، أو نقصٌ عارضٌ طويل المدى، وهو يطرأ على المرأة نتيجة ظروف الحياة العامة، كالانشغال الدائم بالحمل والولادة والرضاعة وتربية الأولاد، ومراعاة الزوج، ومراعاة البيت، مما قد يؤدي في بعض الأحيان إلى نقصان الوعي التام بالحياة الخارجية، وضعف الإدراك الشامل للأمور العامة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الداخلية والخارجية. وليس المراد هو المفاضلة المطلقة للرجال على النساء في الذكاء والفطنة والنباهة، ولا في الفضل والمنزلة؛ فإن من المتقرر أن كثيرا من النساء هن أتمُّ عقلاً، وأكمل دينًا من الرجال. توجيهات دعوية: إن التأمل في منهج النبي في التعامل مع النساء ودعوتهن يدلنا على جملة من الدروس والعبر المستفادة التي تحسن الإشارة إليها، وهي على قسمين: القسم الأول: ما يتعلق ببناء الفتاة المسلمة: وذلك على مستويات: المستوى الأول: البناء العقدي: ويكون بالحرص على إبقاء الفطرة سليمة من الشوائب، وترسيخ العقيدة الإسلامية الصحيحة في نفسها، بما تشتمل عليه من تعظيم الله تعالى وتوحيده، ومحبته وخشيته، ومعرفته بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، وكذلك تأكيد حقيقة النبوة في نفس الفتاة، ومحبة النبي . المستوى الثاني: البناء العبادي: ويكون بالتدرج معها في تعليمها الصلاة، فتؤمر بالصلاة لسبع، ويستمر ذلك حتى العاشرة من عمرها، فتلزم بها، كما أنه يلزم تعليمها شروط الصلاة كستر العورة، وحدود ذلك، لما له من أهمية. وينبغي حث الفتاة على ما تطيقه من الأعمال، مع المداومة عليها، لأن أحب العمل إلى الله أدومه، وإن قل، وينغي أيضًا إرشاد الفتاة إلى عدم المبالغة في أمور العبادة كإرهاق النفس بكثرة النوافل التي قد تؤدي بها إلى تركها لأي أمر يعرض لها، لنهي النبي عن التشدد في العبادة. المستوى الثالث: البناء الاجتماعي: ويقصد ببناء الفتاة المسلمة اجتماعيًا أن تكون متكيفة مع وسطها الاجتماعي، لتكون ذات أثر إيجابي بعيدة كل البعد عن الانطواء والخجل المذموم، تأخذ وتعطي باحترام، وتخالط وتعاشر الآخرين. ومما يدخل في ذلك: تعويد الفتاة على حسن التعامل مع الوالدين، حتى ولو كانت الأم مشركة، كما جاء في حديث أسماء رضي الله عنها، حيث أمرها النبي ببر أمها المشركة. ويدخل في ذلك أيضًا: إفساح المجال أمام الفتاة للعب المباح، حيث كان لعائشة رضي الله عنها صواحب يلعبن معها، وكان النبي يرسلهن لها ليلعبن معها. ويدخل في البناء الاجتماعي: إكساب الفتاة الصفات الاجتماعية الإيجابية، كترغيبها في الرحمة والرفق، وترغيبها في الإحسان إلى الجارة. المستوى الرابع: البناء الأخلاقي: وذلك بتعليمها سائر أنواع الآداب الشرعية، من الأدب مع الله، ومع الوالدين، ومع العلماء، وأدب اللباس، وآداب الشعر، وأدب الطريق، وتربيتها على الصدق، وحفظ الأسرار، وسلامة الصدر من الأحقاد. المستوى الخامس: البناء العاطفي والنفسي: إن الناظر في سيرة النبي يجد العناية الفائقة بالجانب النفسي والعاطفي لدى الفتيات، حيث رغب النبي في تربية البنات والإحسان إليهن، ورغب في المساواة بين الذكر والأنثى وعدم المفاضلة بينهما، وأرشد إلى حسن المعاملة مع الفتيات، وكان النبي يعالج مشكلة الألم والشكوى لدى ابنته فاطمة رضي الله عنها بإرشادها إلى الذكر والتسبيح، ففي ذكر الله تعالى إراحة القلوب. المستوى السادس: البناء الجسمي: وذلك بتربيتها على الرياضة المناسبة، فقد سابق النبي عائشة، وكذلك غرس حب العمل في نفس الفتاة. المستوى السابع: البناء العلمي والدعوي: ويكون بترغيب الفتاة في العلم، وتحفيظها القرآن العظيم، والأحاديث النبوية الشريفة، وما تحتاجه من أحكام فقهية، وكذلك تدريب وإعداد الناشئة منذ نعومة أظفارها على مهمة الدعوة إلى الله تعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. القسم الثاني: ما يتعلق ببناء البيت المسلم: ليس المراد بالبيت المسلم ما فيه من غرف، وجدران، وماديات، وإنما المراد الأسرة الإنسانية الواحدة التي تعيش فيما يعرف بالبيت. والأسرة المسلمة هي اللبنة الأولى التي يتكون منها صرح المجتمع، وسلامة المجتمع وصلاحة يكون بصلاح تلك الأجزاء المكونة له. فالبيت المسلم له وظائف تربوية خاصة به لا يكاد يشاركه فيها غيره. ولأهمية البيت في التربية، ولآثاره الفعالة في حياة الفرد والمجتمع، فإنه ينبغي الاستفادة من دعوة النبي للنساء في بناء البيت المسلم في الوقت الحاضر، فقد أرشد النبي النساء إلى حسن التربية، وحسن التخلق مع الأزواج، والقيام بالرعاية في البيت. وتلك التوجيهات النبوية تتعلق بعدة أمور: الأمر الأول: أهمية الزواج: فلأهمية الزواج في حياة الأمة بين النبي أن الزواج من سنته، كما حذر من الزنا لما له من الآثار الخطيرة على المجتمع عاجلًا أو آجلًا، ومن التدابير الواقية من الوقوع في الزنا إقامته الحد على مرتكبيه، ومن ذلك إقامته الحد على الغامدية. الأمر الثاني: أسس الاختيار: بين النبي لأمته الأسس التي ينبغي أن يراعيها كل من الزوج والزوجة في الاختيار، ليقوم بناء البيت المسلم وفق مقاييس صحيحة، فمما يراعى في الزوجة: الدين، ويدخل فيه الحفاظ على سمعة البيت، وطاعة الزوج، ومعرفة حقوق الزوج، وأن تكون ولودًا، بكرًا. ومما يراعى في الزوج: الخلق والدين، ثم ينظر في باقي المعايير الأخرى المكملة لهذين الأصلين. الأمر الثالث: مرحلة الخطبة: وهي مرحلة هامة لبناء البيت المسلم، فهي تعطي فرصة كافية للمرأة، وأهلها، وأوليائها للسؤال عن الخاطب، والتعرف على ما يهم المرأة، وأهلها، وأوليائها معرفته من خصال الخاطب، مثل: تدينه، وأخلاقه، وسيرته، ونحو ذلك. وقد أرشد النبي في هذه الفترة إلى النظر إلى المخطوبة، لأن ذلك أدعى لتكوين علاقة ناجحة بين الخاطب والمخطوبة. الأمر الرابع: مرحلة الاستعدادات المالية: من مراحل بناء البيت المسلم مرحلة الاستعدادات المالية، وقد جاء عن النبي إنكار المبالغة في الصداق، وضرب النبي مثلًا رائعًا في يسر مؤنة الصداق في فعله مع أزواجه رضي الله عنهن، فعلى من أراد بناء البيت المسلم دون عنت ولا مشقة أن ييسر مؤنة الزواج، كما أن الزوج عليه عدم المبالغة في الصداق وتوابعه، حتى لا يرهق نفسه بالديون والأعباء التي قد تدفعه إلى إمضاء وقت طويل بعد زواجه في محاولة السداد. الأمر الخامس: مرحلة عقد الزواج: فقد بين الله تعالى في كتابه الكريم الأحكام والآداب التي يتم التعاون بين الزوجين في ظلها، وزادها النبي بيانًا وتفصيلًا في سنته القولية والعملية. الأمر السادس: مرحلة التعامل بين الزوجين في البيت المسلم: حيث بين النبي أهمية حسن الخلق من قبل الطرفين، وكان يدعو النساء ويُرغِّبُهُن في طاعة أزواجهِنَّ، وذكر أن خير النساء التي تطيع زوجها، كما أرشد النساء إلى أهمية حفظ مال الزوج في غيبته، ورعايتها لولده، كما بين النبي الخيرية التي خصت بها نساء قريش لرعايتهن أولادهن، ولأموال أزواجهن، مما يدل على حسن تخلقهن مع أزواجهن. ونقول ختامًا: إن التوجيهات النبوية المتعلقة بشأن المرأة أُثِيرَ حولَها العديدُ من الشبهات، وقد أجاب عنها العلماء، وعلى الداعية إلى الله تعالى أن يكون بصيرًا بتلك الشبهات المتعلقة بالمرأة حال دعوته للنساء، فإن كثيرًا من النساء يكنَّ قد تأثرن بها، وهو بحاجة حينئذٍ لتفكيكها، وبيان ما فيها من باطل. قصص من القرآن الكريم: قصص النساء في القرآن كثيرة، كقصة حواء، والسيدة سارة امرأة إبراهيم عليه السلام، وامرأة عمران، وامرأة زكريا، وأم موسى عليه السلام، ومريم عليها السلام، وملكة سبأ، وهناك آيات نزلت في بعض أمهات المؤمنين رضي الله عنهن. وسنذكر من بين تلك القصص قصة ملكة سبأ، لكونها تمثل المرأة عندما تكون في موقع المدعو، حيث خاطبها نبي الله سليمان عليه السلام بدعوة الإسلام. وقد ردت قصة ملكة سبأ في القرآن، ولم يذكر اسمها، ولا حتى مضافة لهذا المكان، بل ورد الحديث عنها مبهمةً (امرأة) في قول الهدهد: (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ) [النمل: 23]. وذكر أنها وقومها كانوا يعبدون الشمس، وواضح من خلال القصة أنها كانت تتمتع بذكاء وقوة شخصية ودهاء سياسي منقطع النظير، وذلك أن سليمان عليه السلام عندما أرسل إليها كتابه لم تتخذ موقفًا سريعًا قد يؤدي لتفتيت مملكتها، وذلك كما فعل كسرى مع كتاب رسول الله ، فمزق الله ملكه، فلم يبق للأكاسرة ملك، فهي أمينة على هذا الملك، ويتضح ذكاؤها وقوة شخصيتها عندما استشارات رجالات دولتها في شأن الكتاب، أجابوها بقولهم: (قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ) [النمل: 33]. فهي العقل المدبر لهم، فهم يثقون في تدبيرها وعقلها، فكان رأيها صائبًا، وعقلها راجحًا، فقد أرادت قبل أن تفعل أي شيء أن تختبر سليمان عليه السلام لتتأكد من شأنه وتعلم حقيقة أمره، هل هو ملك من ملوك الدنيا تغريه الأموال، أم أن أمره أعظم من ذلك؟ (قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) [النمل: 34-35]. فلما كان من سليمان ما كان من رفض الهدية والإخبار بأنه بإمكانه أن يرسل إليهم من الجنود ما لا يقدرون على مقابلته بحال، ثم طلبه من بعض رعيته أن يحضر إليه عرشها، فأحضره الذي عنده علم من الكتاب في أقل من طرفة عين، وطلب تنكير عرشها ليختبر ذكاءها، هل ستعرفه أم ماذا تفعل؟ فلما رأته وسألوها: (فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) [النمل: 42]. إلا أن ترك العقيدة ليس بالأمر الهين، حتى ولو كانت عقيدة خاطئة، فأراد أن يريها بعض آثار الصناعة العجيبة حتى لا تغتر بملكها، فطلب منها أن تدخل القصر العالي المزخرف، فدخلت صحنه، وهو مملس ملمسه ناعم وله بريق بسبب تمريده وإزالة كل خشونة فيه حتى يحسبه الرائي لتنسيقه وكأنه لجة من الماء، فحسبته ماء في صحن الصرح وخشيت على ثيابها المزخرفة فرفعتها، وكشفت عن ساقيها، فنبهها سليمان إلى أنه ليس بماء وإنما هو صرح ممرد من زجاج يبدو بادي الرأي كأنه لجة ماء وما هو بماء، فأدركت وهي تروعها الزخارف كما تروع كل النساء، فكرت في ماضيها إذ كانت تعبد الشمس وسليمان يعبد الله تعالى وقد آتاه الله من النعم ما لا يمكن أن يكون لأحد غيره، فاهتزت وعلمت أنها كانت على باطل، وأنها ظلمت نفسها بما كانت عليه. قصص من السنة النبوية: نماذج دعوة النبي للنساء في السنة النبوية كثيرة، نذكر بعضها: فعن أبي سعيد الخدري، قال: خرج رسول الله في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمر على النساء، فقال: «يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار» فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: «تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن»، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: «أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل» قلن: بلى، قال: «فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم» قلن: بلى، قال: «فذلك من نقصان دينها». متفق عليه. قال ابن حجر في شرح هذا الحديث: (وما ألطف ما أجابهن به من غير تعنيف ولا لوم بل خاطبهن على قدر عقولهن). وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: شهدت الفطر مع النبي وأبي بكر، وعمر، وعثمان رضي الله عنهم يصلونها قبل الخطبة، ثم يخطب بعد، خرج النبي كأني أنظر إليه حين يجلس بيده، ثم أقبل يشقهم حتى جاء النساء معه بلال، فقال: (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك)[الممتحنة: 12] الآية، ثم قال حين فرغ منها: «آنتن على ذلك؟» قالت امرأة واحدة منهن، لم يجبه غيرها: نعم، - لا يدري حسن من هي - قال: «فتصدقن» فبسط بلال ثوبه، ثم قال: «هلم، لكن فداء أبي وأمي» فيلقين الفتخ والخواتيم في ثوب بلال. ومن نماذج دعوة النبي للنساء: إجابتهن عما يشكل عليهن من أسئلة، فعن عائشة، أن امرأة سألت النبي عن غسلها من المحيض، فأمرها كيف تغتسل، قال: «خذي فرصة من مسك، فتطهري بها» قالت: كيف أتطهر؟ قال: «تطهري بها»، قالت: كيف؟، قال: «سبحان الله، تطهري» فاجتبذتها إلي، فقلت: تتبعي بها أثر الدم. متفق عليه. كما أن النبي حدَّدَ للنساء يومًا يجتمعن فيه ليعظهن فيه، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: جاءت امرأة إلى رسول الله فقالت: يا رسول الله، ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يوما نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله، فقال: «اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا وكذا»، فاجتمعن، فأتاهن رسول الله ، فعلمهن مما علمه الله، ثم قال: «ما منكن امرأة تقدم بين يديها من ولدها ثلاثة، إلا كان لها حجابًا من النار»، فقالت امرأة منهن: يا رسول الله، أو اثنين؟ قال: فأعادتها مرتين، ثم قال: «واثنين واثنين واثنين». متفق عليه. قصص من التاريخ الإسلامي: تاريخ الإسلام حافل بدور المرأة وجهدها وجهادها، ويكفي أن نقول: إن أول مخلوق آمن بمحمد هو امرأة، وهي خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وإن أول من استشهد هو امرأة، وهي سمية بنت الخياط رضي الله عنها، وأن أسماء كانت صاحبة النطاقين، وأن المرأة هي أم الشهداء، وهي الخنساء، وأن أم عمارة وخولة قد جاهدتا بالسيف في سبيل الله تعالى. وقد اشتغل عدد من النساء بتعلم العلوم الشرعية من القرآن والسنة والحديث، وحفظت تراجمهن كتب التراجم والتاريخ. وعلى الرغم من كثرتهن في الرواية فلم يقع منهن تعمُّد الكذب في الحديث في حديث رسول الله ، وهذه شهادة إمام الجرح والتعديل في عصره، الحافظ الناقد الإمام الجهبذ شمس الدين الذهبي حيث يقول في أول قسم النساء في كتابه (ميزان الاعتدال في نقد الرجال): (وما علمت في النساء من اتهمت، ولا من تركوها). ففي هذه الشهادة مظهر خلقي كريم للنساء المحدثات في العلم والتعليم، فقد امتزن بالصدق والدين والعدالة والأمانة في العلم والرواية، وحسبهن ذلك فخرًا، ولم نعثر مع طول بحث وتفتيش على من وصفت من النساء الراويات بالتدليس أو الاختلاط أو التلقين، ولم يذكر من صنف في هذا الباب أحدًا من النساء. ومن نظر في كتب التراجم والتاريخ سيجد أن الكريمات من النساء والنجيبات منهن، لم يكن لهن في درس الحديث النبوي نصيب فحسب، بل تعداه إلى الخوض في عبابه وتدريسه، فكانت لهن مع الرجال يد ظافرة، وسعي غير قليل، ويظهر جليًا في أول نظرة لمن تصفح تاريخ علم الحديث أن المئات بل الألوف من النساء لم تتشرف بدرس علم الحديث فقط، بل كان منهن عدد وافر له باع طويل وصيت ذائع، وشهرة طائرة في تدريسه أيضُا، لحذقهن فيه، وتضلعهن منه. ولا يفوتنا أن نخص بالذكر أشهر النساء بالرواية وأجدرهن بالتنويه والعناية، ألا وهي السيدة عائشة رضي الله عنها، فإنها قد عدت من المكثرين في رواية أحاديث سيد المرسلين ، فقد اشتمل كتاب البخاري ومسلم على ألف حديث ومئتي حديث من الأحكام، روت عائشة رضي الله عنها من جملة الكتابين مئتين ونيفًا وتسعين حديثًا لم يخرج من الأحكام عنها إلا شيء يسير. قال الحاكم: حمل عنها ربع الشريعة.