البحث

عبارات مقترحة:

الأعلى

كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...

اللطيف

كلمة (اللطيف) في اللغة صفة مشبهة مشتقة من اللُّطف، وهو الرفق،...

الخبير

كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...

المبتدعة

التعريف: المبتدعة هم كل من أحدث في الدين ما ليس منه في الاعتقادات والأقوال والأعمال، وهذا الإطلاق يرادف مصطلح أهل الأهواء وأهل الافتراق، ونحو ذلك. قال الإمام مالك: (أهل البدع الذي يتكلمون في أسماء الله وصفاته، وكلامه، وعلمه، وقدرته، ولا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان). وقد يطلق هذا المصطلح بإطلاق عام، فيشمل كل أهل الأهواء والافتراق والبدع القولية والعملية والاعتقادية، والفرق القديمة والحديثة، كالخوارج والمرجئة والمعتزلة والقاديانية والبهائية. وقد يطلق على أصحاب البدع العملية بإطلاق خاص، كأصحاب بدع المساجد والجنائز والأذكار، ونحو ذلك. وكلا الإطلاقين مستعمل، وقد يتداخلان، فأهل البدع الاعتقادية عندهم من البدع العملية، وأهل البدع العملية عندهم من البدع الاعتقادية غالبًا. ولم يقع عند أهل السنة إطلاق وصف أهل البدع على المخالفين في المسائل الاجتهادية، والمذاهب الفقهية. ولما كانت البدعة ضد السنة، كان أهل البدع في مقابل أهل السنة، ولا يمتنع وصف الرجل بالبدعة وبالحديث أو الفقه ونحو ذلك في آن واحد، كما لا يمتنع ذلك في أهل السنة. السمات والخصائص: أولًا: الجهل: إن الجهل من أبرز صفات أهل البدع والأهواء، بل هو صفة كل من حاد عن الصراط المستقيم، فالعلم يعصم أهله من السقوط في هوة الابتداع. وطريق الله لا تتم إلا بعلم وعمل، يكون كلاهما موافقًا للشريعة، فالسالك طريق الزهد والعبادة إن لم يسلك بعلم يوافق الشريعة، وإلا كان ضالًا الطريق، وكان ما يفسده أكثر مما يصلحه. وجهل أهل البدع والأهواء جهل مركب في توحيد الله وصفاته وحقوقه تارة، وبما أنزل الله تعالى على نبيه من آيات الله والحكمة، وبدلالات نصوصها تارة، وبآثار الصحابة والسلف ومنهجهم تارة، وبقواعد الشرع ومقاصده ومنهج النظر والاستدلال تارة أخرى. ولأجل هذا كله كانوا هم الأصاغر في باب العلم. ومن جهلهم أيضًا عدم معرفتهم بأقوال الفرق والطوائف، وعدم فهمهم حقيقة مذاهب الناس، حتى إنهم لينسبون إلى أهل السنة ما لم يقولوه. ثانيًا: التعصب: التعصب هو الإصرار على الرأي والتمسك به، وتقديمه على النصوص الشرعية، وتمحل الأدلة وتكلفها لتأييده، وإن كان هو خلاف الصواب، وهو في ذاته بدعة ذميمة، وغاشية دميمة، بل هو أمر الجاهلية المنتنة، ومن شيم المغضوب عليهم والضالين. والتعصب إنما يذم لأنه ينأى بصاحبه عن حقيقة الإخلاص في الأقوال والأعمال، فيصير معظمًا لآراء الرجال، ويجعل من رأيه إمامًا يرد به الدليل، ويجعل قول شيخه حكمًا على كلام العلي الجليل، ويتخذ من مقالاته معقدًا للولاء والبراء، ويرفع الناس ويخفضهم بحسب موافقتهم لما عنده من الأهواء والآراء، فمن وافقه على ما هو عليه فهو إمام حجة في زمرة العلماء، ومن خالفه فهو معدود من الأغمار الجهلاء. وقد عرف التعصب عن جميع فرق أهل البدع، وكلما كانت الفرقة أبعد عن كتاب الله وسنة نبيه ، كانت أشد تعصبًا واتباعًا للهوى، ولعل أعظم الفرق تعصبًا وأكثرها شهرة بذلك الرافضة. ومن أبرز أمثلة التعصب في تاريخ المعتزلة تعصب المعتزلة لقولهم في خلق القرآن، وامتحانهم الأئمة والعلماء لإجبارهم على القول بمقولتهم، وهي الفتنة التي امتحن فيها إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى. ثالثًا: الهوى: هو ميل عن الحق إلى رغبات النفس ومراداتها، وكما يكون في الشهوات يكون في الشبهات. واتباع الهوى أصل كل شر، وأساس كل انحراف عن الصراط المستقيم، فما من فتنة وقعت إلا كان من ورائها أهواء الأنفس، وميلها إلى شهوة تلائم طبعها، أو اتباع شبهة مبنية على شهوة. واتباع الهوى سمة بارزة في أهل البدع، يستوي في ذلك العلماء منهم والأتباع، فأهل العلم من المبتدعة كثيرًا ما يعرضون عن الحق بعد علمهم به اتباعًا لما تهواه نفوسهم وتطلبه شهواتهم، وطمعًا في الرئاسات العلمية، والمناصب الدنيوية. ولعل اتباع أهل البدع لأهوائهم هو السبب الأساسي الذي من ورائه فسدت علومهم، وانحرفت مذاهبهم، فإن الهوى ما دخل شيئًا إلا أفسده. ولذلك كان السلف يحذرون من الأهواء وأهلها، وكانوا ينكرون على أهل الأهواء ومن جالسهم. رابعًا: اتباع المتشابه: المتشابه هو الذي تحتمل دلالته أوجهًا متعددة من حيث اللفظ والتركيب، فأهل البدع يأخذون بالوجه المرجوح الضعيف ويتركون الوجه الراجح. واتباع المتشابه سواء من القرآن أو من السنة يعد سمة واضحة بينة في كل فرق أهل الأهواء والبدع، الذين يتكلمون بالمتشابه من النصوص ليخدعوا أتباعهم ويوهموهم أنهم على مذهب صحيح موافق للكتاب والسنة. خامسًا: الغلو: وهو مجاوزة الحد بأن يزاد في حمد الشيء أو ذمه على ما يستحق ونحو ذلك. فالعقيدة الإسلامية وسط بين الإفراط والتفريط، وأمة الإسلام أمة وسط في معتقدها ومنهجها، وسلوكها، وأخلاقها، ولذلك فإن الخوارج مثلًا عندما غلوا في فهم آيات الوعيد، وأعرضوا عن آيات الوعد والرجاء، خرجوا عن الوسطية والاعتدال. سادسًا: الجدال بغير حق ولبس الحق بالباطل: الخصومة في الدين والمراء والجدال في ذات الله وأسمائه وصفاته من أبرز ملامح أهل الأهواء والبدع. فتارة يلبسون بأنهم أهل الحق والعدل والتوحيد، وينحلون لأنفسهم أوصاف النجاة زورًا وبهتانًا، وتارة يلبسون بإخراج بدعتهم في قالب السنة، وتارة يسمون الحقائق الشرعية بغير اسمها، تنفيرًا للناس عنها، فيسمون الإثبات للصفات تشبيهًا، وموالاة الصحابة نصبًا، ومعاداتهم موالاة لأهل البيت، وهكذا، وتارة أخرى يلبسون بأن السلف على مذهبهم. سابعًا: التفرق والتناقض والاضطراب: الابتداع في الدين مع ترك النهي عنه من أهم أسباب وقوع التفرق والاختلاف الذي يعد من أعظم المصائب والبلايا التي تعاقب بها الأمم. وهذا الاضطراب سمة عامة في عامة أهل الأهواء، أفرادًا وجماعات، وهذا بين في فرق أهل الأهواء، فلا تكاد تخرج خارجة إلا وتفترق فرقًا، ولا تلبث فرقة حتى تتشعب أحزابًا، كل حزب بما لديهم فرحون، لا يجتمعون على قول، ولا ينتهون إلى أمر سواء. ثامنًا: ترك انتحال اتباع السلف: من شعار أهل البدع أنهم لا يعظمون منهج السلف، بل تجدهم أحرص ما يكونون على بدعتهم، ولا يعظمون من الدين شيئًا مثل تعظيمهم لأصولهم البدعية التي يوالون ويعادون عليها، ولا يتحرون مذهب صحابة رسول الله ومن بعدهم من السلف الصالح، وإنما يقدمون آراء أئمتهم، وأقوال رجالهم، وإن جاءت مخالفة لما كان عليه محمد وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين، بل إن كثيرًا منهم يصرحون في كتبهم بمخالفتهم لمذهب السلف. تاسعًا: التهاون بالسنة، وزعم الاكتفاء بالقرآن: من علامات أهل البدع معارضة السنة بالقرآن، ودعوى الاكتفاء بالقرآن عن السنة، وهذه السمة من السمات البارزة لأهل البدع، وقد أخبر عنها الرسول قبل أن تقع، ولذلك كان أئمة السلف يحذرون من ذلك، ويجعلون هذه السمة كافية للحكم على أي شخص بالابتداع والزندقة. وهذه البدعة كما شاعت في الفرق المخالفة لأهل السنة قديمًا فقد ظهرت بصورة أو بأخرى في أوساط أهل البدع من المعاصرين، حتى ظهر منهم يتهجم على السنة، ويطعن في حجيتها، ويرد كثيرًا من الأحاديث بدعوى معارضتها للقرآن، أو عدم قبول العقل بها، أو عدم مناسبتها لروح العصر، وما دفعهم لذلك إلا محض الجهل واتباع الهوى، وهما منشأ كل شر. عاشرًا: انتقاص أهل السنة وإطلاق الألقاب عليهم: لم يكن لأهل البدع أن يتركوا المجال لأهل السنة ليستأثروا بتلك النسبة الشريفة، وتلك الأسماء الرفيعة، وما كان معتقد أهل السنة ومذهبهم ليسلم من الطعن من كل مبتدع ضال. ثم لم يقف أهل البدع عند تسمية العقائد الحقة بغير اسمها، وإنما سموا أهل الاعتقاد الحق، والطريق المرضية، بأسماء ردية، زورًا وبهتانًا من عند أنفسهم، مثل تسميتهم بالنابتة، والحشوية، والمجسمة. حادي عشر: تكفير أو تفسيق المخالف بغير دليل: من علامات أهل البدع أنهم يسارعون في تكفير أو تفسيق من خالفهم في البدعة التي ابتدعوها، حتى إنه وصل الأمر بهؤلاء المبتدعة إلى تعدي حدود الله بتكفير وتفسيق وتبدع أئمة أهل السنة ظلمًا وعدوانًا. وإذا كان أهل الابتداع لا يلتزمون جانب العدل والإنصاف مع أهل السنة، فإن هذا لم يحمل أهل الحق أن يعاملوهم بمثل ما عاملوهم به. توجيهات دعوية: أولًا: أهمية إعطاء أهل البدع حقوقهم والإقرار لهم بها: ويكون ذلك بأمر المبتدع بالمعروف ونهيه عن المنكر، وإرشاده إلى الحق، وإبلاغه الحجة، وتفهيمه إياها بالحسنى والحكمة، وبالإقرار له بالإسلام ما لم يكن قد دخل في بدعة مكفرةً واستحق التكفير عينًا، وعدم ظلمه، وقبول كلامه إذا كان حقًا وموافقًا للشرع، والدعاء لهم بالهداية والصلاة على موتاهم، والتعاون معهم وفق منهج أهل السنة والجماعة. ثانيًا: أهمية الحوار والمناظرة والجدل مع المبتدعة: ويكون ذلك بقصد هداية المخالف، وتأليف قلبه لا تنفيره، واستعمال القول اللين والعبارات الحسنة معه. ويراعي في مناظرة المخالف: البدء من نقطة التقاء، ثم الارتقاء إلى ما يبنى عليها، ومحاولة إثارة العاطفة وإظهار الخوف عليهم وتمحيض النصيحة لهم، والتذكير بنعمة الله والتنبيه إلى آيات الله في الأنفس والآفاق، والدعوة إلى إعمال النظر والفكر والانعتاق من تقليد الآباء والزعماء، وعرض منهج أهل السنة والجماعة مؤيدًا بالأدلة الشرعية، والبراهين العقلية، والأنوار الروحانية، وتلمس مواطن الخير ومنابع النور بين ظلمات الجهل والبعد عن الحق عند المخالف مع عدم التعجل، فمن أكثر أكثر قرع الباب يوشك أن يَلِج. وهذا كله مع غير المعاندين منهم فالمعاند منهم لا يعامل بالجدال. قال بعض أهل العلم: (والواجب أن ترتّب كل من تناظره ، وتضع كل طبقة موضعها ، وتميّز بين مناظرة الأكفاء والأستاذين ، ومناظرة المبتدئين والمسترشدين ، وأن تتحرز من المتعنّت غاية التحرّز ، وتضايقه بكل ما يمكن من المضايقة ، وتلحق به كل ما يلحقه من شنعة ، وتساهل المسترشد ، وتصبر له ، وتمكّنه من الاستقصاء والتفهم). ثالثًا: تأليف الكتب والرسائل والمطويات وإلقاء الدروس والمحاضرات وعقد الندوات في الرد على أهل الأهواء والبدع، وبيان خطئهم وزللهم وبعدهم عن الصواب الموافق للكتاب والسنة، وذلك بالأسلوب السهل المبسط القريب من فهم العامة، والمقرون بالشفقة عليهم ورحمتهم والنصح لهم. رابعًا: توجيه المحاضرات والكلمات لمن تصله من المخالفين يقينًا: كالمعلم لتلاميذه، والرئيس لمرؤوسيه، والطبيب لمرضاه والجار لجاره، وزميل العمل لزميله، وصاحب السفر لصاحبه، وذلك بالنصح لهم، وتوجيههم، ومخاطبتهم بالعقل والنقل. خامسًا: الهدية: ويكون ذلك بإهدائهم ما يفيدهم من علم نافع يبصرهم بالصواب، ويبين لهم خطأ بدعتهم، وما أسهل هذا على كل أحد يريد هداية الناس والنصح لهم، فتقديم كتيب صغير أو شريط نافع، أو دلالة على موقع في الإنترنت لهو كفيل بتغيير حال المدعوين إن أراد الله هدايتهم، وشرح صدورهم للحق والسنة. سادسًا: المشاركة في مواقع الحوار في الشبكة العنكبوتية: واستخدامها منبر دعوة للحق، والرد على شبهات المخالفين، والذب عن معتقدات أهل السنة، ولكن هذا يحتاج من صاحبه قدمًا راسخة في العلم على الأقل في ما يدعو إليه، وخبرة كافية في الحوار، ومواطن الكر والفر فيه، كما يحتاج صاحبه لخلق عال، وسجايا نبيلة، تدعو المحاور له لقبول الحق الذي عنده حال ظهوره، وعليه التنبه لمسالك المخالفين وطرائقهم الملتوية في الحيدة عن الحوار. سابعًا: التأثير المباشر لمن ملك الأهلية من خلال شاشات الرائي والفضائيات: وذلك ببث الاعتقاد الصحيح، وتوجيه كلمات النصح والإرشاد، فلعلها تصادف توفيقًا من الله في قلب مستمع لها، فتقوده للهداية والتوفيق في الدنيا والآخرة. ثامنًا: استخدام البريد الإلكتروني: فعن طريق البريد الإلكتروني تستطيع بضغطة زر إيصال الكم الهائل من المعلومات إلى زميل لك في العمل، أو في السفر، أو جار قريب، فتكون بهذا قد دللته إلى الخير، وبدون عناء ولا تكلف. تاسعًا: استخدام رسائل الجوال: فبإمكانك مراسلة من تعرف من المخالفين، كذلك من خلال رسائل الجوال القصيرة، بكلمات تذكير، أو آيات من كتاب الله، أو حجج عقلية قصيرة تهدم أساسًا كبيرًا في تصوره، وكم من مفتاح للخير غفل عنه كثير من الناس. عاشرًا: الدعوة إلى حضور الدورات العلمية، والندوات الثقافية: حيث تقوم بدعوة من تعرف منهم لحضور دورة علمية قريبة منه، أو ندوة ثقافية فيها إرشاد إلى مهارة تقود الشخص لباب خير وهداية. حادي عشر: الإحسان إليهم: وذلك بقضاء حوائج من تعرف منهم، والشفاعة لهم تفتح أبوابًا، وتمد جسورًا للحوار معهم، والوصول إلى قلوبهم، فالإحسان آسر القلوب. قصص من القرآن الكريم: إن القرآن الكريم تضمن أخبار مجادلات عديدة جرت بين الرسل عليهم السلام وأقوامهم في قضايا التوحيد والبعث والنبوة، وهذه المجادلات تعتبر نماذج لدعوة أهل البدع، لأن الإشراك بالله تعالى ما هو إلا بدعة وقعت في أوائل العصور، وشأن الأنبياء أن يردوا أقوامهم إلى الجادة. فمن ذلك قول يوسف عليه السلام في دعوته لصاحبي السجن: (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ). قال ابن عطية: (وعرضه عليهما بُطُول أمر الأوثان بأن وصفها بالتفرق، ووصف الله تعالى بالوحدة والقهر تَلطُّفٌ حسن، وأخذٌ بيسير الحجة قبل كثيرها الذي ربما نفرت منه طباع الجاهل وعاندته، وهكذا الوجه في محاجة الجهلة أن يؤخذ بدرجة يسيرة من الاحتجاج يقبلها، فإذا قبلها لزمته عنها درجة أخرى فوقها، ثم كذلك أبدا حتى يصل إلى الحق، وإن أخذ الجاهل بجميع المذهب الذي يساق إليه دفعة أباه للحين وعانَدَه). قصص من السنة النبوية: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: بينما نحن عند رسول الله وهو يقسم قسمًا، أتاه ذو الخويصرة، وهو رجل من بني تميم، فقال: يا رسول الله اعدل! فقال: «ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل، قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل». فقال عمر: يا رسول الله، ائذن لي فيه فأضرب عنقه؟ فقال: «دعه، فإن له أصحابًا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافه فما يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه، - وهو قدحه -، فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفرث والدم، آيتهم رجل أسود، إحدى عضديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر، ويخرجون على حين فرقة من الناس» قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله ، وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتي به، حتى نظرت إليه على نعت النبي الذي نعته. فقد أرشد النبي في هذا الحديث إلى طريق التعامل مع فرقة الخوارج، وهم أوَّلُ الفِرَق ظهورًا. قصص من التاريخ الإسلامي: عن عبد الله بن المبارك قال : حدثنا جرير بن حازم عن محمد بن سليم أحد بني ربيعة بن حنظلة بن عدي قال: بعثني وعون بن عبد الله عمر بن عبد العزيز، إلى خوارج خرجت بالجزيرة فذكر الخبر في مناظرة عمر الخوارج، وفيه : قالوا : خالفت أهل بيتك وسميتهم الظلمة، فإما أن يكونوا على الحق أو يكونوا على الباطل، فإن زعمت أنك على الحق وهم على الباطل فالعنهم وتبرأ منهم، فإن فعلت فنحن منك وأنت منا، وإن لم تفعل فلست منا ولسنا منك. فقال عمر: " إني قد علمت أنكم لم تتركوا الأهل والعشائر وتعرضتم للقتل والقتال إلا وأنتم ترون أنكم مصيبون، ولكنكم أخطأتم وضللتم وتركتم الحق، أخبروني عن الدين أواحد أو اثنان؟ قالوا: بل واحد ! قال: فيسعكم في دينكم شيء يعجز عني؟! قالوا: لا. قال: أخبروني عن أبي بكر وعمر ما حالهما عندكم؟ قالوا: أفضل أسلافنا أبو بكر وعمر. قال: ألستم تعلمون أن رسول الله لما توفي ارتدت العرب فقاتلهم أبو بكر فقتل الرجال وسبى الذرية والنساء؟ قالوا: بلى. قال عمر بن عبد العزيز: فلما توفي أبو بكر وقام عمر رد النساء والذراري على عشائرهم؟ قالوا: بلى. قال عمر: فهل تبرأ عمر من أبي بكر ولعنه بخلافه إياه؟ قالوا: لا. قال: فتتولونهما على اختلاف سيرتهما؟ قالوا: نعم. قال عمر: " فما تقولون في بلال بن مرداس؟ " قالوا: من خير أسلافنا بلال بن مرداس. قال: " أفلستم قد علمتم أنه لم يزل كافًّا عن الدماء والأموال، وقد لطخ أصحابه أيديهم في الدماء والأموال فهل تبرَّأت إحدى الطائفتين من الأخرى أو لعنت إحداهما الأخرى؟ قالوا: لا. قال: فتتولونهما جميعًا على اختلاف سيرتهما؟ قالوا: نعم. قال عمر: فأخبروني عن عبد الله بن وهب الراسبي حين خرج من البصرة هو وأصحابه يريدون أصحابكم بالكوفة فمرُّوا بعبد الله بن خباب فقتلوه وبقرُوا بطن جاريته، ثم عدوا على قوم من بني قطيعة فقتلوا الرجال وأخذوا الأموال وغلوا الأطفال في المراجل وتأولوا قول الله عز وجل : (إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا) (نوح: 27) ثم قدموا على أصحابهم من أهل الكوفة وهم كافُّون عن الفروج والدماء والأموال فهل تبرأت إحدى الطائفتين من الأخرى أو لعنت إحداهما الأخرى؟ قالوا: لا. قال عمر: " فتتولونهما على اختلاف سيرتهما؟ " قالوا: نعم. قال عمر: " فهؤلاء الذين اختلفوا بينهم في السيرة والأحكام ولم يتبرأ بعضهم من بعض على اختلاف سيرتهم ووسعهم ووسعكم ذلك ولا يسعني حين خالفت أهل بيتي في الأحكام والسيرة حتى ألعنهم وأتبرأ منهم !! أخبروني عن اللعن أفرض هو على العباد ؟! قالوا: نعم ! ال عمر لأحدهما : متى عهدك بلعن فرعون ؟! قال : ما لي بذلك عهد منذ زمان. قال عمر: " هذا رأس من رءوس الكفر ليس له عهد بلعنه منذ زمان، وأنا لا يسعني أن لا ألعن من خالفتهم من أهل بيتي ". أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله برقم (1837). من فوائد هذه القصة: 1) أن الخوارج لا يَسلَمُ منهم أحد ، مهما كان حسن السيرة ، ولو سلم منهم أحد لسلم منهم عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ، وفي هذا تعزية لكل من ناله شيء من أذاهم ولعنهم وتكفيرهم وبغيهم. 2) أن الخوارج يبتدعون في الدين ويشرعون ما لم يأذن به الله ، مع زعمهم أنه لا حكم إلا لله ، فيشرطون في باب البراءة واللعن شروطًا لم يشرطها الله تعالى في كتابه ولا نبيه في سنته ، حتى يعدُّوا الرجل عدلًا ، فشرطوا على عمر رضي الله عنه البراءة ممن سبقه من بني أمية ولعنهم ، مع أنه ليس في كتاب الله تعالى ولا سنة الرسول اشتراط ذلك. 3) أن الخوارج لا يرضون عنك ولا يقنعون بما تشترك به معهم من الصواب حتى توافقهم على باطلهم ، وإلا تبرؤا منك ، فانظر كيف لم يقنعوا بتسمية عمر لأئمة الجور من بني أمية بالظلمة ، حتى يظهر البراءة منهم ويلعنهم ، وإلا فـ" لست منا ولسنا منك ". ويستفاد من هذا عدم الحرص على مجاراتهم والتماس نقاط الاشتراك معهم للبناء عليها ، لأنهم لا يعرفون التبعيض والتجزئة في الموالاة والمعاداة - كما يعرفها أهل السنة - ، فإما تقبل آرائهم بالكلية فيتولونك بالكلية ، وإن تركت منها شيئًا فيتبرؤون منك بالكلية. 4) استعمال المناظرة مع الخوارج ، وقد استعملها أيضًا ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من أئمة السلف. 5) استعمال الحجج الإلزامية ، فقد بين عمر رضي الله عنه للخوارج أن اختلاف السيرة لا يوجب من المختلفين البراءة من بعضهما ، وأن يلعن اللاحق السابق ، وأظهر تناقضهم إذ يتولون اثنين مع اختلاف سيرتهما وعدم براءة أحدهما من الآخر ، ومع ذلك يطلبون من عمر أن يتبرأ ممن اختلفت سيرته معه ، وإلا تبرؤوا منه ! وأظهر تناقضهم أيضًا : في زعمهم أن اللعن فرض ، وإعلانهم البراءة من عمر رضي الله عنه إن لم يلعن أسلافه ، وهم مع ذلك لا يتعاهدون لعن أئمة الكفر مثل فرعون. 6) الاحتجاج على الخصم تارة بمن فيه الأسوة والقدوة وفي أفعاله حجة لدى المُحتجِّ والمُحتجِّ عليه ، وتارة بمن أفعاله حجة لدى المحتجِّ عليه دون المحتجِّ ، فمن الأول : احتجاجه عليهم بفعل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، ومن الثاني : احتجاجه عليهم بفعل عبد الله بن وهب الراسبي وهو من أئمتهم.